إنه من جملة أمور كثيرة ، لربما قادتني إلى متابعة هذين المسلسلين ومن تلك الأمور الفضول و البطالة وعليه فإذا بي فلسوف أحاول أن أقدم للقارئ ما مدى انطباعي الذي قد تولد لدي وذلك من خلال مشاهداتي لحلقات كل من ذينك المسلسلين كلا منهما على حدة طيلة شهر رمضان الكريم ليحكم ذلك القارئ الكريم في النهية على القيمة الفنية لكل من المسلسلين ، و الدور الحضاري والثقافي والاجتماعي ، بل وحتى الصورة الكلية للمجتمعين الذين قد كانا هاذين المسلسلين يعبران عنهما ثقافيا و حضاريا واجتماعيا ثم فنيا و حتى اقتصاديا !
و لنبدأ أولا بالمسلسل الموريتاني المسمى ( الإخوة ) :
إن المسلسل الموريتاني كما يبدو قد اختار له منتجه الأحسن مما في جعبته من الفنانين ( ممثلين و كتاب سناريو و مهندسي ديكور و كذا المخرجين) والذين ربما لعب بعضهم أدوارا مختلفة في مجالي كل من الكوميديا و اتراجيديا و من خلال تلك الأدوار فقد كان التمثيل يكاد يقتصر في بلادنا على جماعة معينة تكاد ألا تتعدى أصابع اليد الواحدة الشيء الذي يجعل الواحد منهم فلربما قد يلعب دور الزوج أو الاخ و حتى الإبن ! مع نفس الممثلة ذلك الشىء الذي جعل بعض المواطنين قليلي الخبرة في مجالي الفن والتمثيل ، أن يمجوا تلك الممارسات و قد يستنكرونها من خلال نظرتهم تلك الدينية لذلك التناوب المقزز و من أولئك الممثلين أطال الله في أعمارهم أعمرولد اكي و بونه ولد اميده و خونه ولد حمود فالـ و النانه بنت الخليفة وكذا آمي بنت محمد الأمين…و غيرهم !
و من خلال متابعتي لحلقات المسلسل لم ولن أستطيع أن أقدم للقارئ من إجابيات جمالية تذكر في مسلسل الإخوة سوى أغنيته التي قدمتها الفنانه المحترمه حورو بنت آبه ، بحيث قد كانت كلمات تلك الأغنية موغلة في العاطفة الدينية و كذا تلك الموسيقى التصويرية التي قد رافقت تلك الأغنية المنسجمة كثيرا مع أداء تلك الفنانة الكبيرة ! ولقد كنت أتمنى لو قد خصص كل وقت تلك الحلقات جميعها لإنشاد تلك الأغنية العذبة والرائعة .
إن مسلسل الإخوة كما يبدو يحاول معالجة مشكلتين منتشرتين في مجتمعنا للأسف و هما : مشكلة الميراث بين الاقارب . و كذا مشكلة عصابات المخدرات المنتشرة هي الأخرى في البلاد للأسف الشديد !
و بصفة عامة فإن ذلك الصراع لربما يدخل عادة ضمن تلك العلاقة القديمة الحديثة بين الخير والشر ذلك الشر الذي يبدو أنه يسيطر على معظم أدوار الممثلين في هذا المسلسل ! ولكنه كما يظهر شرا بدون أهداف .بل شر من أجل الشر نفسه و في أبشع صوره و اكثرهم قساوة و ذلك من خلال تصرفات أولئك الشخوص الذين يمارسون ذلك الشر وبغير أدوات مقنعة لممارسة ذلك النوع من العنف
وأما دور الخير في هذ المسلسل فإنه كما يبدو باهت وقد احتكره بونه لنفسه و المتبقى منه فلذلك الطفل البريئ حسن ! والطامة الكبرى فهي كونه قد جرد من لعب أي دور للخير فهم أولائك الذين قد كانوا يشاركونه في أدواره الخيريه مثل آمي مثلا و النانه و كذا حيبلل الذي ترك له رجلا في الخير و أخرى نراها تعرج في وحل الشر المتمثل في النميمة ! وحتى التحريض من أجل الوقيعة بين العم وأبناء أخيه !
