هل هي حرب بلا نهاية ؟ سؤال يطرحه الكثيرون مع إشراف سنة 2018 على نهايتها بعد ان أكملت الحرب الأمريكية ضد افغانستان في السابع من اكتوبر سنتها السابعة عشر، لتصبح رسميا حسب واشنطن أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية.
اختلفت وتباينت التوقعات بشأن نهاية الحرب الأفغانية التي دشنت بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ولكن يسجل أن غالبية المحللين قدروا أنه لا يمكن لواشنطن أن تكسب هذه الحرب، فهل تكون النهاية مشابهة لحرب الفيتنام أو شيئا قريبا يسمح لساسة البيت الأبيض بتسجيل بعض المكاسب.
الكاتب الأمريكي سيث جي جونز نشر كتابا أواخر عام 2009 تحت عنوان: “في مقبرة الامبراطوريات: حرب أمريكا بأفغانستان”، استعرض فيه تاريخ الأفغان في هزيمة الامبراطوريات التي غزت بلادهم منذ العام 330 قبل الميلاد، وصولا الى هزيمة وسقوط الاتحاد السوفياتي في الربع الاخير من القرن العشرين، لتجد الامبراطورية الأمريكية نفسها لاحقا في وضع مشابه إن لم يكن أسوأ مما كان عليه الاتحاد السوفياتي لدى غزوه أفغانستان.
وعمد سيث جي جونز الى نشر عرض تاريخي لهزائم الامبراطوريات التي غزت أفغانستان، ليقف على سؤال شديد الأهمية يتعلق بما اذا كانت الامبراطورية الأمريكية قادرة على تحدي مجريات التاريخ في هذا البلد أم لا؟.
تضليل الرأي العام
ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية يوم السبت 8 سبتمبر 2018، إن المسؤولين الأمريكيين يصدرون “تقارير مضللة” بشأن تقدمهم في أفغانستان بعد 17 عاما من الحرب، ما يعطى انطباعا زائفا بالوقائع على الأرض.
وذكرت الصحيفة، في تقرير لها، أن المسؤولين الأمريكيين يزعمون أن الحكومة الأفغانية تسيطر على 56 بالمائة من أراضي أفغانستان، رغم أنها في الواقع تسيطر فقط على 29 بالمائة من البلاد.
كما أفاد التقرير بأن عدد قوات الأمن الأفغانية يفوق عدد عناصر حركة “طالبان” بنسبة 10 إلى 1، ولكن هذا، وفق الصحيفة، لم يظهر حقيقة أن ثلث عناصر القوات الأفغانية غادرت مواقعها دون أن تتم إزالتها من كشوف الرواتب.
ووفقا لسجلات وزارة الدفاع الأمريكية وخلال العملية العسكرية التي يطلق عليها “عملية الحرية الدائمة”، قتل ألفان و216 جنديا أمريكيا في أفغانستان وإصيب حوالي 20 ألف آخرين.
كما تشير تقديرات “مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية” إلى أن الولايات المتحدة أنفقت حوالي 841 مليار دولار في أفغانستان منذ عام 2001.
ومع ذلك، حتى بعد إنفاق كل هذه الأموال والجهود لمحاربة “طالبان”، يقول محللون عسكريون إن الحركة تسيطر على غالبية الأراضي.
في السياق، أشارت “نيويورك تايمز” إلى أن الحرب بقيمة الدولار الحالية “أصبحت أكثر كلفة من خطة مارشال التي ساعدت في إعادة بناء أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية”.
وتابعت: “هذا الاستثمار في الحرب يفرض ضغوطا شديدة على الأمريكيين، لإظهار أن طالبان تخسر وأن الوضع في أفغانستان يتحسن”.
ولفتت الصحيفة إلى أن الولايات المتحدة لم تضلل الرأي العام بشأن وضع الحرب في أفغانستان فحسب، بل أيضا فيما يتعلق بالظروف المعيشية في البلاد.
ووفقا لتقرير “نيويورك تايمز″، أعلنت الحكومة الأمريكية عام 2010، أن متوسط العمر المتوقع للمواطن الأفغاني هو 63 عاما.
غير أن منظمة الصحة العالمية أشارت عام 2009 إلى أن متوسط عمر الأفغان 48 عاما، إثر وجود عدد كبير من معدلات الوفيات المرتفعة في وقت مبكر من مرحلة الطفولة.
