ملحمة غزة تعزز نهاية عصر أحادية القطبية في العالم.... تقاطع الاعتبارات المحلية مع الإقليمية والعالمية مع الحروب الثلاث التي يشهدها العالم

أربعاء, 2024-04-03 19:36

الحرب على غزة مستمرة وتدخل بعد قليل شهرها السابع رغم أنه كان هناك قرار صادر من مجلس الأمن الدولي يوم الاثنين 25 مارس 2024 تحت رقم 2728 يقضي بوقف إطلاق النار، ذلك لأن كلا من واشنطن وتل أبيب اعتبراه غير ملزم، هذا الموقف والتفسير يذكر الكثيرين حول العالم بقولة الزعيم الصيني الراحل ماوتسي تونغ عن أن السلطة السياسية تنبع من فوهة البندقية.

بينما تتلاقى وتختلف وتتعارض التقارير والتحليلات حول مآل ومسار المواجهة العسكرية الدائرة في قطاع غزة وامتداداته على الجبهة اللبنانية الإسرائيلية والمدخل الجنوبي للبحر الأحمر ومخاطر تحوله إلى مواجهة إقليمية، تتبلور بشكل لم يشهده العالم منذ نهاية الحرب الباردة بداية العقد الأخير من القرن العشرين، عملية تقسيم العالم إلى معسكرين متخالفين ومتصارعين.

لا ينكر إلا قلة أن حرب غزة سمحت بعملية تفجير وتنفيس لضغط متراكم لدى الجزء الأكبر من دول وسكان الأرض "أو ما يوصف بدول الجنوب" التي عانت على مدى أكثر من ثلاثة عقود من فرض قوة واحدة "الغرب" إرادته على الآخرين في كل المجالات مستغلا قدراته العسكرية والاقتصادية والاستخباراتية والسياسية.

الأمر الذي يزيد من حدة هذا الاستقطاب هو أن القوى المهيمنة على الساحة الدولية منذ انهيار الاتحاد السوفيتي خلال تسعينية القرن العشرين وما تبعه من تحلل كتلة عدم الانحياز التي فرضت وجودها زمنا ليس بالقصير بفضل التوازن القائم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية نتيجة المواجهة بين الأنظمة الشيوعية والرأسمالية، أخذت تصعد من ضغوطها على بقية دول العالم لتحدد بوضوح موقفها وبسرعة وتحت طائلة التهديد بالعقوبات بمختلف أشكالها من الصراع الدائر من أجل إقامة نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب وبقواعد مختلفة عن النظام القائم. تكرارا لكلمات الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش "من ليس معنا.. فهو ضدنا".

 

تحكم وتدير العالم

 

خلال شهر مارس 2024 قال الخبير الأمريكي جيفري ساكس في حديث له على هامش منتدى China Development Forum في بكين، إن الولايات المتحدة لا تزال تعتقد أنها تحكم العالم وتدير شؤونه، وهذا أمر خطير للغاية يؤدي إلى التوتر في كل مكان.

وأشار ساكس، وهو اقتصادي أمريكي معروف ويعمل كبروفيسور بجامعة كولومبيا، إلى أنه عندما تفهم واشنطن ضرورة التفاعل مع روسيا والصين ودول أخرى في العالم متعدد الأقطاب، سيبدأ عصر جديد من التعاون السلمي.

وأضاف: "نحن نعلم أن التوترات التجارية هي في الواقع نتيجة لمحاولات الولايات المتحدة إبطاء التقدم الاقتصادي في الصين. وهذا جزء من المحاولات الأمريكية الشاملة للحفاظ على الهيمنة أو أحادية القطبية في عالم أصبحت فيه التعددية القطبية حقيقة واقعة بالفعل. ونفس التوترات التي أدت إلى اندلاع الحرب في أوكرانيا تنعكس في العلاقة المتوترة بين الولايات المتحدة والصين".

وأكد الخبير الأمريكي أن حل هذه المشاكل، يمكن أن يكون بموافقة الولايات المتحدة على اعتماد التعددية القطبية. 

وصرح ساكس: "في الوقت الحالي، لا تزال الطبقة السياسية الأمريكية بعيدة عن الحقائق الأساسية للعالم. ولا تزال الولايات المتحدة تعتقد أنها تحكم العالم. بالطبع، هذا أمر ساذج للغاية وخطير للغاية، ويؤدي إلى التوترات في كل مكان".

وأعرب الخبير عن أمله في أن تفهم الولايات المتحدة قريبا أنها بحاجة إلى التفاعل مع روسيا والصين والقوى الكبرى الأخرى في عالم متعدد الأقطاب.

