إسرائيل والمخاطرة بشن حرب على جبهتين بدون مشاركة واشنطن.... التحديات الاقتصادية والسياسية والعسكرية تهدد وحدة الناتو والاستقرار الأوروبي

ثلاثاء, 2024-07-09 22:06

دخلت حرب غزة شهرها العاشر وسط ومضات عن مشاريع تسويات وهدن مؤقتة أو دائمة لا تلبث أن تتحول إلى سراب، الأمر اللافت هو أن قدرة المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس على الصمود ومواصلة القتال بوتيرة عالية قد فاقت كل التوقعات رغم العمق الجغرافي المحدود للقطاع الذي لا تتجاوز مساحته 365 كيلومتر مربع والبالغ طوله 41 كلم وعرضه من 6 إلى 12 كلم. ومما أدهش كل المراقبين ومراكز الرصد فشل الجيش الإسرائيلي رغم تسلحه الكبير وتجنيده 330 ألف جندي وحصوله على دعم أمريكي وبريطاني وألماني غير محدود قدرت قيمته حتى بداية شهر يوليو بأكثر من 67 مليار دولار، في فرض سيطرته على القطاع الذي له حدود مع أراض تسيطر عليها تل أبيب بطول 51 كلم، وحدود مع مصر بطول 11 كلم بالقرب من مدينة رفح التي أغلقها الجيش الإسرائيلي عبر احتلاله محور صلاح الدين أو "فيلادلفيا" وسيطرته البحرية والجوية على طول ساحل غزة على البحر الأبيض البالغ41 كلم.

يسجل أن هناك فرقا وتضاربا وطمس للحقائق سواء في أو بين التصريحات والبيانات الإسرائيلية والأمريكية كان الأمر يتعلق بمسار الحرب أو المواقف من التسويات والهدن والمشاريع والمخططات لما بعد انتهاء المواجهات العسكرية. غالبية المراقبين والإعلاميين الغربيين والشرقيين المتابعين للمواجهات سواء في غزة أو على الحدود الجنوبية للبنان أصبحوا يجمعون حاليا على أن تل أبيب تخفي حجم خسائرها البشرية والمادية، وذلك على ضوء الدلائل والأشرطة التسجيلية عن مسار العمليات العسكرية سواء تلك التي تقدمها الفضائل الفلسطينية في غزة أو حزب الله في لبنان أو القوات اليمنية.

إذا كان العدد الأكبر من الخبراء العسكريين بمن فيهم الإسرائيليون والأمريكان وغيرهم من الغربيين قد اتفقوا على أن مخطط تل أبيب للقضاء على حماس غير قابل للتطبيق، فإن هناك آخرون غدو يحذرون من أن الوجود الإسرائيلي نفسه مهدد بسبب رفض اتفاق يوقف الحرب والسعي لشن هجوم واسع على لبنان، وأن تل أبيب رغم مراهنتها على استمرار دعم واشنطن وقدرتها على جرها إلى مشاركتها الواسعة عسكريا في حرب إقليمية ضد إيران وربما دول أخرى تواجه تطورات سلبية لها على الساحة الدولية تشغل أو تشل حلفاءها داخل الناتو.

الحلف الأطلسي الذي يحتفل بقمة لقادته في 11 يوليو بواشنطن بمناسبة الذكرى الـ75 لتأسيسه، عاجز عن عكس صورة تحالف عسكري قوى وفعال، في ظل الغموض بشأن قدرة أوكرانيا على مواصلة القتال أمام تقدم روسي وبلبلة سياسية من جانبي المحيط الأطلسي.

وبهذه المناسبة سيحاول الرئيس الأمريكي، جو بايدن وهو يستقبل قادة دول الحلف الـ32 لثلاثة أيام، إعادة الثقة في ثبات مواقف واشنطن ومنع حدوث انشقاقات في التحالف، والتغطية على مشاكل الحملة الانتخابية العسيرة التي يخوضها بعد أدائه الكارثي في مناظرة تلفزيونية مع خصمه الرئيس السابق، دونالد ترمب وشروع بعض الديمقراطيين في البحث عن بديل لبايدن.

الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، يحضر القمة بسلطة متقلصة بعد زلزال سياسي شهدته بلاده مع صعود اليمين المتطرف ثم انتصار تحالف اليسار والذي بات على أبواب السلطة في الانتخابات التشريعية المبكرة التي دعا إليها وخسر رهان كسبها.

