نحاول أن نكتب بمنطق في عالم ليس فيه أي منطق، ولا أي توازن او عدالة... عالم يقوده ترامب من خلال تغريدة على تويتر او يقوده نتانياهو من خلال اجتماع داخل بئر تحت الارض في يافا كانت تستخدمه عصابات الهاجاناة في الحرب العالمية الثانية لشن هجمات على أسواق العرب واليوم يطلقون عليه كريوت كمقر "لوزارة الدفاع الاسرائيلية"
نقرأ الأخبار اليوم ونقارنها مع الاخبار قبل ثلاثين عاما فلا نجد أي فارق حتى في الاسماء، فالشخصيات هي ذاتها بقيت وان تغيرت فقد تغيرت في الاسم الاول وبقي اسم العائلة هو نفسه..
وكأن كاتب التاريخ توقف عند هذا المشهد ولا يريد أن يقلب الصفحة. وقد جمد خياله عند الفرق بين مصلحة القضية وبين مصلحة أصحاب القضية.
وقد قال الحكماء من قبلنا انه وفي الفلسفة (خذ الحكمة من أفواه المجانين) فالحكمة لا تهتم بمن هو صاحب العبرة ولا بأصله أو فصله وظروف معيشته وكيف قال ذلك.. لان المهم هو الحكمة.
أمّا في السياسة فلا تؤخذ السياسة من أفواه المجانين ولا من أفواه المؤلفة قلوبهم ولا من أصحاب الهوى والمال وأصحاب الاجندات الأجنبية. ولذلك قال الحكماء (في السياسة لا تسأل ماذا قال هذا السياسي وانما إسأل من هو صاحب هذا القول)؟
وبهذا نعفي أنفسنا من الغوص في البحث عن منطق لتفسير الاحداث الراهنة، اذ لم يعد يهم التفاصيل بقدر ما يهم الاتجاهات.. والعبرة في اي اتجاه يسير هذا السياسي وفي اي اتجاه يسير الاخر.
قد يزحف الانسان زحفا مؤلما في الاتجاه الصحيح، يتعثر وينزف فوق الاشواك وكلما أراد الوقوف وقع على حطام الزجاج ولكنه في الاتجاه الصحيح، وقد يركض الانسان بقوة وعافية مثل الغزال السريع ولكن في الاتجاه الخاطئ.
قرار حل المجلس التشريعي أثار غريزة رد الفعل وسط الفلسطينيين ولكنه لم يرق الى مستوى الاهتمام اللازم سوى لدى النخب المخملية والصالونات السياسية المتكسبة أو المتضررة من هذا الاجراء.. ولم يثبت حتى الان أنه يرقى الى مستوى قضية رأي عام. فاهتمام المواطن الفلسطيني بالمسجد الاقصى والاسرى وحماية الأرض من المستوطنات وحصار غزة والمعابر أو البحث عن لقمة شريفة او وظيفة للعمل لا تزال على سلم اولوياته قبل صب الاهتمام على بقاء أو اضمحلال برلمان لا يعمل ولا يجتمع ولا يضر ولا ينفع.
نتانياهو حل الكنيست، ويذهب الاسرائيليون من دون تردد الى انتخابات في يوم محدد سلفا وفق القانون هو التاسع من ابريل القادم. وينتخبون برلمانا جديدا ويشكلون حكومة جديدة.
وهنا نسأل عن الفرق... لماذا يستعد الاسرائيليون فورا لتشكيل قوائم وكتل انتخابية واحزاب تخوض العملية الانتخابية فيما نحن لليوم الثالث على التوالي نموت قلقا وقهرا ونقاشا وجدلا لا ينتهي وكأننا على حافة الهاوية!!
طالما دعا اليمين واليسار والوسط الى انتخابات، طالما دعت حماس وفتح والجميع للاحتكام الى صوت الشعب، وطالما صرخ المثقفون الذين يجيدون الكلام المنمق عن ضرورة تجديد الدماء..
لماذا نغرق الان ستين ألف فرسخ في بئر الجدل البيزنطي اذا كان القرار صحيحا أو غير صحيح؟
لنعتبر ان القرار غير صحيح..
او لنعتبر ان القرار صحيح...
لا يهم... فقد صدر قرار محكمة دستورية وصار نافذا...
ورغم قناعتي ان الانتخابات لن تغير في حالنا كثيرا ولا حتى قليلا، لكنها على الاقل سوف تنسينا هموما قديمة وسوف تجلب لنا هموما جديدة.
وباعتبار أن الشعب ملّ من الهموم القديمة، نجدّد هموما بهموم. وتشريعي ببرلمان..
الى ان يقضي الله امرا كان مفعولا...
د. ناصر اللحام