ملك لأردن في رواندا.. ما هو السبب؟

أربعاء, 2024-01-10 17:03

أن يزورَ الملك عبدالله الثاني رواندا في هذه الأيام فهو تحركٌ يستدعي النظر.  الأردن يشارك جنوب إفريقيا في دعواها ضد الصهيونية ويقوم سلاحه الجوي بإنزالاتٍ للمواد الإنسانية في غزة كما يقصفُ مقار مهربي مخدرات في جنوب سوريا و يبقى في دوائر التداولات السياسية الحامية حول غزة و فلسطين.  فلماذا يغادر الملك لرواندا و جواره يشتعل؟ ربما كان لهذا السؤال أكثرَ من إجابة. وربما نخطئ.

راجت أنباءٌ عن محادثاتٍ صهيونية مع رواندا والكونغو لاستقبال مُهَّجرين فلسطينيين.  الأنباءُ تحمل في طياتها نوعاً من الحرب النفسية ليس من منطلق ترويج التهجير فحسب بل بالمكان المقصود. أن ترمي بآلاف الفلسطينيين في أفريقيا و لبلاد شهدت وتشهد مآسٍ متعددة مسألةٌ غير معقولة و فيها من الإذلال المُمْعنِ الكثير فلا المُهَجَّر ولا المستقبل بهذا الوارد.  قد يكون الملك في استباقٍ لمثلِ هذا الحديث لإيقافه في بلاد المصب، و هو ما قالته رواندا فعلاً.  إنها جبهةٌ جديدةٌ للأردن فعلاً.

ثم إنها رواندا التي شهدت مذابح مؤلمة بين التوتسي والهوتو في التسعينات.  ثم انبعثَ من المذبحة بلدٌ يتسمُ بالتآلف المواطني و التسامح و الرُقي الأخلاقي متعدد المذاهب.  رواندا لها تجربةٌ مرموقةٌ قد تكونَ ذات جذبٍ لمن من البلاد يخوض مثل تلك التخاصمات الدموية. السودان، مثلاً. و فلسطين؟ هي رميةٌ من رامٍ ماهرٍ أن تضع السودان و فلسطين في المعادلة الرواندية.  وهي رميةٌ قد تخيب أيضاً لكنها عقلانيةً على المدى المنظور.  إن كان ضمن حل الدولتين أو إن بزغت دولة فلسطين على كامل التراب الفلسطيني فهناك داعٍ لتواءمٍ بين شعوبٍ متناحرة. وفي السودان الذي يتشظى ربما كان النموذج الرواندي هو الأسلم، وللسودانِ في الأردن مكانةٌ عاطفيةٌ قديمة قد تقود الملك ليكون “محضرَ الخير” بين السوادنيين.

وفي الزيارة مقاربةٌ واضحةٌ بل تشبيهاً حاذقاً لمأساة غزة و فلسطين بما كانتهُ رواندا.  المذبحةَ الإنسانية والإبادة البشرية واحدة سواء كانت في فلسطين أو رواندا أو ميانمار أو كوسوڤو.  مرتكبوها يجب أن يواجهوا جرمهم البغيض و إن كانت الضحية عاجزةً عن الدفاع عن وجودها فإن علي القادر في هذا العالم أن يستوفي الحق من المجرم.

محكمة العدل الدولية تنظر الخميس ١١ يناير في الدعوى المقدمة من جنوب أفريقيا ضد “إسرائيل” بتهمة الإبادة البشرية، و هي دعوى أعلن الأردن مناصرته لها. محكمة رواندا سابقةٌ هامةٌ لمحكمة غزة، وربما محكمة فلسطين.  المناصرة الملكية لحق الإنسان تأتي لذلك من عمَّان و كيغالي قويةً في مؤازرتها الطبيعية لحقوق الإنسان العالمي فما بالك بحقوق الأخ و الشقيق و الصهر و النسب في فلسطين.

إنها بدون شك زيارةٌ هامةٌ في رسالتها الحقوقية والسياسية والتوعوية. ولعل الأيام تكشف المزيد عنها.

علي الزعتري دبلوماسي أُممي سابق

الأردن