الحرب في أوكرانيا تهدد بتعديل التحالفات الأوروبية مع واشنطن... النظام المالي العالمي المعتمد على الدولار يترنح على حافة الهاوية

ثلاثاء, 2022-04-05 02:26

متى تنهي الحرب في أوكرانيا ؟ سؤال يطرح بشكل أكثر الحاحا وبتدرج بشكل تصاعدي مع تواصل التدخل العسكري الروسي الذي يقترب تدريجيا من شهره الثاني، ومع تضخم الأضرار الاقتصادية التي تمس غالبية دول العالم وإن كان بدرجات متفاوتة من الحدة.

في الغرب وبعد ساعات قليلة من انطلاق العملية العسكرية الروسية يوم 24 فبراير 2022، تحدث وانتظر الكثير من السياسيين وحتى العسكريين، أن تكون المعركة خاطفة وأن تسقط العاصمة الأوكرانية كييف في قبضة القوات الروسية خلال أيام ويتم تنصيب حكومة موالية للكرملين، آخرون ذكروا أن موسكو تتوقع أن يتمرد جنرالات الجيش الأوكراني على رئيسهم ويتولون السلطة للتوصل إلى تسوية. كثيرة كانت السيناريوهات، واشنطن ولندن أعدتا وحدات من قوات النخبة التابعة لقواتهما الخاصة وأجهزة استخباراتهم لنقل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى بولندا حيث أعدوا مقرا للحكومة الأوكرانية في المنفى، وفي حالة مقتل زيلينسكي كانت هناك خطة ليتولى القيادة من بولندا رئيس الحكومة دينيس شميهال أو وزير الدفاع أوليكسي ريزنيكوف، أو رئيس البرلمان رسلان ستيفانشوك.

قدر بعض مستشاري البيت الأبيض أن سيطرة موسكو على كل أوكرانيا سيحمل في طياته أخطارا كبيرة على الكرملين وسيوفر لواشنطن سلاحا سياسيا وعسكريا واقتصاديا فعالا، حيث سيعتبر جزء كبير من العالم أوكرانيا دولة محتلة وسيتصرف بناء على ذلك. زيادة ستجد دول أوروبا نفسها في ظل هذا الوضع الجديد مضطرة للاستمرار في تتبع توجيهات الولايات المتحدة على أغلب الأصعدة ولن يكون أمامها ولو بعد أشهر قليلة فرصة تهدئة التوتر في علاقاتها مع موسكو. واشنطن لم تخف منذ بدأ السلاح يهز القارة التي يحب الأمريكان وصفها بالعجوز ارتياحهم لأن الأحداث أعادت الحياة إلى حلف الناتو الذي كان العديد من قادة أوروبا ومنهم الرئيس الفرنسي قد قالوا أنه ميت، كما وفر وسائل ضغط للولايات المتحدة لتحد من استقلالية الاتحاد الأوروبي وسعيه لجعل عملته اليورو منافسا أو على الأقل مساويا في أهميته على صعيد الاقتصاد الدولي للدولار الأمريكي. المجمع العسكري الأمريكي قدر أن سقوط أوكرانيا سينهي إلى حد كبير رغبة أوروبا في امتلاك استقلال في مجال التسلح وستلجأ إلى المصادر الأمريكية بكل ما يعنيه ذلك من تبعات. عندما شرعت ألمانيا خلال شهر مارس في التفكير في شراء طائرات اف 35 الأمريكية لتستبدل بها طائرات تورنادو الأوروبية الصنع ضجت مصادر في الولايات المتحدة بالحديث عن نهاية منافسة الصناعات العسكرية الأوروبية وخاصة الفرنسية والألمانية لنظيرتها الأمريكية، البعض ذهب حتى لتوقع تراجع شركة إيرباص الأوروبية وعودة الريادة لشركة بوينغ الأمريكية.

صورة الفخ لم تتجسد، لم تتقدم القوات الروسية سوى إلى ضواحى كييف وببطء سيظهر لاحقا أنه كان مقصودا ولم تستخدم سوى جزء قليل من قدراتها خاصة النارية البرية والجوية. في الغرب وخلال الأسبوع الثاني للحرب جرى الحديث عن مشاكل يواجهها الروس في التموين وانخفاض المعنويات وفشل في التكتيك وقلة المعلومات وعزلة الرئاسة الروسية عن الحقائق، وفي الأسبوع الثالث فسر بطء التقدم الروسي بالمقاومة الشرسة للجيش الأوكراني.

حسب مصادر رصد ألمانية فإنه تبين في أواخر شهر مارس أن تقدم القوات الروسية في فكي كماشة حول كييف دفع الجيش الأوكراني إلى إعادة تموضع ما يفوق 35 الف جندي من أفضل قواته التي كانت محتشدة في شرق وجنوب البلاد لمواجهة قوات جمهوريتي دونيتسك ولوهانسك الانفصاليتين وهو ما خلق فراغا يسمح للخصوم بالتقدم بسرعة وبدون الحاق دمار كبير، نحو ميناء أوديسا وعزل أوكرانيا كليا عن البحر الأسود واستكمال وحدة أراضي الجمهوريتين الانفصاليتين في حدود تقسيمهما الإداري.

في ذات الوقت الذي كانت تدور فيه المواجهات العسكرية والحرب الاقتصادية وضمنها متاهات تطبيق سياسة العقوبات الغربية، كانت حكومة كييف مضطرة للقبول خطوة خطوة بالشروط الروسية الأساسية ولكن المشكلة كانت في التفاصيل الصغيرة. البعض يفسر أن العراقيل كانت مقصودة من كلا المعسكرين فكل طرف أما يرغب في حفظ ماء الوجه أو تحقيق أهداف معينة خارج ما هو معلن.

بعد 40 يوما من الحرب أخذت واشنطن تعترف أن حربها الاقتصادية ضد روسيا تفشل بسرعة، وأن محاولتها إبعاد الصين عن تحالفها مع موسكو لم تنجح والأمر كذلك مع دولتي الأوبك الأكثر قدرة على رفع الإنتاج السعودية والإمارات العربية، والشيء الذي قد يكون الأكثر أهمية هو أن البيت الأبيض أخذ يعترف أن هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي مهددة وأن النظام العالمي الذي تدافع عن قيمه محل اختبار عسير في مواجهة أنظمة شمولية تمثلها روسيا والصين. على صعيد آخر بدأ تماسك دول أوروبا مع أمريكا يشهد علامات تفكك بعد أن شعرت بعض عواصمها أنها تدفع خسائر كبيرة غير مبررة، مع إشارات خافتة عن أن خلق تحالف أوروبي روسي قد يكون أفضل من ذلك مع دولة على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، طالما عملت على إضعاف المشروع الأوروبي.