وخلص الخبير إلى القول: "عندما يفعلون ذلك، سنبدأ حقبة جديدة من التعاون السلمي. لذلك أنا متأكد من أن الكثير يعتمد على ما إذا كانت السياسة الأمريكية ستفهم الحقائق الجديدة للاقتصاد العالمي والسياسة العالمية".

 

حروب ظالمة وسلام عادل

 

كتب والدن بيلو، وهو الرئيس المشارك لمجلس "التركيز على الجنوب العالمي"، وأستاذ مساعد في علم الاجتماع في جامعة ولاية نيويورك، مقالا في مركز "Foreign policy in focus" يتحدث عن الحروب الثلاث التي يشهدها العالم حاليا، وكيف تتقاطع فيها الاعتبارات المحلية مع الإقليمية والعالمية، وضرورة أن يتم تحقيق السلام العالمي.

جاء في المقال الذي تم نشره مترجما في 26 مارس 2024:

تظهر الحروب أو الصراعات الثلاث الكبرى الجارية اليوم مدى تقلب التقاطع بين المحلي والعالمي.

في الصراع بين حماس و"إسرائيل"، نرى كيف يتشابك الحفاظ على الدولة الاستعمارية الاستيطانية الإسرائيلية مع الحفاظ على الهيمنة العالمية للولايات المتحدة.

وفي الحرب في أوكرانيا، اندلعت حرب استنزاف دامية بين البلدين بسبب سعي واشنطن إلى توسيع حلف شمال الأطلسي ليشمل إحدى دول الاتحاد السوفياتي السابق.

وفي بحر الصين الجنوبي، نشهد كيف ارتفعت النزاعات على الأراضي والموارد الطبيعية إلى صراع عالمي بسبب الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة للحفاظ على هيمنتها العالمية ضد الصين، والتي تخسر المنافسة الجيواقتصادية عليها ولكنها لا تزال تتمتع بالتفوق العسكري المطلق.

باختصار، يكمن السبب الرئيسي لعدم الاستقرار العالمي اليوم في اندماج المحلي والعالمي، والجغرافيا السياسية والاقتصاد الجغرافي، والإمبراطورية والرأسمالية.

 

ميزان القوى

 

ما يجعل الصراعات الحالية متقلبة بشكل خاص هو أنها تحدث في ظل غياب أي سلطة قسرية متعددة الأطراف فعالة لفرض تسوية سلمية. وفي أوكرانيا، فإن توازن القوة العسكرية هو الذي سيحدد نتيجة الحرب، وهنا يبدو أن روسيا هي المنتصرة على المحور الأوكراني وحلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة.

في الشرق الأوسط، لا توجد قوة قسرية فعالة لمعارضة العملاق العسكري الإسرائيلي الأمريكي – ما يجعل الأمر أكثر وضوحاأنه على الرغم من حملة الإبادة الجماعية المستمرة منذ ما يقرب من 6 أشهر، فإن "إسرائيل" لم تحقق هدفها الرئيسي: تدمير حماس.

وفي بحر الصين الجنوبي، ما يحدد مسار الأحداث هو توازن القوى بين الصين والولايات المتحدة. لا توجد "قواعد للعبة"، لذا فإن هناك دائما احتمال أن تصطدم السفن الأمريكية والصينية - أو تتجه نحو بعضها البعض، ثم تنحرف في اللحظة الأخيرة - عن طريق الخطأ، ويمكن أن يتصاعد هذا الاصطدام إلى شكل أعلى من الصراع مثل الحرب التقليدية. 

وبدون القيود القسرية الفعالة التي تفرضها منظمة متعددة الأطراف على القوة المهيمنة وحلفائها، فمن الممكن أن تنحدر الأخيرة بسهولة إلى الإبادة الجماعية والقتل الجماعي. وسواء في فيتنام، أو العراق، أو أفغانستان، أو غزة، فقد تبين أن اتفاقيات جنيف واتفاقية مناهضة الإبادة الجماعية كانت مجرد قطع من الورق.

 

حق الدفاع عن النفس

 

ونظراً لغياب حكم متعدد الأطراف قادر على فرض إرادته، فإن تطوير القوى السياسية والدبلوماسية والعسكرية المضادة هو وحده القادر على كبح جماح القوة المهيمنة. وهذا هو الدرس الذي علمته حروب التحرير الوطني في شمال أفريقيا وفيتنام للعالم. وهذا هو الدرس الذي تعلمنا إياه المقاومة الفلسطينية اليوم.

