الولايات المتحدة الأمريكية على مفترق طرق خطر يوم 3 نوفمبر 2020.... ما بين هاوية الانهيار الاقتصادي والحرب الأهلية

ثلاثاء, 2020-09-15 17:12

 من المفترض أن تجري الانتخابات الرئاسية الأمريكية يوم 3 نوفمبر 2020 وذلك رغم حديث الرئيس ترمب خلال شهر يوليو 2020 عن تأجيلها بدعوى إن زيادة التصويت عبر البريد قد تؤدي إلى عمليات تزوير أو نتائج غير دقيقة، مقترحا التأجيل حتى يكون الناخبون قادرين على التصويت على نحو "مناسب، وآمن، وسالم". غالبية المشرعين في الكونغرس والخبراء الدستوريين أشاروا إلى استحالة تنفيذ ترمب لرغبته وإن كان البعض يحذر من أن سيد البيت الأبيض الحالي ربما يعثر على منفذ لتحقيق مطلبه.
انتخابات الرئاسة الأمريكية لسنة 2020 أثارت عاصفة من النقاشات والتحليلات التي لم تشهدها أية انتخابات سابقة بسبب الخلافات الحادة بشأنها وكذلك الاسقاطات المحتملة لها في بلد يشهد انقسامات غير مسبوقة ربما منذ الحرب الأهلية الأمريكية التي امتدت من عام 1861 إلى 1865 مخلفة ما بين 620000 إلى 750000 من الجنود القتلى وهي حصيلة تعد أعلى من قتلى الجيش الأمريكي خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية مجتمعة.
لأول مرة منذ سنة 1865 والانتخابات الرئاسية على بعد أسابيع قليلة، يحذر عدد كبير من الخبراء والسياسيين من خطر سقوط الولايات المتحدة في دوامة الانقسام والتطاحن وصولا حتى مرحلة حرب داخلية مدمرة وانهيار اقتصادي غير مسبوق وذلك بسبب تمسك الرئيس ترمب وأنصاره من اليمين بحتمية انتصاره وفوزه بفترة رئاسية ثانية وأن حدوث عكس فذلك هو تزوير لا يمكن قبوله.
 بذور الحرب الأهلية
 ذكر الصحافي والكاتب الأمريكي توماس فريدمان، في مقالة له نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" يوم 23 أغسطس 2020: إنه سبق له أن غطى انتخابات في جمهوريات موز يحاول حكامها التلاعب بنتائجها، لكن الولايات المتحدة قد تكون في نوفمبر على موعد مع انتخابات رئاسية ستزرع بذور فتنة وطنية وحرب أهلية أخرى. 
“إليكم جملة لم أعتقد أنني سأكتبها أو أقرأها يوما في حياتي: في نوفمبر المقبل، وللمرة الأولى في تاريخنا، ربما لن تستطيع الولايات المتحدة أن تجري انتخابات رئاسية حرة ونزيهة، وأن تعرف انتقالا شرعيا وسلميا للسلطة في حال هزم الرئيس دونالد ترمب من قبل جو بايدن.
ذلك أنه إذا كان نصف البلاد سيعتقد أن أصواته لم تحتسب بشكل كامل بسبب تخريب متعمد لخدمة البريد الأمريكي، وإذا أُوهم النصف الآخر من قبل الرئيس ترمب بأن أي صوت يدلى به عبر البريد لمصلحة جو بايدن هو تزوير وغش انتخابي، فإن ذلك لن يؤدي إلى انتخابات متنازع عليها فحسب على غرار قضية "بوش الابن ضد آل غور"، والتي أحيلت إلى المحكمة العليا من أجل البت فيها، بل إن ذلك سيكون نهاية الديموقراطية الأمريكية كما نعرفها، كما أنه ليس من المبالغة القول إنه يمكن أن يزرع بذور فتنة وطنية وحرب أهلية أخرى.
الخطر حقيقي، ولهذا، فإنني شخصيا سأمشي، سأجري، سأزحف، سأركب دراجة، سأقود سيارة، سأعدو، سأركض، سأطير، سأركب القطار، سأهرول، سأركب شاحنة، سأتنزه، سأسير، سأصعد الحافلة، سأستقل سيارة أجرة، وسيارة خدمة "أوبر" أو "ليفت"، سأرتدي كمامة، وواقيا للوجه، وقفازات، ونظارات للوقاية، وبذلة واقية أو بذلة رائد فضاء أو لباس الغوص، ولكنني سأحرص قطعا على الذهاب إلى مكتب التصويت في حيي، لأرى وأتأكد من أن الصوت الذي أدليت به لجو بايدن ونائبته كامالا هاريس، قد أُحصي واحتسب في 3 نوفمبر.
وهذا ليس لأنني ليبرالي يهذي، وإنما لأنني أؤمن بأن أمريكا، في جوهرها، ما زالت بلد "يسار الوسط" و"يمين الوسط"، وتكون محكومة بشكل جيد من قبل شخص يستطيع إعادة صياغة الاثنين معا والقيادة وفق هذه الرؤية. وأؤمن بأن بايدن، هو الشخص الذي يستطيع القيام بذلك على أحسن وجه، وذاك في الواقع هو مصدر جاذبيته لكثير من الأمريكيين.
أدرك أن التصويت بشكل حضوري بالطريقة التي أنوي فعلها، في وسط وباء، هو بكل بساطة ليس خيارا بالنسبة إلى كثير من الأشخاص لأسباب لا علاقة لها بترمب. ذلك أن الكثير من الأشخاص المتقاعدين، الذين يتطوعون عادة للعمل في مكاتب الاقتراع، خائفون من التطوع هذه السنة خشية الإصابة بفيروس كورونا. كما أن الكثير من الأشخاص الآخرين، يخشون على نحو مشروع، أنهم إذا اضطروا للوقوف والانتظار في طوابير طويلة ومزدحمة في مكاتب اقتراع قليلة، فإن هذا أيضا يمكن أن يزيد من احتمال إصابتهم.
لا يهمني لمن ستصوت، ولكن لا تسمح بسرقة هذه الانتخابات من قبل أشخاص يحاولون التلاعب بها حتى لا يستطيع كل شخص التصويت أو حتى لا يتم احتساب كل صوت، وهو ما من شأنه أن يمثل أكبر إهانة للأمريكيين الذين قدموا وضحوا بأنفسهم فداء للوطن والحرية.
