عتيقة باركلل تكتب: رسالة إلى المناضل الزايد ولد الخطاط رحمه الله في ذكراه 10/7 2004

ثلاثاء, 2018-07-10 22:00

أبي وقدوتي رغم طول الفراق لا زلت تتمثل أمامنا في كل تفاصيل حياتنا ونقتبس من وهج روحك الوضاءة بالإيمان والورع والزهد والسماحة والمحبة الفياضة .
كلما حدث حدث مؤثر في حياتنا كنت أول من أفكر  أن أقف عند رأسه وأروي  له ما حدث لما كنت تمثل لي من حضن دافئ يحتوي كل أفراحي وأتراحي وأفكاري ....
كان آخر ذالك حين توفي أمير جماعة الدعوة و التبليغ حزنت لموته لما رواه معارفه عن ورعه وتقواه لكن الحزن تحول إلى فاجعة حين خلط لي أحد المعارف بينه وبين صديق لك قديم هو الآخر من الجماعة وحين ذُكر لي إسم صديقك تداعت الذكريات إلى وجداني وبدأت تضغط عليه بحرقة أدخلتني دوامة حزن مهول .
تذكرت يوم عرفتني على صديقك التبليغي الذي جاء يعيدك في مرضك الذي لقيت فيه ربك  وقلت بكل حب ومودة حين غادر :ألم تعرفي هذا الرجل ؟ هذا له فضل علي  لا أنساه ماحييت هذا هو الذي أكتسبني للتيار الناصري بداية الثمانينات وجعلني ألتزم بتلك المبادئ الراقية والتي سأبقى عليها ماحييت .
قلت في دهشة : هذا الذي يبدو من هيئته  وكلامه أنه تبليغي كان ناصريا !
قلتَ لي :نعم أتعرفين لم يتغير كثيرا بعد لقاءاتنا الأولى أكثر ما أعجبني فيه إذاك صلاته  في المسجد وقرائته للفقه على والدنا سيدأحمد الخطاط رحمه الله وتطوعه في مدارس محو الأمية كل هذا جعلني أنبهر بالشاب وأتقبل منه أفكاره السياسة التي لم أجد فيها أي تعارض مع سمت الورع والزهد الظاهر منه .
ظللت بعد ذالك أعض بالنواجذ على أفكار عبد الناصر وأجدها مجالا للتصوف السياسي حيث :الإهتمام بالأمة بمختلف أبعادها (العربي ، الأفريقي ،ابإسلامي) ،المحافظة على الهوية الحضارية للأمة (لغة وثقافة ودينا) والإهتمام بالفقراء والمهمشين وتقليص وجودهم في المجتمع بالعدالة الإجتماعية ثم الإهتمام الكبير بقضية فلسطين وجعلها قضية مركزية لكل عربي ومسلم.
ملكت علي هذه المبادئ وجداني السياسي الذي كان تواقا لمبادئ توافق الوجدان الديني الذي رباني  الوالد سيدحمد رحمه الله عليه بين دروب الورع والتقوى الذين أشتهر بهما .
أتذكر يوم كنا نشاهد برنامجا تريخيا عن تونس ووضحوا مواقف بو رگيبة من التعدد والصيام وأشياء أخرى كنت تقول سبحان الله هذه البرامج التاريخية أتت لتبرئ ساحة عبدالناصر من كل التهم حول محاربته للدين وكنت تفرح  حين تأتي الوثائق التاريخية التي تتحدث عن نشاط الأزهر الشريف في فترة ناصر والمصحف المسموع بأصوات قراء الأزهر الأجلاء والذي طاف بكل العالم الإسلامي ومازال يطوف إلي اليوم وتقول في إغتباط وتوله :كم أنت عظيم ياناصر رحمك الله .
ماكان يوازي إغتباطك بتلك الواقف سوى إغتباطك بالسد العالي وكون ملايين من فقراء الفلاحين  المصريين وجدو عيشا كريما في عهده أومواقفه من الإستعمار والوحدة العربية  والقضية الفلسطينية .
أشياء كثيرة تعيش في وجداني من حياتك تجسد  ماكنت تؤمن به وتدافع عنه حتى آخر نفس .