وفي هذا الشأن، اختلفت أيضا تقديرات وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية “سي آي إيه” مع أرقام الحكومة، إذ قدرت متوسط عمر الأفغان بـ51 عاما.
كما أظهر التقرير أن الولايات المتحدة نفت أن تكون “طالبان” قد سيطرت لفترة وجيزة على مدينة غزني، جنوب شرقي أفغانستان، شهر أغسطس لكن في الواقع، وعلى مدار ستة أيام، حاصرت “طالبان” المدينة، وسيطرت على معظم أرجائها باستثناء عدد قليل من المرافق الحكومية.
وبحسب “نيويورك تايمز″، استعادت القوات الأفغانية السيطرة على “غزني” بعد 6 أيام وبعد أن تكبدت خسارة قوامها 200 من ضباط الشرطة والجنود الذين قتلوا في اشتباكات مع مسلحي “طالبان”.
وكان الرئيس الأفغاني أشرف غني قد اعترف في شهر يناير 2018، إن جيشه لا يستطيع الصمود سوى ستة أشهر دون دعم أمريكي.
وأضاف في تصريح لقناة “سي بي اس″ الأمريكية، أن تكلفة الحرب في أفغانستان بلغت تريليون دولار على مدى 16 عاما، وأشار غني أنه ورغم التكلفة الباهظة للحرب إلا أن الأمن لم يضبط حتى في العاصمة كابول، التي تشهد مستوى لا يصدق من الوحشية”.
المغالطات الرسمية
مقال الصحيفة الأمريكية جاء بعد 4 أشهر من صدور تقرير رسمي أمريكي أخفى الكثير من الحقائق وإن اشار إلى جزء من المشاكل التي تواجهها مخططات واشنطن.
في بداية شهر مايو 2018 اعترف تقرير حكومي أمريكي أن تعداد قوات الأمن الأفغانية تراجع بنسبة11 في المئة خلال عام 2017، مع توسيع حركة طالبان رقعة سيطرتها في أنحاء البلاد.
وقال مكتب المفتش العام الخاص بإعمار أفغانستان “سيجار” في تقرير صدر يوم الثلاثاء فاتح مايو إن عدد الأفراد في قوات الدفاع الوطني والأمن الأفغانية التي تضم الجيش والقوات الجوية والشرطة بلغ ما يقدر بـ 296409 أفراد في المجمل بحلول يناير 2018، ما يمثل تراجعا ملحوظا بنسبة 10.6 “3599 فردا” في المئة بالمقارنة مع نفس الشهر من عام 2017.
ومن اللافت أن العدد الحالي أقل بكثير من القوة المصرح بها لقوات الدفاع الوطني والأمن الأفغانية وهي 334 ألف فرد.
وأضاف التقرير أنه بحلول 31 يناير 2018، وقع 14.5 في المئة من إجمالي المناطق في البلاد تحت سيطرة المسلحين أو نفوذهم، وهو أعلى مستوى مسجل منذ بدء “سيجار” بنشر تقاريرها عام 2016، مقابل 56.3 في المئة من المناطق التي كانت تحت سيطرة الحكومة الأفغانية أو نفوذها.
ومنذ أغسطس 2016، “تراجعت سيطرة الحكومة الأفغانية بما يقرب من 4 في المئة، والاتجاه العام للتمرد هو زيادة السيطرة على السكان”، وإن كان التقرير قد رصد ارتفاع النسبة المئوية للأفغان المتواجدين تحت سيطرة الحكومة أو نفوذها بمقدار 1 في المئة بين أكتوبر 2017 ويناير 2018، لتصل بذلك إلى 65 في المئة.
ولم يحدد تقرير “سيجار” أسباب الانخفاض الكبير في تعداد القوات الأفغانية، مشيرا إلى أن معدلات الاستنزاف والفرار والفشل في إعادة التجنيد وأسباب هذه المشاكل المستمرة، ظلت سرية بناء على طلب السلطات الأفغانية.
سبق للمسؤولين العسكريين الأمريكيين أن ذكروا العديد من المشاكل الخطيرة التي ساهمت في تقويض الروح المعنوية للقوات الأفغانية، ومنها الفساد وإساءة المعاملة من قبل كبار القادة، وعدم دفع الرواتب، والتوترات العرقية داخل الوحدات وفي مناطق الانتشار، وسجلات الرواتب الزائفة التي تتضمن “الجنود الأشباح”، وسوء القيادة.