كما أنه ليس خطأ ترمب في حد ذاته كون خدمة البريد ليست مهيأة لإرسال أصوات عبر البريد ثم تلقيها على نحو يسمح بالإدلاء بكل صوت واحتسابه.
ولكن خطأ ترمب، هو أنه بدلا من الزعامة وأقصد بذلك التعاون مع الكونغرس، وكل حكام الولايات من أجل تنظيم رد طارئ على هذا التحدي غير المسبوق، الذي يواجه انتخاباتنا الوطنية، استخدم منبره محاولا إقناع البلاد بأن أي صوت يدلى به عبر البريد ينبغي أن ينظر إليه على أنه تزوير انتخابي، ما عدا في الولايات التي قد تدعمه مثل فلوريدا، وسعى إلى منع التمويل عن خدمة البريد المطلوب من أجل توسيع عاجل لقدراته من أجل التعاطي مع كل هذه الأصوات المدلى بها عبر البريد.
ففي مؤتمر صحفي يوم الأربعاء 12 أغسطس، قال ترمب إنه لن يوقع على 25 مليار دولار مخصصة لتمويل طارئ لخدمة البريد الأمريكي أو 3.5 مليار دولار من مساعدات الانتخابات لمساعدة الولايات، وهما أمران يضغط من أجل تمريرهما "الديمقراطيون" في إطار مشروع فيدرالي للإغاثة من كوفيد 19.
وبعد يوم واحد، قال ترمب لقناة "فوكس بيزنس".. "إنهم يحتاجون لذلك المال من أجل جعل مكتب البريد يعمل، وذلك حتى يستطيع تلقي كل تلك الملايين والملايين من الأصوات"، مضيفا "ولكن إذا لم يحصلوا على هذين العنصرين، فذاك يعني أنه لا يمكن أن يكون لديك تصويت عبر البريد، لأنهم ليسوا مجهزين لذلك".
والواقع أنه سبق لي أن غطيت أحوال زعماء يحكمون جمهوريات موز وكانوا أكثر مواربة من ذلك في محاولة التلاعب في الانتخابات أو إضعاف أصوات خصمهم.
 أمريكا على صفيح ساخن
 جاء في تحليل نشره موقع "دويتش فيله" الألماني يوم 4 يونيو 2020:
يلقي الكثيرون باللوم على ترمب في ما تشهده أمريكا من انقسام مجتمعي يكاد يصل إلى حافة الحرب الأهلية، وفي التعامل العنيف للشرطة مع المتظاهرين، والفشل في إدارة أزمة كورونا.. لكن الغضب المتصاعد في أمريكا له جذور أعمق من ذلك.
ثماني دقائق وست ثوان كانت هي المدة التي استغرقها الضابط ديريك تشوفين ليزهق روح المواطن الأمريكي من أصول إفريقية جورج فلويد.. هذه الدقائق كانت كافية تماما لتنقلب أمريكا رأسا على عقب، ويرى العالم مشاهد لم يكن يتصور أن يرى مثلها في أحد أكبر معاقل الديمقراطية.
سبق ذلك الحادث المأساوي حادث مقتل المسعفة الأمريكية السمراء بريانا تيلور بثمان رصاصات في منزلها في شهر مارس إثر اقتحام أمني خاطئ لمنزلها، تلاه حادث مقتل الشاب الأسمر أحمد اربيري الذي قتله عنصري أبيض ووالده فيما كان أحمد يمارس رياضة الجري.
قصر تلك الدقائق التي استغرقتها حياة فلويد لتزهق، وضخامة الأحداث التي وقعت بعدها تؤكد على أمر واحد وهو وجود احتقان داخلي كبير تراكم على مدى عقود طويلة، يغذيه يمين متطرف ونظام عدالة لا يكفي لإحداث الردع الشامل عن ارتكاب جرائم العنصرية.
وفيما يبدو من الأحداث فإن هذه ليست "انتفاضة سود" وحسب، وإنما هي اعتراض من قطاعات واسعة من الأمريكيين على الكثير من الأمور لعل أهمها الفشل الذريع للإدارة الحالية في التعامل مع جائحة كورونا، إلى جانب نسب بطالة مرتفعة مع احتجاج بلغ اوجه من تعامل الشرطة الأمريكية العنيف، وحالات القتل التي تنتهي بفصل الضابط القاتل أو تغريمه وصولا إلى الأحكام القضائية المخففة.
أسد جريح
كانت كل الظروف في صالح ترمب للفوز بولاية ثانية: نجاحات اقتصادية كبيرة، ومستويات منخفضة للغاية من البطالة، ومعارضة يسارية تبدو ضعيفة ومشتتة، وإدارة باتت كلها تخضع لرؤيته هو ومن معه من شخصيات يمينية.
إلى أن جاء حدثان في غاية الأهمية: الأول هي جائحة كورونا التي نتج عنها قرابة 42 مليون حالة بطالة تقريبا ولايزال الرقم في تصاعد، كما أظهرت الجائحة فشلا ذريعا لإدارة ترمب بمعدلات وفيات هي الأعلى في العالم نتيجة وباء كوفيد-19، كما وجهت اتهامات لترمب بأن جانبا كبيرا من الفشل يرجع إما لإلغائه تمويل عدد من المجالس الاستشارية والإدارات البحثية والعلمية إلى جانب تجاهله تحذيرات خبراء الصحة والوكالات الاستخباراتية بشأن خطورة فيروس كورونا المستجد، وهو تحديدا ما اتهمه به المرشح الديمقراطي للرئاسة جو بايدن.
الحدث الثاني وهو وفاة جورج فلويد اختناقا تحت ركبة ضابط أمريكي أبيض لديه سجل حافل من الاتهامات بالعنصرية. الواقعة التي تم تصويرها بالفيديو وشاهدها العالم لتضعف كثيرا حجة "القتل دفاعا عن النفس" التي غالبا ما ساهمت في إفلات ضباط عنصريين من تهم بالقتل ولينفجر برميل بارود عمره لا يقل عن 200 عام.
