سنة تأليم التعليم في موريتانيا / عبد الناصر بيب

سبت, 2016-02-27 18:17

 

يعتبر التعليم في العالم هو مقياس تطور وتقدم المجتمعات بل هو شريان الحياة للشعوب، وفي موريتانيا للتعليم شأن آخر، إذ يعاني تعليمنا من تراكمات عقود من الإهمال والاستراتيجيات الفاشلة لمختلف الانظمة الموريتانية، حيث صنفت بعض المنظمات الدولية الحالة التعليمية في موريتانيا ضمن الأضعف عربياً، 

وبسبب عدم تطوير العملية التعليمية استشرت البطالة وانتشر الفقر، وحسب المعطيات فحوالي 12% فقط من خريجي جامعة نواكشوط يجدون فرص عمل، بينما 50% من تلاميذ المدارس الفنية يتم الاستفادة بهم في سوق العمل، ولأن الناس لا يعتبرون التعليم بوابة للحصول على فرص عمل ونظراً لقلة رواتب التعليم تشير معظم هذه الأرقام إلى أن حوالي 40% من التلاميذ لا يكملون دراستهم الابتدائية بل يتسربون من التعليم، ولوحظ أيضاً تراجع واضح في أعداد العاملين في العملية التعليمية الموريتانية، وفي نفس الوقت تعاني المدارس والمعاهد والجامعة الموريتانية عجزاً واضحاً في التجهيزات والبنية الأساسية، فمثلاً لا يتوافر من الكتب المدرسية إلا 40% على الأكثر، وهذه كلها أرقام حكومية .
ومنذ البداية كان واضحًا أن إصلاح التعليم في موريتانيا يحتاج إلى تكاتف جهود الجميع وتدخل عاجل من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذ وفي اسرع وقت ممكن، وهنا أعلن أن سنة 2015 سنة للتعليم، ورغم هذا الاعلان لم يتغير حال التعليم لا على مستوى تدريب وتكوين المعلمين والأساتذة أو إنشاء بنية تحتية أو صياغة برامج لإصلاح القطاع أو حتى القضاء على بعض مظاهر الفساد الإداري والمالي في المؤسسات التعليمية، وعلى العكس من ذالك فقد شهد هذا القطاع في هذه السنة بالضبط انهياراً شديداً أدى باعتبار سنة التعليم من بين الأسوء منذ تأسيس هذا القطاع، وذالك من خلال جميع الأرقام والمعطيات، وخير دليل على ذالك نسب نجاح الطلاب في جميع المسابقات الوطنية .
ففي مسابقة ختم الدروس الابتدائية في عموم موريتانيا أظهرت النتائج أن أزيد من 23 ألف تلميذ قد استطاعوا الحصول على المعدل 100 نقطة من أصل 200 في مسابقة ختم الدروس الابتدائية لهذا العام، بينما بلغ عدد الناجحين في المسابقة حوالي 28 ألف تلميذ، حيث اعتمدت 85 نقطة من أصل 200 نقطة هي مجموع نقاط المسابقة كعتبة أدنى للنجاح .
وعلى مستوى شهادة ختم الدروس الاعدادية بلغ عدد من نجحوا بالحصول على معدل 10 من 20 حوالي 5820 من أصل 52107، وذلك بنسبة لم تتجاوز 11% من المشاركين و27% من الناجحين، لتقرر إدارة الامتحانات بعد ذالك تنزيل معدل النجاح إلى 8 من 20
وهو ما رفع عدد الناجحين إلى 21456 وبنسبة 41% .
وفي مسابقة البكالوريا لهذا العام بلغت نسبة النجاح حوالي 10% بالنسبة لعدد المشاركين الفعليين في المسابقة، بينما تنخفض النسبة لتصل إلى 9% بالنسبة لعدد المترشحين لها أصلاً، وكان لافتاً أيضاً - وكما جرت العادة - أن عدد المتغيبين عن الامتحان يقترب من عدد النجاحين في المسابقة حيث تغيب 3188 عن قاعات الامتحان .
لكن الفضيحة الكبرى التي هزت قطاع التعليم هذه السنة، ورغم إعلان السلطات الموريتانية أن جميع الإجراءات تم اتخاذها من أجل إنجاح المسابقة مثل تأمين أوراق الامتحان وإغلاق الوراقات التي تقدم خدمة نسخ الأوراق وسط العاصمة نواكشوط ، كانت فضيحة ملابسات تسريب امتحانات الباكلوريا، والتي انتشرت باسئلتها وأجوبتها على نطاق واسع، وخصوصا مادتي الرياضيات والعلوم، وذالك من خلال وسائل وتقنيات الاتصال الحديثة حيث وزعت وظهرت صور الامتحان بكثرة على مجموعات الواتساب وصفحات الفيس بوك لحظات قليلة بعد انطلاق امتحان الباكلوريا .
وعلى المستوى الجامعي، قام وزير التعليم العالي والبحث العلمي سيدي ولد سالم بإلغاء نتائج اجتماع اللجنة الوطنية للمنح في دورتها المنعقدة يوم الثلاثاء 31/03/2015، ليتم بعد ذالك إلغاء أكثر من 1000  منحة داخلية وأكثر من 300 منحة خارجية في قرار غير مسبوق . وفي بداية العام الجامعي الجديد تم ترحيل كلية الآداب والعلوم الإنسانية إلى أرض خلاء لتناضف إلى كليتي العلوم والطب، ورغم ذالك لم تقدم الجامعة لهؤلاء الطلاب مكان للسكن، ولم توفر هذه الجامعة أو وزارتها للتعليم العالي والبحث العلمي من أجل نقل أكثر من 10 ألاف طالب جامعي في هذه الكليات الثلاث سوى 20 باص على الأكثر عند بداية الموسم الدراسي، وجميعها متهالكة كانت تتساقط يومياً في طريقها إلى الجامعة، وبعد أن واجهت الطلاب بالقمع والتنكيل والضرب بدون وجه حق مقابل مطالبهم المشروعة خلال إضرابهم من أجل توفير النقل والسكن والمطعم، والذي دام عدة أسابيع، اتفقت هذه الجامعة مع ائتلاف النقابات الطلابية على توفير 45 باص (20 باص من الحجم الكبير و25 باص من الحجم المتوسط )، ومنذ بداية الاتفاق لم تلتزم الجامعة لا بتوفير عدد الباصات التي تم الاتفاق عليها ولا جلب باصات من الخارج خلال المدة المحددة، وخلال يومنا هذا مضى أكثر من شهرين على الاتفاق ورغم ذالك لم يصل إلى العاصمة نواكشوط ولا باص واحد .
بعد سنة تأليم التعليم في موريتانيا، مازال هذا القطاع يحتضر وفي أزمة جداً معقدة وخطيرة، وهو مايثبت أيضاً أن السلطات فشلت كلياً خلال هذه السنة في فك بعض رموز هذه الأزمة، أو بالأحرى زادت التعليم تأزماً، حيث مازال تدهور مستوى الطلاب قائماً والظروف الصعبة هي نفسها لجميع العاملين في هذا القطاع .
فإلى أين يسير التعليم في موريتانيا ؟!
اللهم إنا لا نسألك رد القضاء، ولكنا نسألك اللطف فيه .