وتتجه الأنظار أيضا إلى رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، الذي يتولى حاليا الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، بعد الجدل الذي أثاره بقيامه، الجمعة 5 يوليو 2024، بزيارة إلى موسكو التقى خلالها الرئيس فلاديمير بوتين بحثا عن تسوية سياسية لا تدعمها واشنطن أو لندن التي لم تتضح بعد خيارات ساستها الجدد من حزب العمال. ويحذر البعض داخل الناتو من أن مزيدا من الدول قد تنضم إلى المجر في البحث عن تسوية للحرب في وسط شرق أوروبا لتجنب أخطار تقلب السياسة الأمريكية والأوروبية وانهيار مرجح للجيش الأوكراني خلال أشهر.

وكما ذكر تقرير نشرته مجلة فورين بوليسي: يحتمل أن تكون ولاية ترمب الثانية، إلى جانب التآكل الحقيقي للروابط عبر الأطلسي في وقت يتسم بالتهديدات المتزايدة لأوروبا، الأزمة التي تقصم ظهر الاتحاد الأوروبي.

بعيدا عن الساحة الأوروبية يواجه الغرب تقلصا غير مسبوق في نفوذه في أفريقيا وخاصة دول الساحل. يوم الأحد 7 يوليو سحب الجيش الأمريكي أفراده من القاعدة الجوية 101 في النيجر قرب المطار في العاصمة نيامي، قبل الانسحاب من قاعدة رئيسية للطائرات المسيرة قرب مدينة أغاديز الصحراوية في الأسابيع المقبلة وكانت فرنسا قد سحبت قبل ذلك قواتها من مالي والنيجر وبوركينا فاسو.

في شرق آسيا تعزز موسكو نفوذها عبر تحالفات مع كوريا الشمالية والفيتنام، وتتابع الهند توثيق تعاملها الاقتصادي والعسكري مع الكرملين رغم الإنذارات الأمريكية، ويتعزز تحالف بريكس على حساب نفوذ مجموعة السبع. وفي منطقة الشرق الأوسط تناضل واشنطن للحفاظ على تحالفاتها مع أطراف عربية مترددة في مواصلة الثقة في قيادات البيت الأبيض، وكذلك لمنع باكستان من تقديم أسلحة نووية سواء لتركيا أو السعودية في حال تدهور الوضع بشكل خطير بالمنطقة.

فوق كل ذلك يقف الاقتصاد العالمي وفي مقدمته لتلك الدول التي تعتمد أساسا على العملة الأمريكية الدولار على حافة أزمة غير مسبوقة نتيجة تخلي السعودية ودول أخرى عن العملة الأمريكية في تسعير نفطها أو منتجاتها الرئيسية الأخرى، والتخلص المتصاعد لبنوك مركزية عن سندات الخزينة الأمريكية بسبب خطر العقوبات المحتمل على من يملكها وكذلك بسبب ارتفاع حجم الدين الأمريكي ليقارب حدود 35 ترليون دولار في عالم ارتفع فيه حجم ديون دوله إلى 91 ترليون دولار.

دول الإتحاد الأوروبي بدورها وخاصة مركز قوتها الرئيسي أي ألمانيا تواجه مشاكل اقتصادية متصاعدة.

جون ميرشايمر أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو التي يدرس فيها منذ عام 1982، واحد أهم الخبراء الذين اعتمد عليهم عدد من ساسة البيت الأبيض ودول حلف الناتو يشير أن التطورات السلبية التي يعرفها الغرب في وقت تتعثر فيه إسرائيل عسكريا واقتصاديا تنعكس سلبا على تل أبيب وتهدد استمرارها.

 

الخوف من حرب أبدية

 

نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية يوم 2 يوليو 2024عن مسؤولين قولهم إن كبار جنرالات إسرائيل يريدون بدء وقف إطلاق النار في غزة حتى لو أدى ذلك لبقاء حماس.

كما نقلت الصحيفة عن المسؤولين تأكيدهم أن الهدنة ستكون أفضل طريقة لاستعادة المحتجزين الذين يقدر عددهم بـ120.

وأضاف المسؤولون أن جنرالات إسرائيل يعتقدون أن قواتهم تحتاج لوقت للتعافي في حال حرب برية ضد حزب الله، كما يظنون أنه يمكن للهدنة مع حماس أيضا أن تسهل التوصل إلى اتفاق مع حزب الله.

ونقلت الصحيفة عن مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق قوله إن الجيش يدعم بالكامل صفقة التبادل ووقف إطلاق النار، وذكر أن مسؤولي الجيش يعتقدون بإمكان العودة والاشتباك مع حماس لاحقا.

