في الذكرى 44 لصفقة السلام مع إسرائيل: حوار مفتوح

أحد, 2023-04-02 11:38

تمر علينا ذكرى الصفقة التي عقدها “أنور السادات” مع إسرائيل يوم 26 مارس عام 1979، وفي هذا العام أريد أن أفتح حوارًا حرًا حول المنفعة أو الضرر الذي ألحقته هذه الصفقة بالمصالح المصرية والعربية.

أولاً: أن هذه الصفقة هى إحدى تجليات التقارب بين السادات والولايات المتحدة الأمريكية، فالتقارب حدث أولاً ثم توالت نُذر الصفقة. والطريف أن نقاد الصفقة في ذلك الوقت قد قمعهم السادات، وأبدل بالنقد مجموعة من المنافع التي يرعاها وحده مبررًا تقاربه مع الولايات المتحدة. والغريب أن بعض الناس في مصر يعتقدون أن السادات عبقري بطبيعته، وأنه أبرم هذه الصفقة خدعة لإسرائيل واستغلالاً لتقاربه مع أمريكا، حيث كان يردد دائما أن أمريكا تملك كل أوراق اللعبة.. صحيح كان السادات يريد التقارب مع أمريكا لأسباب كثيرة، أولها وربما أهمها عقدة عبد الناصر، فطالما اختار عبد الناصر موسكو قبلة سياسية، وإنه لا بد أن يكون مختلفا فاختار المعسكر الغربي.

ثانياً: أن التقارب مع أمريكا وإسرائيل كان الهدف الأساسي لأنور السادات، ولا يزال غير مفهوم هدفه من أن يقوم رئيس أكبر دولة عربية بزيارة القدس وليس تل أبيب، ثم إنه هو الذي طلب ورتبت له الولايات المتحدة، وقد أدلي هيرمان آيلتس (السفير الأمريكي بالقاهرة) بتصريحات كاشفة حول شخصية السادات، وكذلك سبب التقارب. وقد قرر السادات التقارب الاستراتيجي مع واشنطن في وقتٍ مبكر قبل أن تعلن كوندليزا رايس في الجامعة الأمريكية بالقاهرة عام 2003 أن الطريق إلى البيت الأبيض يمر عبر إسرائيل.

ثالثاً: نحن نسترجع هذه الذكرى بشكل موضوعي ومحايد، فلا نلوم السادات ولا نضفي عليه من صفات البطولة كما فعل الدستور المصري في ديباجته عام 2014، حيث وصفه بأنه بطل الحرب والسلام؛ فأي سلام جلبه لمصر والعرب من هذا التقارب.

رابعاً: يقول أنصار منهج التقارب بين إسرائيل والولايات المتحدة أن وعود السادات بأنهار السمن والعسل لم تتحقق، ولكن الذي تحقق هو عودة سيناء إلى مصر. وإذا قيل لهم أن سيناء عادت إلى مصر بمقابل سياسي كبير، وأن عين إسرائيل على سيناء، وأنها لم يتم تعميرها بحيث تكون حاجزا ضد أطماع إسرائيل؛ يرد هؤلاء بأن الثقة المتبادلة بين إسرائيل ومصر تمنع اعتداءها على مصر، كما أن تطور الأسلحة يعوض القيود الكثيرة التي وضعتها الصفقة على تحركات الجيش المصري.. وأقول لهم أن نص المعاهدة لا يفرض وصاية الموارد السياسية المصرية إذا أرادت حكومة القاهرة أن تكون في تنافس أو إثبات الدور الإقليمي لمواجهة إسرائيل. وعلى كل حال، هذه نقطة حساسة تعالج في موضع آخر، وليس في مقالات للنشر.

ويقول نقاد أنور السادات بأن التقارب وليس المعاهدة هو الذي أزاح الصخرة المصرية أمام انطلاق المشروع الصهيوني حتى ضد مصر. وإذا كانت إسرائيل هي المستفيد الوحيد من هذه الصفقة، فإن الخوف هو من مؤامرات إسرائيل ضد مصر وآخرها دور إسرائيل في مسألة سد النهضة. ومن الواضح أن المشروع الصهيوني يستهدف مصر في الأساس، العبرة بالتقارب والمواقف التي لا تمليها المعاهدة. ربما يكون في فتح الصراع بين روسيا والغرب فرصة لمصر في توسيع نطاق حريتها في خدمة المصالح المصرية، كما استغل عبد الناصر الحرب الباردة بين موسكو وواشنطن في توسيع هامش الحرية للمواقف المصرية، فلا يمكن وصف العلاقات بين مصر والاتحاد السوفيتي بأن مصر كانت تابعة للاتحاد السوفيتي؛ والدليل على ذلك سجل التصويت المصري في الامم المتحدة. وكثيرًا ما اتخذ عبد الناصر مواقف مستقلة عن موسكو، وأشهد أن مواقف مصر الحالية في سوريا واليمن وليبيا تقطع بأن مصر ليس تابعة؛ وتم فتح هذا الموضوع لأن الإسرائيليين يزعمون بأنهم أخرجوا مصر بالمعاهدة من مقعد القيادة في العالم العربي، وأقول لهم أن مصر وهبها الله كل مقومات القيادة ولا تستطيع دولة أن تزعم أنها تحل محل مصر في المنطقة.