وأشارت مصادر رصد أنه رغم زيادة عديد القوات الأمريكية في أفغانستان لم تتحسن الأوضاع بالنسبة للقوات الأفغانية التابعة لحكومة كابول.
تراجع ومبررات
المعروف أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تراجع في شهر أغسطس 2017 عن وعد انتخابي آخر كان قد أطلقه خلال حملته الانتخابية، بخصوص انسحاب قوات الولايات المتحدة من أفغانستان، حيث فتح ترامب، الباب أمام زيادة عدد القوات الأمريكية بأفغانستان في إطار استراتيجية جديدة للمنطقة، مبديا اعتراضه على أي انسحاب سريع من أطول صدام عسكري عرفته واشنطن. وقد ذكر أن إستراتيجية الرئيس الجديدة في أفغانستان تقضي بإرسال مزيد من الجنود وممارسة ضغط متزايد على بعض الدول ومنها باكستان التي دعاها إلى الكف عن إيواء “إرهابيين”، وصرح ترامب “حدسي كان الانسحاب، وفي العادة أنا أتبع حدسي”.
لكن بعد درس للوضع الأفغاني من “الزوايا كافة”، أوضح أنه توصل إلى خلاصة مفادها أن الانسحاب سيؤدي إلى “فراغ” يستفيد منه “الإرهابيون”. وبالتالي ستواصل الولايات المتحدة مضاعفة جهودها، غير أن ترامب رفض كشف نواياه العسكرية. وقال “لن نتحدث عن عديد الجنود” لأن “أعداء أمريكا يجب ألا يعرفوا مشاريعنا أبدا”.
هذه التصريحات اثارت غضب حركة طالبان التي توعدت بأن تصبح أفغانستان “مقبرة” لجنود الولايات المتحدة، وقال المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد في بيان “إذا لم تسحب الولايات المتحدة جنودها من أفغانستان، فإن أفغانستان ستصبح قريبا مقبرة أخرى لهذه القوة العظمى في القرن الواحد والعشرين”.
يشار أن ترامب ابقى كذلك الباب مفتوحا أمام انسحاب قواته بتحذيره الحكومة الأفغانية من أن الدعم الأمريكي الذي سيتواصل في مواجهة عناصر حركة طالبان على الأرض لن يكون “شيكا على بياض”، موضحا أن “أمريكا ستواصل العمل مع الحكومة الأفغانية طالما أننا نرى عزما وتقدما. لكن التزامنا ليس بلا حدود. الأمريكيون يريدون رؤية إصلاحات حقيقية ونتائج حقيقية”.
بعد عام محبط…
قبل شهرين تقريبا من تقرير صحيفة “نيويورك تايمز” قال مسؤولون أمريكيون لوكالة رويترز يوم 11 يوليو إن الولايات المتحدة تستعد لإجراء مراجعة لاستراتيجيتها في أفغانستان وذلك بعد عام من موافقة الرئيس دونالد ترامب على مضض على تمديد الوجود الأمريكي في الحرب الدائرة هناك منذ 17 عاما.
وذكر مسؤولون إن ترامب أظهر دلالات على شعوره بخيبة الأمل بشأن عدم إحراز تقدم منذ إعلانه عن استراتيجية في أغسطس 2017 تقضى بإرسال مستشارين عسكريين ومدربين وقوات خاصة أمريكية وزيادة الدعم الجوي لقوات الأمن الأفغانية بشكل مفتوح. وكان الهدف حمل مقاتلي طالبان على بدء محادثات سلام مع حكومة كابول.
ويشاع في العاصمة الأمريكية وخاصة من جانب أعضاء في الادارة الأمريكية أن ترامب كان معترضا على البقاء في أطول حروب خاضتها الولايات المتحدة ولكن مستشاريه أقنعوه بإعطاء ذلك الأمر مزيدا من الوقت. وأجاز ترامب عام 2017 إرسال 3000 جندي أمريكي إضافيين ليصل إجمالي عدد القوات الأمريكية هناك إلى حوالي 15 ألف جندي.
لكن بعد مرور عام تقريبا مازال الموقف متأزما حيث يسقط عدد كبير من الضحايا في صفوف الأفغان كما أن حركة طالبان تعزز وجودها في المناطق الريفية وإن كانت عاجزة عن السيطرة على مراكز رئيسية في الحضر كما أن هناك شكوكا في قدرات قوات الأمن الأفغانية.
