( عطش العاصمة )
نواكشوط عاصمة تكاد تنفق من العطش، لذلك تجد سكان الحي يهرعون إلى أخفض بيت، بما لديهم من أوعية، بحثا عن شربة ماء، لأن الماء سائل "يتبع الانحدار".
نواكشوط هي - كذلك - عاصمة تكاد تنفق من الجوع، لأن السيولة في جيوب سكانها هي أيضا سائل "يتبع الانحدار"، لكن الاستسقاء من تلك البيوت حيث تتجمع فلوس الفقراء مستحيل، لأن أسوارها عالية ومحصنة، وتحرسها المدافع والآليات الثقيلة!.
نهر صنهاجة ما زال كما كان، يتبع انحداره الأزلي، فيلقي بتياره الزاخر بالمياه العذبة في المحيط، وهو لن يغير "انحداره" عُلُواً ليؤكد مساندته لبرنامج الرئيس: (طموحي للوطن) !.
نحن المطالبون بأن نفعل ذلك: بالعلم، والعمل، العزيمة، والفعل السياسي المصمم والناضج .. ولكننا لم نفعل!.
والسيولة الهاربة من جيوب الجياع إلى أرصدة وكنوز الفاسدين، لن ترجعها المواعظ السياسية القاصرة، ولن توقفها الورشات التفكيرية الهزلية، ولا التمنيات الفرعونية المحلقة في الفراغ.
الانحدار هو الفساد لغة واصطلاحا كما يقولون، وهو عبارة عن شارع باتجاه واحد، يقود إلى ثقب أسود بلا قاع..
هذا الانحدار.. أو هذا الفساد.. أو هذا الثقب الأسود.. لن تتوقف شهيته إلا بفعل استثنائي غير متوقع، وغير مألوف، بل.. وغير مفهوم، يكسر كل القواعد، ويمسح الذاكرة من كل المحفوظات.
فعل استثنائي يسمح بالانخراط في المؤسسات المنتجة للسياسة والتي تدبر فعلا سياسيا ذا قيمة مضافة مهتما بمعالجة المشاكل، وفرض حلول لها.. وليس ما أصبحنا نراه من تباك ومظلومية. فعل كهذا هو وحده الذي يربك الفساد، وينزع المبادرة من يديه، ويضطره إلى الإنكفاء. وكل فعل دون - هذا المستوى - يتحول هو نفسه إلى "غذاء" جديد للفساد، وإلى غطاء جديد يتغطى به.
ويعتمد أصحابه فعل من تعوض عن عفافها المفقود بالإسهاب في الحديث عنه.