حديث السبت: إيران وجيرانها.. الخريطة الجديدة والفخ الطائفي

أحد, 2015-04-05 02:16

“عندما تندلع النار في الغابة فإنها لا تكتفي بالحطب الجاف بل تلتهم أيضا الأشجار المتباهية بخضرتها.” مثل فارسي

ـ1ـ

شيئا فشيئا غيرتْ الولايات المتحدة سياستها تجاه إيران. وهي تتجه بداهةً مع اتفاق لوزان الإطاري حول الملف النووي إلى أن تعترف رسميا بالأخيرة ـ رغم الصعوبات ـ  كشريك إقليمي رئيس. وهو ما يُمثّل الكثير بالنسبة لإيران التي تعاني من خوف وجودي من العزلة بين الجيران. بعبارة أخرى نجحتْ دبلوماسية إيران جزئيا في توظيف واستثمار أخطاء حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة : أخطائهم المعروفة المتراكمة خلال ما يزيد على ثلاثة عقود. غير أن الأهم من منظور التحولات الجيوستراتيجية الحالية أن التقارب الإيراني الغربي يشكل أحد المؤشرات المتلاحقة على أن خريطة الشرق الأوسط الموروثة أساسا عن الحرب العالمية الأولى واتفاقيات سايكس بيكو قد بدأتْ تتآكل. وأنها قد لا تكمل عقدها العاشر.

ـ2ـ

ينظر أغلب الفاعلين الدوليين إلى إيران بكثير من الحذر والانجذاب معا. فلديهم انطباع ـ إلم يكن قناعة ـ  بأنها أكثر عقلانية وأكثر نضجا وجدّية من جيرانها العرب. وقد نجحتْ إيران بشكل خاص في استثمار الصراع الغربي الصيني والصراع الغربي الروسي على آسيا الغربية والوسطى لصالحها. وساعدها أن مكانتها الطاقية الاستثنائية قد تعزّزتْ منذ 2011. أي منذ أن ظهر أنها تملك أكبر احتياط عالمي معروف من الغاز الطبيعي. كما ساعدها أن الأطراف الغربية والولايات المتحدة بشكل خاص لا تثق كثيرا في عددٍ من الأطراف المحسوبة على الأخيرة في المنطقة.

ـ3ـ

غير أن ما يمثل نجاحا إيرانيا فعليا يمثل بنفس المستوى فشلا غير خاف. فإيران وجيرانها العرب والأتراك مازالوا عاجزين عن إخضاع علاقاتهم لحدّ أدنى من العقلانية السياسية. ورغم أنه من البديهي أن قوانين الجغرافيا قاهرة وأن إيران مرغمة على التعايش مع جيرانها إلا أنه يبدو وكأن هذه البديهية “معطلة” بنسبة معتبرة. ويكفي هنا كأحد الأمثلة الكثيرة أن نتذكر أن بعض العرب وبعض الإيرانيين لم يترددوا خلال الحرب العراقية الإيرانية في استخدام أكثر الشعارات الشوفينية ظلامية حين حاولوا تسويق حرب  الثماني السنوات كحرب قومية (عربية ـ إيرانية)، أو عنصرية عرقية (عروبية ـ فارسية). تماما كما لم يتردد آخرون من الطرفين في التوظيف المتغول للشعارات الطائغية الدموية (سنة ـ شيعة) منذ تدمير العراق سنة 2003. فأحد أكبر الأخطار على قوة إيران الصاعدة وعلى جيرانها يتجسد في حرب الأشقاء هذه التي يشكل كل الشرق الأوسط مسرح عملياتها، كما هو الحال مثلا في العراق وسوريا ولبنان واليمن.  وما يبدو مكاسب إيرانية في هذه البلدان يشكل في الواقع فخاخا خطيرة على إيران وعلى جيرانها بغض النظر عما تمنحه آنيا هذه  “المكاسب” من أوراق تفاوضية. وإذا كانت إيران وجيرانها ومعهم كل العرب بمسلميهم ومسيحييهم وكل المسلمين بسنتهم وشيعتهم هم من يدفعون بمستوى أو آخر الثمن فإن مكانة إيران الجديدة مرادفة لمسؤولية سياسية وأخلاقية ثخينة بخصوص هذه الوضعية.

-4ـ

من المؤكّد أن إيران أصبحت الآن في موقع يسمح لها إن امتلكتْ الإرادة السياسية في هذا الباب أن تكون جزءا من مبادرات وجيهة لإخراج الشرق الأوسط من الفخ الطائفي وعلائقه. وهي مبادرات يبعُد أن تكون لها دلالة واقعية إذا لم تشارك فيها السعودية وتركيا. صحيح أن هذا السيناريو غير وارد الآن إلا أنه لم يعد مستحيلا كليا خصوصا إذا ظهرت جهود اقليمية رسمية وشعبية دافعة تجاه تحقيقه. ومما قد يساعد فى ذلك أن أطرافا معتبرة في المنطقة بدأت تخرج من سلبيتها تجاه خطر الاستقطاب الطائفي المتغول حاليا.

ـ5ـ

لفترة طويلة كانت اسرائيل تطمح إلى تحالف مع إيران من منظور أنهما يواجهان نفس “العدو”. وظلت تأمل في أن “العقبة الأيديولوجية” ستزول  مع الوقت؟ ولكن معطيات كثيرة أهمها حرب 2006 مع حزب الله جعلت أطرافا اسرائيلية تروج لتحالف اسرائيلي “عربي” ضد ما تسميه هذه الأطراف محور إيران. ومن المفارقات الدالة مثلا في الساعات الأخيرة أن “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات ” المحسوبة في الولايات المتحدة على المحافطين الجدد والتي ساهمت بحماس في التعبئة ضد التوصل إلى اتفاق حول البرنامج النووي الإيراني قد غيرت لهجتها فجأة. وهو أمر تمكن ملاحظته لدى عدد من المؤسسات المماثلة. بدتْ وكأنها قد قبلتْ الاتفاق مع إيران كأمر واقع ولكنها تريد أن تكون شريكة في استثمار ثمنه. ساعات بعد الإعلان عن نتائج محادثات لوزان، دعت هذه المؤسسة الدول الخليجية إلى تطوير يرنامج نووي في مواجهة إيران. ما دلالة هذا القاموس الجديد؟ يمكن أن نجيب على هذا االاستفهام بتساؤلين ختاميين : هل من مصلحة الدول الخليجية حتى لو طورتْ برامج نووية أن تدخل في سباق تسلح مع إيران؟ أم أن أي تقارب خليجي إيراني أو سعودي إيراني يمثل خطوة من أجل وقف النزيف الطائفي المدمّر للطرفين ؟

 

* مدير مركز الدراسات والأبحاث العليا في بروكسيل

د. محمد بدي ابنو

[email protected]