الشرق الأوسط على عتبة سباق تسلح نووي مفاوضات فيينا والجري وراء سراب تجديد الاتفاق النووي مع طهران

سبت, 2021-08-14 06:55

تكثفت مرة أخرى النقاشات والأخبار واتسع الجدل حول برنامج إيران النووي وفرص التوصل إلى تسوية في المفاوضات الجارية في العاصمة النمساوية فيينا بين طهران والدول الست الموقعة على إتفاق سنة 2015 الذي انسحبت منه الولايات المتحدة سنة 2018 خلال ولاية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب. هناك من يرى أن المفاوضات رغم صعوبتها واحتمال استمرارها لأشهر أخرى طويلة ستصل إلى نتيجة إيجابية، في حين هناك من يقدر أنها ستفشل وستتمكن إيران من الوصول إلى امتلاك أسلحة نووية خلال أمد قصير نسبيا إلا إذا تم منع ذلك عن طريق شن عمليات عسكرية محدودة أو واسعة ضد منشآتها النووية.

تجربة كل من باكستان والهند وكوريا الشمالية في مجال تطوير سلاح نووي خلال السنوات الأخيرة من القرن العشرين وبداية القرن الحالي يمكن أن تشكل مؤشرا أو مقياسا يمكن استخدامه في التعامل مع فرضية توجه طهران لتطوير سلاح نووي رغم أن ساستها أكدوا في أكثر من مرة أنهم يعارضون امتلاك هذا السلاح.

لا يجادل غالبية السياسيين والمحللين في العالم أن الدولة التي تملك السلاح النووي توفر لنفسها ضمانات أمنية أكبر وتفرض على خصومها قيودا هائلة إذا هم فكروا في القيام بعمل عسكري ضدها، وهو وضع يطلق عليه توازن الرعب والردع المتبادل.

يتفق كثير من الخبراء على أن معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية أو معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية التي تم التفاوض عليها بين عامي 1965 و 1968 من قبل لجنة مؤلفة من ثمانية عشر دولة برعاية من الأمم المتحدة في مدينة جنيف السويسرية، تلفظ أنفاسها تدريجيا بعد أن فشلت في الحفاظ على احتكار الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي على هذا السلاح.

تعترف المعاهدة بوجود خمس دول نووية قامت ببناء واختبار أجهزة تفجير نووية قبل 1 يناير 1967 وهي الولايات المتحدة، روسيا، المملكة المتحدة، فرنسا و‌الصين. هناك ثلاث دول أخرى تم تأكيد حيازتها للأسلحة النووية وهي الهند و‌باكستان و‌كوريا الشمالية حيث أعلنت هذه الدول حيازتها للأسلحة النووية وأنها قامت باختبار هذه الأسلحة، بينما تتعمد إسرائيل الغموض بما يخص وضح الأسلحة النووية لديها.

 

أهداف غير واضحة

 

خلال شهر أبريل 2021 نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية تقريرًا يجيب عن بعض الأسئلة التي تتعلق بقدراتإيران النووية، وما يعنيه تحديدا إعلان إيران مؤخرا عن تخصيب اليورانيوم إلى درجة نقاء تبلغ 60 في المئة. وقد جاء الإعلان على لسان رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف. أعد التقرير كلمن ريك غلادستون، المحرر والكاتب في القسم الدولي في الصحيفة، ووليام. ج. برود، الكاتب البارز في الصحيفة، ومايكل كرولي المراسل الدبلوماسي في مكتب الصحيفة في واشنطن.

استهل الكتاب التقرير بالقول: بدأت إيران في تخصيب مخزونها من اليورانيوم إلى درجة نقاء تصل إلى 60 في المئة، وهي أعلى درجة نقاء على الإطلاق تستهدفها البلاد للوصول إلى المستوى المطلوب لتصنيع السلاح النووي، وجاء ذلك ردا على عملية تخريب موقع "نطنز" الإيراني النووي، وهي العملية التي رأت إيران أن وراءها أياد إسرائيلية. 

وتوافقت هذه الخطوة التي اتخذتها إيران وبثتها وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية يوم الجمعة 16 أبريل مع التهديدات التي أطلقها المسؤولون الإيرانيون بعد عملية التخريب، والتي ألقت بظلال جديدة على المحادثات الجارية لإنقاذ الاتفاق النووي لعام 2015 الذي يحد من قدرات إيران النووية مقابل رفع العقوبات (لا يمكن لإيران تخصيب اليورانيوم إلى درجة نقاء تزيد عن 3.67 في المئة وفقا للاتفاق النووي).