نضالك ضد كل الأنظمة الفاسدة (هيداله،،ولد الطائع) كأحد أبرز رموز التيار منذ الثمانينات ثم نضالك المستميت ضد التطبيع الكل سمع بصفعتك للمسؤول الصهيوني لكني والكثير من المعارف يعرفون أن نضالك ضد التطبيع بدأ باكرا وكان متعدد الجوانب من مناشير للتوعية حول الموضوع إلي التشهير بالشخصيات المطبعة ...إلخ .
نضالك من أجل ترسيم اللغة العربية في الإدارات والحفاظ على الهوية العربية الإسلامية .
حين ذهبت للجزاير أواخر الثمانينات كان معظم الشباب هناك ينغمسون فيما يسمى "الصحوة الإسلامية " ولطالما راودوك عليها لكنك بدل الإستجابة لهم وإقتناء كتيبات يوزع مجانا ولايباع السعودية التي كانت هي السند لتلك الصحوة وبدل زيارة جرحى معارك أفغانستان ضد الروس بحثت عن كتب تاريخ الثورة الجزائرية وعلاقتها بعبد الناصر سعيت للتواصل مع  الشخصيات الناصرية الجزائرية لتلتقي 
بالعديد منهم وعلى رأسهم الرئيس أحمد بن بيلا رحمه الله ثم شخصيات من فصائل  الثورة الفلسطينية بمختلف أطيافها .
آه فلسطين كم كنت تعشق تلك الأرض وتتماهي مع قضاياها كم سيرت مظاهرات ومسيرات من المساجد بمجهودك الشخصي من أجلها وكم كتبت من المناشير وطفت بها حول العاصمة ملصقا أياها على الجدران وكم جمعت من التبرعات لها وأوصلتها للسفارة السورية التي كانت تحتضن فصائل المقامة أنذاك وكنت من المؤسسين الأوائل للرباط الوطني لمقاومة الإختراق الصهيوني .
مايميزك عن الكثير من رفاقك هو أنك ظللت على تواصل فكري مع مفكري التيار الناصري عن طريق القراءة الدائمة لمجلات الفكر والسياسة وخاصة إصدارت مركز دراسات الوحدة العربية الرائدة في هذا المجال.
 كان لديك إتساع في أفق الرؤية لمساحة الأحداث على مستوى الوطن وعلى المستوى العربي قل نظيره .
لن أنسى علاقاتك الطيبة بكل أطياف مجتمعنا وتضحياتك الجسام من أجل من تعرف منهم منها نضالك المشهود ضد العبودية ولا بد أن قادة العمل من أجل التغيير ACسابقا وقادة الكونفدرالة الحرة لعمال موريتانيا يذكرون ذالك وبالطبع سيكون زملاؤك من الزنوج يذكرون مافعلته من أجلهم .
كانت رؤيتك للعروبة رؤيةلحاملي الثقافة وليس العرق وكان إعتزازك بهم يساوي إعتزازك بأقليات القوميات الأخري في الوطن العربي وخاصة هنا في موريتانيا فهي بالنسبة لك مصدر ثراء وقوة لهذا المجتمع ويجمعنا معها التاريخ والمصير المشتركين .
كيف أنسى جهودك الجبارة لدعم المحاظر والمساجد وجمعيات إعانة المرضى الأسرية منها وفي المستشفى الذي تعمل فيه خاصة تلك التي أنشأتها .
كل هذا ترافقه الصلوات الكثيرة والصيام رغم المرض وتلاوة القرآن الدائمة والإنفاق في سبيل الله بلا حدود وورع لافت .
الحمدلله صديقك بخير كان فقط خلطا في الأسماء أتمنى له ولكل معارفك الصحة والعافية فهم أهل ود  و"إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه "و" الخال والد".
الكثير من أصدقائك مازال يتذكرك بكل الحب والود .
هناك بارقة أمل في التيار فقد ولد تكتل جديد لشباب الناصريين يريد رمي حجر في بركة واقعنا الوطني ومحاولة للم شمل التيار خطوة طالما حاولت جاهدا العمل عليها . 
سوريا تنتصر على التقسيم خطوة خطوة.
فلسطين لازال شبابها يثورون من أجل العودة ويتحدون الكيان الصهيوني.
هناك أمل لاينضب في هذه الأمة العظيمة رغم كل الآلام والدموع.
رحمك الله يا أبي .

من صفحة أحمد حمنية