أفلاطون الفيلسوف الاغريقي ( 430 ق.م) وبعد كتابه الأيقونة (المدينة الفاضلة) ترك أثرا واضحا على الفكر العالمي والانساني، وأول من تأثر به هو المفكر العربي أبو نصر الفارابي إذ كتب لاحقا عن المدينة الفاضلة، والمدينة الفاسقة، والمدينة الضالة، والمدينة الجاهلة، والمدينة المعتزلة.
وطبعا بمكن ان نفهم من كلمة "المدينة" على أنها "الدولة" في أيامنا هذه.
وفيما سعى كل العالم للوصول الى المدينة الفاضلة، كتب ابن خلدون بعد 1400 سنة يصف الدولة العربية باعتبارها قائمة على اساس العصبية القبلية.
كتب افلاطون 36 كتابا حول السياسة والاخلاق والفن والشعر والميتافيزيقا، وقد وصل الى نتيجة بسيطة مفادها ان أفضل أشكال الحكم هو الحكم الارستقراطي (أرستقراطية الجدارة وليس ارستقراطية الوراثة) وذلك لن يحدث من دون تربية الاطفال على الموسيقى والرياضيات. حيث أن مكافئة القادة على كفاءتهم يكون من خلال استمتاعهم بخدمة المجتمع وليس من خلال استمتاع اولادهم وعائلاتهم بملذات الحكم. كيف نصل الى مرحلة انسجام الحكومة مع الشعب.. قال افلاطون ان ذلك من خلال كشف المفهوم والنظام الذي يحكم المتغيرات وخلق انسجام بين العقل والعاطفة. ونلاحظ هنا ان افلاطون يدخل العاطفة في الحكم، فلا يكون حكم العقل كافيا ولا حكم العاطفة كافيا وانما من خلال انسجام العقل والعاطفة.
النفس عاقلة في الرأس والنفس غاضبة في القلب، والنفس شهوانية في البطون والافخاد.
هناك أمور قد لا تناسب البشرية الان مثل ان افلاطون أوصى الفقراء والمزارعين ان يتزوجوا ويمتلكوا، ولكنه منع الأوصياء والحكام من الزواج والامتلاك لان هذا لا يليق بهم، كما أوصى بقتل المعاقين لأنهم يعرقلون الوصول لمستوى المدينة الفاضلة!!
البدن هو سجن للنفس.. وقد اعتمد افلاطون في وضع نظريته الاخلاقية على البدن والنفس معا. وقال : إذا أردنا ان نحارب الرذيلة فعلينا ان نحارب الجهل. ولا يمكن للانسان أن يصل للفضيلة الا اذا تعلّم كيف تتسامى النفس على مطالب الجسد.
الموت هو محطة انفصال النفس عن سجنها أي عن الجسد، والرجل الذي يغضب لحظة يأتيه الموت هو رجل يحب جسده أي يحب سجنه ولا يحب روحه.
ولا تصلح النفس الا من خلال التخلص من عقبتين: البيئة الفاسدة والقدوة السيئة.
الفضيلة زهد والزهد فضيلة.
وفي أروع ما كتب افلاطون يقول: ان الفضيلة بمعناها الفلسفي تقوم على العقل، وتفهم المبدأ الذي تعمل على أساسه. انها الفعل الذي تحكمه مبادئ عقلية. اما الفضيلة بمعناها الشائع فهي الفعل الصواب الذي يقوم على اسس اخرى كالمعروف، أو التقاليد، او العادات أو الدوافع الطيبة.. الخ.
ويقول: إن اساس الحب ألا يرتهن برضى المحبوب.. لانه اذا ارتهن لرضاه ولج الى المبالغة والخوف والتملق ما سيؤدي الى الحزن وامتداح مواصفات لا قيمة لها في المحبوب ولكنه تورط في امتداحها (هذا ما يحدث حين نحب قائد او حزب أو فكرة ونبالغ في طلب رضى الممدوح). ويقول افلاطون ان علينا أن نشفق على هؤلاء حين يصلون الى هذا المستوى المتدني من الحب، فهم يستحقون الشفقة، كما ان العشق غير مجد واخره ندم وأسف وهو يضر المجتمع ولا يفيده لان مرحلة العشق تعني استبدال العقل بالشهوة والنزوات دون القدرة على الوصول للاشباع.
وكلما عشق أحد احدا ( يقصد عشق الشيء والحاكم والمادة والكرسي والامتلاك). صارت نارا تعطّل البصيرة وتحطّم قواعد العقل. وتفشل العلاقة ويفشل المجتمع.