ولهذا السبب، حتى عندما ندين الحروب الإمبراطورية التي تشنها القوة المهيمنة، يجب علينا أن ندافع عن حق الناس في اللجوء إلى الدفاع المسلح عن النفس.

وهذا لا يعني أن جهود صنع السلام التي يبذلها المجتمع المدني العالمي ليس لها دور تلعبه.. ما زلت أتذكر كيف نشرت صحيفة "نيويورك تايمز"، قبل وقت قصير من غزو العراق، مقالا في 17 فبراير 2003، ردا على التعبئة الجماهيرية ضد الغزو المخطط له للعراق، جاء فيه أنه لم يتبق سوى قوتين عظميين في العالم، وكانا الولايات المتحدة والرأي العام العالمي، وأن الرئيس جورج دبليو بوش آنذاك تجاهل هذا التدفق من المقاومة العالمية على مسؤوليته الخاصة. 

لقد ساهم المجتمع المدني العالمي في إنهاء الحربين في أفغانستان والعراق من خلال تآكل شرعية تلك الحروب بين الرأي العام الأمريكي، مما جعلها لا تحظى بشعبية كبيرة حتى أن دونالد ترامب أدانها - في وقت لاحق - كما فعل العديد من الشخصيات التي صوتت للحرب في الكونغرس الأمريكي.

ومن المرجح أن يكون للقرار الأخير الذي اتخذته محكمة العدل الدولية والذي أمر "إسرائيل" بمنع الإبادة الجماعية في غزة تأثير مماثل لمقاومة المجتمع المدني العالمي لغزو بوش الابن للعراق. قد لا يكون لقرار محكمة العدل الدولية تأثير فوري على الحرب المستمرة، لكنه سيؤدي إلى تآكل شرعية مشروع الاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري على المدى الطويل، مما يؤدي إلى تعميق عزلة "إسرائيل" على المدى الطويل.

 

السلام العادل 

 

كثيراً ما نرى السلام كحالة مثالية. لكن سلام المقبرة ليس سلاما. إن السلام الذي يتم شراؤه بثمن القمع الفاشي ليس فقط غير مرغوب فيه، ولكنه لن يدوم.

إن الشعوب المضطهدة مثل الفلسطينيين سترفض السلام بأي ثمن، السلام الذي يتم الحصول عليه على حساب الإذلال. وكما أظهروا خلال الأعوام الـ 76 التي تلت النكبة، وطردهم الجماعي من أراضيهم ومنازلهم، فإن الفلسطينيين لن يقبلوا بأقل من السلام مع العدالة، وهو السلام الذي يمكنهم من استعادة أراضيهم التي استولى عليها الإسرائيليون، وإقامة دولة ذات سيادة "من النهر إلى البحر".

إن بقية العالم مدين لهم بدعمهم المخلص لتحقيق مثل هذا السلام العادل من خلال جميع الوسائل الممكنة، حتى ونحن نعمل على معارضة الحروب الإمبراطورية التي تشنها القوى المهيمنة في أجزاء أخرى من العالم.

 

عشرة إنجازات مقابل إنجاز واحد 

 

أعد عضو الكنيست عن حزب "الليكود" الإسرائيلي عميت هاليفي تقريرا نهاية شهر مارس 2024 أفاد فيه بتحقيق حركة "حماس" عشرة إنجازات، مقابل إنجاز واحد لإسرائيل منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر 2023.

وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية إنه في الأشهر الأخيرة، قاد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حملة بعنوان "النصر الشامل"، لكن الوزراء وأعضاء الكنيست في "الليكود" يعتبرون أنه يسير في الاتجاه المعاكس تماما وينتقدون بشدة إدارة الحرب في قطاع غزة والتناقضات بين النتائج على الأرض وشعارات نتنياهو وتصريحاته للجمهور.

ونقلت الصحيفة عن هاليفي قوله إن (رئيس حزب أمل جديد الوزير) "جدعون ساعر كان على حق في انتقاده لسلوك حكومة الحرب"، لافتة إلى أنه قام بتجميع وثيقة تفصل الإنجازات الاستراتيجية التي حققتها حماس مقارنة بـ"الإنجازات الإستراتيجية" التي حققتها إسرائيل.

وحسب الصحيفة فإن "النتيجة محزنة: عشرة إنجازات لحماس مقابل إنجاز واحد لإسرائيل".

ومن بين إنجازات "حماس" المفصلة في الوثيقة: "المفاجأة والنجاح العسكري في المذبحة الوحشية ضد الجيش الإسرائيلي، الدولة الفلسطينية كمطلب نهائي ومتزايد في النظام الدولي، دعم المثقفين في الغرب والتبرير الأخلاقي الذي قدموه للأفعال الوحشية وحتى الإضرار بتماسك المجتمع الإسرائيلي من خلال استخدام الرهائن من أجل تغيير ميزان الوعي من الغضب والانتقام إلى الانسحاب وبأي ثمن".