وأفاد العديد من المسؤولين الأمريكيين الحاليين ومسؤولون ومستشارون آخرون سابقون على دراية مباشرة بالموقف إن البيت الأبيض لم يأمر رسميا بعد بهذه المراجعة ولكنهم يستعدون لإجراء تقييم على مستوى الحكومة خلال الأشهر القليلة المقبلة.
وقد ادلى هؤلاء المسؤولين بمعلومات كثيرة ولكن شريطة عدم نشر أسمائهم لأنهم غير مخولين بمناقشة هذه المسألة علانية.
وأفاد مسؤول أمريكي كبير ”تلقينا بعض الإشارات من البيت الأبيض تفيد بأن ترامب قد يطلب إجراء مراجعة خلال الأشهر القليلة المقبلة. ولذلك فإننا نستعد لما قد تبدو عليه“.
وأضاف المسؤول أن المراجعة ستدرس كل أوجه الاستراتيجية الحالية بما ذلك التقدم الذي تم إحرازه ووجود القوات الأمريكية واحتمالات إجراء مفاوضات مع طالبان.
وسوف تشمل أيضا علاقات الولايات المتحدة مع باكستان التي يتهمها مسؤولون أمريكيون بدعم التمرد. وتنفي إسلام أباد هذا الاتهام.
مؤشرات
فيما اعتبره بعض الملاحظين مؤشرا على نوايا البيت الأبيض المستقبلية ومواصلة الحرب اعلن يوم 11 يوليو 2018 أن الحكومة البريطانية التي توصف بأخلص حلفاء واشنطن، تعتزم زيادة عدد أفراد قواتها في أفغانستان إلى ضعفيه تقريبا وذلك بعدما طلب الرئيس ترامب تعزيزات للمساعدة في التعامل مع الوضع الأمني الهش هناك.
وأعلنت رئيسة الوزراء تيريزا ماي أن حكومتها سترسل 440 جنديا إضافيا، ليرتفع العدد الإجمالي للقوات البريطانية هناك إلى حوالي 1100، بهدف مساعدة القوات الأفغانية .
وسوف تشارك القوات البريطانية في مهمة “الدعم الصامد” وهي مهمة يقودها حلف شمال الأطلسي لتدريب ومساعدة القوات الأفغانية.
وجاء الإعلان قبل يوم من قمة لحلف شمال الأطلسي في بلجيكا شهدت توترا بسبب إصرار الرئيس الأمريكي على أن يتحمل الحلفاء قدرا أكبرا من تكلفة الدفاع عنهم.
كان ترامب قد أعلن عام 2017 أن الولايات المتحدة سترسل آلاف الجنود الإضافيين إلى أفغانستان. وطلب من بريطانيا وأعضاء حلف الأطلسي الآخرين إرسال مزيد من التعزيزات إلى أفغانستان.
وجاءت الزيادة في عدد القوات البريطانية قبل الانتخابات البرلمانية في أفغانستان في أكتوبر والتي تقول واشنطن أنها تعتبر اختبارا حاسما للديمقراطية في بلد في حالة حرب منذ أربعة عقود.
الهدف الأوسع روسيا والصين
خلال شهر فبراير 2018 كتب المحلل الروسي قسطنطين ستريغونوف، في “كوريير” للصناعات العسكرية، تحليلا ينتهي إلى أن سياسة الولايات المتحدة في أفغانستان موجهة ضد روسيا والصين وإيران.
وجاء في المقال: في أغسطس 2017، أعلن دونالد ترامب استراتيجية جديدة حول أفغانستان، مبينا أن القوات الأمريكية باقية هناك في الأفق المنظور.
وبالنتيجة زاد عدد الجنود الأمريكيين هناك إلى 15 ألف. علما بأن العدد الأقصى بلغ حوالي 140 ألفا في العام 2010.
إلا أن التدخل على الرغم من الحرب الدائرة هناك منذ 17 عاما لم يستطع تحقيق نجاح يذكر.
وهنا يخطر بالبال سؤال:
إذا كانت قوات الاحتلال الأجنبية، إلى جانب حكومة كابل الموالية لهم، لم تستطع على مدى 17 سنة من الحرب فعل شيء، فعلى أي أساس يمكن القول إن القوات الأقل بعشر مرات عن سابقتها في 2010 ستحقق نجاحا؟.
