قال لي نريدُ أن نرى مقالاتك. قلتُ أن المداد يكاد ينفذ فالأمور بخواتيمها والآمال تُغتالَ. ماذا أكتب ونحنُ نراقبُ مذبحةً أمامنا نراها ونسمعها كما تلك المذابح التي امتلأ بها تاريخنا وقرأنا عنها لكنها اليوم حيَّةً داميةً أشلائيةً وليست حبراً مطبوعاً وتخيلاً. قالَ و لو! قلتُ غزةُ كانبعاثِ حِمَمِ البركان تتطايرُ جَمْراً وتهبط. تحرق، و بعضها مع الزمن سيتحول منبتاً لحياةٍ تخرج من بين الصخور. البركان رمادهُ يخنق ويعمي مثلما دخان بيوت غزةَ اليوم يخنق ويعمى. تتأرجحُ الجمرات في الفؤاد وفي القبضات. جِمارُ غضبٍ ويأسٍ، وانتقامٍ لا يأتي. جِمارُ فرحةٍ حينَ يصابُ الهدف و جِمارُ حُزنٍ كلما ارتقى، شهيداً تاركاً جسداً يتحلل وحيداً في التراب الفلسطيني. جِمارُ الاستغراب الذي لا ينقطع من مُطَبِّعٍ متعاون و منافقٍ مختفٍ وابنِ وطنٍ مُتآمرٍ يظهرُ منتفخاً بصفاقةِ الخيانةِ وصلفها. غزة التي تقاوم هي رمحٌ نافذٌ في العيون المستسلمة ونبضٌ في القلوبِ الآملة المؤمنة.
يؤلِمُ حقَّاً هوانَ العرب. مؤلمٌ هذا التفاني العربي لتفادي قرار الهجوم، الذي يقول علماء الحروب أنه أفضل وسيلةٍ للدفاع. لا يسعنا أن نقولَ الكثير في أَعرابِ زماننا فكل ما يمكن قولهُ يحزُّ في النفس، و الجرح، كما يتداول العرب، في الكف، فمن يُلقي على العرب الملامة يلوم في البداية و النهاية نفسه. كذلك الشاعر الذي هجا نفسه وأخيه و والديهما.
لكن الهدفَ المشتركَ واضحٌ بين الإمبريالية، وفي ذكر هذه الكلمة عودةً للأصل البلفوري ولسايكس پيكو، والعرب الذين اتفقوا على “تنظيف” فلسطين من المقاوم. كل تحركاتهم تقول هذا. ما حرق غزة وتجويعها و اقتحامات الضفة واغتيالاتها إلاّٰ هذا. كلهم متفقون على تخليةِ ما قد يكون دولةَ بلديةَ فلسطين المستقلة من كل رافضٍ للصهيونية وللمال العربي الملوث بدماء العرب و تهيئةِ الدولة للقبول العالمي الذي لا يرى في العرب إلا عمالةً لأكابر محطات الوقود. ما يدور في العلن، من القتل الذي ينساه العالم سريعاً، و في السِّرْ، من تواصلٍ لإتمام صفقات التطبيع و تعديل السلطة الفلسطينية و تعويم الصهيونية كالقوةِ التي لا تقهر، يقول أن الشيطان الأكبر و أبالستهُ لا يتوقفون عن تجريف المنطقة لصالح الصهيونية تماماً مثلما تجرف الآليات تراب و ركام غزة معجوناً بالأشلاء الفلسطينية لبناء مرفأ بايدن الإنساني!
لا يملك القول اليوم يا صديقي إلا مقاوم.
علي الزعتري دبلوماسي أُممي سابق