على صعيد آخر يخشى ساسة البيت الأبيض من تراجع اهتمام العالم بالحرب وانهيار جهودهم لشيطنة روسيا ولهذا سيحاولون اصطناع أحداث دامية ونشر أكاذيب عبر وسائل إعلامهم التي تبقى متفوقة وتجنيد ذبابهم الالكتروني لخلق مناخ موات لاطروحاتهم.

 

إخفاقات

 

يوم الخميس 31 مارس 2022 ذكرت وكالة فرانس برس أنه تم إعفاء مدير المخابرات العسكرية الفرنسية الجنرال، إريك فيدو، من منصبه على خلفية ما اعتبر تقصيرا في ما يتعلق بالهجوم الروسي على أوكرانيا.

وأكد مصدر عسكري أن مدير المخابرات العسكرية (دي آر أم) سيغادر منصبه فورا، مؤكدا بذلك معلومة أوردها موقع "لوبينيون". ونقل الموقع عن مصدر في وزارة الجيوش قوله إن الدافع لهذه الإقالة هو "عدم كفاية الإحاطات" و"ضعف التمكن من الملفات".

وبحسب مصدر عسكري آخر اتصلت به وكالة فرانس برس وطلب عدم ذكر اسمه، فإن خبر إعفاء الضابط الكبير انتشر منذ أيام داخل الجيش، لكن سرى حديث عن منحه منصبا آخر، وهو ما لم يحصل في نهاية المطاف.

وفي مطلع مارس، بعيد بدء الهجوم الروسي، أقر رئيس أركان الجيش الجنرال، تييري بوركار، لصحيفة "لوموند" بوجود اختلافات في التحليل بين الفرنسيين والأمريكيين.

وفي هذا الصدد، أوضح المتخصص في شؤون الاستخبارات بمعهد الدراسات السياسية بباريس ألكسندر بابيمانويل أن"الاستخبارات الأمريكية استخدمت المعلومات الإستخبارية وسيلة للضغط، وهذا يمثل عودة الاستخبارات ركيزة للتواصل السياسي". وأضاف أن "فرنسا تفعل الشيء نفسه. إنها تقول داخليا، داخل المجتمع "الاستخباراتي" ولباقي العالم، إنها فشلت". وخلص الباحث إلى أن "التحذير موجه للمجتمع "الاستخباري" الغربي بأسره. عليهم أن يكونوا فعالين وعلى دراية بكل التهديدات".

تتحدث مصادر رصد في العاصمة الألمانية برلين أن إجراءات عقابية مشابهة لما اتخذ في فرنسا تطبق في أجهزة واشنطن ولندن وبرلين وبولندا وغيرها ولكن تحاط بالسرية وكأن الجميع يعترفون ضمنا بأن قائد الكرملين نجح في تضليلنا.

في العاصمة الأمريكية تتعرض وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي آي إيه" لتقييم مزدوج يتأرجح بين ثناء كبير، وفشل ذريع تجاه عملياتها وتقديراتها للأوضاع في أوكرانيا.

يوم الجمعة الأول من شهر أبريل أعلن الرئيس الأوكراني زيلينسكي، إقالة اثنين من كبار الجنرالات، واصفا إياهما بـ " مناهضي الأبطال"، بحسب شبكة "سي إن إن". وقال زيلينسكي: "اليوم تم اتخاذ قرار آخر بشأن مناهضي الأبطال. الآن ليس لدي وقت للتعامل مع كل الخونة. لكنهم سيعاقبون جميعا بالتدريج".

وأشار إلى أنه تم إقالة الرئيس السابق لإدارة الأمن الداخلي، بجهاز الأمن الأوكراني، نعوموف أندريه أوليهوفيتش، والرئيس السابق لمكتب خدمة الأمن في أوكرانيا بمنطقة خيرسون، كريفوروتشكو سيرهي أولكساندروفيتش، من مناصبهم.

وأضاف زيلينسكي: "أولئك العسكريون من بين كبار الضباط الذين لم يقرروا مكان وطنهم، والذين ينتهكون قسم الولاء العسكري للشعب الأوكراني فيما يتعلق بحماية دولتنا وحريتها واستقلالها، سيحرمون حتما من الرتب العسكرية.. الجنرالات العشوائيون لا ينتمون إلى هنا".

يوم الأحد 3 أبريل اتهم نائب رئيس الوزراء البولندي، ياروسلاف كاتشينسكي، فرنسا وألمانيا بأنهما مقربتان جدا من روسيا في سياق الحرب في أوكرانيا.

وفي مقابلة نشرتها صحيفة "دي فيلت" الألمانية، اعتبر كاتشينسكي، زعيم حزب "القانون والعدالة" القومي الشعبوي الحاكم في بولندا، أن "ألمانيا، مثل فرنسا، لديها انحياز قوي لموسكو". ووجه كاتشينسكي انتقاداته الأكثر حدة لبرلين فقال: "على مدى سنوات، لم تكن الحكومة الألمانية تريد أن ترى ما تفعله روسيا بقيادة فلاديمير بوتين، ونحن نرى النتيجة اليوم".

وأضاف: "بولندا ليست راضية عن دور ألمانيا في أوروبا"، آخذا على برلين محاولتها "إعادة بناء ما فعله المستشار السابق للإمبراطورية بسمارك"، ما يعني "هيمنة ألمانية، لكن جنبا إلى جنب مع روسيا"، على حد قوله.

وانتقد نائب رئيس الوزراء البولندي برلين خصوصا لعدم تسليمها أسلحة كافية لأوكرانيا، ورفضها فرض حظر على واردات النفط من روسيا على الأقل.

 

المهمة

 

يوم 2 أبريل 2022 نشرت أولغا بوجيفا، في "موسكوفسكي كومسوموليتس"، نص لقاء مع محرر مجلة "ترسانة الوطن" ليونيد ليونكوف، حول الخطوات القادمة التي سينفذها الجيش الروسي في أوكرانيا.

وجاء في اللقاء: أثارت تفسيرات نتائج المحادثات بين وفدي روسيا وأوكرانيا في اسطنبول يوم 1 أبريل ردود فعل قوية. فقد بدأوا يتحدثون عن اتفاقات محتملة، وتخفيض جذري في النشاط العسكري. لكن بعد ذلك، في مؤتمر عبر الهاتف في وزارة الدفاع الروسية، قال وزير الدفاع سيرغي شويغو، ما يخالف التوقعات: الآن، سينصب كل الاهتمام على تحقيق الهدف الرئيسي وهو تحرير دونباس.