أصبح ترمب كالأسد الجريح، فكل ما كان يستند إليه لتحقيق انتصاره في الانتخابات المقبلة بدا وكأنه يذهب أدراج الرياح أمام ناظريه والشارع مشتعل والاتهامات تكال له ليلا ونهارا في كل مكان، الأمر الذي دفعه لاتخاذ إجراءات والتصريح بكلمات ربما يندم عليها كثيرا فيما بعد، موجها سيلا من الاتهامات بالفشل والتقصير للحكام الديمقراطيين للولايات ومحملا إياهم تبعات الفشل في مواجهة كورونا أو قمع الاحتجاجات بالقوة، وملوحا بانه سيتجاوزهم ويفرض القانون والأمن بقوة الجيش
انقسام مجتمعي
لم يكن وصول باراك اوباما كأول رئيس أمريكي من أصول إفريقية إلى الحكم في الولايات المتحدة أمرا جيدا لدى البعض ممن يكرهون الآخر "غير الأبيض غير الأمريكي المهاجر الخ.." حتى وإن كان أوباما هو مجرد وجه أسمر لأفكار وقيم الرأسمالية الأمريكية العتيدة التي أصبحت نهجا صريحا للإدارة السياسة على الأقل منذ عهد رونالد ريغان، ليتعزز مع الوقت تمايز حاد بين تيارين في الولايات المتحدة الأمريكية هما نفسيهما يعانيان من انقسامات داخلية: يمين متطرف ويسار يبدو في طريقه إلى ذلك.
ومع انسحاب الاشتراكي المخضرم بيرني ساندرز من سباق الانتخابات بدا نجم الحركات اليسارية الاحتجاجية يتصاعد في مواجهة يمين متطرف، لتظهر على سطح الأحداث الأخيرة التي أعقبت مقتل جورج فلويد حركة انتيفا، لتظهر في المقابل تصريحات على شبكات التواصل الاجتماعي لأنصار ترمب أبدى بعضهم خلالها استعدادا تاما للنزول إلى الشوارع وإنهاء حركات الاحتجاج خلال 24 ساعة في تهديد واضح باستخدام القوة.
تهديد تلقاه الجميع بقلق شديد تزامن مع تصاعد نبرة الحديث للتيار اليميني في وسائل الإعلام، كما يظهر من تصريحات جاريد تايلور محرر مجلة "النهضة الأمريكية" ذات التوجه العنصري.
وبعد أن كانت أمريكا هي بوتقة انصهار الثقافات والمعارف المختلفة للمهاجرين، تضاءلت اللحمة الاجتماعية وتعاظم الانقسام المجتمعي وأصبح العدو داخليا مع تصاعد الخطاب العنصري والذي يتهم ترمب بشكل أساسي أنه المتسبب فيه، إلى جانب عوامل متعددة ساهمت في تراجع تأثير الطبقة الوسطى المتعلمة التي كان يعول عليها أي مرشح للرئاسة في مقابل تنامي التطرف اليميني.
تزامن ذلك مع تصاعد الاتهامات للشرطة الأمريكية برفع مستوى العنف في مواجهة الاحتجاجات إلى مستويات غير مسبوقة أصابت حتى كبار السن والأطفال.
كما تعرض الصحفيون لانتهاكات شديدة قارنها البعض بما يحدث لزملائهم في الشرق الأوسط ، انتهاكات لم يسلم منها حتى فريق دويتشه فيله.
رفض توجهيات ترمب
وزير الدفاع السابق ماتيس أصدر بيانا شن فيه هجوما لاذعا على ترمب، وقال إن البلاد تشهد تداعيات ثلاث سنوات من قيادة غير ناضجة، وأضاف أن ترمب "هو أول رئيس أراه في حياتي لا يحاول توحيد الأمريكيين، ولا يحاول حتى التظاهر بالقيام بذلك، عوضا عن ذلك هو يحاول أن يفرقنا".
وزير الدفاع الحالي مارك أسبر رفض تنفيذ رغبة ترمب في نشر وحدات جديدة للجيش داخل الولايات وقال في مؤتمر صحفي إنه لا يدعم استخدام القوات العاملة لقمع الاحتجاجات واسعة النطاق في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وأنه يجب استخدام هذه القوات فقط في دور إنفاذ القانون كملاذ أخير، في معارضة واضحة لرغبة الرئيس ترمب.
ونظرا لموقفه فإن الكثير من المراقبين السياسيين في الولايات المتحدة ينتظرون موعد تقديم اسبر لاستقالته بعد أن "تجرأ" على رفض الانصياع لرئيسه، فيما تتصاعد أسهم السيناتور توم كوتون لتعيينه وزيرا للدفاع، وهو صاحب المقال الشهير الذي طالب فيه بنزول الجيش وسحق ما أسماه بـ "العصيان"، وهو المقال الذي يبدو أنه يلمح إلى احتمال اندلاع عصيان مدني وسياسي ضد ترمب ما يستدعي تدخل الجيش الأمريكي.
عنف ترمب في التعامل مع الأزمة وما بدا أنه توجيهات بتصعيد درجة القمع في تصدي الشرطة للمتظاهرين أقلق الكثيرين حتى داخل معسكره، وربما كان هذا "التوجيه" هو ما أدى إلى أن تخرج تصريحات ضابطة شرطة أمريكية بهذا الشكل العنيف متوعدة بالقتل.
أنتيفا في مواجهة ترمب
تخلل الاحتجاجات جانب من العنف والسرقة والاعتداءات، اتهم ترمب حركة أنتيفا اليسارية بالضلوع في القيام بها وتحريض الناس على ارتكاب مثل هذه الجرائم موجها الاتهامات إليها، وإلى "اليسار الراديكالي"، بــ" إثارة الفتن والوقوف خلف حركة الاحتجاجات"، ومهددا بتصنيف الحركة المناهضة للفاشية كــ"منظمة إرهابية محلية”.
وأنتيفا هي حركة معادية للفاشية واليمين المتطرف والرأسمالية وكل من يستهدف المهمشين والأقليات، تأسست قبل الحرب العالمية الثانية مع بداية ظهور النازية والفاشية وانتشرت في عدة دول حول العالم ولا تؤمن بإصلاح السياسات وإنما بالفعل المباشر والعنف لتعديل المسار. وترى الحركة أن أفكارا كالنازية والفاشية لم تكن لتظهر وتنتشر إلا بسبب عدم وجود ردود فعل قوية وعنيفة يما يكفي لوقف انتشار مثل تلك الأفكار.
وفي الوقت الذي تعارض فيه أدبيات الحركة عمليات القتل، إلا أن أعضاءها قد ينتهجون مستويات مختلفة من العنف في حالة السماح للجماعات العنصرية والفاشية بتنظيم نفسها وحمل السلاح. وعادة ما يظهر أعضاء الحركة بملابس سوداء، خلال الاحتجاجات ويدعون الناس إلى النزول للشوارع وتنظيم احتجاجات ضد "اليمين المتطرف والحركات العنصرية".
