أمريكا و"الإرهاب"/ د عبدالله بيان

ثلاثاء, 2017-10-03 01:19

قام فجر الْيَوم المواطن الأمريكي ستيفن بادوك بمذبحة في لاس فيغاس راح ضحيتها حتى الآن حوالي 60 قتيلاً، ليكون بذلك الحادث الأكثر دموية في تاريخ أي هجوم فردي في الولايات المتحدة. الإرهابي الآمريكي ستيفن (الوصف طبعاً من عندي، فالرجل ليس مسلما ليُنعت بالإرهابي، وقد اكتفى الرئيس اترامب بوصف الجريمة ب "الشريرة" و "القتل الأعمى") يبدو أنه خطط بعناية للجريمة، فاختار المكان والزمان المناسبين، فحجز غرفة في الفندق المطل على الحفل المستهدف، وأدخل معه عشر بنادق، من بينها أسلحة رشاشة. ومع ذلك، وقبل اتهام الأسرة والأقارب والمركز الديني الذي يتبع له والتحقيق معهم حول علمهم بسلوك المعني، كما يحدث في حال نظرائه من المسلمين، أعلنت الشرطة الأمريكية في ساعاتها الأولى أنه قام بهذه المذبحة بشكل فردي "Acted alone"!  

طبعاً، هذه الجرائم مُعتادة هنا للأسف، ومن الروتيني أن يصحو الأمريكي على حوادث القتل المسلح في هذه الولاية أو تلك، و يكفيك أن تعلم بأن حوادث القتل الكبيرة التي اقتضت توجيه "خطاب رئاسي إلى الأمة" بلغت في عهد أوباما وحده، حتى أكتوبر 2016، حوالي 25 حادثة، حسب تقرير لسي أن أن. 

وفي مقارنة بسيطة بين العنف المسلح والإرهاب نجد أنه: تبعاً لبيانات وزارة الخارجية الأمريكية عن الضحايا الأمريكيين للإرهاب في الخارج، بالإضافة إلى إحصاءات ضحايا "الإرهاب المحلي"، وحسب مراكز مراقبة الأمراض والوقاية منها "CDC"، وقناة CNN، فإن مقابل كل قتيل آمريكي واحد بسبب الإرهاب المحلي والدولي قضى 1049 مواطن آمريكي بسبب "العنف المسلح"، خلال الفترة ما بين 2001 - 2014، أي بمجموع 44095 ضحية، وبمعدل أكثر من ألف ضعف، قُتلوا بأسلحة نارية في نفس المدة. 

وهذا بالمناسبة لا يعني انتقاصاً أو تفريقاً بين القتل بسبب الإرهاب أو العنف المسلح، فكلها جرائم دموية مؤلمة، يقضي بسببها أبرياء ويُفجع فيها مسالمون. وإنما تنبيهاً إلى أنه في حين تعجز الولايات المتحدة الأمريكية داخليا عن استصدار أي قانون جدي يحارب "الإرهاب" الحقيقي أو يحد من انتشار القتل المسلح، متحججة بتراثها الدستوري (الحق في حمل السلاح)، وهي التي غيرت دساتير العالم وقوانينه تحت نفس المسمى، ومستسلمة للوبيات شركات السلاح، مثل NRA وغيرها، لا تزال حرب أمريكا على ما تسميه الإرهاب مستمرة. تركب موجتها نخب العالم الحر وأتباعه، وتقتل باسمها الطائرات الأمريكية، بطيار أو بدونه، بعد أن دمرت دولاً وشردت شعوباً، وسجنت وعذبت عدداً كبيراً من الأبرياء (في اغوانتنامو وغيره) لأكثر من عقد من الزمن، وخسرت في سبيل ذلك الكثير من الجنود. 

ومن الغريب أنه، وحسب بنك المعلومات للإرهاب الدولي، Global Terrorism Database (GTB)، التابع لجامعة ميريلاند الأمريكية: فإن العراق مثلا، وفي تاريخه الموثق منذ 1892، لم يشهد قط أي عملية إرهابية حتى سنة 2003. وأن باكستان في 14 سنة التي سبقت 2001 لم تسجل فيها إلا عملية إرهابية واحدة.. هذا مع العلم أن جميع مراكز الدراسات المهمة تقول بأن أكثر من 99% من ضحايا ما يسمى الحرب على الإرهاب حتى الآن مسلمون. 

مع ذلك لا تزال يافطة الحرب على الإرهاب والتطرف مرفوعة في بلداننا، يقاتل تحتها مثقفون متنورون وتُنهب بها الثروات وتُعاق طريق التحرر والتنمية. كما تساند خلفها الولايات المتحدة عدداً من الدكتاتوريات الدموية في العالم، وتسكت عن أخرى، بلغ ضحاياهم من القتلى والمشردين عشرات الملايين. 

فهل من مدّكر؟