خامساً: يقول نقاد المعاهدة إن المآخذ على مواقف مصر إزاء القضية الفلسطينية سببها المعاهدة؛ ولذلك تعهد أحد مرشحي الرئاسة السابقين بأنه إذا وصل إلى السلطة فإنه سيلغي المعاهدة.. وهذا جهل كبير بالموضوع، ومن الخطر أن يتسلم قيادة مصر مثل هذه العقليات.

سادساً: أزعم أن التقارب المصري الإسرائيلي الأمريكي لم يكن للمصلحة المصرية والعربية، ولكن عوّض هذا مواقف الحكومة المصرية في الملفات الإقليمية، وقد اتخذت موقفاً مؤيداً للحكومة السورية في سوريا وبقي أن تكمل هذا الموقف بإعادة العلاقات الدبلوماسية كاملة مع دمشق لاعتبارات شرحتها بالتفصيل في مقال سابق. كما أن إعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران ربما تشجع مصر على التجاوب مع إيران لإعادة العلاقات، علما بأن العلاقات التركية المصرية في سبيلها إلى التحسن. كما أن مصر في المشاكل الإقليمية الأخرى تتبنى شعارات وقف الصراع في ليبيا واليمن، واللجوء إلى المفاوضات دون أن تبدي تحيزا إلى طرف من أطراف الصراع.

سابعاً: إن موقف مصر وإسرائيل في قضية مياه النيل تحتاج إلى وقفة حازمة مع إسرائيل، ويجب على مصر أن تدعو إلى قمة عربية عاجلة لتدارس تصريحات الوزير الإسرائيلي في لندن، الذي كشف عن حقيقة المشروع الصهيوني، وليس في موقف مصر في هذه الحالة خرقا للمعاهدة؛ لأن معاهدات السلام لا تفرض الوصاية على سلوك الأطراف، وإنما مهمتها أن تعالج الآثار التي ترتبت على الحروب دون أن تصادر على حرية السلوك بالنسبة لأطرافها. وعندما حاولت معاهدة “فرساي” أن تفعل العكس ظهر هتلر بكل ما يمثله من آثار وتبعات، كما أُوصي بأن تقود مصر بلورة الموقف العربي الجديد، وهو تشكيل لجنة عربية تقودها هي للتباحث مع الحكومة الإسرائيلية حول آفاق التسوية الجدية في فلسطين، ولدى مصر الكثير من أوراق الضغط على إسرائيل، فلولا اعتراف مصر بإسرائيل في معاهدة السلام لما تمكنت إسرائيل بعد ذلك من الإختراق الدبلوماسي في العالم العربي، وهذا الاختراق يناهض المصالح المصرية الاستراتيجية في المنطقة.

وأقترح أن نطلق لجنة من كبار المتخصصين لإعداد الموقف العربي الجديد؛ لأن الموقف العربي الحالي بُني على أساس أن إسرائيل محتلة، أما وإنه تكشف أن إسرائيل تطمع في كل فلسطين، ما يمثل خطراً عظيماً على المصالح المصرية. فقد وجب مصارحة اسرائيل بان التسوية العادلة يخدم امنها القومي كما يجب علي مصران تثير مع اسرائيل مسالة ام رشرش المحتلة باسم ايلات الاسرائيلية كما لايجوز لمير حرس الحدود ان يقول في التليفزيون الرسمي منذ عام اننا لانستطيع ان ناخذ ام رشرش من اسرائيل لانها بذلك ستحرم من الاطلال  علي خليج العقبة والبحر الاحمر

الخلاصة أنه في هذه الذكرى لا بد من مراجعة النتائج النهائية بحساب المكسب والخسارة في ضوء أن إسرائيل حققت هدفها الأساسي، وهو أن تقوم بكسر مصر في عام 1967، ثم تحتل سيناء وتدخل في صفقة مربحة لها مقابل الانسحاب المشروط، وهذا يناقض مقدمة القرار 242 الذي يؤكد على أنه لا يجوز اكتساب أراضي الغير بالقوة. المذهب الإسرائيلي بكسر الجيوش العربية واحتلال الأراضي يعتبر أن الاحتلال جائزة للمنتصر، وقد قضيت أياما في المعهد الدبلوماسي منذ عشرات السنين مع وفد جاء من إسرائيل ينتمي إلى طلاب الدراسات العليا فرع جامعة تمبل الامريكية في تل أبيب . ودار النقاش لساعات طويلة حول مذهب إسرائيل الذي حاولت تسويقه في الفقه الدولي، وهو الدفاع الشرعي الوقا pre emptive self- defense، ويجب أن يكون الخيار لإسرائيل بين اقتسام فلسطين بالتساوي أو إقامة دولة عربية ديمقراطية يكون فيها اليهود أقلية. وقد كانت جولدا مائير تتمتع بالجنسية الفلسطينية قبل أن تنشأ إسرائيل عام 1948.

السفير د. عبد الله الأشعل كاتب مصري