من الواضح أن الرهان على الجيش الأفغاني الضعيف الإعداد لن يؤدي إلى نتيجة. وهذا أمر يدركونه على الأرجح في واشنطن. وهذا يعني أن الهدف الحقيقي من تمديد وجود القوة الأمريكية في أفغانستان يكمن في شيء آخر.
الاهتمام بأفغانستان، يعود بالدرجة الأولى إلى الأهمية الاستراتيجية للمنطقة، حيث التقاطع الأوراسي، ضروري لخلق مشاكل للخصوم الجيوسياسيين- روسيا والصين وإيران. والفكرة في التالي. فطالما أن الولايات المتحدة عاجزة عن القضاء على طالبان وغيرها من المنظمات الناشطة في أفغانستان، فيجدر خلق ظروف في هذا البلد لا تسمح لأي من منافسي واشنطن بتعزيز نفوذه فيه. إضافة إلى أن وجود قوة أمريكية محدودة يعطي عذرا لعدم مواجهة طالبان، إنما التأثير في الحركة وتوجيهها إلى حيث ينبغي. من الواضح أن هذا السيناريو معقد، ولكنه جذاب جدا. ناهيكم بأن هناك أحاديث عن مساعدة الولايات المتحدة لمقاتلي “تنظيم الدولة” في إعادة الانتشار.
ويعود كاتب المقال إلى التساؤل: فبمن سيضر عدم استقرار أفغانستان بالدرجة الأولى؟
ويجيب: بعد وصول شي جين بينغ إلى سدة الحكم في الصين، يجري في بكين تطوير المشروع الاستراتيجي “حزام واحد، طريق واحد” بنشاط. وبالتالي، فعدم استقرار أفغانستان يهدف، في الحد الأدنى، إلى إعاقة تحقيق هذا المشروع.
وأما بالنسبة لروسيا، فإن الوجود الأمريكي في أفغانستان يشكل تهديدا من زاوية انتشار الاتجار بالمخدرات وكذلك تحفيز النشاط الإرهابي في آسيا الوسطى.
دعم جديد لداعش
الكرملين كشف كذلك عن اسلوب الأجهزة الأمريكية في استخدام تنظيم داعش سواء لإضعاف حركة طالبان أو لتشجيع العمليات العسكرية المعادية لموسكو في المنطقة المحاذية لأفغانستان.
فيوم 22 يونيو 2017 أعلنت وزارة الخارجية الروسية أنها تتوقع رد الغرب والإعلام الغربي على ظهور “طائرات مجهولة” تدعم إرهابيي “داعش” في أفغانستان.
وقالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية في مؤتمر صحفي، إن “تقارير جديدة حول نقل مروحيات لا تحمل أي علامات مسلحين من الجناح الأفغاني لـ”داعش” وكذلك أسلحة وذخيرة لهم في شرق أفغانستان، لفتت انتباه موسكو”، مذكرة بورود أنباء قبل ذلك حول نقل أكثر من 50 مسلحا لدعم الإرهابيين في ولاية نانكارهار بشرق البلاد.
كما أكدت زاخاروفا أن النائب في البرلمان الأفغاني ظاهر قادر أعلن أن المروحيات المذكورة تعود إلى القوات الأمريكية، مضيفة أن السلطات الأفغانية أو قيادة قوات الولايات المتحدة وحلف الناتو لم تقدم أي تفسيرات واضحة بشأن طلعات “الطائرات المجهولة” التي تدعم مسلحي “داعش”.
ودعت المتحدثة باسم الخارجية الروسية وسائل الإعلام الغربية، التي توجه “اتهامات لا أساس لها” إلى موسكو بدعم حركة “طالبان”، إلى طرح أسئلة بشأن “المروحيات المجهولة” في أفغانستان أمام مسؤولي البيت الأبيض والبنتاغون والخارجية الأمريكية.
الثروات الباطنية
بجانب الأهداف المعلنة في استراتيجية ترامب تجاه أفغانستان وهي محاربة الجماعات “الإرهابية” وحماية الأمن القومي الأمريكي، برزت الثروة المعدنية القابعة في بطون هذه الأراضي كأحد أسباب رفض ترامب الانسحاب منها دون الحصول على قدرة التحكم في ثرواتها وتعويض الخسائر التي منيت بها بلاده، ففي تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية أكدت أن الثروة المعدنية هي من بين الأسباب وراء إبقاء الرئيس الأمريكي على وجود قواته في أفغانستان.