وذكرت الصحيفة نقلا عن مسؤولين إسرائيليين إن الجيش يخشى من حرب وصفها بـ"الأبدية" تتآكل فيها طاقاته وذخائره تدريجيا.

وصرح المسؤولون إن "إبقاء حماس في السلطة حاليا لاستعادة المحتجزين يبدو وكأنه الخيار الأقل سوءا لإسرائيل"، وفق تعبيرهم.

يأتي ذلك، بينما ذكر رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، الاثنين الأول من يوليو، إن الجيش الإسرائيلي يتقدم إلى "نهاية مرحلة القضاء" على "جيش" حركة حماس في قطاع غزة.

في هذه الأثناء أفادت القناة العبرية بأن الجيش الإسرائيلي يعتزم الإبقاء على قواته منتشرة في محور فيلادلفيا في المنطقة الحدودية الفلسطينية المصرية جنوبي قطاع غزة، وكذلك في "ممر نتساريم" الذي يفصل الجيش من خلاله المناطق الشمالية من قطاع غزة عن المناطق الجنوبية.

وتتكون القيادة العسكرية الإسرائيلية المعروفة باسم "منتدى الأركان العامة" من حوالي 30 جنرالا رفيعي المستوى، بما في ذلك رئيس الأركان الفريق هرتسي هاليفي، وقادة الجيش والقوات الجوية والبحرية، ورئيس المخابرات العسكرية.

ويمكن للهدنة مع حماس أيضا أن تسهل التوصل إلى اتفاق مع حزب الله، وفقا للمسؤولين، الذين تحدث معظمهم بشرط عدم الكشف عن هويتهم لمناقشة مسائل أمنية حساسة. 

ويعكس موقف الجيش من وقف إطلاق النار تحولا كبيرا في تفكيره خلال الأشهر الماضية، ومع عدم إعلان نتنياهو عن خطة محددة لما بعد الحرب في القطاع. 

وذكر كبير المتحدثين باسم الجيش الإسرائيلي، دانييل هاغاري، في مقابلة تلفزيونية يوم 19 يونيو: "أولئك الذين يعتقدون أننا يمكن أن نجعل حماس تختفي مخطئون". وأضاف: "حماس فكرة وهي متأصلة في قلوب الناس".

وتعد الإشارة إلى خلاف ذلك، كما قال هاغاري في انتقاد مستتر لنتنياهو، بمثابة "رمي الرمال في عيون الجمهور".

وصرح إيال هولاتا، الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي حتى أوائل عام 2023، الذي يتحدث بانتظام مع كبار المسؤولين العسكريين، "إن الجيش يدعم بالكامل صفقة الرهائن ووقف إطلاق النار".

ويشعر نتنياهو بالقلق من الهدنة التي تبقي حماس في السلطة، لأن هذه النتيجة قد تؤدي إلى انهيار ائتلافه واستئناف محاكمته ودخوله السجن بتهم عديدة.

 

اعتراف بالواقع 

 

حتى وقت قريب، كان الجيش الإسرائيلي يؤكد علانية أنه من الممكن تحقيق هدفي الحرب الرئيسيين للحكومة في وقت واحد: هزيمة حماس وإنقاذ الأسرى الذين تحتجزهم حماس وبقيةالفصائل المسلحة خلال هجمات 7 أكتوبر على إسرائيل. 

والآن، خلصت القيادة العسكرية العليا إلى أن الهدفين غير متوافقين، بعد عدة أشهر من بدء الشكوك لدى الجنرالات، وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز".

ورفض مكتب نتنياهو التعليق على هذا التقرير. ولاحقا أصدر مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بيانا انتقد فيه "المصادر المجهولة" التي تحدثت إلى الصحيفة الأمريكية.

وفي مقابلة تلفزيونية نادرة أجريت في أواخر يونيو، نفى رئيس الوزراء الاقتراحات القائلة بأن الحرب يجب أن تنتهي، لكنه أقر بضرورة تقليص وجود الجيش في غزة من أجل "نقل جزء من قواتنا إلى الشمال".

ووفقا للمسؤولين العسكريين، فإن هذه الخطوة ضرورية لمساعدة الجيش الإسرائيلي على التعافي في حالة اندلاع حرب أوسع مع حزب الله، وليس لأن إسرائيل تستعد لغزو وشيك للبنان. 

ومع ذلك، أشارت تقارير إخبارية أخرى إلى أن إسرائيل ربما تخطط لتوغل في لبنان خلال الأسابيع المقبلة.