وقد ذهب الرئيس حسن روحاني إلى ما هو أبعد من ذلك حين تفاخر مع استئناف المحادثات في العاصمة النمساوية فيينا بأن علماء بلاده يمكنهم بسهولة تخصيب اليورانيوم إلى نسبة نقاء تصل إلى 90 في المئة، حتى يتسنى لإيران صنع الأسلحة النووية، مع أنه أصر مرارا وتكرارا، وكذلك فعل المسؤولون الإيرانيون، على أن «إيران لا تسعى أبدا لصنع قنبلة ذرية». إذن، ما أهمية تخصيب اليورانيوم الذي يقع في صميم الاتفاق النووي الذي يحاول المفاوضون إنقاذه؟ ولماذا تطلق إيران هذه المزاعم؟ ومن هنا، يقدم هذا التقرير بعض الأسئلة الأساسية ويجيب عليها:

1- ما الهدف من تخصيب اليورانيوم؟

يجيب الكتاب عن هذا السؤال بالقول: يحتوي اليورانيوم على نظير مشع نادر يسمى U-235 ويمكن استخدامه لتشغيل المفاعلات النووية عند مستويات التخصيب المنخفضة وتزويد القنابل النووية بالوقود عند مستويات تخصيب أعلى بكثير. والهدف من تخصيب اليورانيوم هو رفع النسبة المئوية لنقاء U-235، ويحدث ذلك باستخدام أجهزة الطرد المركزي، وهي أجهزة يدور بداخلها شكل من أشكال اليورانيوم غير المكرر بسرعات عالية.

 

نووي إيران

 

بموجب الاتفاق النووي المعروف باسم «خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)»، سمِح لإيران بالاحتفاظ بما يصل إلى 300 كيلوغرام أو 660 رطلا من اليورانيوم المخصب إلى درجة نقاء بنسبة 3.67 في المئة لاستخدامات الطاقة النووية في الاحتياجات المدنية. ووافقت إيران أيضا على وقف تخصيب اليورانيوم بما يزيد عن 5 في المئة وإيقاف تشغيل المئات من أجهزة الطرد المركزي. كما خفضت مخزوناتها من اليورانيوم إلى أقل بكثير من الكمية اللازمة لإنتاج قنبلة نووية واحدة.

2- لماذا تمتلك إيران المزيد من اليورانيوم المخصب الآن؟

يذكر التقرير أنه بعدما انسحب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب من الاتفاق الإيراني عام 2018 وأعاد فرض العقوبات على إيران إلى جانب إضافة عقوبات أخرى، اتخذت إيران من جانبها سلسلة من الخطوات ابتعدت بها هي الأخرى عن الامتثال للاتفاق النووي ردا على تلك الإجراءات. وبدأت بزيادة مخزوناتها من اليورانيوم بنسبة تزيد عن 3.67 في المئة، وأضافت أجهزة طرد مركزي جديدة، ورفعت درجة نقاء اليورانيوم في بعض المخزونات إلى 20 في المئة، كما قيدت وصول المفتشين الدوليين إلى بعض المواقع النووية. وكانت الدولة تقول طوال هذا الوقت إن هذه الإجراءات يمكن التراجع عنها بسهولة. 

وما يجعل مستوى التخصيب إلى درجة نقاء بنسبة 60 في المئة يشكل تهديدا على نحو خاص هو أن عملية التخصيب الصعبة تصبح أسهل بكثير وتتطلب عددا أقل من أجهزة الطرد المركزي مع انتقالها إلى درجات نقاء أعلى. بمعنى آخر، تخصيب اليورانيوم ليصل إلى درجة نقاء بنسبة 90 في المئة يصبح أسهل عندما يبدأ التخصيب من نسبة 20 في المئة وبالطبع يصبح أسهل أكثر عندما يبدأ التخصيب من نسبة 60 في المئة.

3- ما هي كمية اليورانيوم المخصب التي تمتلكها إيران الآن؟

يفيد التقرير أنه وفقًا للوكالة الدولية للطاقة الذرية – ذراع المراقبة النووية للأمم المتحدة – جمعت إيران حتى فبراير سنة 2021 ما يصل إلى 2,968.8 كيلوغراما من اليورانيوم، أي ما يقرب من 14 ضعف الحد المسموح به بموجب الاتفاق النووي، وهذه الكمية تكفي، من الناحية النظرية، لتشغيل حوالي ثلاث قنابل ذرية إذا كررت لدرجة تصنيع الأسلحة. ويشتمل هذا المخزون أيضا على 17.6 كيلوغرامًا مخصبا إلى درجة نقاء بنسبة 20 في المئة، وهو الأمر المحظور أيضا بموجب الاتفاقية حتى عام 2030.

