ترامب يُلغِي زِيارته لأمريكا الجَنوبيّة ويُرْسِل مُدَمِّراتِه البَحريّة إلى السَّواحِل السُّوريّة.. هل اقتربت “ساعَة الصِّفر” وباتَت سورية هَدَفًا لعُدوانٍ ثُلاثيٍّ أمريكيٍّ فَرنسيٍّ بِريطانيّ؟

أربعاء, 2018-04-11 01:00

اللُّغة التي يَستَخدِمها بَعض المَسؤولين في الإدارةِ الأمريكيّة في التَّعاطي مَع الأزمةِ السُّوريّة تُوحِي بأنّهم تَخرَّجوا من أكاديميّات لها عَلاقة “بِعِلم الحَيوان”، فالرئيس دونالد ترامب وَصَفَ الرئيس بشار الأسد قبل يَومين بأنّه “حيوان”، وأمس أكّدت السيِّدة نيكي هايلي “أن الوَحش المَسؤول عن الهُجوم الكِيماوي في الغُوطة الشرقيّة هو روسيا التي لا تَشعُر بالخِزي وتُواصِل دَعم النِّظام السُّوري”.
هذهِ التَّوصيفات والألفاظ “الشوارِعيّة” تَعكِس حالةً مِن الارتباك، وليس تأكيدًا على القُوّة، فالقَويّ الواثِق مِن نَفسِه لا يَهبِط إلى هذا المُستَوى من أدَب التَّخاطُب، ويَختار كَلماتِه بعِنايَةٍ فائِقةٍ تَرتَقي إلى مَكانَتِه ووَظيفَتِه.
حتى لا نَغْرَق في التَّعميم، نُؤَكِّد أنّ هُناك “عُقَلاء” في الولايات المتحدة، يَنظَرون إلى تَطوُّرات الأزمةِ السُّوريّة الحاليّة المُتعلِّقَة باتّهامات للحُكومة السوريّة باستخدام أسلحةٍ كيماويّةٍ في الغُوطة، بِطَريقةٍ مُختَلِفة، ومِن بين هؤلاء العَقيد بات لانغ، الذي عَمِل في القُوّات الخاصَّة، ووكالة المُخابَرات العَسكريّة الأمريكيّة، وخَدَمَ في مِنطَقة الشَّرق الأوسَط لعِدّة سَنَوات.
***
العقيد المُتقاعِد لانغ وَجّه رِسالةً إلى جيمس ماتيس، وزير الدِّفاع الأمريكي، يُخاطِبُه فيها بِقَولِه “أرجوك سيّدي أن تَنظُر في احتمالات أن يكون الهُجوم بغاز الأعصاب في الغُوطةِ الشرقيّة من تَنفيذ فَصائِل مُعارِضة مُحاصَرة في دوما، ولأهدافٍ دِعائيّةٍ بَحتة لدِفْعِنا كأمريكيين للإقدام على رَدِّ الفِعل الذي نَراه حاليًّا في وسائِل الإعلام الغَربيّة، المُعارَضة هُزِمَت في الغُوطةِ الشرقيّة، ومُقاتِلوها وعَوائِلهم جَرى تَرحيلهم إلى مدينة جرابلس قُرب الحٌدود التركيّة عَبر حافِلاتٍ مُكيّفة، فماذا تستفيد الحُكومة السوريّة المُنتَصِرة من استخدام الأسلحة الكيماويّة؟ آمل أن تُرسِل فَريقًا مُتخَصِّصًا لتَقصِّي الحَقائِق قَبل الإقدام على أيِّ عَمَلٍ عَسكريّ”.
 لا نعتقد أن وزير الدِّفاع الأمريكي سيُعطِي هذهِ الرِّسالة أيَّ اهتمام، لسَببٍ بَسيط، وهو أنّ قَرار تَوجيه ضربات عَسكريّة انتقاميّة إلى أهدافّ سُوريّة، وربّما روسيّة وإيرانيّة أيضًا، فالرئيس ترامب حَمّل الرئيس فلاديمير بوتين المَسؤوليّة عن هذا الهٌجوم الكيماوي، ومَندوبَتِه في الأُمم المتحدة كرَّرَت الاتّهامات نَفسها، وقالت في كَلِمَتها أمام مجلس الأمن أمس أنّ حُكومَتها ستَرُد عَسكريًّا، سَواء اتّخذ المَجلس قرارًا بإدانة سورية وروسيا أم لا، مِثلما نَجْزِم في الوَقتِ نَفسِه بأنّ الإدارة الأمريكيّة لن تستجيب لتَرحيب السُّلطات السُّوريّة بِوَفد تَقصِّي حقائِق تُرسِله مُنظّمة حَظْر انتشار الأسلحة الكيماويّة  إلى الغُوطةِ الشرقيّة.