وصرح هولاتا، والضباط الآخرون الذين لم يكشفوا عن هويتهم، إن إسرائيل لديها ما يكفي من الذخائر للقتال في لبنان إذا اعتقدت أنه ليس لديها بديل عن ذلك.

وتابع هولاتا: "إذا تم جرنا إلى حرب أكبر، فلدينا ما يكفي من الموارد والقوى البشرية. لكننا نود أن نفعل ذلك في أفضل الظروف الممكنة. وفي الوقت الحالي، ليس لدينا أفضل الظروف".

 

استدراج إلى حرب إقليمية

 

ذكر الكاتب البريطاني ديفيد هيرست إن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) استدرجت إسرائيل إلى حرب إقليمية حقيقية -على جميع الجبهات- ولن يكون من السهل وضع حد لها.

وأوضح هيرست - في تقرير نشره موقع "ميدل إيست آي" نهاية شهر يونيو 2024 أن أحد أهم الأسئلة حول هجوم طوفان الأقصى الذي نفذته حماس في السابع من أكتوبر 2023 - ويظل دون إجابة حتى يومنا هذا- هو: ما الذي كانت حماس تعتقد أنه سيحدث جراء تنفيذ هجومها على إسرائيل بذلك الشكل؟

في ديسمبر 2022، وفي ذكرى تأسيس حركة حماس، قال السنوار: "إن تصعيد المقاومة بكافة أشكالها وجعل الاحتلال يدفع فاتورة الاحتلال والاستيطان، هي الوسيلة الوحيدة لخلاص شعبنا وتحقيق إنجازاته وأهدافه في التحرير والعودة".

وتابع:"من لا يأخذ زمام المبادرة اليوم سيأسف غدا. والفضل لمن سبق وصدق. لا تسمحوا لأحد أن يعيدكم إلى ساحات الخلافات الداخلية والإقتتال. نحن لا نفعل ذلك. ليس لدينا وقت لذلك بينما يلوح تهديد الفاشية فوق رؤوسنا."

وبعد أشهر ألقى السنوار خطابا تنبأ فيه بدقة بالمستقبل.

حيث قال السنوار:"خلال أشهر معدودة، أنا تقديري لن تزيد على العام الواحد، سنجعل الاحتلال أمام خيارين، إما أن نرغمه بتطبيق القانون الدولي واحترام القرارات الدولية والانسحاب من الضفة والقدس وتفكيك المستوطنات وإطلاق سراح الأسرى وعودة اللاجئين، إما أن نرغمه نحن والعالم على إقامة دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة في 67 بما فيها القدس، أو نجعل هذا الاحتلال في حالة تناقض وتصادم مع الإرادة الدولية كلها، ونعزله عزلا عنيفا وشديدا وننهي حالة اندماجه في المنطقة وفي العالم وننهي حالة الانهيار التي حدثت في جبهات المقاومة التي حدثت في السنوات الماضية".

وهذا بالضبط ما حدث. لقد أصبحت إسرائيل معزولة دوليا كما لم يحدث من قبل. إنها الآن في قفص الاتهام أمام اثنتين من أعلى المحاكم الدولية، ويخوض داعموها الرئيسيون، الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، معركة خلف الكواليس لمحاولة وقف تصاعد العقوبات الدولية.

 

الهجرة المضادة 

 

نهاية شهر يونيو 2024 دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق نفتالي بينت شعب إسرائيل للبقاء في البلاد وعدم مغادرتها بسبب الظروف الصعبة التي تمر بها، مشيرا إلى أنه "سيتم إنشاء إسرائيل من جديد" على حد قوله.

وكتب في حسابه على منصة "إكس": "لا تتركوا البلاد.. بالأمس أخبرني مهندس برمجيات لامع أعرفه أنه سيغادر إسرائيل إلى بلد في أوروبا قبل بداية العام الدراسي المقبل. جعلني هذا الخبر حزينا جدا".

وأضاف: "صحيح أننا نمر بأصعب فترة منذ حرب الاستقلال: اختلاط أوراق الحرب ومقاطعة دولية وتضرر لقوة الردع و120إسرائيليا في الأسر وآلاف العائلات الثكلى والجليل مهجور وآلاف المهجرين ووزراء لا يهتمون إلا بأنفسهم وفقدان السيطرة على الاقتصاد والعجز. كل هذا صحيح، لكن من المؤكد أننا قادرون – وسوف نخرج – من هذه الحفرة، هذا الوضع ليس القدر".