و على العموم فإن حركة الاشخاص في هذا المسلسل و أدوارهم و الثياب التي يرتدونها و السيارات وأثاث بعض المنازل و الأمكنة التي تظهر على الشاشة كمسرح لتلك الأحداث التي تصدر من الممثلين ،فإن ذلك يعد الأقرب للاشمئزاز منه إلى المتعة الجمالية التى ينتظرها المشاهد من كل عمل فني وبالخصوص في المسلسلات الرمضانية!
وأما المسلسل الصحراوي المغربي (الطير ألا من فرگو ) :
فإنه دال باسمه على ما مدى ارتباط أفراد المجتمع الذي عبرت عنه عائلتي محمد فاضل و إبنه محمد عالى حيث كان المخرج قد أظهر لنا وشائج القربى القائمة بين افراد تلك الاسر و كذا أقاربهما و قد كان محمد عالى أ برز من قد جسد ذلك الدور و كذا أخته بنت أخوالها رغم محاولة زوجة محمد عالى امباركة والتي قد كانت طيلة حلقات ذلك المسلسل تريد التأثير عليه ولاحتفاظ به دون بقية الأهل . وتارة قد يتم ذلك تحت غطاء غيرة زوجة طبيعية لقد كان هذا باديا في دورها في هذا المسلسل الذي يرمز للشر والذي قد كانت تتقاسمه هي بنجاح مع بائع العطور المتجول في هذا المسلسل والمدعو لحبيب والذي قد أصبح مليونيرا بعد أن قد امتهن ممارسة القمار وخداع الأبرياء الطامحين للثراء السريع دون الإ نتباه إلى مخاطر ذلك الطموح الغبي !
إن مخرج مسلسل الطير ألا منفرگو كانت وراءه كما يبدو دولة حاضرة في كل ما يدور في بلدها وخصوصا رسالة الفن التي تحافظ على مكانة البلد و ألا تنشر غسيلها أمام الآخرين بحيث لم نشاهد في هذا المسلسل إلا ماهو جد جميل مثل الفيلات الجميلة و السيارات الفارهة و الرجال الأنيقون و النساء الآ ئيي كذلك و الحدائق الغناء و الطرق و الساحات العامة الراقية و الأرصفة الشاطئية و المناطق السياحية الجميلة و قد اختير فيه كل شخص للدور الذي يتقنه و كانّه يمارسه بالطبع لا بالتمثيل ، و في النهاية لقد كانت نهايته سعيدة و جميلة و حلت كل عقده وتداعت مرة واحدة بتناغم لا مثيل له ، بما في ذلك شفاء محمد فاضل من الزهايمر و حتى نجاح الزهرة وزواجها ! وعكس المسلسل الموريتاني الذي كانت نهايته كارثية وهي عبارة عن مطاردة بالسيارات و تجميع من قد كانوا يلعبون أدوار الشر ودورن أن يكون ما قد قامت به الشرطة من أعمال مقنعا والمتتبع لحلقات مسلسل الإخوة هذا سيعتقد بأن معظم مجتمعنا قد سيطرا عليه كلا من اليأس والشر معا
و لما نعود لتلك المقارنة التي جعلت الفرق شاسعا بين المسلسلين سيعود أمر تخلف المسلسل الموريتاني إلى كونه قد أعد على عجل من طرف هوات ربما لا سابق عهد لهم بالفن الدرامي و لا بتلك العلوم المرتبطة به : وجودا وعدما كعلم الاجتماع مثلا وحتى علمي النفس و الجمال.
