ذات يوم سُئل الشاعر الفلسطيني (محمود درويش) عن اتفاقيات السلام العربية الاسرائيلية فأجاب: أنها تشبه النزول من على شجرة الاحلام إلى برودة الواقع! وما أصعب السلام حين يتعلق بالأحلام والأرض! لقد عرضنا على إسرائيل تقاسم فلسطين معهم، لكنهم مصرون على طردنا منها! فكيف يمكن اقامة سلام مع طرف غير راغب فيه أصلاً ويعتبره تهديداً وجودياً له.
شخصياً لا أخجل لحظة واحدة عندما أقول أنني بيومٍ أمنت أن يكون لنا مع إسرائيل بدائل واتفاقيات تُعيد رسم موازين القوى! هذه الحقيقة التي أثبتت أنها أضغاث أحلام وأفكار وردية، وما جرى من توقيع اتفاقيات سلام بين اسرائيل والدول العربية كان عبارة عن عملية لكسر الإرادة ليس أكثر!
ان نعترف بالحقيقة يعني أننا تجاوزنا الاجترار(سمة تلازم البقر)! إسرائيل لم تعد تقيم وزناً لاعتبارات السلام، ولا تريد حدوداً معترفاً بها دولياً تُلزمها بموجب القانون والاعراف الدولية إسوة بغيرها من دول العالم! ولم تقبل يوماً مناقشة مشاريع السلام التي أقترحها العرب.
فالسلام الذي تريده هو سلامٌ مبنيٌ على فكرة التفوق والهيمنة والتبعية، عائمٌ خاص بها تُحيكه على مقاسها وعلى مزاجها: (دولة يهودية تُهيمن وتعبث كما تشاء وتتوسع على حساب جيرانها).
دعونا هنا نقلب الصفحة ونطرح سؤالنا بشكل مختلف: ما هو السلام الذي تريده إسرائيل عند توقيع كل اتفاقية منفردة بينها وبين العرب؟ وهل السلام مع إسرائيل هو نفس السلام مع ايران! أو كوريا الشمالية أو حتى أفغانستان؟
ونعود ونسأل، ما الذي تريده إسرائيل؟ هل تريد سلام مع الحكام العرب فقط لا تشترك فيه الشعوب؟
بعد الوعود بالازدهار ورفاهية العيش: ماذا جنينا من السلام معهم؟ مصر والاردن تحولت منذ توقعيها اتفاقيات السلام الى مجرد دول محايدة! وفي أحسن الحالات كانتا مجرد وسيط هنا وهناك.
الاردن عملياً لم يحصد شيئاً على الارض! ووعد الرئيس الامريكي كلينتون للملك الراحل الحسين بتسديد ديون الاردن لم ينفذ! وهي الديون التي لم تكن وقتها لتتجاوز عدد أصابع اليد من المليارات! وباتت اليوم أكثر من 60 مليار!
أما الفلسطينيون الذين اعتمدوا على قاعدة ذهبية لحل قضيتهم وهي: (الارض مقابل السلام) فقد اعتبرت إسرائيل هذه القاعدة عفا عنها الزمن! وأنه من الافضل استبدالها بقاعدة جديدة وهي: (السلام مقابل التبادل السكاني)! حيث ترى إسرائيل ان الوقت الحالي هو الفرصة الكبيرة لتثبيت هذه القاعدة خاصة في ظل الدعم العربي وهرولة الحكام العرب غير المسبوق باتجاهيها.
رفعنا في الماضي القريب شعار (لا صوت يعلو فوق صوت المعركة!) وحدثت المعركة وضاعت الارض، وتحولت لاءات الخرطوم إلى (نعم!)، وحلت محلها لاءات إسرائيل العشر!
بالتأكيد بعد كل تلك السنين الطويلة نرى أن اتفاقيات السلام العربية مع إسرائيل بحاجة الى عملية مراجعة توضيحية قبل ان تكون نقدية لمعرفة وفهم لماذا أكثر من 44 عاماً والنتيجة مازالت صفر؟
المهندس سليم البطاينة كاتب اردني