مشروع حكومي لإعادة صياغة التاريخ العام للبلاد

أحد, 2024-11-24 12:54

في خطوة تاريخية تُبرز التوجه نحو تعزيز الهوية الوطنية، أصدر رئيس دولة النيجر، عبد الرحمن تياني، مرسومًا يرمي إلى إنشاء لجنة أكاديمية متخصصة لإعادة كتابة “التاريخ العام للنيجر”، الذي تأثرت نسخته الحالية بشكل كبير بالرؤية الاستعمارية.

وفقا لتقرير صادر عن وكالة الأنباء الوطنية النيجيرية في 20 نوفمبر، تم تشكيل هذه اللجنة من مجموعة من الأكاديميين بقيادة البروفيسور مايكوريما زكاري، المعروف بإسهاماته القيمة في مجال التاريخ والبحث الأكاديمي. وتجمع اللجنة نخبة من المفكرين والمؤرخين النيجريين، الذين سيعملون على توثيق الأحداث التاريخية بوجهة نظر شاملة، تُسلط الضوء على دور الشعب النيجري وثقافاته المتنوعة في بناء هويته الوطنية.

وعقد لقاء مشترك للمؤرخين وعلماء الآثار في 22 نوفمبر لمناقشة الأساليب المتبعة في صياغة التاريخ الجديد. وقد جاء تشكيل هذه اللجنة بناءً على مرسوم الرئاسة الصادر في الأول من نوفمبر، والذي دعا أبرز المؤرخين والباحثين في البلاد للمساهمة في هذه المبادرة الرائدة. يتمثل هدفهم في إنتاج نسخة جديدة من تاريخ النيجر تعكس بشكل أكثر دقة تجارب وتطلعات الشعب.

تلقى هذا التحرك ترحيباً واسعاً في الأوساط الصحفية المحلية، حيث يُعتبر وسيلة لكتابة تاريخ سيادي يستند إلى الهوية الثقافية للشعب النيجري. وفي سياق متصل، قامت السلطات بعملية إعادة تسمية العديد من الشوارع والميادين في العاصمة نيامي، التي كانت تحمل أسماء فرنسية، وذلك تجسيدًا للسيادة الوطنية.

وفي تصريح له، أوضح وزير الشباب والثقافة والفنون والرياضة، عبد الرحمن أمادو، أن “معظم الأماكن العامة لا تعكس إلا رموزًا تاريخية لا تتماشى مع الذاكرة الجماعية للمواطنين”. وأكد الجنرال عبده أسوماني هارونا، حاكم منطقة نيامي، على أهمية تكريم الأجداد في مواجهة الاستعمار وما عانته القارة الإفريقية من ممارسات سابقة.

تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الانتقالية الحالية، بقيادة الجنرال عبدالرحمن تياني منذ انقلاب 26 يوليو 2023، اتهمت الحكومات السابقة “بالخضوع الأعمى” للنفوذ الفرنسي، مجسدةً بذلك فصلًا جديدًا يحتفى بالسيادة الوطنية.

لا تخلو عملية إعادة كتابة التاريخ من التحديات، إذ تعد عملاً طويل الأجل يتطلب موارد كبيرة وتعبئة جميع الفاعلين في المجتمع المدني. من الضروري أيضًا أن تُبنى هذه الرواية الجديدة على أبحاث دقيقة وأن تلقى قبولاً واسعاً من جميع شرائح المجتمع. ورغم تعقيد هذه العملية وطول أمدها، فإنها تظل ضرورية لتعزيز الهوية الوطنية والتماسك الاجتماعي.

يمثل قرار إعادة كتابة تاريخ النيجر نقطة تحول حاسمة، ويعكس رغبة السلطات الجديدة في التحرر من الموروثات الاستعمارية وبناء مستقبل يرتكز على الهوية الوطنية. عبر مراجعة المناهج الدراسية وإنتاج منشورات تاريخية جديدة، تسعى النيجر إلى نقل تاريخ أكثر عدالة وشمولية للأجيال القادمة. من خلال هذه المبادرة الطموحة، تفتح النيجر صفحة جديدة في تاريخها، مما سيمكن المجتمع من فهم ماضي البلاد بشكل أفضل وبناء مستقبل أكثر عدلاً وازدهاراً.