جائحة كوفيد تسرع وتيرة تبديل النظام العالمي... لمن التفوق... النظام الرأسمالي الأمريكي أم النموذج الصيني المختلط؟

ثلاثاء, 2020-11-17 02:11

يوم 30 يناير 2020 أعلنت منظمة الصحة العالمية رسميا أن تفشي فيروس كوفيد 19 يشكل حالة طوارئ صحية عامة تبعث على القلق الدولي، وبعد أقل من شهر ونصف ويوم 13 مارس أكدت تحول الأمر إلى جائحة عالمية.
بعد زهاء 11 شهرا على الاعلان الأول لمنظمة الصحة تظل الأوضاع شديدة الاضطراب تقريبا في كل ارجاء المعمور خاصة أن لا احد يستطيع الجزم بما يحمله المستقبل من تبعات للجائحة سواء صحيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا أو سياسيا.
الأمر المرجح ولكن في نفس الوقت ليس المسلم به هو أن عالم ما بعد كوفيد 19 أو كورونا سيكون مختلفا عما قبله في الكثير من الجوانب الاساسية.
سبب الوباء أضرارا اجتماعية واقتصادية عالمية بالغة واسفر عن ضم مئات الملايين من البشر إلى طابور البطالة والفقراء، وتضمن أضخم ركود اقتصادي عالمي منذ الكساد الكبير لسنة 1929، بالإضافة إلى تأجيل الأحداث الرياضية والدينية والسياسية والثقافية أو إلغائها، ونقص كبير في الإمدادات والمعدات تفاقم نتيجة حدوث حالة من هلع الشراء، وانخفاض انبعاثات الملوثات والغازات الدفيئة. أُغلقت المدارس والجامعات والكليات على الصعيدين الوطني أو المحلي في أكثر من 194 دولة، ما أثر على نحو 73.5 في المئة من الطلاب في العالم. انتشرت المعلومات الخاطئة حول الفيروس على الإنترنت، وظهرت حالات من رهاب الأجانب والتمييز العنصري ضد الصينيين وأولئك الذين ينظر إليهم على أنهم صينيون، أو ينتمون إلى مناطق ذات معدلات إصابة عالية.
توقع عدد من الخبراء في المجالات السياسية والاقتصادية أن تسفر الجائحة عن تحولات في التوازنات العالمية، وذهب البعض من هؤلاء إلى توقع انهيار أنظمة سياسية ودول، وإعادة تشكيل النظام العالمي الذي كان يشهد قبل الوباء صراعا لإعادة التعددية القطبية بدل نظام الاحادية الذي فرضته الولايات المتحدة الأمريكية في تسعينيات القرن العشرين بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
هشاشة الاقتصاد العالمي
دانا فوريسك الخبيرة الاقتصادية في مجموعة آفاق اقتصاديات التنمية تقول:
وجهت جائحة فيروس كورونا ضربة موجعة إلى اقتصاد عالمي يعاني بالفعل من الهشاشة. ومع أن النطاق الكامل للآثار البشرية والاقتصادية للجائحة لن يتضح قبل مرور بعض الوقت، فإن الخسائر في هذين المجالين ستكون كبيرة. وتجعل مواطن الضعف القائمة بالفعل على صعيد الاقتصاد الكلي بلدان الأسواق الصاعدة والبلدان النامية عرضة لاضطرابات اقتصادية ومالية، وقد يحد هذا من قدرة وفعالية المساندة على صعيد السياسات في وقت تشتد فيه الحاجة إليه. وحتى مع وجود مساندة السياسات، فمن المتوقع أن تكون التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا طويلة الأمد.
في الأمد القصير، ستكون اقتصادات الأسواق الصاعدة والبلدان النامية، على الأرجح الأشد تضررا، خاصة تلك التي تعاني ضعف أنظمتها الصحية، أو تعتمد اعتمادا كبيرا على التجارة غير المدعومة صناعيا أو السياحة أو تحويلات المغتربين من الخارج، أو تعتمد على صادرات السلع الأولية، أو التي تعاني من مواطن ضعف مالية. وفي المتوسط، تشهد اقتصادات الأسواق الصاعدة والبلدان النامية ارتفاع مستويات ديونها عما كانت عليه قبل الأزمة المالية العالمية، وهو ما يجعلها أكثر عرضة للضغوط المالية.
تخلف حالات الركود الحاد تداعيات مستديمة على الناتج المحتمل من خلال تقليص معدلات الاستثمار والابتكار، وتآكل رأس المال البشري للعاطلين، والانسحاب من دائرة التجارة العالمية، وانقطاع الصلة بسلاسل التوريد. وستكون الأضرار الطويلة الأجل لجائحة كورونا شديدة للغاية في الاقتصادات التي تعاني أزمات مالية، وفي البلدان المصدرة لمنتجات الطاقة بسبب انهيار أسعار النفط. وفي المتوسط في فئة اقتصادات الأسواق الصاعدة والبلدان النامية، على مدى خمس سنوات، قد يؤدي كساد تصاحبه أزمة مالية إلى انخفاض الناتج المحتمل نحو 8 في المئة، أما في البلدان المصدرة للطاقة من بين هذه الفئة، ففي المتوسط قد يؤدي كساد يصاحبه انهيار أسعار النفط إلى انخفاض الناتج المحتمل بنسبة 11 في المئة.
توقعات لم تتحقق
عندما بدأت الجائحة تحصد الأرواح في الصين نهاية سنة 2019 توقع عدد من مستشاري مجلس الأمن القومي الامريكي انتشارها محليا هناك بوتيرة مخيفة، وذكروا بناء على دراسات لمراكز بحث، أن بكين ستواجه مشاكل متصاعدة على كل الأصعدة وذهب البعض منهم حسب مصادر رصد المانية إلى توقع انكماش كارثي للاقتصاد الصيني واضطرابات اجتماعية وبالتالي توفير دعم اضافي للحرب التجارية والسياسية التي تشنها إدارة الرئيس الأمريكي ترمب ضد بكين.