4- هل أثر التخريب في نطنز في قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم؟

يقول الكتاب إنه بالتأكيد أثر على قدرة إيران. وفي الوقت الذي قدم فيه المسؤولون الإيرانيون روايات متضاربة حول حجم الأضرار التي لحقت بأجهزة الطرد المركزي في "نطنز"، مجمع التخصيب الذي تعرض للتخريب، قال واحد منهم على الأقل إن عدة آلاف من الأجهزة دمرت. ولكن إيران تمتلك موقعا آخر معروفًا لتخصيب اليورانيوم، وهي منشأة تحت الأرض تسمى «فوردو» تضم ما يقرب من ألف جهاز طرد مركزي، استخدِم بعضها في وقت مبكر من عام 2021 لتخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المئة.

ويقول الخبراء النوويون إنه من أجل تخصيب يورانيوم إلى درجة نقاء بنسبة 20 في المئة إلى نسبة 60 في المئة، تحتاج إيران إلى تخصيص 500 جهاز طرد مركزي لهذه المهمة. وستحتاج إلى 100 جهاز آخر لرفع مستوى النقاء إلى نسبة 90 في المئة. 

وفي مقابلة أُجريت مع أولي هاينونين، كبير المفتشين السابقين في الوكالة الدولية للطاقة النووية، قال إن إيران من الناحية النظرية قد تنتقل من نسبة 60 في المئة إلى 90 في المئة من التخصيب في أسبوع، موازنةً بمدة شهر أو نحوها للانتقال من 20 في المئة إلى تلك المستويات. وذكر عن تهديد إيران بتخصيب اليورانيوم بنسبة 60 في المئة: "هذا ليس فرقًا كبيرا، وهم يريدون في هذا الوقت أن يظهروا فحسب أن بإمكانهم فِعل ذلك". 

5- هل يعني هذا أن إيران تستطيع إنتاج قنبلة ذرية في أسبوع؟

يجيب التقرير على هذا السؤال بالنفي، إذ وفقا لأولي هاينونين وآخرين، فإنه من الأصعب أكثر أن يحول اليورانيوم المخصب بنسبة 90 في المئة إلى نواة قنبلة ذرية، وقد يستغرق هذا الأمر شهورا. وهذا التقدير لا يشمل التكنولوجيا، والاختبارات، والوقت اللازم، لتركيب السلاح على رأس صاروخ حربي، ما يستغرق وقتا أطول بكثير. 

إذًا لماذا تلمح إيران إلى مثل هذه القدرات؟

يختم معدو التقرير بهذا السؤال ويقولون: لطالما كان التهديد بعسكرة قدراتها النووية أداة تفاوض تستخدمها إيران في كل من المفاوضات التي أسفرت عن اتفاق 2015 والمفاوضات الحالية. وفي الوقت نفسه، أوضحت طهران أنها تريد التوصل إلى اتفاق من شأنه أن ينهي العقوبات الأمريكية التي تعرقل بشدة مبيعات النفط الإيرانية والمعاملات المالية الدولية. وهذا يفسر جزئيا إحجام إيران عن الرد عسكريا على الهجوم على مواقعها النووية.

 

ضغط أم تمويه

 

نهاية شهر يوليو 2021 اعتبرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، أن إعلانات إيران المتكررة خلال الأشهر الأخيرة بتقدمها السريع في برنامجها النووي ما هي إلا مجرد ادعاءات للضغط على الإدارة الأمريكية لتخفيف العقوبات، في حين أشار خبير إيراني، لموقع "الحرة" أن أرقام طهران الحقيقية في مجال تخصيب اليورانيوم قد تكون أكثر من المعلنة.

وأرجع مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، دفع إدارة بايدن لإجراء محادثات مع طهران إلى الحاجة إلى "وضع البرنامج النووي الإيراني في صندوق".

