يسألونك عن الحوار في واحدة من  الديمقراطيات المستجلبة إلى أقطار الوطن العربي..!

ثلاثاء, 2025-03-18 03:21

إنه تساؤل مشروع غير، أنه  يعبر عن جهل مشفوع بطمع "سندباد البري" - الأسطورة - بما في حمولة الباخرة الفرنسية من "حاويات"، هي هدية  معروضة، وفي نفس الوقت مفروضة، لأنها بضاعة مزجاة، مضافة إلى خبرة الحكام العسكريين السابقين، واللاحقين، لكن هل تعترف الأجيال الموريتانية الحاضرة، بتكفير فرنسا - عما فعلته بالوطن، وبمجتمعنا   الموريتاني -  وذلك ترشيد الحكم السياسي للأجيال اللاحقة، إذا قدرت  دور هذا الإرث المدني بعد الحكم العسكري، وتجربة الاستقلال  في ستينيات القرن العشرين بقيادة الحزب الواحد، علاوة على مساندة الأنقلابيين على الأقل  في انقلاب  معاوية سنة ١٩٨٤م.؟!
وهذه المحطات  غير متباعدة بعمر المجتمعات، و في نظر فرنسا،  واتباعها، أنها  ضرورية لمرور قطار الحكم السياسي في بلادنا إلى ما وصل إليه في العنوان المشترك الذي،  يجمع نظامنا السياسي مع الأنظمة في المجتمعات الحديثة، والمعاصرة..!
يا سلام، أي حلم نعيشه، ولا نقدره، حتى تنتهي السكرة، الغفلة، البيات، الضياع ..!
ومن أجل اقناع  الحاكم، والمحكوم معا بالديمقراطية  في شكلها، ومضمونها، فلتكن ديمقراطية مكلبة، بشعارها الوهاج، وهذا هو الأهم.. ولو أنها ترفض المعارضات الحزبية، إذا كانت غير قبلية، غيرجهوية، غير مدعومة من  مشيخات الخليج العربي المتأمركات، غير ملونة، غير فئوية، غير إثنين…!
ولعل القارئ لن يسأل عن العلاقة بين عنوان المقال، والرموز الباقية، عالقة في ذاكرة الوطن، إذا نسيها المواطن الجوعان بصومه، وجوعه وعجزه عن مشتريات المطالب اليومية لأسرته.. وكلها أمور تجمع بين الضرورات الملحة للمواطن، وبين الطموح الذي  يمور في ذهنه ، الغارق بين دفتي الفكر، والمشاعر، والنفسيات المحيطة التي تبحث عما في تلك "الحاويات"، وما جلبته الباخرة الفرنسية حين رست على ميناء نواكشوط لأول مرة سنة ١٩٩١م. بحمولتها العظيمة، الوصفة لداء التخلف السياسي، والاجتماعي، إنها ( الديمقراطية) الاسعافية، للطبابة من جائحة أفقر دول الساحل في غرب أفريقيا، تلك هي  بلادنا حماها الله ممن فيها من معارضي التقدم، المناوئين للديمقراطية الحرة التي أطلقت الألسن المككمة دهورا،  حتى استنطقتها الوصفة المستجلبة، واختارت لنا "الطبيب المداويا"، لكن للأسف تضاعف الداء على الدواء،، بظهور أعراض غير قابلة للكبح، لذلك، فبلادنا معرضة  لجرائم الجوارح من الديناصورات  الانقلابيين ..!
…….