وذكرت الوثيقة أنه من بين الانجازات أيضا: "تفعيل جبهات إضافية ضد إسرائيل، وإجلاء نحو 180 ألف شخص في منطقتين، والعزلة السياسية لإسرائيل، وموجة معاداة السامية حول العالم، وأضرار اقتصادية وسياحية".

ومن ناحية أخرى، أشارت الوثيقة إلى إنجاز استراتيجي واحد لإسرائيل: "التزام وتفاني وروح التطوع لدى مئات الآلاف من الجنود وعائلاتهم".

 

الطريق إلى تحطم أكيد

 

نشرت صحيفة "هآرتس" العبرية بتاريخ 21 مارس 2024: مقالا كتبه اللواء إسحاق بريك الضابط احتياط في "الجيش" الإسرائيلي، والمفوض السابق لشكاوى الجنود قال فيه:

"إسرائيل" في طريقها إلى تحطّم مؤكد، كما حدث في تصادم سفينة "التيتانيك" بجبل جليدي وغرقها، عام 1912. هذا سيحدث ما لم يتم تغيير مسببي أكبر كارثة في تاريخ "إسرائيل" فورا.

إن الفانتازيا والوهم الذي لا أساس له في الواقع، بإمكان تقويض حماس بالكامل، سيؤدي إلى خسارة الأسرى، وخسارة إنجازاتنا، وخسارة دعم دول العالم، ولاحقاً خسارتنا. هناك قادة لا يريدون أن تنتهي الحرب لأنّهم يعرفون ما الذي ينتظرهم في النهاية. يجب ألا نسمح لهم بقيادة "إسرائيل" إلى طريق مسدود.

الخطة غير العقلانية لنتنياهو وغالانت وهليفي - أي عدم إنهاء الحرب - تعني أنها مسألة وقت فقط قبل اندلاع حرب إقليمية شاملة، نحن لسنا مستعدين لها. إن الكارثة التي ستتعرض لها "إسرائيل" وسكانها ستكون باهظة بشكل أكبر من أن تحتمل، وأشد كثيرا من الكارثة التي حلت بنا في مستوطنات غلاف غزة وفي المستوطنات الشمالية. هذه المرة ستجتاح النيران "إسرائيل" كلها، من "المطلة" إلى "إيلات"، ولا يمكنكم القول إنّكم لم تعرفوا. الذين يضغطون للمهاجمة في رفح، وضد حزب الله في لبنان أيضا، قد فقدوا تماما الفهم بالكارثة التي يمكن أن تسببها هذه الهجمات على "إسرائيل".

حدث فقدان صواب في المستويين السياسي والعسكري على حد سواء. نحن في طريقنا إلى انهيار اقتصادي لأن الاعتبارات السياسية لها الأسبقية على الاعتبارات الاقتصادية. مئات الآلاف من النازحين خسروا ويخسرون سبل عيشهم، ومئات الآلاف من جنود الاحتياط منفصلون عن وظائفهم منذ أشهر طويلة، وتضرر مصدر رزقهم، ومعهم الاقتصاد الإسرائيلي.

نحن في عملية متسارعة لنكون منبوذين من كل الشعوب، منبوذين بحظر أسلحة ستفرضه علينا البلدان الأوروبية والعالم (وقد أعلنت كندا ذلك بالفعل)، ونحن أيضا في أزمة شديدة مع الولايات المتحدة. والنتيجة هي مقاطعة اقتصادية لـ"إسرائيل"، حيث ستوقف الشركات العملاقة علاقاتها معنا، ومن هنا الطريق قصيرة إلى أزمة ائتمان خانقة وعزلة ومعاملة "إسرائيل" كمنبوذة لا تنتمي إلى عائلة "الدول المستنيرة".

هذه العملية تجري بالفعل أمام أعيننا، و"شعب إسرائيل" في غيبوبة. يمكن معرفة ما هي المرحلة التالية إذا نظرنا إلى مثال جنوب أفريقيا. عندما تمت مقاطعتها بسبب رفضها إلغاء نظام الفصل العنصري وعزلها العالم عن البلدان الأخرى، انهارت سياسيا واجتماعيا واقتصاديا.

نحن في عملية تحطّم "الأمن القومي" لـ"إسرائيل". كل يوم يمر، نغرق معه أكثر فأكثر في غزة. إننا نفقد القدرة على إخراج أسرانا أحياء، وما زلنا نخسر جنودا في المناطق التي سبق واحتللناها واستعادتها حماس.