يوم 23 فبراير 2020 أفاد تقرير لوكالة بلومبيرغ بأن ملايين الشركات الصينية باتت مهددة بالانهيار، في ظل الإجراءات التي اتخذتها السلطات الصينية للحد من انتشار وباء كورونا الذي وصل عدد المصابين به حتى ذلك التاريخ إلى حوالي 75 ألف شخص.
وقالت الوكالة إن ملايين الشركات في مختلف أنحاء الصين تكافح من أجل البقاء، في ظل تراجع احتياطاتها النقدية ورفض البنوك تمديد المواعيد النهائية لتسديد ديونها المستحقة خلال الأشهر القليلة المقبلة والتي تقدر بالمليارات.
وأظهرت دراسة أجريت شهر فبراير على عدد من الشركات الصينية الصغيرة والمتوسطة الحجم أن ثلث الشركات التي شملتها الدراسة تملك سيولة نقدية تغطي نفقاتها الثابتة لمدة شهر واحد فقط، فيما ستنفد السيولة النقدية لدى الثلث الآخر في غضون شهرين.
وأفاد التقرير إنه بالرغم من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الصينية لدعم الشركات والتي شملت خفض أسعار الفائدة وإصدار أوامر للبنوك بزيادة القروض وتخفيف المعايير المتعلقة بها لتمكين الشركات من استعادة نشاطها، فإن أصحاب العديد من الشركات الخاصة أعربوا عن عدم تمكنهم من الحصول على التمويل اللازم للوفاء بالديون المستحقة ودفع رواتب الموظفين.
لاري كودلو المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض الذي قدر أن الاقتصاد الصيني مهدد بالانهيار، قال خلال شهر فبراير 2020 إن "ازدهار الصادرات" المنتظر بعد الاتفاق التجاري بين الولايات المتحدة والصين سيتأخر بسبب تفشي فيروس كورونا المتحور الجديد، مع وصول عدد حالات الإصابة بالفيروس في الصين إلى أكثر من 20600 حالة مقابل 17 ألف حالة في اليوم السابق.
ولفت إلى أن إغلاق المصانع في الصين وتعليق حركة الملاحة الجوية لتفادي انتشار الوباء يمكن أن يولدا "عقدة في شبكة التموين" مع ارتفاع الأسعار وتكبد الشركات خسائر فائقة.
خبراء من شركة "أولير هيرميز" خلصوا إلى أن "الوباء وعامل الخوف سيؤثران على نفقات الاستهلاك". وفي عام 2019، أسهم الاستهلاك الخاص بنصف نسبة النمو في الصين، أي ضعفي ما كان عليه عند انتشار متلازمة السارس في 2002-2003.
كما ذكر محللون من "غولدمان ساكس" أن "الأثر الاقتصادي للفيروس قد يكون أقوى" من أثر فيروس السارس. وخفضوا توقعهم لنمو الاقتصاد الصيني إلى 4 في المئة، مقابل 5.6 في المئة في توقعات سابقة للربع الأول من العام.
الصين تتقدم
خلال الثلث الثاني من سنة 2020 انهارت كل تلك التوقعات عن الصين وانتقل العالم إلى مرحلة تحولات أوسع.
يوم الخميس 15 اكتوبر 2020 ذكرت وكالة "بلومبيرغ" للأنباء، أن جائحة فيروس كورونا المستجد ستؤدي إلى تحول دائم في نمو الاقتصاد العالمي، بما يدفع الصين إلى المقدمة بصورة أكبر، وفقا لـ"الألمانية".
ومن المتوقع أن تزيد مساهمة الصين في إجمالي النمو الاقتصادي للعالم من 26.8 في المائة خلال العام 2021 إلى 27.7 في المائة خلال 2025، بحسب تقديرات "بلومبيرغ" استنادا إلى بيانات صندوق النقد الدولي.
وأشارت الوكالة إلى أن المساهمة الصينية في النمو العالمي خلال عام 2021، تزيد بمقدار 15 نقطة مئوية عن المساهمة الأمريكية وتزيد في 2025 بـ17 نقطة مئوية.
في الوقت نفسه، ستنضم الهند وألمانيا وإندونيسيا إلى قائمة الدول الخمس الأكبر مساهمة في النمو العالمي خلال عام 2021، ويتوقع صندوق النقد حاليا انكماش الاقتصاد العالمي 4.4 في المائة خلال عام 2020 وهو ما يقل عن معدل الانكماش، الذي كان الصندوق يتوقعه في يونيو الماضي وكان 4.9 في المائة من إجمالي الناتج المحلي.
ويتوقع صندوق النقد نمو الاقتصاد العالمي خلال عام 2021 بمعدل 5.2 في المائة، في حين يتوقع نمو الاقتصاد الصيني في عام 2021 بمعدل 8.2 في المائة بما يقل بمقدار نقطة مئوية كاملة عن المعدل المتوقع في أبريل 2020.
وعلى الرغم من ذلك، فإن النمو الصيني المتوقع قوي بما يكفي لكي يمثل أكثر من ربع إجمالي نمو الاقتصاد العالمي. في المقابل من المتوقع نمو الاقتصاد الأمريكي خلال عام 2021 بمعدل 3.1 في المائة بما يمثل 11.6 في المائة من إجمالي النمو العالمي المتوقع في عام 2021.
وقال جوليان إيفانز بريتشارد الخبير في الاقتصاد الصيني لدى "كابيتال إيكونوميكس" "بالنظر إلى التقلبات في أسعار الأغذية، واصل تأثير معاكسة التضخم الأوسع الناجم عن كوفيد - 19 تراجعه".