وبحث ترامب استغلال هذه الثروة مع نظيره الأفغاني محمد أشرف عبد الغنى، الذى عمل على تعزيز عملية استخراج المعادن باعتبارها فرصة اقتصادية، والتعاون مع الشركات الكبرى في هذا الإطار، وبالفعل التقى ثلاثة من مساعدي ترامب مع مايكل إن سيلفر أحد المديرين التنفيذيين لشركة “أمريكان إليمنتس” الكيماوية، لمناقشة إمكانية استخراج المعادن النادرة هناك، الذي يمتلك أيضا شركة “داين كورب إنترناشونال” شركة المقاولات العسكرية ما سيمكن الاستفادة من أفرادها العسكريين الذين سيتولون تأمين مناطق التنقيب، فسبق أن قدر المسئولون الأمريكيون في 2010 قيمة المعادن غير المستغلة في أفغانستان بحوالي تريليون دولار، وهذا الرقم كفيل بأن يجذب ترامب للبقاء في أفغانستان.
الاختيار بين الخسارة وعدم الخسارة
جزء كبير من الخبراء والمحللين يقدرون أن استراتيجية الرئيس ترامب في أفغانستان لن تجلب النصر، ويقول جيمس دوبينز الذي شغل منصب الممثل الأمريكي الخاص لأفغانستان وباكستان خلال رئاسة باراك أوباما وأصبح زميلا باحثا بمؤسسة راند أنه الاختيار بين الخسارة وعدم الخسارة. فالفوز في الواقع ليس خيارا مطروحا. وذكر دوبينز إن ترامب يمكن أن يخسر بسرعة بالانسحاب ويمكنه أن يخسر ببطء إذا تشبث برأيه مضيفا أن ترامب لا يمكن أن يخسر بزيادة القوة الأمريكية زيادة هامشية.
والهدف الظاهر لاستراتيجية ترامب هو مساعدة قوات الأمن الأفغانية في إبطال ما حققته طالبان من مكاسب وخلق جمود عسكري يدفع قادة المتمردين في نهاية الأمر للموافقة على حل دبلوماسي للصراع. ومع ذلك أشار ترامب إلى أن دور الدبلوماسية سيتراجع ويفسح المجال للعمليات العسكرية وأضاف يوما ما بعد جهد عسكري فعال ربما تصبح التسوية السياسية ممكنة بما يشمل عناصر من طالبان.
وقال سكوت ووردن الخبير بالمعهد الأمريكي للسلام إن إرسال المزيد من الجنود الأمريكيين إلى أفغانستان قد يكسب وقتا للحكومة الأفغانية لزيادة شرعيتها وكسب تأييد الأفغان وهو ما سيفيدها في التفاوض على إنهاء الصراع. غير أن ووردن قال قبل خطاب ترامب أيضا إن زيادة القوات الأمريكية وحدها لن تلحق الهزيمة بطالبان. فلا بد من اقتران الشق العسكري لهذه الاستراتيجية بالتركيز بدرجة مساوية إن لم تكن أكبر على إدارة الجوانب السياسية في أفغانستان والمنطقة.
وقد جرب أوباما هذا النهج وفشل. فخلال رئاسته بلغ عدد القوات الأمريكية في أفغانستان 110 ألف جندي وتم تخصيص قوة نيران جوية كبيرة وتنفيذ مئات بل آلاف من الضربات بطائرات دون طيار لحساب المخابرات المركزية الأمريكية على مخابئ المعارضين في باكستان وإنفاق مليارات الدولارات من أجل الإعمار وبرامج نشر الديمقراطية. كما كرس أوباما جهدا دبلوماسيا هائلا لإنهاء الحرب وعين مبعوثا خاصة لتنسيق المفاوضات. غير أن ترامب ألغى هذا المنصب بل واقترحت الإدارة خفض ميزانية وزارة الخارجية بنحو 30 في المئة وتركت عشرات المناصب العليا شاغرة.
حجم سيطرة طالبان
تحقيق اجرته هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” ما بين 23 أغسطس و 21 نوفمبر 2017 أظهر أن طالبان تسيطر الآن سيطرة كاملة على 14 إقليما تشكل أربعة في المئة من إجمالي مساحة البلاد وتتمتع بحضور نشط وفعلي في 263 إقليما آخر تشكل 66 في المئة من إجمالي مساحة البلاد، وهي ما يشير إلى زيادة كبيرة في تقريرات سابقة لحجم نفوذ طالبان.