إن الحديث عن احتلال رفح وإغلاق محور فيلادلفيا لا أساس له من الصحة، لأننا تأخرنا على هذا القطار. حتى لو نجحنا في القضاء على كتائب حماس الأربع في رفح، سيظل هناك عشرات الآلاف من مقاتلي حماس المختلطين بين 1.4 مليون لاجئ، وليس لدينا أي وسيلة لمعرفة من هو مقاتل من حماس ومن هو لاجئ. مثل أي شخص آخر، سينتقلون إلى أماكن آمنة ومن هناك سيعودون إلى شمالي قطاع غزة وجنوبيه مع سائر اللاجئين.

إذا دخلنا إلى رفح الآن، في الأجواء المعادية لـ"إسرائيل" في جميع أنحاء العالم، وفي الوضع الإنساني الخطير فيها وفي كل القطاع، وفي غياب إدارة دولية تحل محل الإدارة المدنية لحماس، فإنذلك سيؤدي بـ"إسرائيل" إلى الوضع الذي كان عليه نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. سيكون هذا هو المسمار الأخير في نعش "إسرائيل".

هذه العملية المهلوسة برمتها تحدث لأن المستويين السياسي والعسكري ضلا طريقهما ويقاتلان من أجل بقائهما. إنهما يتصرفان كما لو أنه ليس لديهما ما يخسرانه ويدهوران "إسرائيل". إذا لم يتم العثور على طريقة لاقتلاع القيادة المارقة واستبدالها بقيادة سياسية وعسكرية مناسبة تعيد تأهيل الاقتصاد والمجتمع والأمن والعلاقات الدولية، فقد تكون المشكلة لا رجعة فيها.

 

الانسحاب 

 

من الضروري الآن التمركز على الحدود المحيطة بقطاع غزة بعد تسريح معظم القوة. من أصل أربع فرق في بداية الحرب، بقيت خمسة ألوية فقط في خان يونس. تم سحب 80 في المئة من قواتنا من شمالي القطاع ومدينة غزة والشجاعية وجباليا والزيتون. وفقالخطة "الجيش" للمرحلة الثالثة، يجب علينا الآن أيضا سحب 20 في المئة من قواتنا المتبقية في خان يونس، والتي تقاتل هناك منذ شهرين ونصف، ولا تتقدم بنا على الإطلاق في تقويض حماس أو إعادة الأسرى. وفوق ذلك، لا بد من استبدال حكومة حماس المدنية بكيان خارجي يضم قوات شرطة قادرة على التعامل مع الحركة.

عندما يتواجد "الجيش" الإسرائيلي على الحدود بطريقة تسيطر على قطاع غزة بحيث لا يسمح لحماس باستعادة قوتها (بتوغلات وغارات جوية)، يمكننا إعلان وقف إطلاق نار أو وقف القتال. ومن شبه الأكيد أن يؤدي هذا التوقف إلى وقف حزب الله للقتال، وسنكون قادرين على التفاوض لإعادة الأسرى. سنستبدل كل من يتحمل الذنب من المستويين السياسي والعسكري وجلب المأساة على سكان مستوطنات غلاف غزة ومستوطناتنا على الحدود اللبنانية وعلى الدولة. وسنشرع في مسار جديد لإعادة تأهيل الأمن والاقتصاد والمجتمع. وسنعيد تأهيل مستوطناتنا في الجنوب والشمال، وسنعمل على الخروج من العزلة في العالم، والعودة إلى رابطة "الدول المستنيرة".

هذه هي الطريقة الوحيدة فقط وليس هناك سواها. إذا لم يحدث ذلك تحت قيادتنا، فسيحدث من دوننا ومن دون سيطرتنا، ومن ثم ستكون الأثمان التي سندفعها باهظةً للغاية.

 

شحنة أسلحة

 

جاء في تقرير نشر يوم 30 مارس على موقع "عربي بوست":أسفر تفويض إدارة بايدن الجديد، لتزويد إسرائيل بقنابل وطائرات بمليارات الدولارات، عن إثارة انتقادات واتهامات بالنفاق من جانب بعض المشرعين، لاسيما أنها جاءت بالتزامن مع تعبير البيت الأبيض عن قلقه حيال وفيات المدنيين في غزة، وتعثر وصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، بحسب تقرير نشرته صحيفة Washington Post الأمريكية.