وأشار إلى أن تضخم أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية، التي تستثني الأغذية وأسعار الوقود، ازداد 0.2 في المائة عن الشهر السابق، "في أسرع وتيرة منذ تفشي كوفيد - 19".
وتوقع صندوق النقد الدولي خلال شهر اكتوبر 2020 بأن تكون الصين القوة الاقتصادية الرئيسة الوحيدة، التي تحقق نموا العام الجاري في ظل تعافيها من تداعيات فيروس كورونا المستجد.
اكبر اتفاق عالمي للتجارة الحرة
يوم الاحد 15 نوفمبر 2020 وقعت 15 دولة من منطقة آسيا والمحيط الهادئ أكبر اتفاق للتجارة الحرة على مستوى العالم، في خطوة ضخمة للصين باتجاه تعزيز نفوذها، وفقا لـ"الفرنسية".
ويضم اتفاق "الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة" عشر دول في جنوب شرق آسيا إلى جانب الصين واليابان وكوريا الجنوبية ونيوزيلندا وأستراليا، وتساهم الدول المنضوية فيه لنحو 30 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي العالمي.
وتم توقيع الاتفاق، الذي عرض أول مرة في 2012، في ختام قمة لقادة دول جنوب شرق آسيا الساعين لإنعاش اقتصاداتهم المتضررة جراء كوفيد 19. وقال لي كه تشيانغ رئيس الوزراء الصيني بعد مراسم التوقيع الافتراضية "في ظل الظروف العالمية الحالية، يوفر التوقيع على اتفاق الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة بصيص نور وأمل".
وأضاف "يظهر بوضوح أن التعددية هي الطريق الأمثل ويمثل الاتجاه الصحيح لتقدم الاقتصاد العالمي والبشرية، وأن اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة "آر.سي.أي.بي" هو انتصار للاقتصاد العالمي.
وأشار لي في كلمته في القمة "التوقيع على الشراكة ليس فقط إنجازا بارزا للتعاون الإقليمي لشرق آسيا، لكن أيضا انتصارا للتجارة الحرة متعددة الأطراف".
وطبقا لتوقعات صادرة عن معهد "بيترسون" للاقتصادات الدولية ومقره الولايات المتحدة، فإن من المتوقع أن تكون الصين من المستفيدين الرئيسين من اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، بمكاسب محتملة تصل إلى 85 مليار دولار لناتجها المحلي الإجمالي.
ولا يشمل الاتفاق، الذي ينص على خفض الرسوم الجمركية، وفتح تجارة الخدمات ضمن التكتل الولايات المتحدة ويعد بديلا تقوده الصين لمبادرة واشنطن التجارية، التي لم تعد مطبقة حاليا.
وقال خبير التجارة لدى كلية الأعمال التابعة لجامعة سنغافورة الوطنية ألكساندر كابري إن الاتفاق "يرسخ طموحات الصين الجيوسياسية الإقليمية الأوسع حيال مبادرة الحزام والطريق"، في إشارة إلى مشروع بكين الاستثماري الهادف إلى توسيع نفوذ الصين عالميا. وأضاف "إنه عنصر تكميلي نوعا ما".
لكن عديدا من الدول الموقعة على الاتفاق تواجه تفشيا واسعا لفيروس كورونا المستجد وتأمل في أن يساهم اتفاق الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة في التخفيف من وطأة التكلفة الاقتصادية الكبيرة للوباء.
وتعرضت إندونيسيا أخيرا لأول ركود تشهده منذ عقدين، بينما انكمش الاقتصاد الفلبيني 11.5 في المائة في الفصل الماضي، مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2019.
وذكرت ديبورا إيلمز المديرة التنفيذية للمركز التجاري الآسيوي، وهو معهد استشارات مقره سنغافورة، "ذكر كوفيد المنطقة بالسبب الذي يجعل من التجارة أمرا مهما فيما الحكومات متحمسة أكثر من أي وقت مضى لتحقيق نمو اقتصادي إيجابي". وتابعت أنه في إمكان الاتفاق "أن يساهم في تحقيق ذلك".
وانسحبت الهند بتشجيع من واشنطن من الاتفاق عام 2019 جراء قلقها حيال المنتجات الصينية زهيدة الثمن التي سيفسح المجال لدخولها إلى البلاد، وكانت الغائب الأبرز خلال مراسم التوقيع الافتراضية يوم الاحد، لكن لا يزال في إمكانها الانضمام إلى الاتفاق في موعد لاحق، إذ اختارت ذلك. وحتى دون مشاركة الهند، يشمل الاتفاق 2.1 مليار نسمة.
ومن شأن الاتفاق أن يخفض التكاليف ويسهل الأمور على الشركات عبر السماح لها بتصدير المنتجات إلى أي بلد ضمن التكتل دون الحاجة للإيفاء بالمتطلبات المنفصلة لكل دولة، ويتطرق إلى الملكية الفكرية، لكنه لا يشمل حماية البيئة وحقوق العمال. 
كما ينظر إلى الاتفاق على أنه وسيلة للصين لوضع قواعد التجارة في المنطقة، بعد أعوام من تراجع دور الولايات المتحدة فيها خلال عهد الرئيس دونالد ترمب، الذي شهد انسحاب واشنطن من اتفاق تجاري تابع لها هو "اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ".
وعلى الرغم من أنه سيكون في إمكان الشركات الأمريكية متعددة الجنسيات الاستفادة من اتفاق الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة عبر فروعها في عدد من الدول المنضوية فيه، إلا أن المحللين يشيرون إلى أن الاتفاق قد يدفع الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن لإعادة النظر في انخراط واشنطن في المنطقة.
