قراءتي اليوم في الصحافة الفرنسية.. هجـــــوم «شارلي إيبدو».. فرصـــة لليمين المتطرف

أحد, 2015-01-11 08:04

لوموند

في سياق التغطية المكثفة لأحداث ما بعد مجزرة «شارلي إيبدو»، نشرت صحيفة لوموند مقالاً لأوليفييه روي، الباحث المتخصص في الدراسات الإسلامية، تساءل في بدايته عما إن كانت المشاعر المشدودة التي اجتاحت فرنسا خلال الأيام الماضية بعد المجزرة هي نتيجة شعور عارم بالرعب، أم أنها تعبير عن تضامن وطني.. مجيباً بأنها تظهر في الواقع حالة مجتمع يواجه تحديات بالغة الصعوبة، وذلك لأن هذا الحادث الإرهابي يحمل في طياته من الدلالة ما يجعله أكثر من مجرد جريمة: فهو حادث ذو إسقاطات سياسية، ليس فقط بسبب كونه الهجوم الأكثر دموية في تاريخ فرنسا منذ سنة 1961، ولا لأنه أيضاً ينال من حق حرية التعبير وحرية الإعلام، ولا يستبعد أبداً بطبيعة الحال -يقول الكاتب- أن تقع هجمات أخرى مشابهة في المستقبل تحت أية ذريعة أو لافتة، تماماً مثلما أن حرية التعبير تعرضت من قبل وستتعرض لتهديدات أخرى.. بل الأخطر في هذا الهجوم هو أنه حول سجالاً ثقافياً وقضية رأي عام إلى سؤال وجودي من الأساس: سؤال العلاقة بين الإسلام والعنف، وهو ما يقود للتساؤل أيضاً عن موقع المسلمين في فرنسا.

وهذا سؤال وجودي حقاً، يقول الكاتب، لأنه يتعلق جوهرياً بقضية التعايش داخل المجتمع الفرنسي، الذي يزعم البعض أنه مهدد بوجود سكاني مسلم، يرونه أبلغ تأثيراً من أن يكون مجرد ظاهرة ديموغرافية، وفق الرأي السائد الآن.. وفي الوقت نفسه يطرح أيضاً سؤال خطر تفاقم الخوف من الإسلام «الإسلاموفوبيا» بسبب أعمال إرهابية يقوم بها أفراد لا يتجاوزون عدد أصابع اليد الواحدة. وكل هذا يدعو للحذر من تفاقم العنصرية والكراهية وتهديد قيم العيش المشترك بين مكونات المجتمع المتعددة. وأخطر ما يمكن أن يقع هو تفاقم الموقف السلبي تجاه المسلمين في فرنسا. ولذا فلابد من مقاربة أكثر وعياً وحذراً في التعامل مع مثل هذا الحدث العنيف، الذي لا يجوز بحال وصفه بأنه 11 سبتمبر فرنسي، ولا ربطه بحضور سكاني مسلم واسع وراسخ في فرنسا، منذ زمن بعيد.

لومانيتيه

الكاتب غريغوري مارين نشر مقالاً بصحيفة لومانيتيه بعنوان: «الجبهة الوطنية تعوّل على توظيف الرعب» نقل في مستهله عن «مارين لوبن» زعيمة هذا الحزب اليميني المتطرف قولها إنها ظلت تنتظر أن يرن هاتفها في أية لحظة، متوقعة أن يطلب منها رئيس الحكومة المشاركة في المسيرة الجمهورية الكبرى التي ستنظم اليوم الأحد للتعبير عن التضامن مع ضحايا المجزرة، وذلك باعتبارها زعيمة حزب أصبح مؤثراً بالمعايير الانتخابية، وأيضاً بحسب زعمها: «لأن ثقافتنا، وحرياتنا، وقيمنا، وطريقة حياتنا، كلها قد هوجمت»! وراحت وريثة حزب لوبن، تثرثر كالعادة منتقدة أسباب عدم دعوتها، مدعية أن ذلك يفقد المسيرة صفة «الوحدة الوطنية»! غير أن رطانتها اليمينية المتطرفة وسعيها لانتهاز الفرصة سياسياً سرعان ما فضحهما كلامها: «على فرنسا أن تكون في حرب ضد الأصولية الإسلامية»، فهل كانت تقصد حرباً على شريحة من مواطنينا، يتساءل الكاتب، مشيراً إلى قولها: «يلاحظ بوضوح مدى تغلغل الإسلام الراديكالي في أراضينا»، في تكرار للخلط المعهود لديها، خاصة لكثرة حديثها عمن تسميهم «الناس الذين يحملون جنسية مزدوجة». وفي المجمل انتقد الكاتب خطاب لوبن، مرجحاً أن يسعى حزبها اليميني المتطرف لاستغلال الظروف الراهنة لتحقيق مكاسب سياسية رخيصة.

ليبراسيون

نشرت صحيفة ليبراسيون مقالاً للمحلل السياسي «توماس غينول» تحت عنوان: «هجوم شارلي إيبدو: ليس على مسلمي فرنسا التبرير»، قال فيه إن التنطُّع الآن للطلب من مسلمي فرنسا دون غيرهم إصدار بيانات إدانة لهذا العمل الإرهابي، يعني عملياً ممارسة نوع من الفرز الديني ضد هؤلاء المواطنين الفرنسيين. وهو بالتبعية موقف سلبي تجاههم، ومنافٍ أيضاً لقيم الجمهورية. وقال الكاتب إنه عندما قتل متطرفو جماعة «كو كلوكسكلان» في أميركا مواطنين سوداً لم يقل أحد يومها إن على رجال الدين المسيحيين الأميركيين أن يتحملوا تبعات تلك الأفعال. وعلى امتداد ثلاثين سنة من الهجمات التي دبرها الجناح المسلح من الجيش الأحمر في ألمانيا، لم يطلب أحد من اليسار الألماني أن يعلن تعلقه بقيم الديمقراطية. وحتي لا ننسى مثالاً آخر هو الأقرب إلينا، يقول الكاتب، هنا حتى في فرنسا لم يطالب أحد في عقد الثمانينيات من اليسار المتطرف أن يعلن تبرؤه وإدانته الشديدة لأعمال منظمة «العمل المباشر» العنيفة. لماذا؟ لأن كل واحد من هذه الأطراف المذكورة كان يمكن افتراض تعاطفه الضمني مع أعمال عنف الطرف المحسوب، من بعيد أو من قريب، على توجهه الإيديولوجي. وفي هذا محاكمة نوايا غبية، وحمقاء، وغير منصفة. وهذا يصدق أيضاً اليوم على بعض الأصوات التي تتردد منذ هجوم «شارلي إيبدو» مطالبة قادة المنظمات المسلمة الفرنسية، ومن ورائهم عامة مسلمي فرنسا، بإدانة ما وقع! وهذا موقف أيضاً أحمق، لأن مسلمي فرنسا أبرياء تماماً من أعمال أفراد إرهابيين، لا يمثلونهم، ولا يتحملون أية مسؤولية عن أفعالهم العنيفة.

إعداد: حسن ولد المختار