بدأت الحركة تظهر على السطح بشكل متكرر في أمريكا منذ انتخاب ترمب وكان أكبر ظهور لها عام 2017 حين انطلقت مظاهرة في فيرجينيا ضد العنصريين البيض على إثر تظاهرات نظمها أنصار تفوق العرق الأبيض في مدينة شارلوتسفيل بولاية فيرجينيا.
من أشهر المجموعات التي تنضوي تحت قيادة أنتيفا، منظمة "روز سيتي أنتيفا" في بورتلاند، وهي أقدم مجموعة تابعة للحركة في أمريكا، ورغم حضورها القوي وتنظيمها الشديد إلا أن أعضائها مجهولون، بحسب ما ذكرت صحيفة "يو اس ايه توداي".
ويخشى مراقبون من أن تهديد ترمب بإعلان انتيفا "جماعة إرهابية" قد يمهد لمكارثية جديدة في الولايات المتحدة يتم على إثرها إطلاق حملة اعتقالات ضخمة تضم كل من يكرهه ترمب أو يخشاه، لتتكرر كارثة المكارثية التي أخذ المجتمع الأمريكي وقتا طويلا ليتعافى من تبعاتها.
فرص فوز ترمب
في ضوء كل ما سبق، تبدو احتمالات فوز ترمب بالانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر غير كبيرة، فهناك أزمات اقتصادية وبطالة وفشل في إدارة أزمة كورونا أودى بحياة الآلاف، على أن الأخطر من كل ذلك هو مجتمع يشهد انقساما كبيرا ويبدو وكأنه على شفا حرب أهلية.
على الحانب الآخر، لا تبدو خسارة ترمب أيضا بالأمر المبشر بالخير، فهناك أصوات متصاعدة في الداخل الأمريكي تحذر من رفض ترمب للاعتراف بهزيمته في الانتخابات، والإدعاء بأنه تم تزويرها، حيث استبق ترمب الأحداث وحذر من لجوء بعض حكام الولايات "الديمقراطيين" من اعتماد أسلوب التصويت عبر البريد الذي قرره بعضهم للحد من انتشار فيروس كورونا.
فبحسب مقال للكاتب برايان كلاس في صحيفة واشنطن بوست، فإنه من الصعب تصور قبول ترمب للهزيمة وتهنئته للفائز بمنصب الرئيس، وفي الغالب فإنه سيعتمد استراتيجية التشكيك في شرعية الخصوم السياسيين، ما قد يهدد الانتقال السلمي للسلطة والذي يقوم عليه أساس النظام السياسي الأمريكي.
رفض ترمب قد تصاحبه ردود فعل عنيفة للغاية من اليمين المتطرف المساند له، والذي يتشكل جانب منه في صورة ميليشيات مسلحة عنيفة منتشرة في أمريكا،. وقد يدفع رفض ترمب للاعتراف بالهزيمة تلك المليشيات للنزول إلى الشوارع بما قد يتطور إلى اشتباكات مسلحة مع معارضي ترمب، لتندلع نيران حرب أهلية جديدة، ربما تكون مشابهة لأخرى في التاريخ الأمريكي اندلعت - وللمفارقة المذهلة - بسبب الخلاف بين الشمال والجنوب على "تحرير "العبيد".
الأداة الأفضل
في بعض الدوائر السياسية الغربية يقال أن ساسة الكرملين سيكونون أكثر ارتياحا لو فاز ترمب بالرئاسة مرة أخرى لأنهم يرون فيه الأداة الأفضل لأفول نجم الولايات المتحدة كقوة عظمى.
بتاريخ 2 سبتمبر 2020 جاء في تحليل نشرته مجلة "كوريير" الروسية للصناعات العسكرية:  
عبر مكسيم كلاشنيكوف وسيرغي بيريسليغين، عن رؤيتهما لإمكانية تطور المواجهة في أمريكا إلى حرب أهلية وصولا إلى انهيار الولايات المتحدة.
وجاء على لسان الصحفي مكسيم كلاشنيكوف:
الأزمة العالمية، تجعل كل شيء ممكنا. بما في ذلك "ثورة ملونة" في الولايات المتحدة. فمن الواضح أن هناك مواجهة متنامية بين الترمبيين "القوميين والصناعيين الحمائيين" والممولين والعولميين الذين يعتمدون على اليسار المتمرد والقاع الملون. يرى كثيرون، منذ الآن، كيف يخرج الليبراليون في أعقاب انتخابات نوفمبر 2020 إلى "الميدان" إذا ما فاز ترمب، معلنين عدم الاعتراف بذلك، أو العكس، خروج أنصار ترمب، غاضبين جدا من انتصار بايدن النعسان.
أما الناقد الأدبي وعالم الاجتماع والمؤرخ العسكري سيرغي بيرسليغين، فقال:
في رأيي، الأمور بالنسبة للولايات المتحدة، ليست مأساوية إلى هذه الدرجة. خاصة وأن شيئا من هذا القبيل حدث من قبل، بل أكثر من مرة.
فالتاريخ الأمريكي أشبه بـ "محرك حراري اجتماعي". وهو ذو طبيعة دورية. تستمر الدورة حوالي 80 عاما، وتتكون من فترة من عدم الاستقرار "20 عاما"، ثم أزمة حادة مع حرب أهلية "4-5 سنوات"، فحقبة إعادة الإعمار، حيث ينشر المنتصر نظامه في جميع أنحاء البلاد "15 عاما"، ثم دورة من التنمية المستدامة "40 سنة". لقد بدأت دورة جديدة في العام 2001 مع البرجين التوأمين.. وقد تطلّب انتقال الأزمة إلى طور حاد وصول رئيس عديم الشعور بالمسؤولية إلى السلطة. فهو انتخب، في العام 2016. وهو، شخص يعتبر موقفه أهم من الاتفاقات السياسية واستقرار البلاد. كان أبرز رؤساء الولايات المتحدة، جورج واشنطن، ولينكولن وروزفلت من هذا النمط، على الرغم من أن روزفلت لم يوصل الأمور إلى حرب أهلية، إنما اكتفى بحرب عالمية.
خلال الأزمة، سيموت الدولار وأصول الإنتاج الضخمة ويقتل البشر. لكن، خلال فترة إعادة الإعمار، ستصبح أمريكا أقوى بكثير مما كانت عليه في نهاية الدورة السابقة. وربما ستحدد لنفسها هدف التوسع نحو المريخ.