وأفاد كبير خبراء اقتصاد منطقة آسيا والمحيط الهادئ لدى "آي إتش إس ماركيت" راجيف بيزواس أنه من شأن ذلك أن يدفع الولايات المتحدة للنظر في الميزات المحتملة للانضمام إلى اتفاق الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة.
وأضاف "لكن لا يتوقع أن تمنح هذه المسألة أولوية، نظرا لردود الفعل السلبية الواسعة على مفاوضات اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ من قبل فئات عديدة من الناخبين الأمريكيين جراء المخاوف المرتبطة بخسارة الوظائف لمصلحة دول آسيوية".
ووسط تساؤلات عن مدى اهتمام الولايات المتحدة بآسيا، قد تعزز الشراكة وضع الصين كشريك اقتصادي لجنوب شرق آسيا واليابان وكوريا، إذ تضع ثاني أكبر اقتصاد في العالم في مكانة أفضل لصياغة قواعد التجارة في المنطقة.
غياب الولايات المتحدة عن اتفاق الشراكة الاقتصادية الشاملة وعن المجموعة التي حلت محل الشراكة عبر الأطلسي، التي قادها أوباما يستثني أكبر اقتصاد في العالم من مجموعتين تجاريتين تغطيان أسرع المناطق نموا على وجه الأرض.
في المقابل، يساعد اتفاق الشراكة الاقتصادية بكين على تقليص الاعتماد على أسواق وتكنولوجيا الخارج، بحسب إريس بانغ، كبيرة اقتصادي "آي.ان.جي" لشؤون الصين، التي تضيف أن الخلافات المتزايدة مع واشنطن عجلت بهذا التحول.
بدوره ذكر محيي الدين ياسين، رئيس وزراء ماليزيا، أن اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة "أر سي إي بي" تعد في غاية الأهمية، فيما يتعلق باستجابة رابطة دول جنوب شرق آسيا "آسيان" لوباء فيروس كورونا. وأضاف ياسين في تصريحات له أنه واثق من أنه يمكن استغلال الاتفاقية كإحدى أدوات الانتعاش الاقتصادي، ويعتقد أن تنفيذ الاتفاقية سيشجع على إعادة فتح الأسواق ويضمن استمرار سلسلة الإمداد. وتابع "يواجه العالم حاليا وباء مرض كوفيد 19 على نطاق غير مسبوق، وأشار إلى أن "الوباء لا يقتل فحسب أرواح شعبنا، لكن يضرب اقتصادنا".
وذكر ياسين خلال التوقيع على الاتفاقية: إضافة إلى التحديات لنظام التجارة العالمي بسبب التوترات الإقليمية، من الضروري أن يواصل "آسيان" الحفاظ على قدرتنا التنافسية كمنطقة، مشيرا إلى أن اتفاقيات التجارة الحرة هي السبيل للمضي قدما للمساعدة في الحفاظ على القدرة التنافسية من خلال تعزيز التجارة الدولية وتشجيع الاستثمارات وضمان توريد المواهب.
ذكر لي هسين لونغ رئيس وزراء سنغافورة، "أننا وقعنا على اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، بعد جهود شاقة استمرت ثمانية أعوام، وستكون أكبر اتفاقية للتجارة الحرة في العالم".
وأضاف "إنها خطوة كبرى إلى الأمام في منطقتنا في وقت تفقد فيه التعددية أرضيتها ويتباطأ النمو العالمي". وذكر "تظهر اتفاقية الشراكة دعم الدول الآسيوية لسلاسل إمداد مفتوحة ومتصلة وتجارة حرة وترابط أوثق".
القوة النسبية الأمريكية تواجه التحديات
جاء في تحليل نشرته صحيفة الاقتصادية يوم الاحد 15 نوفمبر 2020: يعتقد راي داليو الملياردير، الذي أسس صندوق التحوط "بريدج ووتر أسوشيتس" أن الأسواق العالمية في "لحظة خاصة للغاية"، حيث إن الصين في صعود والقوة النسبية الأمريكية تواجه تحديات، وفقا لـ"الألمانية".
وقال داليو في مقطع مصور موجه إلى قمة كايشين، إن تطور الصين يجعل البلاد أكثر تنافسية في جذب رؤوس الأموال العالمية، وبالتالي هناك التطور السريع لأسواق رؤوس الأموال الصينية وفتح أسواق أمام المستثمرين الأجانب وجاذبيتها النسبية لهم وقلة عدد المستثمرين الأجانب في هذه الأسواق.
وتابع "هذا يحدث في وقت بدأت تصبح فيه المقومات والأساسيات الأمريكية والدولار الأمريكي أكثر تحديا، ما يجعل للصين مكانا تنافسيا نسبيا لنقل رأس المال"، بحسب ما نقلته وكالة "بلومبيرغ" للأنباء.
وتعزز تعليقات داليو تصريحات أدلى بها أخيرا قال فيها إنه يرى الحاجة إلى استغلال "جزء كبير" من ملف بريدج ووتر في الأصول الصينية. وتأتي وجهة نظره من تحليل التاريخ وأكثر من 50 عاما من الخبرة كمستثمر كبير يحب "المراهنة على ما أعتقد أنه سيحدث"، على حد قوله.
وفي حين أن تطوير الصين لعملة احتياطية ولأسواقها المالية تسبب فيه تأخير أوجه أخرى من اقتصادها على مدار العقود القليلة الماضية، فستلحق بالركب حتما، حسبما قال داليو، مستشهدا باسم الدولة في التجارة العالمية وبحجم اقتصادها.
وذكرت وكالة "بلومبيرغ" للأنباء في وقت سابق، أن جائحة فيروس كورونا المستجد ستؤدي إلى تحول دائم في نمو الاقتصاد العالمي، بما يدفع الصين إلى المقدمة بصورة أكبر.
