كيف تحرِّرُ المقاومة أنظمة التطبيع من عقدة الوهم والخوف التي تسكنها؟

سبت, 2021-05-15 00:08

أوضح بلاغ صدر يومه الأربعاء الفائت، أن سعد الدين العثماني رئيس الحكومة المغربية، شدَّد خلال اتصال هاتفي تلقاه من رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية ( حماس)، إسماعيل هنية، على رفض المملكة المغربية القاطع لجميع الإجراءات التي تَمَسُّ الوضع القانوني للمسجد الأقصى والقدس الشريف، أو تمس الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، معبرا عن دعم المملكة لجهود المصالحة الفلسطينية.

المهم في البلاغ الصادر عن رئاسة الحكومة المغربية ليس في كونه يتحدث عن رفضٍ مغربي رسمي لجميع الإجراءات التي تَمَسُّ الوضع القانوني للمسجد الأقصى، فهذا الرفض من العثماني لا يسمن ولا يغني من جوع. المهم في البلاغ هو أن رئيس حركة المقاومة الإسلامية حماس هو الذي اتصل هاتفيا برئيس الحكومة المغربية لكي يضعه في صورة ما يجري في الأرض الفلسطينية، بسواعد أبنائها الأبطال، من مقاومة وتصدٍّ للاعتداءات الهمجية التي يقترفها الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني.

إسماعيل هنية بادر واتصل من تلقاء نفسه بسعد الدين العثماني، وهو يعلم أنه هو الذي وقَّع على صفقة التطبيع مع الدولة العبرية المحتلة لفلسطين، مقابل اعتراف أمريكي بمغربية الصحراء، اعتراف بات مشكوكا فيه، ويبدو أن إدارة جون بايدن لم تعد متمسكة به، وأنها في طور مراجعته كما صرّحت بذلك لوسائل الإعلام..

لعلَّ هذا الاتصال الهاتفي من جانب إسماعيل هنية بسعد الدين العثماني يفيد بأن المقاومة الفلسطينية ليست منشغلة بتطبيع المطبعين، وأن تطبيعهم هذا لا يشكل همّا كبيرا بالنسبة لها، وأنها لا تفكر في مقاطعتهم أو التنديد بتصرفاتهم، أو توجيه مجرد اللوم لهم بسببه، المقاومة تتصرف على أن انشغالاتها أكبر بكثير من تصرفاتهم الطائشة والعشوائية، إنها تقارع الاحتلال في الميدان، وأنها تدكُّ تجمعاته الاستيطانية بالصواريخ وبالطائرات المسيرة، وأن الشعب الفلسطيني في أرضه المحتلة سنة 1948 وسنة 1967 يهبُّ كلُّه كرجل واحد ليحقق الإنجازات التي تقوده للانتصار التاريخي على هذا الكيان السرطاني المحتل لأرضه.

الشعب الفلسطيني يدرك أن الأنظمة العربية التي بادرت للتطبيع مع دولة عنصرية تحتل أرض فلسطين، لا تملك هذه الأنظمة حريتها الفعلية، وليست سيدة قرارتها، وأنها مغلوبة على أمرها، ما دامت ترضخ للضغط والابتزاز الممارسين عليها من طرف أمريكا وربيبتها إسرائيل، وتستسلم لهذا الابتزاز، ومن الطبيعي ألا ينتظر الشعب الفلسطيني شيئا ما، من طرف سلطات لا تتمتع بسيادتها الحقيقية. وحين تتحاشى المقاومة الفلسطينية توجيه النقد الصريح لهذه الأنظمة، فإنها تقوم بذلك من باب الإشفاق عليها، وحين تتصل قيادة المقاومة بالذين طبّعوا مع الكيان الصهيوني، فإنها تتكرَّم عليهم بهذا الاتصال، وكأنها أكبر من أن تؤاخذهم على طعنها من الخلف.

ولاشك في أن الذي يشفع للمقاومة الفلسطينية الاتصال بالأنظمة المطبعة، وتحاشي مقاطعتها، والتشهير بتطبيعها، هو إدراك المقاومة أن الشعوب العربية كلها إلى جانب المقاومة وتساندها، ومستعدة لحمل السلاح للدفاع عن فلسطين فيما لو أتيحت الفرصة لها، وفُتحت الحدود أمامها. فمن منطلق الاحترام والتقدير اللذان تكنهما المقاومة للشعوب العربية، تتجنب الدخول في السجال أو المماحكة مع أنظمة التطبيع، وتترك الأمر للشعوب العربية لكي تناهض التطبيع من داخل بلدانها.

تدرك المقاومة أن أي نقد، أو مجرد عتاب صغير قد يصدر عن قيادة المقاومة تجاه المطبعين، وأي إجراء قد تتخذه المقاومة كردّ على خطوات التطبيع، سيتم استغلاله أبشع استغلال من طرف أنظمة التطبيع للتحريض على المقاومة وعلى الشعب الفلسطيني برمته، ولتصوير ردها وكأنه اعتداء على حرمة الأوطان، وستتحرك الدعاية السوداء للتركيز على ما صدر عنِ المقاومة من ردِّ فعلٍ، لدفع الرأي العام لنسيان فعل التطبيع والقفز عليه، وكأنه ليس هو مبعث ردَّ المقاومة ونقدها للأنظمة المطبعة..

المقاومة الفلسطينية في مقارعتها للمحتل الصهيوني ومن ورائه أمريكا والغرب، وفي مواجهتها الأسطورية لآلته العسكرية الفتاكة، وفي قدرتها على استيعاب كل اعتداءاته والتصدي لها، وتحدّيه وتوجيه الضربات القاسمة إليه، وتحقيق الانتصارات عليه، لا تُنجزُ المقاومة الفلسطينية بذلك النصر للشعب الفلسطيني بمفرده، إنها تعيد هذا الكيان الغاصب الذي أرعب معظم الأنظمة العربية الحاكمة ودفعها للخوف منه والتودد إليه، والنظر إليه كأنه قدر مقدر وبإمكانه أن ينجز لها كل ما تريده، تعيده إلى حجمه الطبيعي ككيان، هشٍّ، وقابل للانكسار وللهزيمة، وتوضِّحُ للعالم بأسره أنه عاجزٌ عن توفير الحماية حتى لنفسه أمام غزة المحاصرة من كل الجهات..

في صمودها الرائع، وفي التضحيات الجسام التي تنثرها في أرضها الطاهرة، تُحرِّرُ المقاومة الفلسطينية الباسلة الأنظمة المطبعة من عقدة الوهم والخوف التي تسكنها من هذا الكيان الكارطوني، وتتيح لها إمكانية استرداد حريتها المبتورة، وسيادتها المفتقدة، والتخلص من المراهنة عليه.. واضحٌ أن هذا هو المسار الذي تمضي فيه المقاومة، إنها منشغلة بضرب رأس الأفعى، ولا وقت لديها للالتفات لذنبها، ومفهومٌ لماذا تقف كل الشعوب العربية مساندة للمقاومة ومقدرة لتضحياتها، ومتلهفة لمشروعها التحرري..

عبدالسلام بنعيسي كاتب مغربي