لماذا كان اهتمام الشعب الفلسطيني باعترافات الجندي الأسير شاليط اكبر بكثير من اهتمامهم بخطاب عباس في الأمم المتحدة؟

سبت, 2021-09-25 19:10

كان لافتا ان الشعب الفلسطيني، داخل الاراضي المحتلة وخارجها، لم يعر أي اهتمام يذكر لخطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس امام الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي القاه مساء امس، ليس لأنه لم يأت بأي جديد، وكان ربما أسوأ من جميع الخطابات السابقة، وانما لأنه اسقط السلطة من جميع حساباته، وبات لا يشعر بأي انتماء لها، وانعكست هذه المبالاة بمطالبة اكثر من 80 بالمئة منه، في آخر استطلاعات الرأي، برحيل الرئيس عباس.

تطوران رئيسيان يحتلان مكانة بارزة في المشهد الفلسطيني الحافل بالحراك وعلى مختلف الجبهات هذه الأيام، وكانا محور اهتمام الرأي العام الفلسطيني بالدرجة الأولى، والغربي بالدرجة الثانية:

• الأول: المعلومات الجديدة التي كشفها لأول مرة، وبعد صمت استمر عشر سنوات، الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط الأسير السابق لدى حركة “حماس”، حول ظروف اسره، وفي مقابلة مع “القناة الإسرائيلية 12” يوم امس، وتزامنها، أي المعلومات، مع نشاط مكثف، في ملف الاسرى الإسرائيليين الأربعة المحتجزين لدى “حماس” (جثتان لجنديين واثنين احياء)، واستجدائها، أي دولة الاحتلال، لأربع دول (مصر، تركيا، قطر، المانيا) للتوسط للإفراج عنهم بأسرع وقت ممكن.

• الثاني: تصاعد التهديدات الإسرائيلية، من قبل رئيس الحكومة نفتالي بينيت، ووزير جيشه بيني غانتس، علاوة على جنرالات متقاعدين، بإعادة احتلال قطاع غزة، بعد فشل جميع الخيارات الأخرى في اخافة فصائل المقاومة، مثل الغارات الجوية والقصف المدفعي.

***

ما كشفه الأسير شاليط، بالصوت والصورة، يؤكد مدى حكمة آسريه من حركة “حماس”، ونجاحهم في اخفائه خمس سنوات، في قطاع لا تزيد مساحته عن 150 ميلا مربعا، ويعتبر اكثر مناطق العالم ازدحاما، (مليونا ونصف المليون مواطن) حيث لا غابات ولا جبال ولا كهوف، واخفاؤه عن من؟ عن دولة تعتبر نفسها الأكثر خبرة في ميادين الامن في العالم، وتحلق طائرات تجسسها ليل نهار في سماء القطاع المحتل.

شاليط لم يتحدث مطلقا عن أي محاولات لتعذيبه، او اهانته في فترة الاعتقال، ولم ينطق بكلمة سيئة عن آسريه وحراسة، بل اكد انهم عاملوه معاملة جيدة، وقدموا له الحمص واللبن، والطعام اليهودي الحلال “الكوشر”، وحرصوا ان يبقى حيا وبصحة حيدة، لان “ثمن الجندي الأسير الحي اغلى بكثير من الميت” على حد قوله، وعلم بأنباء قرب الافراج عنه في صفقة تبادل (تم الافراج عن 1027 اسيرا فلسطينيا بينهم يحيى السنوار) من خلال جهاز راديو كان هدية من خاطفيه.

اخفاءه لخمس سنوات عن عيون الإسرائيليين، وجواسيسهم، واقمارهم الصناعية، يعتبر إنجازا امنيا على درجة كبيرة من الأهمية، لأنه يشكل هزيمة كبرى لدولة الاحتلال واجهزتها، ويؤكد تقدما استخباريا فلسطينيا في المقابل، تعزز هذا التقدم بعملية ابطال نفق الحرية الستة الذين وجهوا ضربة شبه قاضية لهذه الاجهزة الإسرائيلية “المنفوخة” بغرور امني استعلائي كاذب.

هذا التقدم الأمني المتنامي في المعسكر الفلسطيني المقاوم، يوازيه تقدم عسكري أيضا، يتمثل في تطور صواريخ المقاومة، وقوة الردع التي حققتها، والاهم من كل ذلك، وجود الإرادة القوية لدى قيادتها لاتخاذ قرار الضغط على ازرارها (الصواريخ) في الوقت المناسب للدفاع عن المقدسات والرد على أي عدوان إسرائيلي في الضفة والقطاع وربما جنوب لبنان لاحقا.

القيادة الإسرائيلية، بشقيها السياسي والعسكري، تهدد باجتياح القطاع منذ 16 عاما، وبالتحديد منذ انسحاب قواتها ومستوطنيها مهزومين منه في ايلول (سبتمبر) عام 2005، ولم تنفذ أي من هذه التهديدات خوفا من الثمن الباهظ الذي يمكن ان تدفعه، فدخول القطاع ليس مثل الخروج منه، علما ان فصائل المقاومة في السنوات الأولى التي تبعت الانسحاب لم تملك القدرة الدفاعية والهجومية والصاروخية الحالية، وتدرك هذه القيادة جيدا ان استراتيجية فصائل المقاومة تتبلور في اغراقها في حرب استنزاف طويلة الامد تؤدي في النهاية الى انهيار المشروع الصهيوني تسير بنجاح متسارع.

***

صفقة تبادل الاسرى موضع البحث والوساطات الجارية حاليا خلف ابواب السرية، ولكن بشروط المقاومة، وابرزها الافراج عن ابطال نفق الحرية، ومئات المحكومين بالمؤبدات، وعلى رأسهم الأسير مروان البرغوثي، وهو افراج اذا ما تم (نتحدث هنا عن البرغوثي تحديدا) قد يؤدي الى إصابة الرئيس عباس، والمجموعة المحيطة به، بالسكتة القلبية.

اوسلوا سقطت، والتنسيق الأمني سيلفظ أنفاسه الأخيرة قريبا، وحل الدولتين نفق وتعفن، والسلطة الفلسطينية “حمضت” وفاحت ريحتها، وفلسطين، كل فلسطين، عائدة.. والأيام بيننا.

 

عبد الباري عطوان