الخبير الإيراني، حسن هاشميان، ذكر لموقع "الحرة" إن عدد أجهزة الطرد المركزي ونوعيتها الموجودة في إيران التي تم تطوير بعضها إلى "آي آر 6"، وصلت إلى نحو 19 ألفا، وهو أكثر بكثير من العدد المحدد لطهران طبقا للاتفاقية وهو 4500 جهاز طرد مركزي"، مشيرا إلى أن إيران لديها أجهزة طرد مركزي سرية. 

ويضيف هاشميان أنه "نظرا لعدد أجهزة الطرد المركزي، أعتقد أن إيران لديها حاليا أكثر من 2000 كلغ من اليورانيوم المخصب، وربما أكثر، وحوالي 200 كلغ من اليورانيوم المخصب بدرجة نقاء تصل إلى 20 في المئة. 

ويرى أن إيران تخفي العدد الحقيقي من حجم اليورانيوم المخصب لأنه "يكشف وصولها إلى القنبلة النووية وهي تقول دائما إنه ليس لديها النية لإنتاج سلاح نووي، وتريد التوصل إلى اتفاق بشأن إزالة العقوبات". 

وفي السادس من يوليو 2021، أعلنت إيران إنتاج معدن اليورانيوم المخصب من غاز اليورانيوم المخصب الذي تنتجه أجهزة الطرد المركزي، "وبالرغم من خطورة هذه الخطوة فإنها ستزيد الوقت التي تحتاجه طهران لصنع قنبلة نووية، لأن تصنيع المعدن لا يتطلب سحب مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المئة"، بحسب فورين بوليسي. 

ويوضح هاشميان "اليورانيوم المعدني مرتبط بتصنيع السلاح النووي، وإيران تجرب تقنية جديدة في هذا الموضوع، وهي رسالة واضحة بأن إيران تستطيع أن تجابه إسرائيل في المستقبل القريب"، مشيرا إلى أنه يصدق عزم إيران الإقدام على هذه الخطوة خاصة أن هذا جاء في تقرير للوكالة الدولية للطاقة النووية. 

الوكالة الدولية للطاقة الذرية ذكرت إن إيران تعتزم "إنتاج معدن اليورانيوم بنسبة تخصيب تصل إلى 20 في المئة.

ويضيف هاشميان: "إيران تضع بالفعل تجربة كوريا الشمالية نصب أعينها وتريد إنتاج السلاح النووي بصرف النظر عما إذا الوصول إلى اتفاق أم لا، وهي كانت تعمل على ذلك سرا حتى بعد التوصل إلى الاتفاق في عهد أوباما، لأنها تريد أن تفرض نفسها على المنطقة".

 

تحديات ضخمة

 

بداية شهر أغسطس 2021 أبدى مسؤولون أمريكيون تشاؤما حادا بشأن إمكانية استعادة الاتفاق النووي الإيراني قبل أيام من تعيين الرئيس المنتخب إبراهيم رئيسي.

وقال روبرت مالي كبير المفاوضين الأمريكيين إن "هناك خطر حقيقي من أنهم يعودون بمطالب غير واقعية بشأن ما يمكنهم تحقيقه في هذه المحادثات".

ووفقا لصحيفة "نيويورك تايمز"، فإن المخاوف جاءت بعد اعتقاد المفاوضين الأمريكيين بأن الحكومة الإيرانية الراحلة كانت على وشك التوصل لاتفاق قبل وصول رئيسي للسلطة وهو رجل متشدد ورئيس السلطة القضائية في البلاد.

وتخشى الولايات المتحدة من تسريع الحكومة الجديدة في إيران عملية تخصيب اليورانيوم وزيادة كسب المعرفة التقنية، وسط غياب المفتشين الدوليين عن مراقبة المنشآت النووية، مما قد يؤدي إلى مطالبات إيرانية إضافية في المفاوضات.

وتوقفت المفاوضات التي تهدف لإعادة إحياء الاتفاق النووي بين إيران والقوى العالمية الكبرى - (الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، فرنسا، روسيا، الصين وألمانيا) – بعد 6 جولات من المفاوضات التي تستضيفها العاصمة النمساوية فيينا منذ أبريل.

تقول الصحيفة الأمريكية إن الجانبين سيخسران الكثير حال عدم الوصول لاتفاق، حيث إن الهدف الأسمى للرئيس بايدن هو إعادة الاتفاقية المبرمة عام 2015 في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما.

كما أنه من المهم إصلاح العلاقات مع الحلفاء الأوروبيين، الذين تفاوضوا على الصفقة الأصلية.

