7 ديسمبر 2021.. ما يمكن أن يقال عن هواري بو مدين في ذكراه قليل وإن كثر

أربعاء, 2021-12-29 10:53

يكفي أن يُقال أن هواري بو مدين كان وجودا بشريا فتحول بعد وفاته إلى مبدأ وطني بل إلى ظاهرة وطنية ….كان هواري بو مدين قائدا وطنيا فأصبح بعد وفاته رمزا وطنيا …وأصبح تقشفه ونزاهته وتفانيه في حب وطنه مضرب الأمثال في العالم كله…. وأصبح هناك من يلوموننا لأننا مقصرون في حقه وفي حق كل أبطالنا … في حين رحنا نفتعل قيادات تاريخية بأسلوب جعلنا موضع السخرية والاستهزاء.

واستطاع بو مدين أن يحقق، بعد وفاته، فرزا واضحا برز به من يؤمنون بمسيرته ويستذكرون إنجازاته ويربطونه بالأمير عبد القادر وبمصالي الحاج وقبل ذلك بيوغورطا وقبل هذا وذاك بكره فرنسا والإيمان بالجزائر الخالدة، عمقا نوميدييا وانتماء حضاريا عربيا إسلاميا……وهكذا وضع من يكرهون بو مدين أنفسهم في الموضع المعاكس … فلا يمكن لمن يحب بو مدين أن يحب فرنسا، ولا يمكن لمن يكره بو مدين أن يحب الأمير.

هكذا يمكن لأي مواطن أن يعرف من هو الوطني ومن هو الدخيل على الوطن، وأن يكتشف من هو المواطن الكريم ومن هو الحرْكي الجديد

لكن الغريب هو أن من يمجدون بو مدين بوفاء عميق وبمحبة خالصة معظمهم لم يعرفوا بو مدين ولم يعيشوا أيامه..

والأكثر غرابة هو أن كثيرين ممن برزوا بفضله واستفادوا من وجوده أصابهم الخرس، فتبكموا، ولم نجد من بينهم من كتب كتابا أو سجل برنامجا متلفزا يحكي بعض ما يذكر بالرئيس الراحل، وأعرف من بينهم من راح يستأسد على رفات رجل كان لا يستطيع النظر في عينيه….وأسميت أمثالهم يوما …القطط المبللة ببولها

ولعل أهم ما يجب أن يُذكر هنا أن واحدا من أهم خصوم بو مدين السياسيين، وهو الرئيس الفرنسي جيسكارد ديستان، قال عنه منذ سنوات قليلة… لم تستطع الجزائر حتى الآن أن تنجب من يضاهي بو مدين

وما يؤلمني أن أمما راحت تمجد من رجالاتها من لا يصلون إلى ركبة بو مدين، بينما نجد عندنا من يقزم أبطالنا ويقلل من شأنهم، مؤكدا بذلك أن عقدة النقص هي التي تتحكم فيهم، وأنهم مجرد مستوطنين لا مواطنين، ناهيك من أن يكونوا وطنيين، إن لم أقل أنهم جزء من السوسة المدسوسة.

وهؤلاء هم الذين يغطون تكاسلهم وتهاونهم بل ونقيصتهم باتهام من يقول كلمة خير في هواري بو مدين أنه يتاجر بذكراه، في حين أن الراحل أصبح ترابا لا يضر ولا ينفع.

يكفي أن أردد قوله تعالى:

بسم الله الرحمن الرحيم

من الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا. صدق الله العظيم

 

دكتور محيي الدين عميمور / مفكر ووزير اعلام جزائري سابق