وفي المناطق التي حددت بأنها تشهد وجودا نشطا وعلنيا لطالبان، يشن المسلحون هجمات متكررة ضد مواقع الحكومة الأفغانية. وتتراوح تلك الهجمات بين هجمات جماعية منظمة وكبيرة على القواعد العسكرية وأخرى فردية ومتفرقة وكمائن ضد المواكب العسكرية ونقاط التفتيش التابعة للشرطة.
ووقعت الهجمات التي جرى تسجيلها في فترة إجراء الدراسة بدرجات متفاوتة بين هجوم واحد كل ثلاث أشهر إلى هجومين أسبوعيا.
أمام ما يعتبره الكثيرون مأزقا لواشنطن وحلفائها في أفغانستان تطرح من حين لآخر فكرة خصخصة الصراع.
جاء في تقرير نشر في عاصمة أوروبية:
مع استمرار الصراعات والحروب وتورط العديد من القوى الكبرى في مستنقعات الصراع لسنوات دون تحقيق النتائج المرجوة من التدخل العسكري المكلف ماديا وبشريا، عادت فكرة المرتزقة إلى الساحة مجددا وهي فكرة قديمة جديدة، فكما كان في السابق يمكن الاستعانة بهم في مناطق الصراع دون إطار تنظيمي أو قانوني، ظهرت تحت ستار الشركات الأمنية المتخصصة “متعهدون مدنيون” ليس فقط في حماية المؤسسات والأفراد داخل الدول وإنما الانخراط في حروب خارجية مثل الفاعلين من الدول.
يأتي إثارة هذا الملف مع دعوة مؤسس شركة “بلاك ووتر” الأمنية الأمريكية إريك برنس، في 12 أغسطس 2017 إلى خصخصة الحرب في أفغانستان والاعتماد على المتطوعين من أجل وقف العمليات التي تنفذها حركة طالبان ضد القوات الحكومية وكذلك قوات حلف شمال الأطلنطي “الناتو”، فمنذ تدخل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في أكتوبر 2001، بأفغانستان لم تستطع تحقيق أهدافها هناك فما زالت طالبان تسيطر على حوالي 40 في المئة من الأراضي الأفغانية إلى جانب استمرار هجماتها ضد خصومها، واستغل إيرك برنس وجود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض الداعم لشركات السلاح ورجال الأعمال ليطلق دعوته هذه وسط استغلال حالة السخط الأمريكي على طول أمد الحرب التي امتد لـ16 عاما بدون نتائج واضحة مع استمرار الخسائر الاقتصادية والبشرية.
وليست هذه أول مرة تستعين بها الولايات المتحدة أو غيرها من الدول بالشركات الأمنية في المشاركة في عمليات أمنية وعسكرية، تبدأ من حماية الدبلوماسيين والسفارات والموالين لهم مرورا بتدريب قوات تابعة للنظام الخاضع لهم في الدول التي تتدخل فيها، وصولا إلى تنفيذ عمليات عسكرية مباشرة واستجواب المعتقلين، وسبق أن نفذت شركة “بلاك ووتر” مثل هذه المهام من قبل في العراق.
وبرز استخدام الشركات الأمنية في الحروب بشكل واسع مع الاحتلال الأمريكي للعراق ليتحولوا إلى مرتزقة حروب بشكل فعلي وليس مجرد شركة دولية، وتحولت العراق لملاذ للكثير من هذه الشركات، حيث يقدر عدد أعضاء الشركات الأمنية في العراق فقط بين 30 إلى 50 ألف شخص، يعملون ضمن 130 شركة أمنية، وهم من جنسيات أجنبية مختلفة بالإضافة إلى عراقيين يعملون بأجور زهيدة لدى هذه الشركات، ويقدر حجم أعمالها في العراق ما يقارب 100 مليار دولار.
ولم تكتف هذه الشركات بالمشاركة في العمليات العسكرية داخل الدول التي تشهد نزاعات وحروب كما حدث في الصومال ودول البلقان ورواندا في التسعينيات من القرن الماضي، بل تورطت في دعم انقلابات عسكرية ودعم النظم السلطوية حفاظا على مصالحها، فمثلا شركة جنوب أفريقيا تسمّى “النتائج الحاسمة” تأسست عام 1989، وشركة “لفدان” الإسرائيلية والبريطانية “ساندلاين”، و”داين كورب” الأمريكية تورطوا نيابة عن دول في تدبير انقلابات في أفريقيا بسبب الرغبة في السيطرة على النفط والمعادن النفيسة مثل الماس في أنغولا وسيراليون.