الخطر
جمع مقال نشرته مجلة "ذا نيويوركر" ونشر يوم 21 أغسطس 2020 شهادات مؤرخين وخبراء وكتاب جميعها تحذر من أن أمريكا على شفا الوقوع في أتون "حرب أهلية" جديدة، ولكن بشكل مختلف، مشيرين إلى أن أحداث العنف والوحشية العنصرية التي تشهدها مدن أمريكية، تكشف هشاشة الولايات المتحدة.
وفي مقالها بالمجلة المذكورة، تنقل الكاتبة الأمريكية روبن رايت، عن العسكري السابق والدبلوماسي الأمريكي كيث ماينز، مخاوفه من أن بلاده على شفا حرب أهلية.
وقالت الكاتبة: إن ماينز الذي قضى مسيرته المهنية في إجراء أبحاث عن حروب أهلية في بلدان أخرى، عاد بعد 16 عاما إلى بلاده "ليجد أن الظروف التي كان يراها تؤجج نزاعات في الدول الأخرى ظاهرة الآن في وطنه، وصار هذا هاجسا يطارده".
وأشارت الكاتبة الأمريكية إلى أن ماينز كان واحدا من عدة خبراء في الأمن الوطني طلبت منهم مجلة "فورين بوليسي" في مارس تقييم مخاطر نشوب حرب أهلية ثانية، بالنسب المئوية، ليؤكد أن الولايات المتحدة تواجه خطر نشوب حرب أهلية بنسبة 60 في المائة في غضون فترة تتراوح بين الأعوام العشرة والخمس عشرة المقبلة.
وتراوحت توقعات خبراء آخرين بين 5 في المائة و95 في المائة، فيما بلغت نسبة الإجماع الواقعي 35 في المائة.
ولفتت الكتابة إلى أن هذه التوقعات كانت "قبل 5 أشهر من حادثة تشارلوتسفيل".
ونوهت الكاتبة إلى أن الحرب الأهلية لم تعد تتخذ الصورة التقليدية القديمة من معارك منظمة بين جانبين، وإنما أصبح الكثير منها اشتباكات منخفضة الحدة مع أحداث عنف عرضية في المناطق المتأججة باستمرار، وهو ما يتوافق بشكل كبير مع ما تشهده الولايات المتحدة حاليا.
وتبين الكاتبة أن ماينز عرف الحرب الأهلية على أنها عنف واسع النطاق يتضمن رفض السلطة السياسية التقليدية، ويقتضي تعامل الحرس الوطني معه، مشيرة إلى أنه في يوم السبت 12 أغسطس، وضع حاكم فرجينيا الديمقراطي تيري ماكوليف الحرس الوطني في حالة تأهب وأعلن حالة الطوارئ.
وحول دور الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في تأجيج هذا العنف الممهد للحرب الأهلية، كتب ماينز في مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن ترمب "جعل العنف وسيلة نموذجية لإحراز تقدمات سياسية، وأجاز البلطجة أثناء حملته الانتخابية وبعدها. وانطلاقا من الأحداث الأخيرة، صار اليسار جزءا لا يتجزأ من ذلك".
ولفتت الكاتبة رايت إلى أن قلق العامة تجاه احتمال نشوب نزاعٍ جديد وجد متنفسا له في الثقافة الجمعية، ففي أبريل اختار موقع "أمازون" للتسوق الإلكتروني رواية "الحرب الأمريكية"، التي تدور أحداثها حول قيام حرب أهلية ثانية، كأحد أفضل الكتب المعروضة للبيع ذلك الشهر.
وكتب رون تشارلز، في عرض للرواية في صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية: عبر صفحات هذه الرواية المليئة بالندوب تندلع اشتباكات يتوقع الكثيرون بيننا حدوثها بقلق جم في عهد ترمب، أمة تمزقها أيديولوجيات متضاربة، وتغربها شكوك راسخة.. إنها رواية مؤثرة ومرعبة في الوقت ذاته.
وترى الكاتبة أن ما حدث في تشارلوتسفيل وغيرها من الأحداث القاتلة في مدن فيرغسون، وتشارلستون، ودالاس، وسانت بول، وبالتيمور، وباتون روغ، والإسكندرية الأمريكية، يطرح بشدة التساؤل عن المصير الذي تساق إليه الولايات المتحدة.
ولفتت إلى أن أحداث تشارلوتسفيل لم تكن أول مظاهرة قام بها "اليمين البديل" المزعوم، ولن تكون الأخيرة، فقد جرى التخطيط لتجمعات مشابهة.
وحذرت رايت من أن الأخطار الآن باتت أكبر من مجرد مجموعة حوادث عنف، ونقلت عن مركز قانون الحاجة الجنوبي تأكيده في تقرير أصدره في فبراير 2020 أن "اليمين المتطرف حقق نجاحات في دخول التيار العام السياسي في السنة الماضية أكثر مما حققه على مدار نصف قرن"، موثقا أكثر من 900 مجموعة كراهية والعدد يتزايد في الولايات المتحدة.
الاستقلال هاجس أمريكي يتجدد..
جاء في ورقة تحليلية نشرها موقع الوقت الاخباري يوم 8 سبتمبر 2020:
إن الرغبة في الاستقلال جادة في حوالي 70 بالمائة من الولايات الأمريكية، ويمكن أن يكون التراجع الذي لا يمكن إنكاره في السلطة الفيدرالية هو العامل المحفز لانهيار الاتحاد في المستقبل القريب.
وقد أدى السماح للمواطنين الأمريكيين بامتلاك الأسلحة، إلى تحويل البلاد إلى مستودع للبارود، يمكن أن ينفجر إذا تبددت آمال المواطنين في إصلاح النظام السياسي.
منذ منتصف القرن التاسع عشر، عندما انتهت الحرب الأهلية الأمريكية كان عدد سكان الولايات المتحدة 31 مليونا فقط، ورغم ذلك شكلت فكرة استقلال الولاية دائما نقاشا حيويا. وهذه المطالبة بالاستقلال لم تكن موجودة فقط في أذهان بعض الأشخاص الذين يكرهون أمريكا.
المجتمع الأمريكي يواجه هذا النقاش، ولكن إلى أي مدى يمكن للباحثين عن استقلال ولاية ما أن يدفعوا قضيتهم إلی الأمام؟ يعتمد ذلك على الظروف الاقتصادية وسلطة الحكومة المركزية وإرادة الولايات الأخرى.