وتضم شحنة الأسلحة لإسرائيل 1800 قنبلة يبلغ وزن الواحدة منها نحو 900 كلغم، والتي يقول الخبراء إنها ارتبطت بارتفاع حصيلة القتلى أثناء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

وقد وصف السيناتور بيرني ساندرز الخطوة بأنها "سفيهة" في منشور على الشبكات الاجتماعية. وأردف: "لا يمكن للولايات المتحدة أن تتوسل إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو للتوقف عن قصف المدنيين اليوم، ثم ترسل له في اليوم التالي آلاف القنابل الإضافية التي تزن 900 كلغم وتستطيع دك مربعات سكنية كاملة".

فيما أكّد السيناتور جيف ميركلي على المشاعر نفسها، واصفا عملية نقل الأسلحة بأنها "خاطئة على كل المستويات". وأردف أن الإدارة "لا يمكنها الضغط بصدق من أجل زيادة وصول المساعدات إلى غزة"، ثم تقديم الأسلحة المستخدمة في "قتل الأبرياء الفلسطينيين عشوائيا" في الوقت ذاته.

بينما صرح مسؤول في البيت الأبيض لصحيفة "واشنطن بوست" قائلا: "نحن مستمرون في دعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، ولم نعتمد سياسة تجعل المساعدات مشروطة".

يذكر أن أنباء شحنة الأسلحة جاءت في اليوم نفسه الذي أقر فيه الرئيس بايدن "بشعور الألم الذي ينتاب العديد من أبناء المجتمع العربي الأمريكي حيال الحرب في غزة"، وهذا بالتزامن مع يجري ترويجه إعلاميا في واشنطن عن ارتفاع التوترات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، حيال خطط نتنياهو لشن هجوم عسكري على رفح، الواقعة جنوب غزة وعلى الحدود المصرية، والتي لجأ إليها نحو 1.5 مليون فلسطيني.

في تفسيره للتناقض في مواقف البيت الأبيض صرح مدير برنامج "نادي فالداي"، أوليغ بارابانوف، بالقول: السبب الأول، سياسي داخلي. يتعرض البيت الأبيض لضغوط من الديمقراطيين اليساريين في الكونغرس والناخبين المسلمين. هناك انتخابات رئاسية في الولايات المتحدة في نوفمبر. ولا يزال بايدن متخلفا في استطلاعات الرأي. كل صوت عزيز عليه الآن. وإذا انقلب الناخبون المسلمون ضده، فقد يؤدي ذلك إلى هزيمته في ولايات رئيسية ومن ثم في الانتخابات. لذلك، فإن البيت الأبيض مجبر على المناورة.

والسبب الثاني، في السياسة الخارجية. إن حجم الأزمة وعدد الضحايا المدنيين في غزة يبطل إلى حد كبير كل الجهود الدبلوماسية التي تبذلها الدول الغربية لإقناع الدول غير الغربية بالوقوف إلى جانب أوكرانيا. ففي نهاية المطاف، خلال ستة أشهر من القتال، قتل عدد من المدنيين هناك أكبر بأضعاف من عدد القتلى في أوكرانيا خلال عامين. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الضغط على الولايات المتحدة يتزايد. ولذلك، كان من الصعب جدا على الأمريكيين استخدام حق النقض مرة أخرى ضد قرار وقف إطلاق النار".

 

الفصل السابع

 

تشهد العلاقات الأمريكية الإسرائيلية تخبطا واسعا في ظل تصريحات متضاربة من إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، حول إنهاء الحرب وفي نفس الوقت تسهيل حصول الجيش الإسرائيلي على أسلحة في حربه المستمرة على قطاع غزة لتحقيق هدف تدمير حركة حماس، رغم المطالبات الدولية لإيقاف الحرب. الحقيقة رغم كل ذلك هي أن الموقف الأمريكي ما زال يمثل الأساس الواقعي في مسار العمليات العسكرية الإسرائيلية، في الحرب المفروضة على القطاع. وقد بات واضحا أن واشنطن تسعى لضبط إيقاع الفعل العسكري، بما يضمن بقاء اليد العليا فيه لإسرائيل، في سبيل تحقيق الأهداف التي أعلنت عنها منذ اليوم الأول. لذلك اتخذ الدعم الأمريكي العسكري والسياسي والمادي مسارا تصاعديا في الحرب.

ليس من السهل على واشنطن، وهي تعتبر نفسها القوة الأكبر في العالم، أن ترى نفسها تخسر في الحرب الدائرة في وسط شرق أوروبا وفي نفس الوقت في موقع منعزل بصورة متزايدة على المسرح العالمي وهذا ما يحصل بسبب التزامها بدعم إسرائيل في رفض وقف إطلاق النار رغم القرارات الدولية والارتفاع الكبير في عدد الضحايا المدنيين الفلسطينيين وتدهور الوضع الإنساني في غزة.