وبما أن القرن الماضي أطلق عليه "قرن -  اسبرين"، فمن الأولى أن نعرفه في بلادنا بقرن الديمقراطية المكلبة عندنا، وذلك لما للوصفة من فاعلية أزالت الأسقام، كالانقلابات، وتنطع العسكريين، وتحالفهم مع " الكادحين"، وهم كالمخدوعين على سرير الزوجية ببنات الكادحين، اللائي يسترجعن تجربة الفرنسيات في زواجهن بابناء المتصوفة في الجزائر، والهدف واحد، أخضاع المواطنين، ب"تربية القلوب" في حلقات الذكر وترديد " ألله، ألله،  أو أللى، أللى " ، كما اخضعت الفرنسيات، ازواجهن للتخدير في الجزائر اثناء الاحتلال الفرنسي، كذلك، استطاعت وصفة الديمقراطية  المكلبة  احتواء، " التكيف" في التحور من عسكري إلى مدني عبر الانتخابات، وتعدد الأحزاب في اسمائها، ورموزها، وتراخيصها، قبل محاولة سيادته( ..)، استبدال الأخيرة ب" التصاريح" التي لا تخضع لقانون الأحزاب، واعفائه  الأنتقائي للأحزاب المفرخة، ربما لأنها مجربة بمظاهر الأنسجام مع مناخ الديمقراطية الموريتانية التي  تتردد كثيرا  في إدخال الأحزاب القومية، والتقدمية، والشبابية، والاجتماعية للأستشفاء في العيادة العامة للأحزاب، أقصد البرلمان، وذلك  لتلقي الحقن، وأولها، أن تقبل الأحزاب - غير المجربة -  بالحوار، وهذا منطقي جدا، وهو اختبار إلزامي، على كل المترشحين للأمتحان الديمقراطي، التوافق غير المشروط، للأحتواء، كالمعارضة الموجودة  في البرلمان التي إن اختلفت في انتماءاتها، فإنها متفقة مع مطالب الحزب الحاكم، وهذه واجهة من أوجه " الإنصاف" في حقه، حتى يدرك قطب الزمان، و "مربي القلوب"، و الصيدلاني، والصيدلانية، مدى الاستجابة الصادقة  من تلك المتلكئة، أوالممتعضة من الحوار، المجس الذي  يكشف عما في الأحزاب من غرائز عدوانية، كمعارضة النظام، لأن الديمقراطية المكلبة، في جوهرها،  تكميلة لتحصين النظام السياسي من النزلاء الجدد قبل ولوج  الأحزاب للبرلمان الموريتاني الذي هو بمثابة عيادة للطبابة السياسية، وللسياسيين، مهما كان برلماننا متأثرا في هيكله التنظيمي بالعهد السابق، عصر الجوارح الانقلابيين، لذلك، فالرئاسة للعسكريين المتحورين، وللمرة الثانية، ولو أنهما في فترة التقاعد، فهما أكثر انضباطا، ومنعا  من فوضى  المدنيين الذين لم ينتظموا في سلك الخدمة الوطنية التي تصنع المواطن الصالح..
 وللعلم، فالحجر على اعضائها، و ليس على مؤسسة البرلمان المستقلة منذ أقلعت  بها الباخرة الفرنسية الى بلادنا، وحملت برعاية فائقة  في حاوية بمفردها، ليترأسها من هب، ودب من شيوخ القبائل، وآدوابه، حتى عادت إلى حضنها الطبيعي، للأنضباط العسكري المتحور في ال" كليشة " المدنية..! 
……..
 
نحن في الحركة الشعبية التقدمية، كنا، ولا نزال نطالب بالاعتراف، وانتزاع حقوقنا السياسية، وأولها التراخيص -  لمن تقدم لها في وزارة الداخلية، وليس التصاريح - القانونية المنظمة للعمل الحزبي، والأحزاب في تصورنا العام، تنحصر وظيفتها في توعية المواطن، والنظام معا، للاستجابة للحقوق المدنية، والسياسية، وهي حقوق مستحقة ، وليست عطايا، أوهبات، أوصدقات، أو رشى، لأن الاخيرة، حين تقدم للمواطن،فإنما هي مقتطعة  من الميزانية العامة، من عائدات الريع بعد تسويق الثروات الطبيعية، وليس من جيب هذا،  أومن محفظة تلك..!