كاليفورنيا على وجه الخصوص لديها ثقافة مختلفة نسبيا عن الولايات المتحدة الأخری. يقول سكان كاليفورنيا للأجنبي الذي يأتي إلى الولايات المتحدة، “لا تعتقد أن كاليفورنيا جزء من الولايات المتحدة، تصور أن هذه الولاية هي دولة بحد ذاتها، لأنها في الحقيقة لديها ثقافة مختلفة تماما“.
ولنلاحظ الولايات الأمريكية الأخرى. تكساس، على سبيل المثال، هي أغنى وأكبر ولاية جمهورية بعد كاليفورنيا. هناك موارد النفط والغاز في هذه الولاية وتعمل فيها شركات كبيرة. تكساس لديها ثقافتها الخاصة، والتي تختلف عن ثقافة الولايات الصغيرة مثل “مين” و”نيو هامبشاير” التي لديها اقتصادات زراعية.
لكن كاليفورنيا شيء آخر. لا يمكن القول إنها مثل الدول الأوروبية تماما، ولكنها تشبه دولة أوروبية أكثر منها ولاية أمريكيةً. لقد استطاع سكان شمال كاليفورنيا تشكيل “جمهورية كاليفورنيا” خلال حقبة قادتها شخصية عسكرية.
لنلاحظ علم كاليفورنيا، تحت ذلك الدب الرمادي الذي يعد رمزا لفخر كاليفورنيا، توجد كلمة “جمهورية كاليفورنيا”. تشير هذه العبارة إلى تلك الفترة المجيدة عندما كان سكان كاليفورنيا يتمتعون بجمهورية. ونری هذا العلم في معظم المنازل في ولاية كاليفورنيا.
وعندما يتم انتخاب الحاكم عن طريق صناديق الاقتراع، فإنه يتحدث بطريقة محسوبة ودقة متناهية، حتی يدعمه الناخبون ويقفون خلفه مرة أخرى ويصوتون له. هذه هي كاليفورنيا حيث كان فيها الشعور بالاتحاد قويا جدا منذ البداية. لكن الآن تغيرت هذه المعادلات. ولذلك لا يمكن التقليل من شأن الرغبة في الاستقلال على الإطلاق.
إن الرغبة في الاستقلال عالية جدا، لدرجة أن الحاكم الحالي لولاية كاليفورنيا أعلن ذات مرة أن كاليفورنيا دولة قومية. الحاكم في الولايات لا يتم تعيينه، بل يتم انتخابه عبر الاقتراع الشعبي.
کما أن العديد من الولايات الجنوبية ترى نفسها دولة قومية منذ عام 1856، وتقول صراحة إن هذا الاتحاد مزور في الأساس، وما زالوا لا يرفعون العلم الأمريكي بل يرفعون علم الاتحاد. ويمکن القول بسهولة إن أكثر من 70 في المائة منهم يعتبرون أن لهم هوية مستقلة.
تأثير احتجاجات السود
الاحتجاجات الأخيرة التي بدأت باغتيال “جورج فلويد”، عززت شعور الأمريكيين بالاستقلال. الولايات المتحدة الآن قريبة جدا من حرب أهلية. صحيح أننا لا نستطيع تقدير احتمالية اندلاع الحرب الأهلية بنسبة 100 في المائة، ولكن لا يمكننا إنكار وجود هذا الخطر.
في الولايات المتحدة، يسمح القانون للأفراد بامتلاك الأسلحة. ووفقا للتعديل الثاني لدستور الولايات المتحدة، يسمح لأي شخص يعيش في هذا البلد بامتلاك سلاح. ليس عليك أن تكون مواطنا، بل البطاقة الخضراء تكفي. ولذلك معظم الناس لديهم أسلحة وبنادق.
في هذه الثقافة، نواجه برميلا من البارود يمكن أن ينفجر في أي لحظة. إذا ذهبت إلى صالة الألعاب الرياضية لممارسة الرماية، فسترى أن الكثيرين يجلبون أطفالهم. هناك ثقافة مفادها يجب على الجميع الدفاع عن أنفسهم. على سبيل المثال، إذا دخل شخص ما إلى المنزل، فيجب عليك استخدام السلاح ودفاعك هو دفاع مشروع.
وإذا أصبح الوضع متوترا، فمن الممكن أن يتصرف الأفراد بشكل فردي أو جماعي لمواجهة الشرطة. لكن في الوضع الحالي، لم يحمل الشعب الأمريكي السلاح بعد للوقوف في وجه قوة الشرطة القاسية والنظام القمعي الذي أوجد التمييز. لماذا؟ لأنه لا يزال هناك أمل في تحسين هذا النظام. ولکن عندما يتلاشى هذا الأمل في إصلاح النظام، فمن المحتمل جدا حدوث حرب أهلية واستقلال العديد من هذه الولايات.
هل يتقبل الخاسر النتيجة بكياسة؟
صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية نشرت يوم الأحد 13 سبتمبر 2020 تحليلا كتبه كولبي سميث وريتشارد هندرسون من نيويورك وروبن ويجلزويرث من أوسلو حول قلق الأسواق من تبعات الانتخابات الأمريكية جاء فيه:
قبل أربعة أعوام، انسحب كارل أيكان بهدوء من حفل صاخب في فندق هيلتون نيويورك بمناسبة فوز دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية. كانت الساعة الثانية صباحا، وكانت الأسواق في حالة انهيار بسبب نتيجة الانتخابات الصاعقة، وأراد المستثمر الملياردير اغتنام الفرصة.
خسارة هيلاري كلينتون أمام المطور العقاري الطنان أدت إلى انخفاض العقود الآجلة لسوق الأسهم الأمريكية بما يصل إلى 5 في المائة في تلك الليلة، ما أدى إلى فرض قيود على التداول تهدف إلى الحد من الانهيارات.
في جميع أنحاء العالم، كان المستثمرون يتدافعون لفهم ما تعنيه لأسواقهم واحدة من أكثر الاضطرابات إثارة في تاريخ الانتخابات الأمريكية. لكن أيكان كان على ثقة تامة بأن رئاسة ترمب ستكون نعمة على الاقتصاد لدرجة أنه اتصل بوسطائه وراهن بجرأة بمليار دولار على أن سوق الأسهم ستتعافى من الخوف.