ولكن من غير الواضح ما إذا كان الرئيس المنتخب رئيسي سيحتفظ بفريق التفاوض الإيراني الحالي أم سيستبدله بمتشددين يسعون لكسب مزيد من تخفيف العقوبات مقابل قيود مؤقتة على الأنشطة النووية.

ولطالما كان الرئيس الإيراني الجديد مدافعا عما يسمى بـ "اقتصاد المقاومة"، وهو مفهوم قائم على أن البلاد ليست بحاجة للتجارة مع العالم والانفتاح الخارجي.

ولكن من خلال الحملة الانتخابية، بدا رئيسي يؤيد استعادة الصفقة.

في السياق ذاته، لا يملك رئيسي الكلمة النهائية بشأن العودة للصفقة دون رأي المرشد الأعلى، علي خامنئي، صاحب القول الفصل في شؤون البلاد.

والأربعاء 28 يوليو 2021، كرر خامنئي مطلبا رئيسيا كان يطلبه المفاوضون الإيرانيون في فيينا بتقديم الولايات المتحدة ضمانا بأنها لن تنسحب مرة أخرى من الاتفاقية كما فعل ترمب.

وقال خامنئي: "لقد انتهكوا ذات مرة الاتفاق النووي دون تكلفة من خلال الانسحاب منه. الآن يقولون صراحة إنهم لا يستطيعون تقديم ضمانات بعدم حدوث ذلك مرة أخرى".

يقول مالي إن هذا ليس من طبيعة الدبلوماسية، مردفا: "لكن ليس لدينا أي نية لقضاء كل هذه الأشهر في التفاوض على العودة إلى الصفقة من أجل الانسحاب بعد ذلك".

في المقابل، وجد الإيرانيون تعاطفا من الأوروبيين الذين يخشون على مستقبل الصفقة حال قدوم رئيس جديد للولايات المتحدة في العام 2024.

وذكر دبلوماسي أوروبي كبير مشارك في المفاوضات: "إذا حدث ذلك مرة، فقد يحدث مرة أخرى".

المطلب الإيراني، يتطلب حصول إدارة بايدن على موافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ، ليصبح الاتفاق النووي معاهدة، وليس اتفاقية تنفيذية.

ولكن طالما أن خطة العمل الشاملة المشتركة لا تتخطى كونها معاهدةً تنفيذية، فيمكن لأى إدارة أمريكية في المستقبل، الانسحاب منها كما فعل دونالد ترمب، والجمهورية الإسلامية لن توافق مجددا على هذا الأمر.

طهران أوضحت أيضا أن كل هذه الخطوات التي اتخذتها تجاه انتهاك بنود الصفقة النووية، قابلة للعكس، إذا قررت واشنطن العودة إلى الاتفاق النووي. لكن هذا لن يحدث إلا في حالة الرفع التام للعقوبات التي فرضتها إدارة ترمب، ورفضت طهران أي حديث عن «العودة المتزامنة»، كما أوضحت أنها لن تتخلى عن أجهزة الطرد المركزي المتطورة، أو العودة إلى نسب تخصيب اليورانيوم المنخفضة إلا بعد رفع كافة العقوبات، والتي يبلغ عددها 1500 عقوبة.

وبينما تتوقف المفاوضات، تواجه الإدارة الأمريكية معضلة أخرى تتمثل في عدم قدرة المفتشين الدوليين من الوصول لمنشآت الطاقة النووية الإيرانية التي رفعت مؤخرا من قدرتها على إنتاج الوقود النووي.

ومنعت فرق التفتيش من دخول العديد من المنشآت التي زاروها بانتظام، وقياس مستويات التخصيب وحساب كل غرام من المواد المنتجة، إذ انتهى في يونيو 2021 اتفاق إبقاء كاميرات المراقبة وأجهزة الاستشعار قيد التشغيل.

 

البرنامج العسكري

 

في الثالث من يناير 2021 تساءلت صحيفة "نويرتسوريشرتسايتونغ" الصادرة في سويسرا: "هل تسعى إيران حقا لصنع القنبلة، أم أنها تسعى فقط لامتلاك قدرات تمكنها من ذلك دون اتخاذ الخطوة النهائية لصنعها؟ القدرة على صنع القنبلة من شأنه أن يوفر ردعا معينا". من الواضح أنه حتى عام 2003 كان لدى إيران برنامج نووي عسكري. واستشهدت الصحيفة برأي أوليفر ماير من معهد أبحاث السلام وسياسة الأمن في هامبورغ الذي يقول "هناك الكثير من الأدلة على أن إيران قد نفذت أنشطة نووية في السنوات السابقة لا يمكن تفسيرها بأهداف مدنية". غير أنه من الواضح أيضا أن البرنامج العسكري النووي الإيراني هذا قد توقف رسميا نهاية عام 2003 بقرار من القيادة الإيرانية.