ما الذي ينتظرنا بعد الذي سمعناه من سيرغي شويغو؟

أرجوا أن يكون الجميع قد فهموا كل ما ينبغي فهمه: العملية مستمرة. فمن أجل تغيير الوضع، هناك حاجة إلى تناوب بعض القوات. ومن غير المنطقي تشتيت القوات على محوري كييف ودونباس في الوقت نفسه.

من حيث المبدأ، لدينا الآن تكافؤ من حيث القوات مع أوكرانيا بالقرب من كييف. لا يمكن للقوات المسلحة الأوكرانية اختراق دفاعاتنا هناك. ونحن، من أجل تحقيق اختراق جاد في دفاعهم، نحتاج إلى زيادة مجموعة القوات قليلا.

لكن همنا الأكبر الآن هو تحرير سكان دونباس. القصف لا يزال مستمرا في دونيتسك. يجب القضاء على هذا التهديد من حيث المبدأ. ولا يمكن ذلك إلا بالتدمير الكامل للمجموعة الموجودة بالقرب من دونيتسك.

عندما بدأت العملية، كان مجموع قوتهم في دونباس حوالي 70000. وبقي منهم الآن حوالي 50 ألفا. وهو عدد لا يزال كبيرا جدا.

فهذا العدد، مع احتياطيات القوات المسلحة الأوكرانية يمثل مشكلة كبيرة. ولكنهم مضطرون الآن للاحتفاظ بقوات في نيكولاييف وكييف ودونباس. وتم تحديد القضاء على مجموعة دونباس فقط كمهمة رئيسية في هذه المرحلة.

أدت استراتيجيتنا للمرحلة الأولى من العملية إلى انتشار جميع قوات الجيش الأوكراني على طول خط التماس بأكمله. لكن المهمة الرئيسية في الوقت الحالي، كما قال شويغو، هي التدمير النهائي لمجموعة دونباس.

 

أكبر عملية منذ سنة 1945

 

يوم السبت 2 ابريل نشرت صحيفة "فزغلياد" مقالا حول خطة روسية للقضاء على أكبر حشد لقوات النازيين الجدد في أوكرانيا بصورة كاملة.

وجاء في مقال يفغيني كروتيكوف وداريا فولكوفا وأليونا زاداروجنيا: القوات الروسية، وكذلك وحدات من جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، التي تتحرك لملاقاة بعضها من الشمال والشرق والجنوب، يجب أن تطبق قريبا الحصار على مجموعة دونباس من القوات المسلحة الأوكرانية التي يبلغ قوامها 50 ألف فرد. هذه هي الوحدات الأكثر تدريبا في الجيش الأوكراني، وهي في منطقة القتال منذ العام 2014، وهم مدربون جيدا ومحصنون.

وبالتالي، فهزيمة القوات المسلحة الأوكرانية في دونباس هي وحدها التي ستجعل ممكنا حل المهام العسكرية والسياسية الأخرى في أوكرانيا.

وفي الصدد، قال الخبير العسكري بوريس روجين، لـ"فزغلياد": "الحديث يدور عن هزيمة مجموعة من 40-50 ألف شخص. في الواقع، بالنسبة للجيش الروسي، هذه أكبر عملية من نوعها منذ الحرب الوطنية العظمى. ولهذه العملية تعقيداتها الخاصة. لكن العدو يتكبد خسائر، ويدافع. ثم ينتظر الجميع بداية المرحلة الثانية المرتبطة بالضبط بالعملية الهجومية من أجل تطويق هذا المجموعة".

"ستعمل القوات، التي يتعين عليها الآن" القضاء" على مجموعة الخمسين ألفا من القوات المسلحة الأوكرانية، على مبدأ" فرقهم واقض عليهم". سوف يتم" تقسيم "تشكيلات العدو الكبيرة إلى بؤر منفصلة للمقاومة، ومن ثم القضاء عليها تماما"، كما يقول روجين.

ووفقا للخبراء، لم تتغير الخطة الإستراتيجية الأصلية الهادفة إلى القضاء على أكبر تشكيلات الجيش الأوكراني وكتائب النازيين، وتدمير البنية التحتية العسكرية لأوكرانيا وحرمانها من إمكاناتها العسكرية. ولكن فقط بعد هزيمة مجموعة دونباس للقوات المسلحة الأوكرانية وكتائب النازيين، سيتم حل المشكلة في مناطق أخرى، بما في ذلك نيكولاييف وأوديسا وكريفوي روج وزابوروجي ودنيبروبيتروفسك. في الوقت نفسه، تتعامل روسيا في أوكرانيا مع أكبر جيش في أوروبا بعد تركيا وتسعى لحل المشكلة "بالقليل من إراقة الدماء".

في مقابل هذا التحليل ويوم الخميس 31 مارس، حذرت وزارةالدفاع الأمريكية "البنتاغون" من أن تركيز الجهود الحربيةالروسية على دونباس في شرق أوكرانيا حيث ستواجه القواتالروسية وحدات أوكرانية متمرسة، ينذر بنزاع "طويل" الأمد.

وقال المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي، للصحافيين إنه إذاما أعطى الروس "الأولوية لمنطقة دونباس (...) وهي منطقة لميقاتلوا فيها منذ ثماني سنوات، وهي منطقة يوجد فيها كثير منالجنود الأوكرانيين الناشطين للغاية، فقد يستمر القتال لفترة" طويلة.

وأضاف "قد لا تكون مسألة أيام أو أسابيع، قد تكون أطول منذلك بكثير، لكن لا يزال من الصعب معرفة ذلك".

وفي وقت سابق، قال مسئول كبير في البنتاغون لصحافيين،طالبا عدم كشف هويته، إن القوات الروسية باشرت الانسحاب منتشيرنوبيل "شمال" و"تخلّت" عن مطار غوستوميل العسكريشمال غرب كييف، لكن "ما زلنا نعتقد أن ما يجري إعادةتموضع".

وأضاف "ليس لدينا أي مؤشر على الإطلاق الى عودة هؤلاءالعسكريين إلى ديارهم أو إبعادهم نهائيا عن القتال".

وتابع المسئول الكبير "ما زلنا نعتقد أنه ستتم إعادة تجهيز هذهالقوات وإرسالها مجددا إلى أوكرانيا... لمواصلة القتال وفقا لمانعتقد أنه هدفهم، وهو الشرق بصفة عامة"، بما فيه المناطقالانفصالية في لوغانسك ودونيتسك في إقليم دونباس.

لكنّه لفت إلى أن "الأوكرانيين يعرفون الإقليم جيدا جدا"، مشيراإلى أن ثماني سنوات مرت على حرب الاستنزاف بين الانفصاليينوالقوات الأوكرانية في هذه المنطقة. 