وأشار بينت إلى أن "هناك شيء واحد يقلقني بشكل خاص: الحديث حول مغادرة البلاد.. هذا لا يجب أن يحدث، نحن بحاجة إلى كل موهبة وتفاني شعب إسرائيل فقط للخروج من الحفرة وإعادة إحياء إسرائيل.. ليس لدي أدنى شك في أنه مع العمل النشط المناسب، ونوع من "إعادة التشغيل" لإسرائيل، وستكون السنوات الخمسين القادمة سنوات من إعادة البناء والفرح والإبداع والأمن والنمو، سيحدث هذا أسرع بكثير مما تتخيلون لأننا شعب يعرف كيف ينهض سريعا من الضربة القوية".

ويوم الأحد 23 يونيو، كشفت بيانات سلطة السكان والهجرة الإسرائيلية أن أكثر من نصف مليون إسرائيلي غادروا ولم يعودوا، منذ بداية الحرب على قطاع غزة في 7 أكتوبر.

وبحسب البيانات الإسرائيلية فإن عدد المواطنين الذين غادروا منذ أكتوبر 2023 بلغ نحو 550 ألفا، أكثر من عدد الإسرائيليين الذين عادوا إليها حتى عيد الفصح عام 2024 في أبريل الماضي.

وأفاد الموقع "زمن إسرائيل" العبري إن ما كان يعتبر هروبا مؤقتا للإسرائيليين خلال الحرب، أو صعوبة فنية في العودة إليها، تحول الآن إلى اتجاه دائم "هجرة دائمة".

ووفق أحدث معطيات دائرة الإحصاء في أبريل الماضي، يبلغ عدد سكان إسرائيل 9.9 ملايين شخص، بينهم أكثر من مليوني فلسطيني (فلسطينيو 1948) و400 ألف فلسطيني في القدس الشرقية، و20 ألف سوري في الجولان المحتل، ويوجد هناك الملايين من مزدوجي الجنسية، حيث يحملون جنسية واحدة أخرى على الأقل بجانب جنسيتهم الإسرائيلية. 

 

شكل الحرب المحتملة

 

جاء في تقرير نشر في العاصمة الأمريكية واشنطن يوم 3 يوليو على صفحات موقع الحرة:

تحدث تقرير لمجلة "الإيكونوموسيت" البريطانية عن سيناريو محتمل لما ستكون عليه الحرب بين إسرائيل وحزب الله، حيث يتبادل الطرفان المناوشات منذ أكتوبر 2023 وسط مخاوف طرأت مؤخرا من احتمال التصعيد بين الجانبين.

يرجح التقرير أن تتميز الحرب، في حال اندلاعها، بهجمات مكثفة بواسطة طائرات مسيرة انتحارية وانقطاع للتيار الكهربائي بشكل دائم وأكبر وابل صاروخي في التاريخ. 

يقول التقرير إنه في حال قررت إسرائيل شن حرب تستهدف إضعاف حزب الله ودفعه نحو الشمال، فقد ينطوي ذلك على غزو بري محدود لجنوب لبنان، وهي المنطقة التي احتلتها القوات الإسرائيلية حتى عام 2000. 

في عام 2006، عندما خاض الجانبان حربا استمرت 34 يوما، استخدمت فرق حزب الله مئات الأسلحة المضادة للدبابات لصد هجمات المدرعات الإسرائيلية، مما فاجأ الجيش الإسرائيلي.

في تلك الفترة هاجمت القوات الجوية الإسرائيلية حوالى 100 هدف يوميا، واليوم يشير التقرير إلى أن القادة العسكريين الإسرائيليين يتباهون بأنهم يستطيعون إصابة أكثر من 3000 هدف في اليوم.

خلال الأشهر التسعة الماضية جرى إضعاف حزب الله، الذي فقد ما يقرب من 400 من مسلحيه والكثير من بنيته التحتية العسكرية في الجنوب. 

وينقل التقرير عن مسؤولين في المخابرات الغربية القول إن إيران لا تعتقد أن حزب الله مستعد لحرب كبيرة.

على الجانب الآخر، يرى التقرير أن على إسرائيل أن لا تتفاءل كثيرا، وينقل عن ضابط درس الجماعة اللبنانية القول إن حزب الله مستعد بشكل أفضل بكثير مقارنة بالحرب التي اندلعت في عام 2006.

يشير التقرير إلى أن الجيش الإسرائيلي سينجح في التوغل في جنوب لبنان ولكن بشكل أبطأ وبتكلفة أعلى بكثير مما كان عليه في الحرب الأخيرة. 