ومن المتوقع أن تزيد مساهمة الصين في إجمالي النمو الاقتصادي للعالم من 26.8 في المائة، خلال عام 2021 إلى 27.7 في المائة، خلال 2025، بحسب تقديرات "بلومبيرغ" استنادا إلى بيانات صندوق النقد الدولي.
وأشارت الوكالة إلى أن المساهمة الصينية في النمو العالمي خلال العام المقبل، تزيد بمقدار 15 نقطة مئوية عن المساهمة الأمريكية وتزيد عام 2025 بمقدار 17 نقطة مئوية.
ومن جهة أخرى، قالت اللجنة الوطنية للصحة في الصين يوم الاحد 15 نوفمبر، إن البر الرئيس سجل 18 إصابة جديدة بفيروس كورونا يوم الجمعة، ارتفاعا من ثماني حالات في اليوم السابق. وأضافت اللجنة في بيان أن جميع الحالات الجديدة لقادمين من الخارج.
وذكرت أنها سجلت عشر إصابات جديدة بلا أعراض، نزولا من 15 في اليوم السابق، وبلغ العدد الإجمالي للإصابات المؤكدة في البر الرئيس بفيروس كورونا 86325 حالة، بينما لا يزال عدد الوفيات دون تغيير عند 4634.
وتسجل الإصابات الجديدة بفيروس كورونا المستجد في الولايات المتحدة أرقاما قياسية يوما بعد آخر في الوقت الراهن. وأفادت البيانات، التي جمعتها جامعة جونز هوبكنز الأمريكية صباح السبت 14 نوفمبر بأن عدد الإصابات الجديدة وصل إلى 184 ألفا والوفيات إلى 514 حالة خلال الساعات الـ24 الماضية، في أعلى حصيلة يومية منذ بدء الجائحة.
وتشير بيانات جامعة جونز هوبكنز إلى إن إجمالي عدد الإصابات بكورونا وصل في الولايات المتحدة، التي يبلغ تعداد سكانها نحو 330 مليون نسمة، إلى نحو 10.7 مليون حالة منذ بدء الجائحة، فيما وصل عدد الوفيات بمرض كوفيد - 19، الناجم عن الفيروس، أكثر من 244 ألفا و300، وهي أعلى حصيلة وفيات كورونا في العالم.
ويقوم الموقع الإلكتروني للجامعة الأمريكية المرموقة بتحديث بياناته بانتظام، ومن ثم، فإن الأعداد المذكورة فيه تفوق الأعداد الرسمية الصادرة عن منظمة الصحة العالمية، وفي بعض الأحيان يصحح الموقع الأعداد بما في ذلك أعداد الإصابات الجديدة في غضون 24 ساعة.
الحرب التجارية
يوم الأربعاء 11 نوفمبر 2020 جاء في تحليل كتبه جون بلندر ونشرته صحيفة "فاينانشال تايمز":
المفارقة مذهلة. بينما كان دونالد ترمب وجو بايدن منشغلين بمهاجمة بكين في الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية، شهد الاقتصاد الصيني انتعاشا قويا. في خضم جائحة فيروس كورونا، تبرز الصين محركا للنمو العالمي. 
من المنتظر أن يظهر اقتصاد الصين الكبير وحده تقدما إيجابيا هذا العام، إذ يتوقع صندوق النقد الدولي نموه 1.9 في المائة، يلي ذلك نمو يبلغ 8.2 في المائة في 2021. لكن استمرار الخلاف التجاري بين أكبر اقتصادين في العالم يعني أن الولايات المتحدة لن تستفيد من هذا التوسع كما حدث من المضخة النقدية الضخمة التي شغلتها الصين بعد الأزمة المالية العالمية 2007 و 2008.
تشاد باون، من معهد بيترسون للاقتصاد الدولي مقره واشنطن، أشار إلى أن واردات الصين من الولايات المتحدة من السلع المشمولة باتفاق يناير التجاري فشلت في اللحاق بمستويات ما قبل الحرب التجارية، إذ انخفضت 16 في المائة عن النقطة نفسها في 2017. في المقابل، ارتفعت الواردات الصينية من السلع المماثلة من بقية العالم بنسبة 20 في المائة خلال الفترة نفسها.
في الوقت ذاته، قال باون إن التزام الصين بشراء 200 مليار دولار إضافية من السلع والخدمات الأمريكية الصنع بموجب الصفقة "التاريخية" التي أعلنها الرئيس ترمب، انخفض كثيرا ولم يتجاوز 53 في المائة فقط من هدف الشراء المتوقع في نهاية سبتمبر.
ربما يأتي الحكم الأكثر دلالة بشأن الحرب التجارية للرئيس ترمب الذي يعد سوق الأسهم المعيار النهائي لأدائه من دراسة أجراها الاقتصاديون في الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك وجامعة كولومبيا. تقدر الدراسة أن الحرب التجارية خفضت القيمة السوقية للشركات الأمريكية المدرجة نحو 1.7 تريليون دولار، ما يعادل 6 في المائة من الانخفاض في مكونات قيمة مؤشر ستاندرد آند بورز 500. يعكس هذا كيف أدت التصريحات الخاصة بالتعريفات الجمركية الجديدة إلى خفض توقعات الأرباح في الشركات الضعيفة. لم تجد الدراسة أي آثار مفيدة على الشركات التي تتلقى الحماية الجمركية.