الرئيس ترامب الذي قال قبل أُسبوع أنّه سيَسْحَب قُوّاتِه من سورية ألغى جَولةً كان سَيقوم بِها إلى أمريكا الجنوبيّة لحُضور اجتماع قِمّة الأمريكيّتين المُقَرَّرة في ليما، عاصِمة البيرو، يَوميّ الجمعة والسبت القادِمين، والنَّتائِج التي يُمكِن أن تترتّب عليها، وأوْعَز في الوَقتِ نَفسِه بإرسال مُدمِّرة بَحريّة أمريكيّة مُجَهّزة بِصَواريخِ “توماهوك” إلى شَرق البحر المتوسط قُبالَة السَّواحِل السُّوريّة.
كُل الدَّلائِل تُشير إلى أنّ عُدوانًا ثُلاثيًّا أمريكيًّا فَرنسيًّا بِريطانيًّا باتَ وَشيكًا على سورية استكمالاً للعُدوان الإسرائيلي الذي اسْتَهدف قاعِدة “تيفور” الجَويّة السُّوريّة قُرب مدينة حمص، وأدّى إلى استشهاد 14 جُنديًّا سُوريًّا وإيرانيًّا، بِقَصفٍ صاروخيٍّ لطائِرات “إف 15” من الأجواء اللُّبنانيّة فَجْر أمس.
أي ضَربَة عَسكريّة لأهداف سُوريّة، سواء كانت ثُلاثيّة أو رُباعيّة، لن تُغيِّر الوَقائِع على الأرض أو نتائِج الحَرب في سورية، فالجَيش السوري استعادَ مُعْظَم المُدن الكُبرى، وأنهى التَّهديد الصَّاروخي الذي كانَ يَستهدِف العاصِمة دِمشق بعد استعادته للغُوطةِ الشرقيّة كامِلة، ولم يَعُد هُناك أحد يُجادِل، أو يَتجرّأ، على الحَديث عن مُستَقبل الرئيس السوري بشار الأسد في السُّلطة.
التَّغيير الوَحيد الذي يُمكِن أن يُغيِّر الوقائِع على الأرض في سورية هو التَّدخُل العَسكري الأمريكي الشَّامِل على غِرار ما حَدث في العِراق عام 2003، وهذا مُستَبعد كُلِّيًّا، لأنّ العَواقِب سَتكون كارِثيّة على أمريكا، وسَيكون الثَّمن باهِظًا “جِدًّا”، واحتمالات الصِّدام مع روسيا وقَواعِدها سَتكون حَتميّة.
***
الرئيس ترامب تَورَّط مِن خِلال تهديداتِه بِتَوجيه ضَربات انتقاميّة، ولا يَستطيع أن يَتراجَع ويَظهَر بِمَظهَر الضَّعيف المُترَدِّد، ومن غَير المُستبعَد أن يَكون عُدوانه الثُّلاثي المُقبِل استعراضيًّا، وسَتكون أهدافه سوريّة مَحضَة، لِتَجنُّب احتكاكٍ روسيّ، بعد تَهديدات الجِنرال فاليري غراسيموف، رئيس هيئة أركان الجيش الروسي، بأنّ القُوّات الرُّوسيّة ستَرُد ليس فقط على الصَّواريخ في حالِ تَعرُّض أرواحِ الجُنود الرُّوس للخَطر، وإنّما للقَواعِد والسُّفن التي انطلقت مِنها أيضًا.
الرئيس بوتين يَلتَزِم الصَّمت تُجاه هذهِ التَّهديدات الأمريكيّة، ونَعتقِد أنّه صَمت الواثِق الذي يَتْرُك “الثَّرثَرة” للآخرين، والأمر المُؤَكَّد أنّه سَيكون هُناك “رَدْ على الرَّد” على الأرجَح، من الصَّعب علينا أن نَتكهّن بِطبيعَتِه وحَجْمِه.
السَّاعات القادِمة ربّما تَكون الأخطَر في تاريخ المِنطَقة العَربيّة مُنذ عُقود، وقَد تُؤرِّخ لانسحابٍ أمريكيٍّ شامِل، وبِدء مَرحَلة الانعزال الأمريكي الذي يُلَوِّح بِه الرئيس ترامب.
روسيا التي أُهينَت في أفغانستان، وأُذِلَّت في العِراق، وخُدِعَت في ليبيا، لن تَقبَل الهَزيمة في سورية.. والأيّام بَيْنَنَا.

عبد الباري عطوان