جاء فى بيان نشره الجمعة الثانى من نوفمبر 2018 "المكتب الأمريكي للممثلين التجاريين -US-trade représentatives office" أن الرئيس الأمريكي"دونالد اترامب" ينوى تعليق الإعفاء الضريبي الممنوح لصادرات موريتانيا إلى الولايات المتحدة .
و برر البيان "مشروع القرار الرئاسي الأمريكي" بعدم إحراز موريتانيا التقدم الكافى للقضاء على ممارسات "العمل تحت الإكراه-forced labor "و "العبودية الوراثية -heridatary slavery" مما يتعارض و يتنافى مع شروط الانتساب إلى "مبادرة النمو و التنمية بإفريقيا-African Growth and Développement Act-AGDA".
و مبادرةAGDA(النمو و التنمية بإفريقيا ) مبادرة أطلقها" الرئيس الأمريكي الأسبق" بيل كلينتون" عام 2000و مَدّدَ الرئيس الأمريكي "باراك أوبوما "العمل بها إلى غايةً2025 و بموجبها تمنح الولايات المتحدة إعفاءات ضريبية لصالح صادرات 39دولة إِفريقية إلى أمريكا انتسبت إلى المبادرة فى سنوات متفاوتة و كان انتساب موريتانيا عام 2007.
و القارئ "لمشروع القرار الرئاسي الأمريكي" المتوقع ُ
دخوله دائرة التنفيذ رأس السنة المقبلة 2019 ملاحظ أن هذا القرار بُنِيّ على معلومات و "إخباريات " و "كَيْدِيّاتٍ " مغلوطة و
ُمضللة ما كان لدولة بسَمْتِ الولايات المتحدة الأمريكية-فى ظروف طبيعية- أن تُؤسِس عليها قرارات لها أبعاد سيادية و دبلوماسية و "حقوقية".!!
و العارف بالشأن الموريتاني عموما و الشأن الموريتاني "الحقوقي"خصوصا لن يجد صعوبة فى النفي المطلق لوجود حالات "معلومة" من العمل تحت الإكراه و العبودية المتوارثة كما لن يجد عناء تفكير فى استحضار و استصحاب المبطلات الخمسة التالية التى تنسف نسفا الباطل الذى أُسِسَ عليه مشروع القرار الرئاسي الأمريكي الظالم لموريتانيا:
أولا-التطور التشريعي الكبير فى مجال محاربة الاسترقاق و رواسبه: انتسبت موريتانيا لمبادرة النمو و التنمية بإفريقيا -AGDA عام 2007 و الملاحظ أنه منذ ذلك التاريخ لم يُسَجّلْ أي تراجع فى مجال محاربة العبودية بل شهد التشريع الموريتاني تطورا مهما فى مجال محاربة الاسترقاق تمثل فى مصادقة موريتانيا على كل المعاهدات و الإعلانات الدولية و الإقليمية ذات الصِّلة-من قريب أو من بعيد- بمحاربة العبودية و تُوّجَ ذلك التطور التشريعي "بدسترة اعتبار الاسترقاق جرائم ضد الإنسانية لا تتقادم" عام2012.
و قد أكد لي أحد أكبر فقهاء القانون بالبلد و أحد أرسخ الحقوقيين نضالا ضد الاسترقاق و رواسبه أن الترسانة الدستورية و التشريعية الموريتانية فى مجال محاربة الاسترقاق أكثر "تقدمية" من مثيلاتها بالعديد من الدول التى عرفت بشكل أو بآخر نوعا من الممارسات الاستبعادية.
ثانيا-إنشاء قضاء "كامل الاعتبار إن لم يكن فوق العادة"مختص فى مكافحة رواسب الاسترقاق: تم فى إطار السعي إلى تغليظ العقوبة على ممارسات رواسب العبودية إنشاء محاكم خاصة بجرائم الاسترقاق استفاد القضاة و كتاب الضبط العاملون بها من تكوين مكثف كما تم تجهيز مقارها و تدشين انطلاق أعمالها منذ سنة 2013.
و لئن كانت الحالات التى تم عرضها على المحاكم حتى الآن قليلة و الحمد لله فإن وجود هذه المحاكم"كاملة الجاهزية إن لم أقل الاستنفار- يضطلع بدور رادع زاجر لكل من قد تسول له نفسه ممارسة أي نوع من أنواع الاسترقاق القديم و الحديث و لست بالمتأكد -رغم بعض البحث-أن الولايات المتحدة الأمريكية تمتلك أجهزة قضائية عالية الجاهزية مختصة حصريا فى هذا المجال.!!!