الحقيقة هي أن الانتقام الصيني تسبب في إحداث فوضى في الصادرات الأمريكية. لاحظ رايان هاس وأبراهام دنمارك في ورقة بحثية لمعهد بروكينغز، أن جمارك الولايات المتحدة أجبرت الشركات الأمريكية على قبول هوامش ربح أقل، وعلى تخفيض الأجور والوظائف للعمال الأمريكيين، ورفع الأسعار للمستهلكين الأمريكيين. وفي حين تقلص العجز التجاري الثنائي مع الصين، فإن العجز التجاري الإجمالي لم ينخفض لأن الرسوم الجمركية الأمريكية على الصين حولت التدفقات التجارية، وهذا تسبب في زيادة العجز الأمريكي مع أوروبا والمكسيك واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان.
إذا كان أداء الأسهم الأمريكية رائعا على الرغم من الحروب التجارية والوباء، فإن ذلك يرجع إلى سياسة نقدية فضفاضة للغاية وأداء جيد لشركات التكنولوجيا الكبرى، وليس لأداء الشركات السائدة. يلاحظ أيضا أن الرسوم الجمركية لم تحقق الكثير من الإيرادات لخزانة الولايات المتحدة، لأن الحكومة اضطرت إلى توزيع معظم الأموال في شكل إعانات لاسترضاء المزارعين الغاضبين بسبب الصادرات المفقودة التي كانت ستذهب إلى الصين.
الأمر المتناقض في كل هذا هو أن الخلاف في العلاقات المالية بين أمريكا والصين غائب إلى حد كبير، وهو المجال الوحيد الذي تحسن فيه وصول الشركات الأمريكية إلى الأسواق. مع سعي بكين إلى التحرير التدريجي، بدأت البنوك الأمريكية الآن في أخذ حصص مسيطرة في الشراكات القائمة، وفي الوقت نفسه تجتذب الصين تدفقا متزايدا من رؤوس أموال المحافظ العالمية المتقدمة. نظرا لأن مزودي المؤشرات يدمجون المزيد من الأسهم والسندات الصينية في مؤشراتهم، فإن الصناديق السلبية في الولايات المتحدة وأماكن أخرى ستوسع هذا التدفق.
المثير للاهتمام هنا هو أن سوق سندات الحكومة الصينية، وهي ثاني أكبر سوق في العالم، تقدم دخل فائدة حقيقيا إيجابيا بعد حساب التضخم، وهو أمر لم يعد متاحا مع سندات الخزانة الأمريكية أو أسواق السندات الأوروبية الكبيرة. في الوقت نفسه، سوق الأسهم الصينية هي الوحيدة خارج الولايات المتحدة التي تعرض انكشافا جادا على شركات التكنولوجيا الكبرى. 
ويترتب على ذلك أن الصين تقدم لصناديق المعاشات التقاعدية التي تتعرض لضغوط شديدة من الولايات المتحدة وغيرها من دول العالم المتقدمة، دخلا حقيقيا تدفع من خلاله التزامات التقاعد، التي تخضع لمخاطر العملة والمخاطر التنظيمية. وفي حين أن الصين تتفوق على الولايات المتحدة من حيث النمو، وفي الوقت الذي تنتهج الولايات المتحدة سياسة نقدية شديدة التساهل وحتى سياسة مالية أكثر توسعية، فإن الرنمينبي الضعيف بشكل دائم نادرا ما يبدو مصدرا لأي تهديد كبير.
بالنسبة للمخاطر التنظيمية هناك أسباب تاريخية للقلق بشأن التدخل التعسفي من قبل السلطات الصينية. يجب أن تكون جائزة الدخل الأكثر تأمينا للمعاشات التقاعدية للمسنين من الصين حافزا لصانعي السياسة الغربيين لتعزيز الترابط المالي المستقر والسلمي.
وما إذا كان جو بايدن سيميل إلى مثل هذا الخيار يبقى مسألة موضع نقاش، على خلفية المنافسة الاستراتيجية العدوانية بين الولايات المتحدة والصين.
تلاشي النموذج الأمريكي 
عندما أصبح النمو الاقتصادي المذهل للصين واضحا للجميع خلال العقد الأول من القرن الـ21، بدأ الناس يتساءلون عما إذا كان نموذج رأسمالية الدولة المتحكمة في الصين يتفوق على نموذج رأسمالية الدولة الأكثر ليبرالية في الولايات المتحدة.
وكان من الممكن حتى وقت قريب رفض هذه التصورات، لكن النجاح الصيني يتواصل فيما يستمر التراجع الأمريكي، وفقا لـ"الألمانية".
ويقول نوح سميث الكاتب والمحلل الاقتصادي الأمريكي في تحليل بعنوان "لدى الصين أشياء قليلة تعلمها للاقتصاد الأمريكي"، "إنه إذا أرادت الولايات المتحدة المحافظة على قوتها النسبية ومكانتها كنموذج عالمي، فعليها إجراء بعض التعديلات الكبرى".
وأضاف "الحقيقة أن النمو الاقتصادي السريع للصين ليس دليلا في حد ذاته على تفوق النظام الصيني، فأي دولة تستطيع تحقيق معدلات نمو عالية للغاية إذا ما كانت تنطلق من نقطة شديدة الانخفاض، إذا ما تبنت سياسات صحيحة، كما كانت الحال بالنسبة إلى الصينيين قبل عقدين من الزمن".
وقال في تحليله الذي نشرته وكالة "بلومبيرغ" للأنباء "في حين تحتاج الدول المتقدمة إلى ابتكار تكنولوجيات جديدة لتحقيق النمو، يمكن للدول النامية تقليد هذه التكنولوجيا والأفكار، وحتى بعد عقود من النمو الاقتصادي الهائل ورغم الحجم المهول للاقتصاد الصيني، فإن الصين ما زالت أفقر كثيرا من الولايات المتحدة من حيث نصيب الفرد من الدخل القومي".