وحذر المسئول الروس من أن "مجرد إعطائه "الاقليم" الأولويةوزيادة أعدادهم وبذل مزيد من الجهد لا يعني أن الأمر سيكونيسيرا". وأردف "قد ينذر ذلك بنزاع أطول أمدا".

كما أكد المسئول أن القصف الروسي متواصل لا سيما علىكييف وتشيرنيهيف وإيزيوم وخاركيف وماريوبول ودونباس.

 

سراب العزلة

 

أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو ليجيان، أن الغالبية العظمى من دول العالم لم تفرض أي عقوبات ضد روسيا. وقال في تغريدة على "تويتر" يوم 30 مارس: "أكثر من 140 من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة لم تعلن عن أي عقوبات على روسيا ونشر رسما بيانيا أكد من خلاله أن 74 بالمئة من الدول أعلنت عدم فرض عقوبات على موسكو أو المشاركة فيها.

وحذر المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو ليجيان في مؤتمر صحفي دوري، من أن بلاده في حال فرض عقوبات أمريكية أحادية الجانب، ستحمي بحزم حقوق ومصالح الشركات الصينية.

وردا على سؤال حول احتمالات فرض عقوبات أمريكية ضد الصين بسبب موقفها من الأزمة الأوكرانية، قال "إن بلاده تعارض أي شكل من أشكال العقوبات الأمريكية أحادية الجانب وستحمي بقوة الحقوق والمصالح المشروعة للشركات والأفراد الصينيين".

داخل روسيا وعلى عكس تصريحات الغربيين عن وجود معارضةقوية للحرب أفادت وكالة فرانس برس يوم 30 مارس أن شعبيةالرئيس الروسي فلاديمير بوتين ارتفعت منذ بدء العملياتالعسكرية في أوكرانيا، وفق مركز ليفادا المستقل الذي قال إنأكثر من 80 في المئة من الروس أعربوا عن دعمهم لقراراته.

وأورد أول استطلاع يجريه مركز ليفادا منذ أن أرسلت موسكوقواتها إلى أوكرانيا في 24 فبراير، أن 83 في المئة من الروسيوافقون على قرارات بوتين، في ارتفاع من 71 في المئة مطلعفبراير.

وأوضح مركز ليفادا أن 15 في المئة من المستطلَعين قالوا إنهم لايوافقون على تصرفاته – في انخفاض من 27 في المئة – في حينرفض 2 في المئة الإجابة.

وأظهر الاستطلاع تحسن شعبية الحكومة الروسية ورئيس الوزراءميخائيل ميشوستين.

وكانت استطلاعات رأي أجرتها جهات مؤيدة للكرملين قد خلصتأيضا إلى أن نسبة تأييد بوتين تجاوزت 80 بالمئة.

يوم السبت 2 أبريل جاء في تقرير نشرته صحيفة "الاقتصادية":

سافر كبار المسئولين الأمريكيين هذا الأسبوع لدفع زعماء العالم لمواصلة الضغط على موسكو أو الانضمام إلى حملة العقوبات وغيرها من الإجراءات، التي تستهدفها، وذلك مع دخول الحرب في أوكرانيا أسبوعها الخامس وتلاشي الصدمة الاقتصادية الأولية في روسيا على ما يبدو.

تأتي هذه الجهود في وقت بدأ فيه التأثير الأولي للعقوبات الصارمة المفروضة على البنوك ورجال الأعمال والشركات في روسيا في التلاشي إلى حد ما، وتدرس الولايات المتحدة خطواتها الاقتصادية التالية لعزل موسكو اقتصاديا. 

وكان الروبل الروسي قد خسر نصف قيمته في غضون أيام من عزل البنوك الروسية الرئيسة عن شبكة المعاملات المالية الدولية "سويفت" وشل الجزء الأكبر من احتياطي النقد الأجنبي الخاص بالبنك المركزي الروسي البالغ 630 مليار دولار، ما دفع المسئولين الأمريكيين إلى إعلان أن موسكو تكافح أزمة مالية.

لكن الروبل تعافى كثيرا بعد شهر عائدا إلى مستواه قبل الأزمة مباشرة، مدعوما إلى حد ما بضوابط رأس المال الروسية وأوامر الحكومة لشركات التصدير ببيع العملات الأجنبية والشركات التي تجمع الأموال لتسديد مدفوعات الضرائب ربع السنوية.

ولم تمس العقوبات حتى الآن أهم شريان حياة اقتصادي لروسيا وهو مبيعات الطاقة إلى أوروبا، والتي قد تصل قيمتها إلى 500 مليون يورو "555 مليون دولار" يوميا بالأسعار الحالية، وتطالب روسيا بمدفوعات بالروبل مقابل الغاز، ما قد يعزز العملة أكثر.

وقال مسئولون إن إدارة بايدن تتأكد من أن الحلفاء الأوروبيين متفقون تماما مع معاقبة روسيا، بينما تعمل على التأثير في القادة الذين ظلوا على الهامش.

وذكر مسئول أمريكي كبير تحدث طالبا عدم نشر هويته "علينا مواصلة زيادة الضغوط على روسيا وزيادة دعمنا لأوكرانيا.. هذا هو التحدي الذي يواجه العالم وكل الدول الديمقراطية، وعلينا أن نكون مستعدين لاستمراره مدة طويلة".

وتأتي الزيارات في وقت تتقارب فيه روسيا والصين، صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم، أكثر من أي وقت مضى، إذ التقى وانج يي، وزير الخارجية الصيني بنظيره الروسي سيرجي لافروف الأربعاء وأكد مجددا اعتزام بكين مواصلة العلاقات الثنائية وتعزيز التعاون.

وقال مسئول أوروبي إن مناقشات نائب وزير الخزانة أدييمو مع نظرائه الأوروبيين ركزت على العقوبات وتأثير الهند والصين على جهود روسيا المحتملة لتفاديها، وكيفية مساعدة دول مثل ألمانيا على تلبية احتياجاتها من الطاقة في حالة فرض حظر روسي.

وأضاف أن إحدى القضايا الرئيسة، التي تم بحثها كانت مطالبة روسيا للمشترين الأجانب بدفع ثمن وارداتهم من الغاز الروسي بالروبل، أو مواجهة انقطاع للإمدادات، ورفضت عواصم أوروبية الطلب وقالت الحكومة الألمانية إنه يرقى إلى مستوى الابتزاز. وعلى أي حال ستبدأ دول أوروبا تسديد مستحقات أثمان مبيعات الغاز الروسية المصدرة بداية من ابريل في بداية شهر مايو2022.

وفي الهند قال سينج، المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض، الذي قاد جهود تنسيق رد الفعل الغربي على الحرب، للمسئولين إن واشنطن لن تضع أي خطوط حمراء بشأن شراء النفط، لكنه حذر من تسريع الشراء.

