معركة حلب تقترب بسرعة من نهايتها ان لم تكن انتهت فعلا..

أربعاء, 2016-12-07 19:44

عندما تُبادر المعارضة السورية المسلحة في حلب الشرقية، وتنخرط في مفاوضات مباشرة مع قيادة الجيش السوري عبر هيئة الصليب الأحمر الدولي، وتعرض هدنة من خمسة أيام لوقف شامل لإطلاق النار من أربعة بنود، ابرزها اخلاء الحالات الطبية الحرجة التي تحتاج الى عناية عاجلة، واجلاء المدنيين الراغبين في مغادرة حلب، فإن هذا هو قمة العقل والحكمة، وتقليص للخسائر، وإنقاذ اكثر من مئة الف مدني محاصرين من الموت جوعا، او تحت الأنقاض، بسبب القصف، او برصاص المتقاتلين وشظايا قذائفهم.
انها مؤشرات تؤكد قرب نهاية الحرب في حلب، او النهاية بحد ذاتها، ودون أي مواربة او تلاعب بالألفاظ، فالخيار الوحيد هو القتال حتى الموت، اما انتظار الدعم الخارجي، او التدخل الدولي المأمول والمنتظر من قبل الحلفاء العرب والغربيين بات سرابا دون أي جدوى، فلا احد يريد ان يرسل جنديا واحدا، او طائرة حربية واحدة، لان هذا يعني الدخول في مواجهة مع الروس ربما تكون مكلفة جدا على الصعد كافة.
***
جون كيري وزير الخارجية الأمريكي الذي يقضي أيامه الأخيرة في منصبه قالها قبل ستة اشهر، وعلى هامش مؤتمر لدعم المعارضة السورية انعقد في لندن.. قالها لمعارض سوري أراد تحديه واحراجه بسؤاله عن عدم التدخل الأمريكي بشكل اكبر في الازمة السورية وحماية المدنيين، هل “تريدنا ان ندخل في حرب عالمية ثالثة ضد الروس من اجلكم”، ومن المفارقة ان الرئيس باراك أوباما جدد معارضته لتدخل بلاده عسكريا في العراق، وحمل هذا الغزو المسؤولية عن صعود “الدولة الإسلامية”، وحالة عدم الاستقرار في المنطقة.
المعارضة السورية بشقيها المتطرف والمعتدل لم تستوعب هذه الرسالة ومضمونها في حينها، واستمرت في الرهان على واشنطن وحلفائها العرب، والسعودية خاصة، التي اتهمها السيد ميشال كيلو السوري المعروف في تسريب منسوب اليه، ولم ينفه، “بأنها لا تعرف الديمقراطية ولا حقوق الانسان، مثلما لا تملك حسا عروبيا او إسلاميا وانها وحلفاءها في دول الخليج الأخرى تريد تدمير سورية وليس إقامة نظام ديمقراطي فيها”.
نتمنى ان تتجاوب الحكومة السورية إيجابيا مع عرض الهدنة هذا، وتسمح بجلاء جميع المدنيين الراغبين بالمغادرة الى مناطق آمنة، وتقديم كل المساعدات الطبية للمصابين والمرضى الذين هم في حاجة اليها، وان تقدم الضمانات للمسلحين بالأمان، وتسوية أوضاعهم على غرار ما فعلت مع آخرين في مناطق أخرى، وقرروا الاستفادة من العفو الرئاسي والقاء السلاح.
محافظة ادلب التي كان يتوجه اليها المسلحون بسلاحهم الفردي في تسويات سابقة، لم تعد آمنة، وتواجه قصفا جويا مستمرا، وغير متوقف، ومن المتوقع ان يتضاعف ويزداد كثافة بعد الانتهاء من معركة حلب، ولذلك ربما تكون محاولة الذهاب اليها مخاطرة كبيرة لانها لن تعد ملاذا آمنا.
حتى تركيا التي لعبت حكومتها دورا كبيرا في تضليل السوريين وتحريضهم على حمل السلاح، متعهدة بإسقاط النظام، كانت اول من خذلهم، وتخلى عنهم، وأغلقت الحدود في وجوههم، في اطار تفاهمات مع روسيا بعد قبولها بمصالحة مذلة مع موسكو.. السيد بن علي يلدريم رئيس الوزراء صرح اليوم، وبعد لقائه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الكرملين “ان التدخل العسكري التركي في سورية لا يهدف الى اسقاط النظام في دمشق، وغير مرتبط بالوضع في حلب، والهدف منه هو القضاء على “الدولة الإسلامية”.
انه تراجع آخر مهين امام الضغوط والتهديدات الروسية عن تصريحات سابقة ادلى بها الرئيس رجب طيب اردوغان قبل اسبوع، وقال فيها “ان قواته التي توغلت في شمال سورية ستواصل زحفها حتى اسقاط النظام في دمشق”.
***
من حق المعارضة السورية ان تنتقد النظام وبعض ممارساته، وان تطالب بإصلاحيات سياسية جذرية، ولكنها مطالبة في الوقت نفسه بإجراء مراجعات جذرية متعمقة حول الاسباب التي اوصلتها الى هذا الوضع المأساوي، وابرزها خذلان حلفائها في منطقة الخليج العربي وتركيا وامريكا، وكل الدول الغربية المنافقة.
نناشد الرئيس السوري بشار الأسد، الذي لا نستبعد ان يكون على رأس المحتفلين في قلعة حلب بنهاية الحرب فيها، وعودتها الى السيادة السورية، ان يصدر تعليماته الى قياداته العسكرية والأمنية بالرأفة بكل المعارضين الذين يلقون السلاح ويريدون العودة الى حضن الوطن، وحسن معاملتهم، وحفظ كبريائهم، وتسوية أوضاعهم، والترفع عن كل النزعات الانتقامية والثأرية، تماهيا مع ارثنا الاسلامي العظيم وامثلته المشرفة في هذا المضمار، وما اكثرها.
سورية اكبر من الجميع وستظل، وتجربة السنوات الست الماضية، وما احتوته من مآسي وسفك دماء الأبرياء من الجانبين، ونكرر بأنهم جميعا أهلنا، يجب ان تكون درسا للسوريين والعرب جميعا، اول فصوله عدم الرهان مطلقا على امريكا والغرب وكل العرب الذين يسيرون في ركبهم، وينفذون اجنداتهم الكارهة والحاقدة على العرب والمسلمين.
الم يحن الوقت لاستخلاص الدروس والعبر، وحتى متى سنظل نكرر هذه الابجديات؟
عبد الباري عطوان