 

القتال يتواصل

 

بعد صدور قرار اعتبرته واشنطن "غير ملزم" من مجلس الأمن، الاثنين 25 مارس، بوقف إطلاق النار في غزة، تطرح تساؤلات بشأن إمكانية تطبيق "الفصل السابع" من ميثاق الأمم المتحدة، لوقف الحرب.

يقول المختص بالقانون الجنائي الدولي، المعتصم الكيلاني، أن القرار "ملزم أخلاقيا" على كافة الدول الأعضاء بالجمعية العمومية للأمم المتحدة. لكن القرار فعليا "غير ملزم"، فلا توجد آليات لتنفيذه وتطبيقه على "أرض الواقع"، وفق حديثه لموقع "الحرة" الأمريكي.

والاثنين 25 مارس، قال مستشار اتصالات الأمن القومي في البيت الأبيض، جون كيربي، إن قرار مجلس الأمن ليس "ملزما"، مؤكدا أن "ليس له أي تأثير على إسرائيل وقدرتها على قتال حماس"، ولكن لم يجب على سؤال طرح عليه حول ما هي قيمة مجلس الأمن.

وأكدت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، أن الولايات المتحدة تؤيد تماما "بعض الأهداف الحيوية في هذا القرار غير الملزم".

ويشير الكيلاني إلى أن "الحرب في غزة لم تتوقف"، ولا يوجد احترام للقرار، وبالتالي يمكن أن يعاد التصويت عليه من جديد تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة حتى يكون "ملزما".

أما خبير العلاقات الدولية، حامد فارس، فيؤكد أن المعارك والاشتباكات في قطاع غزة مازالت مستمرة منذ صدور القرار الذي يشكل نوعا من "الضغط المعنوي" على إسرائيل دون وجود آلية واضحة لتنفيذه.

ولن يؤدي القرار لوقف الحرب بشكل "دائم وشامل"، ولن يمثل "طوق النجاة" بالنسبة للسكان في قطاع غزة، وفق حديثه لموقع "الحرة".

ويشير خبير العلاقات الدولية إلى القرارين 1720 و1723 الصادرين عن مجلس الأمن، والمتعلقين بإنفاذ المساعدات الإغاثية والإنسانية لداخل القطاع، لكن "لم يتم تنفيذهما".

بينما يشدد خبير القانون الدولي، أيمن سلامة، على أن قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار الفوري "ملزم"، لأنه صدر عن الهيئة التنفيذية الحصرية في الأمم المتحدة والتي تعمل نائب ووكيل مفوض عن 193 دولة عضو في مجلس الأمن لاتخاذ ما يلزم وتوصيات وقرارات وبيانات تخص" صيانة السلم والأمن الدوليين".

وبعد 6 أشهر من الحرب في غزة وسقوط آلاف الضحايا، فقد اتخذ مجلس الأمن القرار بصياغة قانونية "قوية إلزامية"، فهو لم يناشد أو يحث أو يتوسل بل "طلب"، حسبما يوضح سلامة لموقع "الحرة".

ويشير سلامة إلى أن عدم تنفيذ الوقف الفوري للعدائيات العسكرية ووقف إطلاق النار "الفوري المؤقت" خلال 15 يوما، سوف يهدد الأمن والسلم الدوليين في الشرق الأوسط.

 

أرض الواقع

 

ينص "الفصل السابع" من ميثاق الأمم المتحدة على إمكانية أن يتخذ المجتمع الدولي خطوات عسكرية ضد الدولة التي تهدد الأمن والسلم العالميين.

ويؤكد الكيلاني أن الفصل السابع هو الوحيد "الملزم على أرض الواقع"، ولذلك فمن الإمكان الاتجاه نحو تطبيقه واستخدام "القوة العسكرية" لتنفيذ القرار.

ومن الممكن أن يتم إعادة التصويت على القرار من جديد تحت نطاق الفصل السابع، واستخدام القوة لوقف "إطلاق النار" في قطاع غزة، وفق المختص بالقانون الجنائي الدولي. 

ومن جانبه، يشير فارس إلى أن القرار "مؤقت وليس شاملا أو مطلقا"، ولذلك فبمجرد انتهاء شهر رمضان سيكون وقف إطلاق النار "كأنه لم يكن".