ما إن حل الصباح حتى كان هذا الشخص المشهور بغزوه للشركات قد جنى ثروة، بعد أن هدأ عديد من المستثمرين عقب تعهد الرئيس المنتخب، ترمب، في وقت لاحق من تلك الليلة بأنه سيعمل على "تضميد جراح الفرقة" وكشف عن خطة ضخمة للإنفاق على البنية التحتية، إضافة إلى وعود سابقة بخفض الضرائب وإلغاء بعض الأنظمة.
بشكل عام، لم تثبت الانتخابات الرئاسية الأمريكية أنها من الأحداث الكبرى بالنسبة للأسواق التي تميل إلى التعامل مع حالة عدم اليقين السياسي بمزيج من اللامبالاة والبراغماتية. مع ذلك، التذبذبات الجامحة في سوق الأسهم الأمريكية قبل أربعة أعوام تؤكد كيف يمكن تحقيق الثروات وكيف تضيع عندما يكون دونالد ترمب على ورقة الاقتراع.
من الطبيعي أن جائحة كوفيد 19 سيطرت على الأسواق في 2020، وطغت على كل شيء آخر. ومع ذلك، بدأ محللو البنوك الاستثمارية ومديرو الصناديق المشتركة ومتداولو صناديق التحوط الآن في استنباط الشكل الذي ستبدو عليه الانتخابات الرئاسية في الثالث من نوفمبر، وما ذا كانت القطاعات الرابحة والخاسرة ستعتمد على ما إذا كان ترمب هو الفائز، أم منافسه الديمقراطي جو بايدن هو الذي سيفوز. والأمر الفريد والأكثر إثارة للقلق، هو ماذا سيحدث إذا انتهى الأمر إلى نتيجة فوضوية ومتنازع عليها.
في بعض الحالات المتعاملون في السوق يسألون أنفسهم أسئلة من النوع الذي هو عادة من اختصاص مستثمري الأسواق الناشئة: ماذا يحدث للأسواق إذا تم تقويض المؤسسات الديمقراطية؟.
الأمور التي على المحك كبيرة بشكل غير عادي في هذا السباق، بالنظر إلى الطبيعة غير التقليدية لإدارة ترمب، والخطاب السياسي الحارق على نحو متزايد، ودولة هي منذ الآن متوترة وعصبية بسبب جوانب الظلم الاجتماعي والاقتصادي والعرقي، وعدد الوفيات الناتجة عن الوباء التي تزيد على 186 ألف شخص.
على الرغم من استمرار سوق الأسهم الأمريكية في الارتفاع هذا الصيف، إلا أن هناك إشارات متزايدة على وجود توتر تحت السطح فيما يتعلق بالانتخابات المقبلة، خاصة بشأن مخاطر أن تكون نتيجة الانتخابات موضع خلاف.
هل أمريكا خرافة ؟
جاء في تحليل كتبه روبن رايت ونشرته صحيفة "ذي نيويوركر" يوم الجمعة 11 سبتمبر 2020:
تشعر الولايات المتحدة وكأنها تتفكك، ليس فقط بسبب موسم انتخابات سام، أو أزمة وطنية على خلفية العرق والبطالة والجوع في أرض الفرص، أو جائحة تقتل عشرات الآلاف كل شهر. أساس أمتنا يعاني من تشققات عميقة، ربما أكثر بكثير من القدرة على إصلاحها في أي وقت قريب، أو على الإطلاق (...). الغضب يستهلك الكثيرين في أمريكا، وقد يصبح أسوأ بعد الانتخابات، وعلى مدى السنوات الأربع المقبلة، بغض النظر عن الفائز. تصدعاتنا السياسية والثقافية ولّدت شكوكا متزايدة حول استقرار بلد اعتبر نفسه، لفترة طويلة، ملاذا، نموذجا واستثناءً بالنسبة إلى بقية العالم .
"إن فكرة أن أمريكا لها ماض مشترك يعود إلى الفترة الاستعمارية، هي خرافة"، قال لي كولين وودوارد، كاتب "الاتحاد: النضال من أجل صياغة قصة أمة الولايات المتحدة". "نحن أمريكات مختلفة، لكل منها قصص عن الأصل، ومجموعة قيم، كثير منها غير متوافق. لقد أدت إلى اندلاع حرب أهلية في الماضي، ومن المحتمل أن تكون قوة حارقة في المستقبل".
الأزمة اليوم تعكس تاريخ الأمة. لم يتغير الكثير، كما اتضح. استوطنت البلاد ثقافات متنوعة: التطهيريون في نيو إنغلند، والهولنديون حول مدينة نيويورك، والأبالاشيا ذات الغالبية من الاسكتلنديين - الإيرلنديين، وأمراء العبيد الإنكليز من باربادوس وجزر الهند الغربية في أعماق الجنوب. غالبا ما كانوا أخصاما، يشير وودوارد (...). الولايات المتحدة كانت "صدفة تاريخية" إلى حد كبير، لأن الثقافات المتميزة تشاركت تهديدا خارجيا من البريطانيين. (...) بعد ما يقرب من مئتين وخمسين عاما، يزعم بلد يصل حجمه إلى ستة أضعاف حجمه الأصلي أنه بوتقة انصهرت فيها ثقافة "أمريكية" ونظام سياسي يتعهد بتوفير "الحياة والحرية والسعي لتحقيق السعادة". في كثير من الأحيان، لم يحدث ذلك.
بعد قرون، لا تزال الانقسامات والتشققات الثقافية عميقة. قد يعرف عن ثلاثمئة وثلاثين مليون شخص على أنهم أمريكيون، لكنهم يحددون ما يعنيه ذلك - وما هي الحقوق والمسؤوليات التي ينطوي عليها - بطرق مختلفة إلى حد كبير. لم يتم الوفاء بالوعد الأمريكي للعديد من السود، اليهود، اللاتينيين، الأمريكيين الآسيويين، وعدد لا يحصى من مجموعات المهاجرين، وحتى بعض البيض. جرائم الكراهية - أعمال العنف ضد الأشخاص أو الممتلكات على أساس العرق أو الدين أو الإعاقة أو التوجه الجنسي أو الإتنية - تعد مشكلة متنامية. وقد حذرت مجموعة مكونة من الحزبين في مجلس النواب، في أغسطس، من أنه "في ظل تزايد عدم اليقين، رأينا الكراهية تنطلق".
