الاتفاق النووي بين ايران والغرب في عيون الشعوب العربية

ثلاثاء, 2015-07-14 14:41

العرب المنقسمون حول الموقف من الجارة ايران التفتوا الى ما يجري في فيينا,  الغرب وعلى راسهم الولايات المتحدة يجلسون مع ايران بعد عقد من التهديد بالعدوان عليها وتدمير برنامجها النووي الطموح ، ويصنعون معها تفاصيل اتفاق يراعي المصالح الايرانية وحقها في امتلاك برنامج نووي للاغراض السلمية وحقها في ان تكون دولة تستفيد من الطاقة النووية لخدمة شعبها ومصالحها الحيوية ، القاسم المشترك بين المنتقدين لايران والمعتبرين انها تتدخل في الدول العربية لمد نفوذها اليها ،  ومن ينظرون اليها على انها نصير للقضايا العربية في وجه العدو الاول للعرب وهي اسرائيل. القاسم المشترك هو ان العرب المتابعين للمفاوضات يجرون مقارنة في اذاهانهم لتعامل الغرب مع حكوماتهم وقادتهم ، وكيف يتم تجاهل مصالح العرب منذ اكثر من نصف قرن ، وكيف تجاهل الغرب مبادرتهم المشتركة للسلام التي لا تزال على الطاولة منذ سبعة عشر عاما ، دون ان يجلس في الطرف المقابل ايا من هذه القوى لمناقشتها بجدية مع العرب ، رغم انها تقدم اعترافا باسرائيل والوصول الى حالة سلام معها مقابل انسحاب اسرائيل من الاراضي التي احتلتها عام 67. بالمقابل فان هذه القوى العظمى اصبغت حالة من الاحترام لرغبات ايران ، وقدرة حكومتها في الدفاع عن المصالح العليا للامة الايرانية . وتداعى وزراء خارجية اقطاب العالم الى فيينا لابرام اتفاق معها.

يتسلح المنتقدون لايران من ابناء جلدتنا  بالقول .. اين شعارات الشيطان الاكبر( في اشارة الى الولايات المتحدة) التي رفعتها ايران الثورة ، وهي الان تجلس مع الشيطان على ذات الطاولة لابرام اتفاق. وينسى هؤلاء ان حكوماتهم جعلت من الشيطان الاكبر حاميا لهم ومدافعا عنهم ، ومرشدا لهم في سياساتهم، وان هذه الحكومات العربية توسلت الى الشيطان الاكبر لقصف سوريا وتدميرها ..ولم ينجح هذا التوسل مما اثار غضب تلك القيادات العربية بعد ان استجاب لهم الشيطان الاكبر في قصف ليبيا، وقبل ذلك في احتلال العراق. فهل نعيب على ايران انها جلست مع الشيطان الاكبر من اجل الحفاظ على مصالحها وتعزيز قدراتها واستعادة ملياراتها المجمدة ، بينما نحن جالسون في حضن الشيطان. وهل كان المنتقدون يعاضدون ايران الثورة ويقفون خلفها عندما كانت الولايات المتحدة واسرائيل تهددانها ليل نهار بهجوم عسكري مباغت، ام كانوا يفركون ايديهم فرحا وحماسا بانتظار تدمير هذه القوة الاسلامية الصاعدة.

ينظر اخرون من العرب الى الاتفاق مع ايران بأمل ان ينكعس هذا الاتفاق على النزاع في عموم المنطقة، ويأملون انه بمجرد حصول هذا التوافق فان حالة من التفاهمات سوف تسود ، وبالتالي قد يهدأ صوت الرصاص على الجبهات المشتعلة من اليمن الى سوريا، والاهم هي حالة الاحتقان الطائفي والمذهبي وحالة الاستقطاب التي نتجت عن هذا الشحن والتي اصبحت مثل الوباء المنتشر في مجتمعاتنا العربية.