أدت بعض الشركات الأمنية دورا فعالا في بعض مناطق الصراع والانخراط في أزماتها ونجحت في تدريب قوات وجيوش بعض الدول والمشاركة أيضا في بعض الحروب، إلا أن طبيعة الصراع والمنطقة المتداخل فيها هي من تحدد مسارات الأزمة وإمكانية تدخل الشركات الأمنية، فمثلا نجحت شركة “داين كورب” الأمريكية في تطوير وتدريب الجيش في ليبيريا، لأنه لم يكن هناك تدخل كبير في الأزمة من الخارج، فيما فشلت في الصومال لأن الأمر يتخطى إمكانياتها وقدراتها فهي حرب متعددة الاطراف وانقسام يحتاج إلى ترتيبات ومفاوضات سياسية من قبل الداخل والخارج وليس مجرد مشكلات أمنية وعسكرية يسهل مجابهتها بجانب انتشار الجماعات المسلحة.
والحرب الأفغانية أكثر تعقيدا ولن تقدر شركات المرتزقة على حل الأزمة، بمفردها فقد تكون مجرد مساعد للقوات الأمريكية وحلف الناتو لكنها غير قادرة تماما على إنهاء حرب مشتعلة منذ 17 عاما، إلى جانب التعقيدات السياسية بالأزمة ما يؤكد محدودية وفاعلية شركات الأمن أو المرتزقة.
خطة أمريكية للخصخصة
يوم الثلاثاء 18 سبتمبر 2018 نشرت صحيفة التايمز البريطانية تقريرا كتبته مراسلتها للشؤون الدبلوماسية، كاترين فيلب، تحت عنوان “خطة أمريكية لخصخصة الحرب الأفغانية”.
ويشير التقرير إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يدرس استبدال القوات الأمريكية في أفغانستان بمجموعة من الشركات الأمنية الخاصة.
وتنقل الصحيفة عن أريك برينس، الذي تصفه بأنه من يقف وراء الفكرة، قوله إن ترامب تأسف على عدم اتخاذه قرار خصخصة الحرب في أفغانستان عندما راجع البنتاغون استراتيجيته فيها عام 2017.
ويضيف أنه علم قبل ثلاثة أسابيع أن الرئيس الأمريكي يعيد النظر في خطته، وقد استبدل قائد القوات الأمريكية في أفغانستان الجنرال جون نيكلسون بالجنرال سكوت ميلر، المحارب المخضرم المتخصص بالعمليات الخاصة.
ويصف برينس ميلر بأنه “شخص غير تقليدي” مضيفا “وأنا واثق من أنه قد أرسل إلى هناك بتفويض لتغيير كيف يجري العمل هناك”.
وتتوخى خطة رجل الأعمال سحب 15000 من القوات الأمريكية من أفغانستان واستبدالهم بثمانية آلاف من المتعاقدين ، فضلا عن خصخصة الدعم الجوي أيضا.
ويدافع برينس عن خطته بالقول إنها ستخفض الـ 70 مليار التي تشكل كلفة الحرب في أفغانستان سنويا إلى حوالي 15 مليار دولار سنويا.
وختاما وحسبما يرى بعض الخبراء يمكن القول أن الإدارة الأمريكية لا يمكنها في الوقت الحالي الاعتماد على شركات المقاولة الأمنية بشكل أساسي في أفغانستان وإنما قد تستعين بها في مهام محدودة، فطبيعة الصراع الذي لم يستطع حسمه أكثر من 110 ألف جندي أمريكي لن يحسمه أفراد من المرتزقة ليسوا على دراية بصعوبة القتال في مثل هذه المناطق بجانب التدخلات الخارجية والتعقيدات المحلية، وإنما قد تستعين بها في حماية مؤسسات أو شركات كبرى أو تولي أجزاء من التدريبات للقوات الأفغانية، ومن ناحية أخرى جاءت استراتيجية ترامب الجديدة لتعني بقاء أطول للقوات الأمريكية في المستنقع الأفغاني وزيادتها مستقبلا وتحويل أفغانستان لساحة تصفية حسابات جديدة بين واشنطن وخصومها ما يعني إطالة الحرب لفترة طويلة مقبلة.
عمر نجيب
[email protected]