وبحسب تحليل نوح سيمث، ما زالت الأسرة الصينية التقليدية تعيش في منزل أصغر وتمتلك عدد سيارات أقل وفرصا أقل للسفر والترفيه مقارنة بنظيرتها الأمريكية، لكن في الأعوام الأخيرة ظهرت الصين قادرة على منافسة الدول المتقدمة في قيادة التقدم التكنولوجي، وهو أمر لا تستطيعه أغلب الدول متوسطة الدخل.
ويشير إلى أن الصين تعد الآن منافسا قويا للولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي وتتقدم السباق في مجال بناء شبكات اتصالات الجيل الخامس، وأصبحت الصين مقرا لأكبر شركة منتجة للطائرات المسيرة بدون طيار في العالم، كما تنتج أسرع القطارات في العالم وأصبحت رائدة في مجال الهندسة الوراثية.
وأوضح أن الأكثر من ذلك أنها أرسلت رحلة فضاء تستهدف الوصول إلى كوكب المريخ، ومع كل هذه الابتكارات يصبح من الصعب استبعاد الصين من صفوف الدول الرائدة في العالم رغم استمرار ضعف مستوى المعيشة فيها.
وأكد أن هذا النجاح الصيني يتراكم إلى الدرجة التي دفعت مجلة إيكونوميست العريقة المدافع التقليدي عن أفكار السوق الحرة، لأن تردد أخيرا فكرة أن الرئيس الصيني شي جينبينغ قد يؤسس شكلا من أشكال رأسمالية الدولة يحقق النجاح بالفعل.
ويقول سميث الذي يعمل أستاذا للتمويل في جامعة بروك ستون الأمريكية "إنه رغم أن الحديث عن تلاشي النموذج الأمريكي قد يكون سابقا لأوانه، فإن الولايات المتحدة تحتاج إلى القيام ببعض التعديلات المهمة إذا أرادت التصدي للمنافسة الصينية".
ويرى أن أفضل طريقة للتعامل مع التحدي الصيني هي الطريقة التي استخدمتها الولايات المتحدة في مواجهة الاتحاد السوفياتي السابق في أعوام الحرب الباردة.
وأضاف "ففي تلك الفترة وفي مواجهة الإنجازات العلمية والتكنولوجية التي حققها الاتحاد السوفياتي في بدايات النصف الثاني من القرن الـ20، ضخت واشنطن استثمارات ضخمة في مجال العلوم والأبحاث والتطوير".
وأكد أنه يمكن اللجوء إلى المنهج نفسه في التعامل مع الصين، وسيكون قانون "جبهة بلا نهاية" الأمريكي الذي يزيد الإنفاق الاتحادي الأمريكي على الأبحاث بمبلغ 20 مليار دولار خطوة أولى جيدة.
وأوضح أن تحقيق تقدم علمي سريع في مجالات مثل شبكات الاتصالات اللاسلكية والذكاء الاصطناعي وتخزين الطاقة سيساعد في المحافظة على التفوق الصناعي للولايات المتحدة كما حدث في القرن الـ20.
وبحسب سيمث الحاصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة ميتشيغان الأمريكية فإنه على الولايات المتحدة تحديث مواردها البشرية، لذلك فإن إنقاذ الجامعات الأمريكية المتعثرة وتوسيع شبكة الرعاية الصحية لتشمل جميع الأمريكيين ستكون خطوات مهمة في هذا الاتجاه.
وأشار إلى أن القضاء على جائحة فيروس كورونا المستجد باتخاذ إجراءات الصحة العامة وهي ضرورية للغاية إلى جانب تطوير اللقاحات المضادة للفيروس تعد مهمة ملحة أيضا في الولايات المتحدة.
وأكد أنه على الرغم من كل ذلك فإن النموذج لم يحقق التفوق حتى الآن، لكن إذا رفضت الولايات المتحدة التعلم من النجاح الصيني وتعدل نظامها لتقوية نقاط الضعف فيه، فسيأتي اليوم الذي يوافق فيه العالم على أن الصين عثرت على طريق أفضل للتقدم والازدهار. مشيرا إلى أن الأمر متروك لقادة الولايات المتحدة والناخبين لمنع حدوث هذا التحول لمصلحة التنين الصيني.
استراتيجية جديدة
تعلق كثير من الاوساط اليمينية المحافظة سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها على أن يواصل الرئيس الأمريكي القادم جو بايدن سياسة المواجهة مع الصين للمحافظة على هيمنة بلاده على العالم. 
جاء في بحث نشرته وكالة الانباء الفرنسية يوم 10 نوفمبر 2020: 
قد يكون أسلوب جو بايدن أقل هجومية من دونالد ترمب، لكن خبراء يقولون إن إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب ستضيق خناق واشنطن على الصين في ما يتعلق بالتجارة وحقوق الإنسان والأمن.
حددت الضغينة والاتهامات المتبادلة العلاقة بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم خلال أربع سنوات من إدارة ترمب الذي فرض رسوما جمركية على السلع الصينية وألقى باللوم على بكين في تفشي فيروس كوفيد-19.
ووفقا للفرنسية قد وعد بايدن بأن يكون تعامله مع الصين ذا نبرة متزنة وأن يعيد توحيد التحالفات الممزقة على المسرح العالمي، وهي خطوات قد تحمل تهديدا جيوسياسيا أكثر حدة بالنسبة إلى بكين.
وقال آدم ني، مدير مركز "تشاينا بوليسي سنتر" ومقره في كانبيرا "لقد تبنى ترمب سياسة شديدة العدوانية تجاه الصين... وحاول الضغط على الصين من كل الجبهات".
وأضاف "مع بايدن، أعتقد أننا سنرى نهجا مدروسا أكثر وأكثر ذكاء وأكثر تحديدا للأهداف... لا يركز على العدوانية فقط بل يأخذ في الاعتبار المنافسة الطويلة الأجل".