ويطالب القرار الذي تم تبنيه بغالبية 14 صوتا مؤيدا وامتناع عضو واحد (الولايات المتحدة) عن التصويت، بـ"وقف فوري لإطلاق النار خلال شهر رمضان" الذي بدأ قبل أسبوعين، على أن "يؤدي إلى وقف إطلاق نار دائم". ويدعو أيضا إلى "الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن".

وحظي القرار الذي تقدم به أعضاء المجلس العشرة المنتخبون، بدعم روسيا والصين والمجموعة العربية التي تضم 22 دولة في الأمم المتحدة.

ولا يمكن استخدام الفصل السابع لتنفيذ القرار لأنه سوف "ينتفي وينتهي خلال أسبوعين فقط"، ولن تكون هناك مساحة كافية من الوقت لتنفيذه، وفق فارس.

أما المحامية دانا حمدان، فتقول لموقع "الحرة" إن "وقف إطلاق النار وربطه بفترة زمنية معينة لا ينزع قانونا صفة القرار، الذي تطبق عليه بنود ميثاق الأمم المتحدة والفصل السابع"، مستدركة بالقول: "هناك أسباب سياسية قد تمنع من اللجوء إلى القوة العسكرية لتنفيذ القرار".

وتوضح حمدان أن "القرار يتناول الحرب الدائرة بين إسرائيل وحماس في القطاع، وهي حركة وليست دولة عضو، وبالتالي وفي حال عدم القدرة على إلزامها بتنفيذ وقف إطلاق النار، فيمكن إلزام الحكومات الداعمة لها بالضغط عليها، وذلك بصراحة المادة 41 من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة".

وتنص المادة 41 على أنه يمكن لمجلس الأمن "أن يطلب إلى أعضاء الأمم المتحدة تطبيق هذه التدابير، ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفا جزئيا أو كليا وقطع العلاقات الدبلوماسية".

وتشير حمدان إلى أن "صعوبة اللجوء إلى الفصل السابع تبرز في تحميل كل من الجهتين مسؤولية القتال، وهو الأمر الذي قد يلقى جدلا سياسيا يفضي إلى استخدام أحد الدول حق الفيتو".

وتضيف: "صدور قرار وقف إطلاق النار لا يوجب على مجلس الأمن المساس بحقوق المتنازعين والبت في مطالبهم ومراكزهم، على عكس اللجوء إلى الفصل السابع الذي يستلزم البت بأصل الحق أو النزاع".

في المقابل، تشدد المحامية السابقة في المحكمة الجنائية الدولية، ديالا شحادة، في حديث لموقع "الحرة"، على أن "صلاحيات مجلس الأمن في اتخاذ الأعمال في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان واسعة جدا ولا يمكن حصرها بين الدول"، مؤكدة على إمكانية "اللجوء إلى "الفصل السابع بأي قرار يصدر عن المجلس الدولي".

ولجهة عدم إمكانية إلزام حماس بقرارات مجلس الأمن، تقول شحادة: "صلاحية مجلس الأمن لا يمكن حصرها بالدول فقط، لأنه لم يرد نص بذلك حيث جاءت عبارة فرقاء (parties) وليس حكومات على سبيل الحصر".

وتتابع: "يمكن دعوة حماس كونها طرفا في النزاع للامتثال للقرار صراحة تحت طائلة اللجوء إلى الفصل السابع الذي قد يتمثل حينها بالطلب من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالضغط عليها".

وتوضح شحادة أن "لمجلس الأمن أن يفرض عقوبات اقتصادية ومالية وليس فقط فرض القوة لتنفيذ وقف إطلاق النار"، مشيرة إلى أنه "يمكن لأي دولة أن تتقدم بطلب إصدار قرار آخر يدعو للجوء إلى الفصل السابع".

وحسب المادة 39 من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة فإن مجلس الأمن يقرر ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به أو كان ما وقع عمل من أعمال العدوان، ويقدم في ذلك توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير طبقا لأحكام المادتين 41 و42 لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه.

وإذا رأى مجلس الأمن أن التدابير المنصوص عليها في المادة 41 لا تفي بالغرض أو ثبت أنها لم تف به، جاز له أن يتخذ بطريق "القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته إلى نصابه"، وفق المادة 42.

من جهته، يقول سلامة إن الحديث عن "إجراءات تصاعدية تجاه حماس أو إسرائيل في حال عدم الالتزام بقرار مجلس الأمن هو ضربا من ضروب الخيال".

وتعتبر شحادة أنه "في حالات نادرة جدا قام مجلس الأمن باستخدام صلاحياته تحت الفصل السابع، ولذلك يتهم دائما بالفشل الدولي في إحلال الأمن والسلم".

 

عمر نجيب

[email protected]