عندما خاضت أثينا وإسبارطة الحرب في القرن الخامس قبل الميلاد، لاحظ الجنرال والمؤرخ اليوناني ثوسيديدس أن "الإغريق لم يعودوا يفهمون بعضهم البعض، على الرغم من أنهم يتحدثون اللغة نفسها". في القرن الواحد والعشرين، يحصل الأمر ذاته بين الأمريكيين. تَحول خطابنا السياسي إلى "حرب أهلية بوسائل أخرى. نبدو كأننا لا نريد حقاً الاستمرار في أن نكون أعضاء في بلد واحد"، كتب ريتشارد كريتنر، في كتابه المنشور أخيرا "فككوه: الانفصال والانقسام والتاريخ السري لاتّحاد أمريكا غير الكامل". في أوقات مختلفة من تاريخ أمريكا، كان بقاء الاتحاد ناتجاً من "الحظ والصدفة"، بقدر ما نتج من التلويح بالأعلام والإرادة السياسية. "في كل خطوة تقريبا، تطلب الأمر تنازلات لا يمكن الدفاع عنها أخلاقيا، أدّت فقط إلى دفع المشاكل إلى المستقبل".
لقد أنتجت محاولة تصفية الحساب مع الماضي المزيد من الأسئلة - وانقسامات جديدة - بشأن مستقبلنا. في العاصمة واشنطن، أوصت الأسبوع الماضي مجموعة مكلفة من عمدة المدينة، موريل باوسر، في تقرير، بأن يطلب مكتبها من الحكومة الفيدرالية "إزالة أو نقل" نصب واشنطن التذكاري ونصب جيفرسون وتماثيل بنيامين فرانكلين وكريستوفر كولومبوس، من بين أمور أخرى. ووضعت اللجنة قائمة بالأشخاص الذين لا ينبغي تسمية أعمال عامة بأسمائهم، بما في ذلك الرؤساء جيمس مونرو، أندرو جاكسون، وودرو ويلسون، والمخترع ألكسندر غراهام بيل، وفرانسيس سكوت كي الذي كتب النشيد الوطني. بعد موجة من الانتقادات، قالت باوسر، يوم الجمعة 4 سبتمبر، إنه جرى تحريف التقرير، وإن المدينة لن تقدم على أي فعلٍ في ما يتعلق بالآثار والنصب التذكارية. ولكن يبقى هناك سؤال، ليس فقط لأننا نعيش في عصر "حياة السود مهمة": ما هي أمريكا اليوم ؟ وهل تختلف عن ماضيها المعيب بشدة ؟.
منذ أعوام الـ1830، مرت الولايات المتحدة بسلسلة من الأزمات التي هددت تماسكها. بدأت فكرة الجمهورية الثورية الملتزمة بالمساواة في ذلك الوقت، للرجال البيض فقط بالتآكل، مع ظهور الاختلافات الإقليمية وتلاشي الجيل الأول من الثوار. ضغطت الولايات أو الأقاليم، مرارا وتكرارا، باتجاه الاستقلال (...).
هددت الانقسامات الواسعة، مرة أخرى، بالتسبب في تفكك الأمة في الثلاثينيات والستينيات من القرن الماضي، "والآن مرة أخرى ؟"، على ما قال لي المؤرخ في جامعة "ييل"، ديفيد بلايت. اليوم، أمريكا مليئة بالحركات الانفصالية الفخورة. وفي انعكاس لـ"بريكست" - خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي - يطالبون بـ"تكست" "تكساس"، "كاليكسيت" "كاليفورنيا"، و"فيريكست" "فيرمونت".
ساعدت الحاجة إلى التجارة الداخلية ومخاطر التهديدات الخارجية في تماسك أمريكا. تَجمعت الفصائل المتباينة في البلاد من أجل مواجهة الاعتداء البريطاني في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، والألمان واليابانيين في القرن العشرين، و"القاعدة" بعد هجمات 11 سبتمبر في القرن الـ21. ولكن الآن، من دون تهديدات خارجية، تنقلب الأمة بشكل متزايد على نفسها. "نحن بالتأكيد لسنا موحدين"، قال بلايت. "هل نحن على حافة انفصال من نوعٍ ما ؟ لا، ليس بالمعنى الحرفي. ولكن في داخل عقولنا ومجتمعاتنا، نحن بالفعل في فترة انفصال بطيء التطوّر" (...). "الولايات المتحدة اليوم هي بيت منقسم حول ما يبقيه واقفا"، أضاف بلايت.
في كتابه الجديد، يجادل كريتنر بأنه، مع سياساتها المحطمة بشكل كبير، فإن وقت أمريكا ينفد. احتمال وقوع انفصال جسدي أو سياسي هو الآن حقيقي، على الرغم من أن الاستقطاب في أمريكا ليست له حدود جغرافية دقيقة: لا ولاية حمراء هي كذلك بالكامل، ولا ولاية زرقاء هي زرقاء بالكامل. "شهد القرن الحادي والعشرون عودة لا لبس فيها لفكرة مغادرة الولايات المتحدة أو تفكيكها. مجموعة متنوعة من الحركات الانفصالية التي شكلتها صراعات وانقسامات الماضي تجلت بطرق جديدة، وقد تكون مزعزِعة للاستقرار"، يكتب كريتنر. على عكس الماضي، ظهرت الدوافع الانفصالية الحالية في أماكن متعددة في الوقت ذاته. "غالباً ما ترفض الفكرة على اعتبار أنها غير جادة أو خيالية، إلا أن عودة الحديث عن الكونفدرالية والانفصالية الجديدة تكشف انقسامات في الحياة الأمريكية، ربما لا تقل صعوبة عن تلك التي أدت إلى الحرب الأهلية الأولى"، يحذر كريتنر.
في السنوات المقبلة، من المرجح أن تزداد جاذبية إيقاف التجربة الأمريكية، حتى بين المؤمنين المخلصين لفكرة السلطة الفيدرالية. وبحسب ما يكتب كريتنر، ففي حال جرى حل الاتحاد مجددا، فإن ذلك سيكون "في كل مكان، ومرة واحدة". في بعض النواحي، ستكون الانتخابات التي تفصلنا عنها ثمانية أسابيع فقط بمثابة إسعاف مؤقت، على الأقل لإنهاء حالة عدم اليقين الحالية المؤلمة، لكنها ستلعب جزءا من الدور فقط في تقرير ما سيحدث في النهاية لأمّتنا. "هل نحن خرافة ؟ حسنا، نعم، بالمعنى العميق للكلمة. لطالما كنا كذلك"، قال بلايت. من أجل البقاء، يجب على أمريكا أن تتجاوز الخرافة.
 
عمر نجيب
[email protected]