ويعتقد الجنرال اللبناني المتقاعد خليل الحلو أن من المحتمل أن "يمتص حزب الله الصدمة قبل أن يستهدف القوات الإسرائيلية باستخدام تكتيكات حرب العصابات" بما في ذلك من خلال شبكة أنفاق واسعة النطاق، تم بناؤها بمساعدة كوريا الشمالية.

 

ما الذي تغير؟ 

 

يشير التقرير إلى حصول عدة تغييرات رئيسية منذ عام 2006، أحدها يتمثل في أن حزب الله حصل على مجموعة واسعة من الطائرات المسيرة الإيرانية التي يمكن أن تستهدف الدبابات والمركبات المدرعة الإسرائيلية بفعالية أكثر مقارنة بالأسلحة المضادة للدروع.

أما التغيير الثاني فيتمثل بتطور القدرات البرية لحزب الله وإنشائها لمجاميع خاصة قادرة على ضرب والتوغل بريا مسافة تصل إلى 20 كيلومترا داخل إسرائيل. 

وأخيرا، يقول التقرير إن القوة النارية لحزب الله أصبحت أكثر دقة، حيث باتت الجماعة تستخدم طائرات مسيرة صغيرة لتحديد الأهداف وبعد يوم أو يومين، تستخدم طائرات مسيرة أكبر لمهاجمة تلك الأهداف "بدقة شديدة"، كما يقول الضابط الإسرائيلي. 

تشمل الحرب بين الجانبين في حال اندلاعها، وفقا للتقرير، شن غارات جوية إسرائيلية بهدف تدمير أكبر قدر ممكن من منصات إطلاق صواريخ حزب الله ومخزونه من الأسلحة.

من شأن ذلك أن يؤدي لمزيد من التصعيد حيث سيكون لدى حزب الله حافز لإطلاق صواريخه باتجاه وسط إسرائيل. 

 

الاستخبارات الأمريكية 

 

ترجح أجهزة الاستخبارات الأمريكية أن الحرب بين إسرائيل وحزب الله تقترب أكثر فأكثر، حيث يمكن أن تندلع مواجهة واسعة النطاق في الأسابيع القليلة المقبلة إذا فشلت إسرائيل وحماس في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة.

وإذا حدث ذلك فمن المرجح أن تقوم إسرائيل بالتصعيد خطوتين إضافيتين، عبر ضرب أهداف سياسية، بما في ذلك مقرات حزب الله في المدن، وكذلك بنية تحتية مدنية لبنانية.

في الوقت الراهن، تقتصر الهجمات الصاروخية التي يشنها حزب الله إلى حد كبير على الأهداف العسكرية في شمال إسرائيل. 

ويرجح التقرير أنه في حالة حدوث غزو بري للبنان، فمن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى توسيع نطاق تلك الحملة وكثافتها.

في عام 2006، كان لدى حزب الله حوالي 15 ألف صاروخ وقذيفة، غالبيتها العظمى كانت غير موجهة ومداها أقل من 20 كيلومترا، مما يعني أنها لم تكن قادرة على الوصول لمدينة حيفا شمالي إسرائيل. 

أطلق الحزب المدعوم من إيران حوالي 120 صاروخا يوميا في تلك الحرب، مما أسفر عن مقتل 53 إسرائيليا وإصابة 250 وإلحاق أضرار بـ 2000 مبنى. 

يرجح التقرير أن تكون الحرب القادمة أكثر شدة بكثير، على اعتبار أن حزب الله يمتلك الآن أكثر من 120 ألف صاروخ وقذيفة، والعديد منها قادر على الوصول إلى تل أبيب وأبعد من ذلك وبتوجيه دقيق.

ويضيف التقرير أن حزب الله قد يطلق ما بين 2500 إلى 3000 صاروخ يوميا، أي 25 ضعف معدل عام 2006، لمدة ثلاثة أسابيع متتالية. 

ويؤكد التقرير أن ذلك وفي حال حصوله، "سيكون أكبر وابل صاروخي مستدام في التاريخ"، مما يؤدي إلى وقوع خسائر فادحة في الأرواح.

ومن المرجح أيضا أن يقوم حزب الله باستهداف محطات الطاقة الكهربائية الإسرائيلية، الأمر الذي سيستدعي ردا مماثلا وربما أكبر من جانب إسرائيل، وهو ما يعني غرق الكثيرين بالظلام في كلا البلدين.

ومنذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في السابع من أكتوبر في قطاع غزة، يتبادل حزب الله وإسرائيل القصف بشكل شبه يومي.