وهذه النظرة التي تحمل الامل قد تكون محقة ولكن زوال حالة الشد والتوتر والاحتقان في المنطقة يحتاج الى تجاوب من الطرف الاخر وهو الطرف العربي ، فلا يستطيع اي اتفاق بين ايران والغرب او اي رغبة ايرانية في التهدئة  بان تصنع حالة هدوء دون ان تكون هناك رغبة عربية من الدول التي يضخ اعلامها الممول بالمليارات الكراهية ، وتوقف تلك الدول تسويق ايران العدو الاول للعرب وانها اخطر على العرب من اسرائيل. وان تجلس تلك الحكومات مع الجارة ايران بشجاعة وتطرح على طاولة التفاوض مصالح العرب والشعوب العربية، بعيدا عن الاحقاد الشخصية والمصالح الضيقة ، والاخذ بالاعتبار حقيقة مهمة وهي ان ايران جارة كبرى ولا يمكن ان يقتلعها العرب من الجغرافية وينقلونها الى قارة اخرى.

اما نظرة المتحمسين من العرب لايران فتنقسم بين من ينظرون الى الاتفاق  كبداية مرحلة جديدة ستكون فيها ايران اقوى مما مضى وانها ستكون قادرة على مواجهة خصومها باكثر فعالية وانها حققت نصرا مؤزرا يضع القوى المعادية لها في المنطقة في زاوية ضيقة. وبين من يستشرف مسارات الدبلوماسية الايرانية المقبلة، وماالذي سوف تقدم عليه ايران في مرحلة ما بعد الاتفاق.

الراي الاول قد يكون مفرطا في التفاؤل، فايران لاشك انها حققت نصرا مؤزرا, ولكن هذا النصر لدبلوماستها ولمستقبل شعبها ، اما النصر على الخصوم في المنطقة فهذا يحتاج الى نقاش، لانه بداية لابد من الاخذ بعين الاعتبار الزمن الذي لن يكون قصيرا حتى تقطف ايران ثمار هذا الاتفاق على الصعيد الاقتصادي والسياسي. والاتفاق لا يعني اتفاقية سلام دائم مع كل الغرب الذي لا تزال فيه تيارات واحزاب وقوى وشخصيات تناصب العداء لايران وتنظر بعدم رضا لهذا التوافق على برنامجها النووي، واللوبي الصهيوني سوف يستنفر لحشد هذه القوى وتفعيلها. والاخطر من كل هذا هو ان يدفع هذا الاتفاق الى تحالف اكثر وضوحا بين بعض الدول العربية واسرائيل ضد ايران.وبهذا سوف تدفع الشعوب العربية والعشب الفلسطيني ثمناً باهظاً وليس ايران.

اما الراي الثاني المؤيد ايضا لايران  يبدو اكثر واقعية  ويراهن اصحاب هذه النظرة على الحكمة الايرانية والصبر الايراني لاحداث المزيد من التفاهمات الهادئة التي تحافظ على التحالفات الايرانية مع تقويتها وبنفس الوقت تضع هذه التحالفات في ضوء المشروعية الدولية تحت عنوان محاربة  التطرف والجماعات المتطرفة، وايجاد توازن هادئ بين ما تريده ايران في الاقليم وبين مصالح الاطراف الاخرى.

ربما هذه هي العيون العربية باختلافها في نظرتها الى الاتفاق النووي بين ايران والغرب ، لكن مقولة ((اين نحن العرب)) هي ما تجمع عليه كل هذه الاراء المتناقضة، والحقيقة الثابتة بالنسبة لي ككاتب مطلع على الشأن الايراني بحكم اقامتي في هذا البلد لسنوات، هي اننا كعرب حتى اليوم لم نفهم ايران ، ولهذا لم نحسن التعامل معها، ومقولات نسمعها يوميا من نخب عربية كتلك التي تصف ايران بالمجوسية او الفارسية او الشيعية كلها مقولات ساذجه لا يرددها الا جاهل لحقيقة ايران .

كمال خلف