وتعتمد الهند اعتمادا عسكريا على التكنولوجيا والأجهزة الروسية، وقد حاولت موازنة علاقاتها القائمة منذ وقت طويل مع روسيا والغرب، ولم تفرض عقوبات على روسيا على عكس باقي أعضاء المجموعة الرباعية، التي تضم إلي جانبها الولايات المتحدة واليابان وأستراليا.

 

الفشل

 

ذكرت صحيفة “بيزنس انسيدر” الأمريكية يوم الأحد 3 أبريل، إن محاولات الغرب شل الاقتصاد الروسي، فشلت، وإن موسكو تواصل الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بالديون.

ونقلت الصحيفة عن الخبير، حسن مالك، أن “العديد من المستثمرين شككوا في قدرة الجانب الروسي على الوفاء بالتزاماته المادية، بالنظر إلى حجم العقوبات المفروضة عليه، ولكن التقارير الأخيرة أشارت إلى أن موسكو سددت في نهاية مارس مدفوعات سندات بقيمة 447 مليون دولار.

وأفاد تقرير الصحيفة: "لقد تمكنت روسيا من الوفاء بجميع التزامات ديونها. وقد يكون هذا بسبب حقيقة أن التخلف عن سداد التزامات الديون سيوجه لها ضربة أكثر خطورة من بقية العالم".

بدوره أشار الخبير، فاروت برومبون، إلى أنه قبل بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، أعطت سندات شركة غازبروم” وبنك “في تي بي” عائدات عالية، وهو ما يعني أن هاتين المؤسستين الروسيتين قادرتان على الوفاء بالتزاماتهما المالية.

يوم الجمعة الأول من أبريل أفادت وكالة رويترز أن سعر صرف الروبل الروسي ارتفع للجلسة التاسعة على التوالي في موسكو، ليغلق بالقرب من 83 للدولار، وقفزت الأسهم مع رفع بعض القيود على البيع على المكشوف، مع تركيز السوق على آثار طلب موسكو على دفع ثمن صادراتها من الغاز بالروبل لتعود إلى مستوى ما قبل العقوبات.

وصعد الروبل 1.6 في المئة مقابل الدولار عند 83.20، وهو أعلى إغلاق له منذ 25 فبراير، وارتفع 1.8 في المئة أمام اليورو ليغلق عند 92.50 مقابل العملة الأوروبية.

وفي تعاملات موسكو، ارتفع الروبل في 15 جلسة من أصل 16 جلسة حيث واصل المكاسب التي حققتها الأسبوع السابق. وفي شأن البورصة الروسية رفع البنك المركزي اعتبارا من الخميس حظرا على بعض عمليات البيع على المكشوف، لكنه قصر ذلك على أسهم في 83 شركة ولم يسمح بذلك إلا للبنوك والوسطاء.

وارتفع المؤشر "آر.تي.إس" المقوم بالدولار 7.6 في المئة إلى 1021.28 نقطة، وهو أعلى إغلاق له منذ 23 فبراير، أي قبل يوم من إرسال روسيا عشرات الآلاف من القوات إلى أوكرانيا. وصعد المؤشر مويكس الروسي المقوم بالروبل 7.6 في المئة إلى 2703.51 نقطة.

 

اليد العليا

 

نشرت صحيفة الفايننشال تايمز يوم الجمعة الأول من أبريل تقريرا بعنوان: "لماذا يريد بوتين أن يدفع الأوروبيون مقابل إمدادات الغاز بالروبل؟".

وأشار التقرير إلى أن بوتين وجه إنذارا لأوروبا مفاده بأن: لا روبل، لا غاز. فقد وقع الرئيس الروسي مرسوما يوم الخميس 31 مارس، ينص على أن الدول التي تعتبر "غير صديقة" يجب أن تبدأ في دفع تكاليف شحنات الغاز للمشتريات المسلمة اعتبارا من 1 أبريل بالروبل، باستخدام حساب بالروبل في مصرف "غازبروم بنك"، وإلا ستوقف موسكو الإمدادات عنها.

ويهدف بوتين في الواقع إلى إجبار الغرب على انتهاك عقوباته على روسيا من خلال الاضطرار إلى التعامل مع البنك المركزي ونظامه المصرفي. ويبقى السؤال، لماذا تريد روسيا أن يتم الدفع لها بالروبل؟.

وتقول الصحيفة إنه من الناحية العملية، لا يحدث ذلك فرقا يذكر لموسكو، إذ إن مبيعات روسيا من الغاز إلى أوروبا، المقدرة بـ350 مليون دولار في اليوم، من قبل مؤسسة "آي سي آي اس" الاستشارية للطاقة، تقوض بشدة تأثير العقوبات الغربية، أياً كانت الطريقة التي يتم بها الشراء.

وسواء دفع الغرب ثمن الغاز الروسي باليورو أو الروبل، فإن موسكو تكسب مخزونا من العملات الأجنبية، وهو أمر مفيد لشراء الواردات أو لدعم الروبل.

ويضيف التقرير أنه حتى في حال اشترت الشركات الأوروبية الغاز مباشرة باليورو، فإن روسيا تصر على أن يقوم جميع المصدرين بتحويل 80 في المائة من الإيرادات إلى الروبل، وهو الأمر الذي يحصل عن طريق البنك المركزي الروسي، الذي يخضع لعقوبات.

أما التأثير الرئيسي لهذا القرار، بحسب التقرير، فهو سياسي. وقد لخص باس فان جيفن، كبير محللي الاقتصاد الكلي في مصرف رابوبانك، الأمر للفايننشال تايمز قائلا: "ستقبل روسيا قريبا المدفوعات مقابل الغاز الطبيعي بالروبل فقط، الذي لا يمكن الحصول عليه إلا عن طريق البنك المركزي الروسي الخاضع للعقوبات". وأضاف: "هذا إما سيجبر الغرب على التهرب من عقوباته الخاصة أو سيعلن بشكل فعال نهاية إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا".

وتقول الصحيفة: "فجأة، أصبح لدى موسكو نفوذ أكبر".

أما رون سميث، كبير محللي النفط والغاز في مجموعة "بي سي اس" المالية في موسكو فقال: "هذا أمر سياسي وليس تجاري، ويبدو أنه مصمم لتحويل بعض الانزعاج من القيود المفروضة على البنك المركزي إلى الشركات الأوروبية ولتقويض تلك القيود جزئيا".

ويعتبر أحد الأسباب التي تجعل البلدان في جميع أنحاء العالم (بما في ذلك روسيا) تمتلك مئات المليارات من الدولارات في بنكها المركزي أو احتياطيات صناديق الثروة، هو أن الدولار هو العملة المعتمدة في التجارة والأسواق العالمية.