 

مشاركة عسكرية 

 

أفادت وسائل إعلام عبرية نهاية شهر يونيو 2024 بأن الإسرائيليين حذروا من أنه لن يكون هناك خيار قريبا سوى العمل في الشمال ضد "حزب الله" بالقوة، إثر التصعيد الأخير بين الجانبين.

وفي تقرير لها، أشارت القناة "12" العبرية إلى تقرير نشرته عن المحادثات في واشنطن الرامية إلى حل أزمة الأسلحة مع الولايات المتحدة ومنع التصعيد في المنطقة، إذ أن "الأمريكيين يعتقدون أن مفتاح الحل في الشمال هو إنهاء العمل الإسرائيلي في رفح، بينما حثت إسرائيل في البيت الأبيض على أنها بحاجة إلى أسلحة لتكون جاهزة للعمل في لبنان".

وحسب القناة "12"، إذا تحولت إلى الحرب في الشمال، فسيتعين على إسرائيل أن تحدد ما هو الإنجاز المطلوب لها ولابد أن يكون هذا إنجازا يمكنها أيضا أن تصمد أمامه، لأنه لا يمكن جرها إلى حملة طويلة، وهذا يتطلب من إسرائيل أن تولد شرعية دولية للعمل ومظلة دولية، وفي هذه الحالة سيطلب من إسرائيل استخدام أسلحة ومنظومات أسلحة لم تستخدمها من قبل، وإذا لم تستخدم هذه الإجراءات، فلن تتمكن من وقف إطلاق النار من لبنان إلى الأراضي الإسرائيلية.

ويقول الإسرائيليون إنهم "لا يشعرون بالامتعاض من الأمريكيين، لكن مع ذلك هناك شعور بأن شحنات الأسلحة تصل بوتيرة بطيئة مقارنة ببداية الحرب. وقد توسل الإسرائيليون إلى الأمريكيين وقالوا إن إسرائيل تحتاج إلى هذه الشحنات بنسبة عالية أيضا بسبب مهماتها في الجنوب، وبالتأكيد في ظل الحاجة إلى الاستعداد في الشمال"، وفق تقرير القناة "12".

ويرى الأمريكيون أنه سيكون من الصعب على أمين عام "حزب الله" حسن نصرالله أن يقطع الاتصال بين الساحتين، ولقد طرحوا على زملائهم الإسرائيليين بعض الأفكار الجديدة التي كانوا يعتزمون القيام بها لخلق الهدوء، حسب ما أورد التقرير.

وأضافت القناة "12" أن "النقطة المرجعية الأمريكية هي رفح بشكل رئيسي، فهم يعتقدون أنه بمجرد أن تنهي إسرائيل عملياتها هناك، سيمنح نصر الله فرصة "النزول من الشجرة"، على حد وصف القناة، ومن ناحية أخرى، أوضحت إسرائيل للولايات المتحدة أنه إذا لم يحدث ذلك قريبا، فلن يكون أمامنا خيار وسيتعين علينا إعادة السكان إلى الشمال بالقوة".

وتدور هذه الأيام "مناقشات داخل الجهاز الأمني ​​والسياسي حول التوقيت المناسب لإسرائيل للقيام بمثل هذا الإجراء.

وتطرقت القناة 12" إلى تقرير صحيفة "التلغراف" البريطانية الذي يزعم أن "حزب الله لديه أسلحة كثيرة في مطار بيروت"، لافتة إلى أن "توقيت النشر ليس عرضيا، وأن من سرّب ذلك إلى وسائل الإعلام الأجنبية كان يسعى إلى تحقيق أمرين على الأقل، الأول، ذكر الكارثة التي حلت بلبنان قبل 4 سنوات بالضبط، وهي انفجار مرفأ بيروت، وهذه محاولة لتحريض الجمهور اللبناني ضد حزب الله"، بالإضافة إلى ذلك، تصل طائرات شركات الطيران الأجنبية إلى المطار، وإن مهاجمة طائرات الشركات الأجنبية هو اعتداء على سيادة دولة أجنبية، وبهذه الطريقة تريد إسرائيل ربط المجتمع الدولي بالوضع في لبنان".

من جهتها، نفت وزارة الأشغال والنقل اللبنانية ما ورد في تقرير لصحيفة تلغراف البريطانية يفيد بأن حزب الله يستخدم مطار رفيق الحريري لنقل وتخزين أسلحة وصواريخ من إيران، وأعلن وزير الأشغال علي حمية أن بلاده في طور إعداد دعوى قضائية ضد "التلغراف"، عقب هذا التقرير.