ويذهب افلاطون أكثر ويحذر من العشق للجسد ومن عشق السلطة أيضا (ان الشهوة غير العاقلة عندما تسيطر على الرأي المستقيم فانها تطلب اللذة الصادرة من الجمال وتزداد قوة عندما تجتمع بالشهوات الاخرى التي من فصيلتها، والتي يعد جمال الاجساد موضوعا لها وتنتصر باتجاهها اليه، وتسمّى من قوة اندفاعها اليه. أسمى العشق).
أفلاطون كتب من الباب الاول وحتى الباب السابع عن تعريف العدالة وشروط تحققها.
وكتب البابين السابع والثامن عن مصادر الفساد في الدولة. ووصل الى نتيجة مفادها ان العدالة هي معاملة كل حسب ما يستحق. وان يتلقى الاخيار معاملة خيرة وأن يتلقى الاشرار معاملة تليق بهم، واذا وقع العكس فسدت الدولة وخربت المدينة.
وينصح ان يتحول الملوك الى فلاسفة. ولكنه لا ينصح الفلاسفة ان يحولوا الى ملوك.. فالانسان يطمح بالارتقاء الى مرحلة أفضل وليس النزول الى مرتبة أدنى. وهنا كتب عن شقاء الطاغية وسعادة الفيلسوف.
الزيجات الخاطئة تؤدي الى فساد الحكم وخراب المدينة، لان الاطفال يتضررون بالحقد والكراهية ويميلون بحماسة الى الحروب والعاطفة المضطربة ويقودهم الغضب الى الهلاك. والحروب لا تقدّس ولا تصنع مدنا فاضلة وانما الحرية هي التي يجب تقديسها لانها تصنع امما وحضارات.
التحدّث مع كبار العمر والعجائز فضيلة كبرى لانهم سياح قد أتمّوا رحلتهم ولم يعد ببالهم النفاق او الكذب، وقد عرفوا الطريق وتتمنى لو انهم يشرحون لك بطريقتهم ماذا وجدوا في هذه الحياة. ومن صفات الكهولة الهدوء والحرية فقد أرخت العواطف قبضتها عنهم ولم يعد يهمهم لا سيّد مخبول ولا حاكم جشع.
والعدالة يعني الصدق ووالوفاء بالدين. وهذا ينطبق على الحكومات (الحكم الرشيد) في يومنا هذا.ولكن اقدر الناس على حفظ الشئ هو أقدرهم على سرقته!!
الاصدقاء هم من اعتقدنا ونظن انهم أخيارا
والاعداء هم من نعتقد ونظن أنهم أشرارا
لان الصفات تتغير، واذا ما جربت أن تسئ لأي كلب. حينها سترى أن صفة الوفاء قد طارت، وترى منه ما لا يرضيك.
وانت تظن أن الطبيب يشفي المرضى وهو يرى أنه يجمع المال من المرضى!!
وسترى يوما أن للظلم الكامل من المزايا ما يفوق العدل الكامل
سقراط قال : الانسان من دون فلسفة الخير حائر ومتردد. يشرب كالكلب ويقلق كالغزال.
والقاضي لا يمكن ان يكون شابا. بل شيخا عرف معنى الظلم في حياته.
أول من يخرق قوانين الدولة هم حرّاس الدولة، ولا خير في حاكم او قاض يغضب ممن يسدي النصح اليه. وفي النهاية لإن الاعتدال هو العدالة، ولو كان ذلك اضطراريا.
هناك فرق كبير جدا بين الغضب والشجاعة. الغضب انفعال متهور والشجاعة حكمة عقل. ونقاء السريرة والاعتدال لا يد يقودان الى العدل.
والقاضي اذا كان مترفعا عن الجشع وعن الوضاعة والغرور والجبن، فلن يكون ظالما.
الغريزة وحش.. واخطر شئ التنشئة الفاسدة ووهن النفس.. والحاكم يقتل نفسه اذا استبدل النخبة العاقلة بالسفسطائيين.
الناس نوعان - فقراء وأغنياء .. لا اغنياء الذهب وانما اغنياء العلم والحكمة. فقد يقود الذهب روحك الى كهف معتم، وتقودك الحكمة الى فضاءات النور.
الدراسة القاصرة أسوا من الجهل، والتلاميذ المراهقين حين يدرسون الجدل لاول مرة يسيئون استخدامه.
الغرور تربة خصبة لتنمو الافعى في داخل قلبك.
والى من يصيبه الغرور من القضاة ليعرف أنه مهما طال الزمن، سيذهب الى قبره وحيدا حافيا وعاريا، ولو احتل العالم فانه لن ياخذ أكثر من مترين في نصف متر وهي مساحة القبر.
والمثقفون نوعان: هناك من يرسم سريرا لطفل، وهناك من يصنع سريرا لطفل.
د. ناصر اللحام