لكن الصحيفة نقلت عن مؤسسة غولدمان ساكس للخدمات المالية قولها هذا الأسبوع: "إذا أصبح المستثمرون الأجانب أكثر ترددا في تحمل الالتزامات الأمريكية، على سبيل المثال، بسبب التغيرات الهيكلية في تجارة السلع الأساسية العالمية، فقد تكون النتيجة انخفاض قيمة الدولار أو ارتفاع معدلات الفائدة الحقيقية بهدف منع أو إبطاء انخفاض قيمة الدولار".

وأشارت إلى أن الأمر نفسه ينطبق على منطقة اليورو. وأضافت أن روسيا تحرص على مواجهة العقوبات الغربية التي وضعتها خارج نظام الدولار واليورو الماليين.

وأضافت غولدمان ساكس: "يمكن القول إن زيادة تكرار استخدام العقوبات المالية من قبل الولايات المتحدة كأداة للسياسة الخارجية يخلق حافزا عند بعض الدول للتنويع بعيدا عن الاعتماد المفرط على التجارة المقومة بالدولار".

ويذكر محللون، بحسب التقرير، إن أوروبا تتمتع بأمان في الدفع باليورو لشهر آخر لأن مدفوعات معظم عمليات التسليم في أبريل لن تكون مستحقة حتى مايو.

ويحق لشركة غازبروم، ووفق المحللين، إعادة التفاوض على شروط العقود كل ثلاث سنوات. لكن فرض عملة جديدة على العقود الحالية أمر مثير للجدل. وإذا لم يتمكن الطرفان من التوصل إلى اتفاق، فإن القضية تذهب إلى محكمة التحكيم في ستوكهولم.

وذكر مورتن فريش، وهو مفاوض على عقود الغاز، للصحيفة: "بناء على مبدأ حرمة العقد، إذا كان هناك نزاع كبير بموجب عقد تصدير غاز غازبروم، فيجب أن يستمر تدفق الغاز حتى يتم تسوية الأمر في محكمة تحكيم في ستوكهولم".

ومن الناحية النظرية، يمكن لموسكو وقف الإمدادات عن أوروبا على الفور تقريبا من دون صعوبة تشغيلية كبيرة.

كما يمكن إعادة توجيه كمية محدودة من الغاز إلى أماكن مثل آسيا الوسطى أو تركيا، بحسب التقرير، لكن من المحتمل أن تخزن روسيا بعض الإنتاج.

لكن تبقى سعة التخزين المحلية لروسيا محدودة، وتشكل أقل من نصف ما تصدره إلى أوروبا سنويا، بحسب ما قاله توم مارزيك مانسر من "آي سي آي اس" للصحيفة.

 

التآكل الخفي لهيمنة الدولار

 

جاء في تقرير وضعه باري إيتشنغرين بروفيسور الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا، نشر يوم 30 مارس: أطلق قرار الولايات المتحدة وحلفائها بتجميد الاحتياطيات الأجنبية لروسيا العنان لجدال حاد حول مستقبل النظام النقدي الدولي. هذا النقاش قوي لأن المخاطر كبيرة ولأنه لم تتخذ قرارات مماثلة منذ 75 عاما، ومنذ الحرب العالمية الثانية - وبعد ذلك تم تغيير النظام. إن النقاش محير لأنه يتجاهل ما كان يحدث بالفعل للنظام النقدي العالمي.

على الرغم من الإشارات المتكررة إلى "هيمنة الدولار"، فإن حصة الدولارات في احتياطيات النقد الأجنبي العالمية المحددة تتجه نحو الانخفاض منذ 20 عاما، من أكثر قليلا من 70 في المائة في مطلع القرن إلى 59 في المائة فقط في الربع الثالث من 2021.

هذا الاتجاه ليس نتيجة لتحولات العملة أو تغيرات أسعار الفائدة التي تؤثر في قيمة الأصول الاحتياطية المختلفة. كما أنه لا يعكس النفور من الدولار من جانب عدد قليل من البنوك التي راكمت أرصدة احتياطية كبيرة، بل هو نتيجة جهود كثير من البنوك المركزية للتنويع بعيدا عن العملة الأمريكية.

الآن تأتي المفاجأة. التنويع ليس نحو اليورو والجنيه الاسترليني والين، المكونات الأخرى القائمة منذ فترة طويلة في سلة حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي، وهي أصل احتياطي متعدد العملات. ظلت حصة الإحتياطي الجماعي لهذه العملات دون تغيير جوهري على مدى عقدين من الزمن.

علاوة على ذلك، كان ربع التحول فقط في الرنمينبي الصيني،الذي تمت إضافته إلى حقوق السحب الخاصة في 2016. ثلاثةأرباع هذا التحول بالكامل كان في عملات الاقتصادات الأصغرمثل كندا وأستراليا والسويد وكوريا الجنوبية وسنغافورة، حسبورقة عمل شاركت في كتابتها لمصلحة صندوق النقد الدولي.

ما الذي يفسر صعود هذه العملات؟ أولا، أصبحت أسواقها أكثرسيولة. تاريخيا، لم يكن هناك سوى عدد قليل من الدول التيتمتلك أسواقا عميقة ووسائل مفتوحة لبقية العالم. كان متداولوالعملات الأجنبية قادرين على إيجاد نظراء في عدد قليل منالعملات فقط. على أرض الواقع، كان ذلك ينطبق على الدولاربشكل أساس وأيضا اليورو والجنيه الاسترليني والين. كانت هذههي الوحدات المستخدمة كأدوات للمعاملات الدولية وبالتالياحتفظت بها البنوك المركزية كاحتياطيات.

لكن تكاليف التعامل بالعملات الفرعية تراجعت مع ظهور منصاتالتداول الإلكترونية والتقنيات الجديدة التي تشكل صناعة السوقالمؤتمتة وإدارة السيولة. نلاحظ ذلك في فروق أسعار البيعوالشراء للعملات الفرعية، التي أصبحت الآن منخفضة - وأحياناأقل – من فروق أسعار اليورو والين والجنيه الاسترليني.

ثانيا، أصبحت البنوك المركزية أكثر نشاطا في ملاحقة العوائد. المحافظ الاحتياطية أكبر، ما يزيد المخاطر.

ثالثا، وعلى نحو متصل، أدى انخفاض العوائد على سندات الدولالمصدرة للاحتياطيات الرئيسة إلى تكثيف البحث عن بدائل. تقدمالعملات الاحتياطية غير التقليدية بانتظام عوائد جذابة معدلةحسب التقلب مقارنة بالعملات التقليدية.