وأشار علي حمية إلى "نائب رئيس اتحاد النقل الجويّ الدولي بمنطقة الشرق الأوسط الذي قال إن خبر "التلغراف" عار من الصحة، ونفى نفيا قاطعا ما ورد في البيان"، مضيفا: "ندعو وسائل الإعلام والسفراء ومن يمثلهم لزيارة ميدانية على كل مرافق المطار غدا، ولا يوجد ما نخفيه"، مشددا على أن "هذا الموضوع سيادي ومطار بيروت يشهد حركة مسافرين، والتهديدات موجودة ضده منذ زمن".

 

حرب أوسع 

 

أكد رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، الجنرال تشارلز براون، يوم الأحد 21 يونيو 2024، أن أي هجوم إسرائيلي على لبنان قد يزيد من مخاطر نشوب صراع أوسع يشمل إيران والجماعات المسلحة المتحالفة معها، وخاصة إذا تم تهديد وجود حزب الله.

وبينما لم يكشف براون عن توقعاته للخطوات التالية لإسرائيل، أشار إلى حقها في الدفاع عن نفسها وحذر من أن مهاجمة لبنان قد تزيد من احتمالات نشوب صراع أوسع.

وأفاد براون للصحفيين، قبل توقفه في الرأس الأخضر للمشاركة في محادثات دفاع إقليمية في بوتسوانا، أن حزب الله يمتلك قدرات شاملة أكبر وعددا أكبر من الصواريخ مقارنة بحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وأن إيران قد تكون أكثر ميلا لدعم حزب الله بشكل أكبر.

وأضاف أن هذا الوضع يمكن أن يسهم في توسيع نطاق الصراع في المنطقة، مما يجعل إسرائيل قلقة ليس فقط بشأن الأحداث في الجنوب بل وفي الشمال أيضا.

وأشار براون إلى أن قدرة الولايات المتحدة على الدفاع عن إسرائيل ضد هجمات حزب الله قد تكون محدودة، مقارنة بقدرتها على اعتراض الهجوم الصاروخي والطائرات المسيرة الذي شنته إيران في أبريل 2024 والذي تم إحباطه إلى حد كبير.

وأضاف براون أن المسافة القصيرة بين لبنان وإسرائيل تجعل من الصعب على الولايات المتحدة تقديم الدعم بنفس الطريقة التي فعلتها في مواجهة الهجوم الإيراني في أبريل الماضي.

 

جر واشنطن

 

وجه الصحفي الأمريكي اليهودي بصحيفة "نيويورك تايمز" توماس فريدمان انتقادات شديدة ولاذعة للحكومة الإسرائيلية ورئيسها نتنياهو. وقال الصحفي إن إسرائيل التي عرفناها قد ولت، وإسرائيل اليوم في خطر وجودي. وأضاف فريدمان في مقالته أنه حذر من هذا الأمر بعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية الحالية. وشدد الصحفي على أن "كل أمريكي يجب أن يقلق بشأن هذا الأمر".

وتابع قائلا: "هذه وصفة لجر الولايات المتحدة إلى حرب في الشرق الأوسط لمساعدة إسرائيل".

وذكر فريدمان أيضا أن "إسرائيل تواجه قوة إقليمية وهي إيران التي تمكنت من محاصرة إسرائيل من خلال حلفائها ووكلائها وفي الوقت الحالي، ليس لدى إسرائيل إجابة عسكرية أو سياسية، والأسوأ من ذلك أنها تواجه احتمال نشوب حرب على ثلاث جبهات غزة ولبنان والضفة الغربية ولكن مع تطور جديد خطير فحزب الله في لبنان على النقيض من حماس، مسلح بصواريخ دقيقة قادرة على تدمير مساحات واسعة من البنية التحتية الإسرائيلية من مطاراتها إلى موانئها البحرية إلى جامعاتها إلى قواعدها العسكرية إلى محطات توليد الكهرباء".

وشدد فريدمان على أنه لا ينبغي لأي صديق لإسرائيل أن يشارك في هذا السيرك، لأن إسرائيل تحتاج إلى حكومة وسطية براغماتية يمكنها إخراجها من هذه الأزمة متعددة الأوجه واغتنام عرض التطبيع مع المملكة العربية السعودية الذي تمكن بايدن من هندسته، ولا يمكن أن يتحقق هذا إلا من خلال إزالة نتنياهو من خلال انتخابات جديدة.

 

عمر نجيب

[email protected]