ثالثا-اعتماد و تنفيذ "خارطة طريق"للقضاء على رواسب الاسترقاق: أعدت الحكومة الموريتانية منذ عام 2014 (سنوات بعد انضمام موريتانيا لمبادرة AGDA) خارطة طريق للقضاء على رواسب العبودية وفق مقاربة تشاورية موسعة مع كافة الفاعلين الحكوميين و غير الحكوميين.
و قد شارك بحيوية فى صياغة خارطة الطريق تلك العديدُ من المنظمات غير الحكومية منها منظمات "متهمة بالحَدِيّةِ و غير الوسطية "فى مجال النضال ضد العبودية و "غير معروفة" بالصداقة و المجاملة و حتى اللباقة مع النظام الموريتاني الحالي-كما تشارك بفعالية تلك المنظمات فى متابعة و تقييم تنفيذ مختلف بنود خارطة الطريق.
وأنشأت الحكومة "وكالة كبرى لمحاربة رواسب الاستقرار"حققت نتائج جد مهمة فى مجال تجهيز "حواضن رواسب الاسترقاق"بالبنى التحتية الطرقية و التعليمية و الصحية و الخدمية المُكافئة شيئا ما لتلك الموجودة بالمدن المتوسطة و الكبرى،كما تم اعتماد التمييز الإيجابى فى الولوج إلى سلك أئمة المساجد و تشجيع المدارس و المحاظر بالمناطق "ذات الاحتياجات الخاصة فى مجال التعليم".
رابعا-الإجماع السياسي الوطني على أولوية و أسبقية معالجة رواسب الاسترقاق: لست أدرى بالضبط من وفر المعلومات الكيدية ،المغلوطة و المضللة التى بُني عليها مشروع القرار الرئاسي الأمريكي لكنى متأكد أن كامل الطيف السياسي الموريتاني و الحقوقي "الشرعي" مجمع على أولوية و أسبقية محاربة رواسب الاسترقاق، و مهما تنوعت المقاربات و تفاوت سقف الطموحات و تجددت من حين لآخر بعض المُلاسنات و المقالمات فإنى أكاد أجزم على توقع انعقاد إجماع وطني عريض غير مسبوق ضد مشروع القرار الرئاسي الأمريكي.
خامسا-التزكية الدولية للمجهود الموريتاني فى مجال محاربة الاسترقاق:
يحظى المجهود الموريتاني فى مجال محاربة رواسب الاسترقاق-والذى لا أحد يكابر فى أنه يمكن أن يكون أفضل و أنجع-بتزكية من الشركاء الدوليين الذين خفت و بَرُدَتْ حدة لهجة انتقادهم لموريتانيا بهذا الخصوص خلال العشرية الأخيرة.
و آخر دليل على هذا التطور الإيجابي فى الموقف الدولى من مجهودات موريتانيا ضد الاسترقاق هو تصريحات المقرر الأممي "فيليب آلستون "فى مجال الفقر المدقع و حقوق الإنسان الذى صرح سنة 2017 بأن موريتانيا تمتلك ترسانة قانونية رادعة مانِعة لممارسة العبودية كما تمتلك سياسات تنموية مُخففَة من رواسبها.
و خلاصة القول أن "مشروع القرار الرئاسي الأمريكي" لم يؤسس رأي سياسي و لا حقوقي موريتاني مُعارض أو مٌوالٍ و لا على تقييم محايد يمتلك ذرة من الإنصاف للتطور الحاصل موريتانيا فى مجال محاربة الاسترقاق منذ انتساب موريتانيا إلى AGDAسنة 2007 كما لم يُبْنَ على موقف المنظمات الأممية و المنظمات غير الحكومية الدولية و راجح التحليل أنه أسس على "نَفْثٍ"من تنظيمات موريتانية غير مرخصة قانونا منزوعة المصداقية و هو ما يجعلنى متفائلا بالعمل الدبلوماسي المشترك بين البلدين من أجل إحقاق الحق و إزهاق باطل هذا القرار الظالم لموريتانيا و الولايات المتحدة الأمريكية معا.