بالتالي، نشهد بالفعل تحركا نحو نظام نقدي دولي متعددالأقطاب - وليس فقط النظام ثلاثي الأقطاب الذي يهيمن عليهالدولار واليورو والرنمينبي الذي توقعه كثير من المراقبين.

الأحداث الأخيرة من المرجح أن تسرع التنويع. في حالة روسيا،من المسلم به أن جميع مصدري الاحتياطيات المهمين، باستثناءالصين، قد شاركوا بنشاط في تجميد الاحتياطي. لذا، طريقروسيا طويل الأمد نحو عملات احتياطية بخلاف حقوق السحبالخاصة لم يوفر لها ملاذا.

مع ذلك، الآن بعد أن استل سيف تجميد الاحتياطي، يمكن للمرءأيضا أن يتصور سيناريو تجمد فيه الولايات المتحدة احتياطياتبلد ما، لكن الحكومات الأخرى لا تتبعها في ذلك. في هذه الحالة،قد يكون لتنويع الاحتياطي الإضافي من الدولة المستهدفة مزاياتأمينية.

ماذا عن التنويع الأسرع تجاه الرنمينبي؟ سيتعين على أيشخص يفكر في نقل الاحتياطيات في هذا الاتجاه أن يفكر فياحتمال أن تصبح الصين عرضة لعقوبات ثانوية. علاوة على ذلك،فإن تصرفات بوتين هي تذكير بأن الزعماء مثله يمكنهم التصرفبشكل متقلب عندما يكون هناك القليل من الثقل المحلي الموازنلكبح جماحهم. إن إظهار الرئيس شي جين بينج لميل ضئيلللتدخل في عمليات بنك الشعب الصيني لا يضمن أنه سيحافظعلى هذا الموقف في المستقبل. ليس من قبيل المصادفة أن كلمصدر عملة احتياطي رائد في التاريخ كان له شكل حكوميجمهوري أو ديمقراطي، مع وجود ضوابط على السلطة التنفيذية.

ليس لدى مديري الاحتياطيات في روسيا خيار سوى اللجوء إلىبنك الشعب الصيني طالما استمر في منحهم حق الوصول. لكنبالنسبة إلى البنوك المركزية الأخرى، قد تكون النتيجة الساخرةلقرار الولايات المتحدة بتسليح الدولار هي في الواقع إبطاء الإقبالالدولي على الرنمينبي.

 

النظام النقدي الدولي في خطر

 

اعتبر الخبر الاقتصادي المصري، أحمد السيد النجار رئيس تحرير صحيفة "الأهرام" السابق في تقرير له يوم 2 أبريل، أن اعتماد التعاملات بالعملات الوطنية، سيخلص العالم من الاستخدام "اللصوصي" الأمريكي للدولار كعملة احتياط دولية لنهب سلع وخدمات العالم.

وأوضح أحمد السيد النجار، قائلا: "سجل سعر الغاز في أوروبا مستوى خرافيا حيث بلغ 1500 دولار لكل ألف متر مكعب، بما يعني أن سعر المتر أصبح 1.5 دولار.. ويعني أيضا أن سعر المليون وحدة حرارية بريطانية "تعادل 28.26 متر مكعب" أصبح يزيد عن 42 دولارا، أي عشرة أمثال السعر في عام 2021 في المتوسط، وهذا السعر يمكن أن ينخفض لمستوياته الطبيعية بمجرد بدء استقرار نظام الدفع لتسوية مدفوعات أوروبا الخاصة بشراء الغاز والنفط الروسيين".

وأضاف النجار: "المستهلك الأوروبي هو الضحية لغباء حكومات بلدانه، فبعد تجميدها للاحتياطيات المالية للبنك المركزي الروسي وإعلانها أنها ستبحث عن بديل للغاز الروسي، لم يعد أمام روسيا الحريصة على ما تبقى لديها من احتياطيات، والتي ترى نية الغدر التجاري الأوروبي واضحة ومعلنة..لم يعد أمامها إلا إجبار أوروبا والبلدان الأخرى التي فرضت عقوبات قاسية عليها، على ضخ اليورو والعملات الحرة الأخرى في النظام المصرفي الروسي مباشرة، كثمن لشرائها الروبل لتسديد مدفوعات وارداتها من روسيا".

ونوه النجار بأن "هذا الأمر يجعل العملات الحرة تأتي للنظام المصرفي الروسي ولا يبحث عنها في أسواق تقاطعه وتحاصره"، لافتا إلى أنه "مع وجود طلب على العملة الروسية "الروبل" القابلة للتحويل في العمليات الجارية والرأسمالية، سيتحسن سعره "الروبل" مقابل العملات الحرة الأخرى، وهو ما حدث بالفعل بمجرد إعلان روسيا عن قرارها وحتى قبل البدء في تطبيقه.

وتابع موضحا: "والأهم أن هذا التطور سيفتح الباب أمام إمكانية تعامل الدول بعملاتها الوطنية على أساس سعر كل منها تجاه وحدة حقوق السحب الخاصة، بما يحطم سطوة الدولار والنظام النقدي "الدولي" الذي بنته واشنطن لصالحها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وعلى الأقل، سيدخل الروبل بدءا من اليوم ضمن مجموعة العملات التي تتم من خلالها تسوية المعاملات التجارية الدولية في حدود تعاملات روسيا مع الدول التي تعتبرها معادية لها، وهو ما سيخلق طلبا على الروبل في أسواق الصرف بقيمة أساسية تزيد على 300 مليار دولار في العام، وبقيمة أكبر كثيرا لعمليات الاتجار فيه في أسواق العملات".

وأكمل الخبير الاقتصادي: "فضلا عن الدول التي فرضت عقوبات على روسيا واعتبرتها الأخيرة دولا معادية لها، فإن روسيا اتفقت مع العديد من الدول الصديقة على تسوية التعاملات بينهما بعملات البلدين، مثل أهم شريك تجاري لروسيا، أي الصين، ويبلغ حجم تجارتهما البينية السنوية نحو 140 مليار دولار، وكذلك الهند وإندونيسيا وماليزيا وإيران، والقيمة الفارقة لهذا الإجراء هي أنه الخطوة العملية الأكبر لإزاحة الدولار من وضعية عملة الاحتياط الدولية المهيمنة بقوة الدفع التاريخي وبلا مبرر موضوعي، على سلة احتياطيات مختلف البنوك المركزية حول العالم".

 

سلاح دمار في خطر

 

بعد أن خلقت جائحة كوفيد 19 ولمدة تزيد عن السنتين مشاكلضخمة للإقتصاد الأمريكي، ساد تفاؤل مع بداية سنة 2022 بالتعافي، لكن ومنذ بدء الحرب الاقتصادية ضد روسيا عادالتشاؤم وخلقت مشاكل مختلفة وأخطر تأثيرا من تلك التي ولدتهاالجائحة. في الولايات المتحدة تختلف التحليلات بشأن الأخطاروطرق مواجهتها. 