والعمل الحزبي، هو الذي ينظم الحياة السياسية في الدول التي وصل التطور بها إلى هذا النظام  البديع - في إحقاق العدالة الاجتماعية، وليس الديمقراطية المزيفة - الذي جعل الناخب متحكما في مقعد من هو على قمة الهرم السياسي في هذا العقد الاجتماعي المتجدد،، وليعلم المشرفون على تجربتنا  الديمقراطية المكلبة، أنها معلمة، ومدربة، وملزمة بالانتخابات، وباحزاب تعبر عن الحراك السياسي المطالب بالحقوق المشروعة للمواطن..
 ولعل التوافق الوطني بين الأحزاب السياسية، والنظام السياسي، محصورا  في الدفاع عن المشترك من الثوابت الوطنية المحددة في كل المجتمعات الحديثة في ثلاثة ثوابت مبدئية: 
١- الدفاع عن الوحدة الديمغرافية.
٢- الدفاع عن الوحدة الترابية.
٣- الدفاع عن النظام السياسي، كخيار عام.
 وما عدا هذه الثوابت، فالاختلاف مشروع، ومطلوب، والعدول عنه خيانة للضمير، وللمبادئ الحزبية، وللمواطن، وللمجتمع العام.
…….
ونحن في الحركة الشعبية التقدمية، قدمنا في مقال شيخنا ولد أحمد سلطان، المحاور التي ينبغي أن تكون موضوعات للحوار المطلوب، والهدف الذي يتوخى من الحوار، والتوقعات المنتظرة من أي حوار جاد، و بناء.
……
وقد ظهر مؤشر غير مشجع للحوار، تمثل في الأداة  التي أسند لها إدارة الحوار، وهو من التيار الذي  له سوابق سياسية، عرف عن أطره المعاد تدويرهم، تمرير مطالب النظم، ومن هنا كانت حاجة النظام القائم باسلوبه الواضح، الفاضح، لنواياه، الأمر جعل العديد من السياسيين يعبر عن الموقف من الحوار، وعدم جدواه مقارنة بالحوار السابق الذي ترأسه إطار سابق من ذات التيارالبراغماتي، ولم ينتج عن الحوار نتائج تشجع على حوار  المنتظر…!
….
وقد ظهرت " إمعات" الأمس  ترفض الحوار، ولعها تهدف من ذلك، إلى أن تضمن إشراكها فيه باسمائها، وبالتالي يكون رفضها  كنوع من الاستثمار السياسي..
بينما ظهرت أقلام  تدافع عن مشروعية الحوار، وكفؤية أداته التي ستترأسه، ولعل بعض تلك الأقلام، تبحث، هي الأخرى عن دورها في"  المصانع التحويلية" للتدوير السياسي، باعتبار أنه استهدف فئة المخلفات، للأنظمة السابقة البائدة، حتى التي وقفت مع أنظمة لم تراع أبسط حقوق المواطن، فقامت  بتسريح الموظفين من الوظيفة العمومية، وذلك بدافع غريزة الجموح  للسيطرة الإدارية لتيار الراحل محمد ولد سيدي عبد الله رحمه الله، ومستشاريه، والبطانة الفاسدة..! 
وحالة، كهذه مثل الذي ينعق بما لم سمع إلا الحوار السياسي..! 
نعم، هناك حوار سياسي، ونظام يغربل الطيف السياسي الذي سيحاوره، كما غربل أدوات صدئة فأعاد تحويلها إلى مادة قابلة للاستعمال رغم  رميها في النفايات، لكن لا تتناسوا أنها مدعومة من طرف تيار سياسي يمثل الدولة العميقة، وهو بمثابة المركب لمصانع التحويل السياسي، وقبل ذلك  تواضع على التحالف مع الأنظمة حتى تسقط، فيتبرأ منها..
لكن أين من ذلك النفايات الإدارية، وقد انتهي عمرها الوظيفي،، فلا مبرر للتطلع لإعادة التدوير، وحسبها ما سبق من حسن الثواب، لكن هل تشرب لبن (…) لمزيد من القناعة..؟!

د. إشيب ولد أباتي