من جهتها، تعتقد وكالات المخابرات الأمريكية والوكالة الدولية أن إيران امتلكت في فترة من الفترات برنامجا للسلاح النووي وأنها أوقفته. وثمة أدلة تشير إلى أن إيران حصلت على تصميم لقنبلة نووية ونفذت أعمالا مختلفة تتصل بتصنيعها. ويؤكد الخبراء أن قرار استئناف تخصيب اليورانيوم الأخير الذي أعلنته طهران يمكن العودة عنه بسهولة وأن مستوى 20 في المئة بعيد عن أن يكون كافيا لتطوير سلاح نووي. وهناك من يرى في الخطوة الإيرانية محاولة لإعادة تركيز الاهتمام على البرنامج النووي لخوف طهران من اشتراط جو بايدن ضم التفاوض على ملفات أخرى إلى الاتفاق النووي، كبرنامج الصواريخ البالستية. أو دور إيران في الشرق الأوسط.

في حوار مع صحيفة "نيويورك تايمز" أكد الرئيس الأمريكي جو بايدن بعد إنتخابه بأيام أنه في حال حازت طهران القنبلة النووية سيكون هناك سباق على التسلح النووي في الشرق الأوسط وهو "آخر شيء نحتاج إليه في هذا الجزء من العالم". صحيفة "تاغسشبيغل" الألمانية ذكرت بدورها في خطوة طهران زيادة نسبة تخصيب اليورانيوم، مخاطر ستزيد من تأجيج سباق التسلح في الشرق الأوسط. "لقد هدد السعوديون عدة مرات بالسعي لتطوير برنامج نووي، فيما أقنعت الإمارات العربية المتحدة، الرئيس ترمب بالموافقة على شراء أحدث قاذفات من طراز F35، فيما تعتمد إسرائيل على الردع النووي منذ عقود عديدة".

وسبق لوزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية، عادل الجبير، أن أكد في حوار مع وكالة الأنباء الألمانية "د.ب.أ" في نوفمبر 2020 أن بلاده تحتفظ بالحق في تسليح نفسها بأسلحة نووية إذا لم يكن بالإمكان منع إيران من صنع تلك الأسلحة. وأضاف أنه إذا أصبحت إيران قوة نووية فإن مزيدا من الدول ستحذو حذوها. وتابع "لقد أوضحت السعودية أنها ستبذل قصارى جهدها لحماية شعبها وحماية أراضيها".

 

كوريا الشمالية

 

مصادر رصد في برلين ذكرت أن هناك معطيات تقود إلى الاعتقاد بنسبة خطأ صغيرة لا تتجاوز 10 في المئة أن طهران تستعد لتجربة أداة تفجير نووية. خبراء من كوريا الشمالية قاموا بأبحاث منذ منتصف سنة 2019 مع نظرائهم الإيرانيين حول أربعة مواقع في الهضبة الايرانية الوسطى ومنطقة جبال زاغروس تصلح لحفر أنفاق عميقة لتجربة تفجير نووي، موقعان شهدا عمليات انشاءات غامضة منذ منتصف سنة 2020.

الهضبة الإيرانية أو الهضبة الفارسية هي تضريس جيولوجي في غرب آسيا وآسيا الوسطى. وهي جزء من الصفيحة الأوراسية المحشورة بين الصفيحتين العربية والهندية، الواقعتين بين جبال زاغروس إلى الغرب، وبحر قزوين وكوبيتداغ إلى الشمال، والمرتفعات الأرمنية وجبال القوقاز في الشمال الغربي، ومضيق هرمز والخليج العربي إلى الجنوب ونهر السند إلى الشرق في پاكستان. 

في نفس الوقت أفادت مصادر كورية منشقة أن كوريا الشمالية عرضت على طهران الاستفادة من مواقع التجارب النووية الكورية تحت الأرض لتجربة تفجير نووي.