بينما المسلسل الصحراوي المغربي كانت وراءه دولة لها قدم راسخة في التاريخ و الحضارة معا ومسؤولة عن كلما يدور في بلدها خوفا من انعكاس ذلك على مجتمعها إن كان سلبيا ! ولأن الدولة يجب ان تكون حاضرة في كل ما يدور على أراضها من أفكار مثلا قد تكون محلا للتمثيل أو اختيار الممثلين وكذا المخرجين وحتى كتاب السيناريو ومهندسي الديكور لكون نتيجة كل ذلك لربما تعرض على الشاشة التي قد يتابعها المواطنون و الغر باء على حد سواء ! وعلما بأن المغرب لديه معاهد ومدارس وكليات يتخرج منها كلما قد يحتاجه الفن المغربي من أطر وكذا الطواقم المحترفة فنيا وفي مختلف الاختصاصات الفنية
بينما المسلسل الموريتاني فإنه قد انفرد بفكرته و إنتاجه و كتابة حواره و قيادة بطولته شخص واحد فهو بونه ولد اميده الذي كان بطله الذي يحرك كل أحداثه . والذي لم يسبق له أن درس في أي مجال من الفنون وذلك حسب علمي ! و إن كانت هناك مساعدة ما له من طرف إحدى الهيئات المختصة والتابعة للدولة إلا أنها لم يكن لها أي دور رقابي يوجّه المسلسل نحو الأداف التي تخدم الوطن قد تجلى ذلك في الأمكنة القذرة والسيارات الخربة و حتى ثياب الممثلين و طرقهم في التعبير الشيئ الذي قد يتبادر لذهن كل متابع لحلقات ذلك المسلسل فهو كون الغرض من إنتاجه أصلا كان تقاسم المنافع منه على أشخاص قد تكرر وجودهم في كل عمل فني منذ ثلاثة عقود تقريبا مع جهة تابعة للدولة ، تلك التي ربما قد ساهمت في تمويل المسلسل و الذي كان عليها أن تراقب مساره ! أما الهدف الثاني كما يبدو فهو لربما تحذير المجتمع من عصابات المخدرات و الذي تولى ذلك التخويف و الرعب فهو خونه وذلك بتلك الهيئة التي كان دائما يظهر بها جاحظا لعينيه مبرزا تلك العين التي محجرها كما يبدو . مغطى بعدسة من البلاستيك ، أو بالصمغ العربي ! و كذا أيضا بإصداره لتلك الاصوات التي لربما تشبه نقيق الضفادع المنتشية بمياه الغدير و أحيانا بفغر فاه متقمصا بذلك هيأة تمساح مبرزا كامل أسنانه إذا ما يخيل إلينا بأنه ربما كان يزيدها لكي يزداد رعب العاملين معه من أولئك (آمبيبلات) كما قد سمى هو نفسه بعضهم !
وأخيراً و بعد هذا التوصيف فهناك بعض التوصيات لربما قديحتاجها البعض منكم وسأقدمها للذين قد شاركوا في هذا المسلسل الذي أرى كونه لربما قد أعادنا في مجال الفن التمثيلي إلى ما قبل مسرحية (الكيكوطية) للأديب الكبير المرحوم الملك همام !وفيما يخص نصيحتي لوزارة الثقافة فأن تشرف مستقبلا فعليا على كل عمل فني تكون موريتانيا محلا لعرضه سواء كان تمويله عاما ، و حتى ولو كان خاصا . وذلك من اجل أن يكون جيدا ومنسجما مع مصالح الوطن حضاريا وثقافيا ، وأما فيما يخص ببعض الممثلين مثل اعمر ولد اكيه فإذا لم يكن قد حان وقت تقاعده فيجب عليه أن يقتصر دوره في التمثيل على ما قد كان يقدم يوم كان يدعى فنيا ( بشيف ) هو و خونه حين كان هو الآخر يسمى(گوص) و لتبق لنا ضحكة أعمر تلك المنتهية بياء ممدودة بإمالة طويلة ، و أما ففيما يخص بنصيحتي لخونه فتقتصر على أن يذهب وفورا إلى سوق الخياطين و لليختار من بينهم أمهرهم لليجد له لاصقا أو سلسلة يضيق بها فتحة فمه حينما يفتعل الغضب على أحد (الموصوفين أعلاه )والذين قد شاركوه دوره في هذه الأعمال الفنية التي قد سبق الحديث عنها !
و في الختام فإني أعتذر للقارئ و لأولئك الفنانين الذين ذكرت أسماءهم عن هذا النقد الحاد هذه المرة والذي لم يكن قد سبق أن صدر مني مثله خاصة في نقدي لكل من مسلسلي (جمل الدهر) وكذا مسلسل الدحدوح الذي تبعه . ولكن نقدي هذه المرة لربما كان على غير ما عهد مني وذلك لما أصبح الفن لدينا يتقهقر سنويا حتى رجع إلى ما قبل البداية ! ولربما يكون ذلك قد سبب لي هذا النوع من النقد اللاذع !
ولهذا فإني أطلب منكم المسامحة كما عليكم أنتم أيضا أن تطلبوا ها من كل الشعب الموريتاني وخصوصا أولائك الذين قد كانوا يتابعون المسلسل الصحراوي الطير ألا من فركو والذي كان محلا لهذه المقارنة التقريبية البسيطة !!
ذ/ إسلمو ولد محمد المختار