يقول محللون إن وجهة العلاقات بين واشنطن وبكين ثابتة إذ يصمم الساسة الأمريكيون من جميع المشارب على ضمان التفوق الاقتصادي والعسكري لبلادهم وإعاقة صعود الصين.
وعد بايدن بالتخلي عن سياسة ترمب "أمريكا أولا" التي أزعجت الحلفاء والمنافسين على حد سواء، وشهدت انسحاب الولايات المتحدة من المنتديات الدولية من بينها منظمة الصحة العالمية واتفاق باريس للمناخ.
ومن المرجح أن يصلح الديموقراطي الذي روج للمصالحة والشراكة في الأيام التي تلت فوزه في الانتخابات، التحالفات من أوروبا إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، من أجل بناء جبهة موحدة ضد طموحات الصين التكنولوجية والتجارية والأمنية، من تايوان إلى "هواوي".
وأشار أنطوني بلينكين وهو مستشار منذ فترة طويلة للرئيس المنتخب، خلال الحملة الانتخابية، إلى أن رئاسة بايدن ستكون جاهزة للتصدي للعدوان من جانب الصين.
ولكن في حين كان ترمب متذبذبا، فرض تعريفات جمركية على البضائع الصينية في دقيقة ووصف الرئيس شي جينبينغ بأنه صديقه في الدقيقة التالية، يتوقع خبراء تحديا أوسع لبكين من الإدارة الجديدة.
وقال إيفان ريسنيك الأكاديمي في كلية "إس راجاراتنام للدراسات الدولية" في جامعة نانيانغ التكنولوجية في سنغافورة: "من المحتمل أن نرى سياسة أكثر تماسكا وأكثر تصادمية بشأن القضايا الجيوسياسية". مضيفا من المحتمل أن يجعل هذا الأمر الصينيين متوترين جدا.
خلال المناظرة التمهيدية للحزب الديموقراطي في فبراير، تفوه بايدن بكلمات قوية ضد الرئيس الصيني، وهو خطاب قد يكون من الصعب التراجع عنه.
وقال وقتها "هذا رجل ليس لديه عظمة ديموقراطية واحدة ولو صغيرة في جسده. هذا رجل شقي".
كذلك، أشارت حملة بايدن إلى الحملة على أقلية الأويغور في شينجيانغ الصينية باعتبارها إبادة جماعية، وهي لغة استفزازية لبكين مع ما تحمله من تداعيات محتملة بموجب القانون الدولي.
وفي حين أن ترمب يعطي أولوية للتجارة على حساب المبادئ، سيكون بايدن تحت ضغط شديد ليعيد إلى أمريكا مركز الريادة الاخلاقية.
وشرحت بوني غلايزر مستشارة مدير مشروع الطاقة الصينية التابع لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية "لقد وصف فريقه تعامل الصين مع الأويغور بأنه إبادة جماعية".
وقالت غلايزر إن الرئيس المنتخب من المرجح أن يبني علاقته تجاه هونغ كونغ على أساس سياسات ترمب وليس عكسها ومن بينها إنهاء اتفاقات التجارة التفضيلية والسفر مع الإقليم حيث فرضت بكين قانونا أمنيا صارما.
إعادة ترتيب 
ومع ذلك، هناك فرص مباشرة لإعادة ترتيب العلاقات. 
تتمثل الأولوية الأولى لبايدن في السيطرة على تفشي كوفيد 19 الذي أودى بحياة ما يقرب من 240 ألف أمريكي حتى الآن في ظل تعامل ترمب الفوضوي مع الأزمة.
وداخل الصين حيث ظهر الفيروس للمرة الأولى وحيث تحرز الأبحاث المتعلقة بلقاح تقدما، تلوح في الأفق فرصة للتقارب.
ولفت مقال افتتاحي في صحيفة "غلوبال تايمز" القومية في بكين إن العلاقات يمكن أن تتحول من المواجهة الشرسة إلى التعاون العملي عندما يتعلق الأمر بمكافحة الوباء. وتابعت "التعاون... قد يخلق المزيد من الفرص لإعادة تقييم بعض المشكلات المتأصلة في العلاقات الصينية الأمريكية".
وتتمثل مهمة بايدن أيضا في استعادة قوة ما يسمى بالديموقراطية الأمريكية في الداخل والخارج.
وقال بلينكين في حدث لمعهد هدسون أخيرا "ديموقراطيتنا، عندما تكون ضعيفة وفي حالة من الفوضى... يمكن القول إنها ملائمة للصين، مضيفا لأن نموذجنا يبدو أقل جاذبية مما كان عليه.
وتعهد بايدن الانضمام مجددا إلى اتفاق باريس للمناخ بمجرد توليه منصبه، كجزء من حملة الاقتصاد الأخضر التي تدحض إنكار ترمب ظاهرة تغير المناخ.
ويتماشى ذلك مع الضرورات الاستراتيجية للصين، أكبر ملوث في العالم والتي وعدت بتحويل اقتصادها إلى اقتصاد مدعوم بالطاقة النظيفة.
لكن ما زال أمام ترمب الذي لا يمكن توقع خطواته، حتى يناير 2021 لزيادة تعقيد العلاقات بين أكبر قوتين في العالم.
كما أن سنوات من انتقادات ترمب وحالة عدم اليقين التي سببها الرئيس المنتخب بايدن جعلت الصين تشعر بالقلق من أن الحرب الباردة المستجدة لا تزال بعيدة عن نهايتها.
وذكرت "غلوبل تايمز" هذا بداية شهر نوفمبر يجب على الصين ألا تعتقد أن انتخاب بايدن سيخفف أو يؤدي إلى انعكاس في العلاقات الصينية الأمريكية. وختمت المنافسة الأمريكية... والتوجس من الصين سيشتدان".
عمر نجيب
[email protected]