 

واشنطن وسياسة طهران

 

جاء في تقرير نشره معهد واشنطن يوم 29 يونيو 2021 كتبه جيمس جيفري وهو رئيس برنامج الشرق الأوسط في "مركز ويلسون" وسفير الولايات المتحدة السابق في تركيا والعراق ودينيس روس وهو مستشار وزميل "ويليام ديفيدسون" المتميز في معهد واشنطن ومساعد خاص سابق للرئيس أوباما:
لم توقف طهران بتاتا توفيرها التدريبات والأسلحة للمتشددين في المنطقة حتى في ظل العقوبات الأمريكية الشديدة، لذلك يتعين على إدارة بايدن أن تفعل أكثر بكثير من مجرد إعادة العمل بـ «خطة العمل الشاملة المشتركة».

لم يكن انتخاب إبراهيم رئيسي رئيسا لإيران مفاجئا. فقد تم استبعاد جميع أولئك الذين ربما كانوا يمثلون تهديدا له، وكان خيار المرشد الأعلى علي خامنئي، ولا عجب في ذلك: فقلة من الناس يجسدون إيديولوجيا الجمهورية الإسلامية بشكل أفضل من سجله. فلن يجعل إيران منفتحة على العالم الخارجي، ولن يتطلع بالتأكيد إلى التكيف مع وجهة نظر الولايات المتحدة بأي شكل من الأشكال. وبالنسبة لسلوك إيران في الشرق الأوسط، فقد أوضح أنه "غير قابل للتفاوض".

وكان الصراع بين إسرائيل وحركة «حماس» في مايو 2021 بمثابة تذكير بأن كل شيء تقريباً في الشرق الأوسط مترابط - وسواء كان الحديث عن صواريخ «حماس» أو الكارثة المستمرة في اليمن أو الاتفاق النووي الإيراني، فإن دور طهران المزعزع للاستقرار في المنطقة هو القاسم المشترك بينها.

نحن نتفهم سبب سعي الرئيس جو بايدن للعودة إلى الاتفاق النووي، أي «خطة العمل الشاملة المشتركة». فعلى الولايات المتحدة أن تعكس برنامج إيران النووي ثم تستغل الوقت المتبقي قبل وقف نفاذ أحكام الانقضاء الخاصة بالاتفاقية إما للتوصل إلى اتفاق أطول مدة وأكثر قوة تسعى إليه إدارة بايدن، وإما لتعزيز الردع الأمريكي لكي تدرك طهران أن الولايات المتحدة ستمنع إيران من أن تصبح دولة على حافة العتبة النووية.

لكن رغم اقتناعنا بقيمة احتواء البرنامج النووي الإيراني، إلا أن ذلك لا يكفي. فسيتعين على الإدارة الأمريكية أيضا مكافحة ما سيكون من شبه المؤكد جهود إيران المتصاعدة في المنطقة.

ويفسر هذا التخوف من أجندة إيران في المنطقة قدرا كبيرا من سبب معارضة «خطة العمل الشاملة المشتركة»، سواء عندما تم الاتفاق عليها أو وصولا إلى يومنا هذا. فقد كان َ الكثيرون في الكونغرس الأمريكي وكذلك قادة دول الشرق الأوسط قلقين في ذلك الوقت - كما يشعرون بالقلق حالياً - من أن الإدارة الأمريكية وشركاءها الأوروبيين سيخطئون في اعتبار ملف إيران "مغلقاً"، لأنهم ينظرون إلى التهديد الذي تطرحه إيران على نطاقٍ ضيق للغاية، ومن الناحية النووية فقط. إلا أن النقاد في المنطقة يرون الماضي كتمهيد: فكما أصبحت إيران أكثر نشاطا وعدوانية في الشرق الأوسط بعد الاتفاق على «خطة العمل الشاملة المشتركة»، فإنهم يتوقعون الآن قيام أعمال تهديد إذا عادت الولايات المتحدة وإيران إلى الامتثال وعندما تعودا إليه. وسواء كان ذلك منصفا أم لا، فلا يزال جزء كبير من المنطقة مقتنعاً بأن إدارة أوباما تجاهلت عدوانية إيران خوفا من تعريض تنفيذ الاتفاق للخطر.