جاء في تحليل نشره موقع الحرة الأمريكي شبه الرسمي يومالأحد 3 أبريل 2022:

في الوقت الذي يحذر فيه خبراء اقتصاديون من خطورة جعلالعملة الأمريكية، سلاحا، تظهر التساؤلات عما إذا كان الدولارسيبقى في مكانته كعملة احتياطية عالمية، بعد ما يقرب من 80 عاما من هيمنته، مع محاولات روسية وصينية في التنافس فيهذا المجال، بحسب تحليل لشبكة "سي أن أن". 

حوالي 60 في المئة من احتياطيات العملات العالمية، البالغة 12.8 تريليون دولار، محتفظ بها حاليا بالدولار، مما يمنح الولاياتالمتحدة امتيازا كبيرا على أي بلد آخر، خاصة أن ديون الحكومةالأمريكية، بعملتها الخاصة، لذلك إذا فقد الدولار قيمته، فإنالدين أيضا سيقل، كما أنه يمكن للشركات الأمريكية إجراءمعاملات دولية بالدولار دون الحاجة إلى دفع رسوم تحويل.

وفي بعض الظروف، قد تلجأ الولايات المتحدة إلى منع وصولالدولار إلى بعض البنوك المركزية في أي بلد في العالم، مما يؤديإلى عزل واستنزاف اقتصاداتها، ما يجعله "سلاحا اقتصادياللدمار الشامل".

وفجرت الولايات المتحدة هذا السلاح في روسيا في فبراير بعدغزو موسكو لأوكرانيا، فجمدت ما قيمته 630 مليار دولار "هناكتناقض في الأرقام" من احتياطيات النقد الأجنبي وقوضت بشدةقيمة الروبل، وهو ما أعطى واشنطن، القدرة على معاقبة روسيادون إشراك القوات الأمريكية في الحرب.

لكن مع القوة الهائلة تأتي مسؤولية كبيرة. فعندما يستخدم سلاحدمار شامل، ولو كان اقتصاديا، يصاب البعض بالفزع، فيلجأونإلى حماية أنفسهم من نفس مصير روسيا في يوم من الأيام،فتنوع البلدان الأخرى استثماراتها بعيدا عن الدولار الأمريكيإلى عملات أخرى.

ويرى باحثون أن جعل الدولار سلاحا قد يؤدي إلى تراجعهمستقبلا. 

ووجدت ورقة بحثية جديدة، أعدها صندوق النقد الدولي، أن حصةالدولار من الاحتياطيات الدولية استمرت في انخفاض على مدىالعقدين الماضيين. وبدأ ذلك في الوقت الذي بدأت فيه الولاياتالمتحدة حربها على الإرهاب وعقوباتها المتصلة بمكافحة الإرهاب. 

ومنذ ذلك الحين، تحول بعض احتياطيات الدولار إلى اليوانالصيني وإلى عملات بلدان أصغر. 

ويحذر المشاركون في الورقة البحثية من أن هذه الملاحظات قدتعطينا لمحة عما يمكن أن يتطور إليه النظام الدولي في المستقبل. 

ومع قيادة الولايات المتحدة للاقتصاد العالمي، تأمل روسيا والصينأيضا في توجيه تطور النظام الدولي. 

فقد هدد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بوقف صادرات الغازإلى الدول التي لا تفتح حسابا في بنك روسي وتدفع بالروبل، فيوقت يحصل فيه الاتحاد الأوروبي على 40 في المئة من غازه و30 في المئة من نفطه من روسيا. 

في غضون ذلك، أشارت تقارير إلى أن المملكة العربية السعوديةتجري محادثات مع بكين لقبول مبيعات النفط الصينية باليوانبدلا من الدولار.

 

هل باتت الإطاحة وشيكة؟

 

ورغم أنه لا يوجد أي شيء مستحيل، كما علمتنا السنتينالماضيتين في ظل وباء كورونا، فإن احتمال خسارة الولاياتالمتحدة لامتياز قيادة الدولار، أمر مستبعد للغاية، بحسب "سيأن أن". 

يعزو تحليل الشبكة سبب ذلك إلى أن البدائل ليست رائعة. 

فقد كانت الصين تضغط على اليوان منذ سنوات. ولا تتم معاملاتعالمية بهذه العملة إلا بنحو ثلاثة في المئة فقط، مقابل 40 في المئةبالدولار. 

كما لا تزال الولايات المتحدة أيضا جذابة استثماريا إلى حد مالبقية العالم. 

فعلى سبيل المثال، فإن سوق الأسهم الأمريكية هو أكبر سوقللأوراق المالية وأكثرها سيولة في العالم، كما يتدفق رأس المالالأجنبي إلى البلاد. فبينما نمت تدفقات الاستثمار الأجنبيالمباشر في العالم بنسبة 77 في المئة إلى ما يقدر بـ 1.65 تريليون دولار في عام 2021، ارتفع الاستثمار في الولاياتالمتحدة بنسبة 114 في المئة إلى 323 مليار دولار، وفقا لمؤتمرالأمم المتحدة للتجارة والتنمية.

لكن الشبكة، بناء على رأي المحللين، تقول إن الربع الثاني منالعام الجاري قد يكون مضطربا، مع استمرار الغزو الروسيلأوكرانيا، وارتفاع معدلات التضخم، وتسريع خطة الاحتياطيالفيدرالي لزيادة أسعار الفائدة، مما يخلق سلسلة من التحدياتالفريدة للمستثمرين. 

وخلال الربع الأول من عام 2020 الذي انتهى هذا الأسبوع،سجلت مؤشرات الأسهم الرئيسية أسوأ أداء لها منذ عامين.

وبينما يتطلع البعض إلى الاستثمار في أسواق الطاقة والسلعوالمنتجات الخام بسبب تأثير الحرب على أوكرانيا، فإن البعضيفضل عدم الرهان على النفط والطاقة لأن أسعارها متقلبة. 

وبعدما فاجأ الغزو الروسي لأوكرانيا الأسواق في جميع أنحاءالعالم، فقد انتشرت الاضطرابات عبر أسواق الطاقة والسلع،وحتى قضايا انعدام الأمن الغذائي.

ويرى آخرون أنه ربما حان الوقت للنظر إلى الأصول الحقيقيةعلى أنها وسيلة للتحوط من التضخم، وهذا يعني الاستثمار فيالسلع والعقارات والأراضي والمعدات والموارد الطبيعية.

 

عمر نجيب

[email protected]