 

حلفاء

 

وتنبثق وجهة النظر في المنطقة بشأن إيران من تجربة هؤلاء القادة مع الجمهورية الإسلامية. فبالنسبة إليهم، إن السؤال الجوهري حول إيران، كما عبر عنه هنري كيسنغر ذات مرة، هو ما إذا كانت هذه البلاد دولة أم قضية. والحجة التي تدفع إلى قول هذه الأخيرة قوية وعميقة الجذور: فإيران الثورية تستخدم الخطاب الإسلامي الشيعي المناهض للاستعمار لتبرير اتباعها أجندة قومية توسعية. وبعد فترة وجيزة من الثورة الإيرانية، اتضحت طبيعة إيران واتضح التهديد الذي تشكله إثر إعدام آلاف المعارضين الحقيقيين أو الوهميين للنظام، ودعم الجماعات الإرهابية في أنحاء المنطقة، والتهديدات المتواصلة لوجود إسرائيل، والهجوم المضاد الخطير على العراق في الثمانينيات، والاعتداء على الولايات المتحدة في لبنان عام 1983، وحرب الناقلات مع أمريكا.

توصل البعض في إدارة أوباما إلى الإعتقاد بأن «خطة العمل الشاملة المشتركة» يمكن أن تشير إلى "تغيير نظام" دبلوماسي: أي أنه من خلال اختبار الاحترام والثقة من قبل الغرب، ستعتنق إيران عالم العولمة الأمريكي المصدر.

وإذا كان هذا هو الرهان، فإنه لم يأتِ بأي نتيجة. فمنذ عام 2013، حين بدأت المفاوضات الجادة مع الحكومة الإيرانية، وإلى عام 2018، عندما انسحب ترمب من الاتفاق النووي، لم تعدل إيران سلوكها. وبدلا من ذلك، سرعت عدوانها الإقليمي، مستغلةً عدم الاستقرار الناتج عن "الربيع العربي" فضلاً عن صعود تنظيم «الدولة الإسلامية» بهدف توسيع سلطتها. وبالنسبة للكثيرين في المنطقة، كان الدرس واضحا: ليست هناك طريقة لبناء الثقة مع إيران، لأن الجمهورية الإسلامية لديها أجندة للهيمنة على الشرق الأوسط.

ونظراً لأن إسرائيل متواجدة الآن ضمن نطاق مسؤولية "القيادة المركزية الأمريكية"، إلى جانب باقي منطقة الشرق الأوسط، على إدارة بايدن أن تجمعها مع الشركاء العرب الآخرين للولايات المتحدة لتطوير خيارات والتخطيط لحالات الطوارئ من أجل التعامل مع تهديدات الميليشيات الشيعية. كما يجب على هذه الإدارة أن تشجع أيضا دول الخليج على تقديم دعم أفضل للحكومة العراقية، واستخدام الأصول الأمريكية الجماعية لفعل المزيد لقمع قدرة إيران على تصدير الأسلحة إلى عملائها، ودعم الضربات الإسرائيلية المستمرة ضد المساعي الإيرانية الرامية لبناء بنيتها التحتية العسكرية وتطوير قدرات التوجيه الدقيق لصواريخ سوريا و«حزب الله».

وأثناء إدارة ترمب، استخدمت واشنطن وسائل متباينة في مختلف دول الشرق الأوسط، لكنها طبقت بشكل إجمالي ضغوطاعسكرية واقتصادية ودبلوماسية لعرقلة تقدم إيران. وكانت إجراءاتها مدعومة من قبل تحالف إقليمي تجمع في نهاية المطاف ضمن "اتفاقيات إبراهيم". ولا يعتبر البناء على هذه الاتفاقيات منطقيا فحسب من حيث استخدام التواصل العربي مع إسرائيل من أجل إثارة الخطوات الإسرائيلية نحو السلام مع الفلسطينيين، بل من ناحية تعزيز التحالف المصطف ضد إيران أيضا.

ولتحقيق النجاح، ستحتاج إدارة بايدن إلى العمل مع شركاء عرب وإسرائيليين وأتراك بشأن القضايا الإقليمية الإيرانية، ومواصلة الضغط على كل من طهران وتلك الحكومات التي تميل إلى الانصياع لإيران. ولا تمنع مثل هذه المقاربة اتباع الدبلوماسية، بل على العكس تماماً، يمكنها الترويج لها. وبالفعل، إذا أديرت الأمور بالطريقة الصحيحة، فقد تزيد الولايات المتحدة من مصلحة إيران في الحوار.

وفي نهاية المطاف، إذا كان للمناقشات الإقليمية مع طهران أي فرصة لتخفيف التوترات وتقليل احتمالية الصراع والتصعيد، فيجب أن تولد نوعا من الردع من المنطقة يمنح إيران سببا لتهدئة سلوكها.

 

عمر نجيب

[email protected]