اذا كنا في منطقة “الشرق الاوسط” نعاني من “الطائفية” واستفحالها، وتفريخها حالة من الكراهية للآخر، وميليشيات مسلحة تمارس القتل والتفجير باشكاله كافة، فان الولايات المتحدة الامريكية التي تقود “العالم الحر” بدأت تواجه ازمة مماثلة، ولكن تحت عنوان مختلف وهو تنامي العنصرية البغيضة تجاه الامريكيين من اصول افريقية.
حوادث العنف العنصري في تصاعد مستمر في السنوات الاخيرة، ومن قبل البعض ضد السود، ومن اللافت ان هذا التصاعد يتزامن مع انتخاب اول رئيس امريكي لفترتين، واقدامه على اصلاحات جزئية مثل الضمان الصحي، الذي يقدم الخدمات الضرورية للفقراء والمعدمين، ونسبة كبيرة منهم من السود، وادى وقوف نواب عنصريين في مجلس الشيوخ والنواب لعرقلة هذا التأمين وقانونه الى زيادة النزعة العنصرية، وترجمتها الى اعمال عنف في اكثر من ولاية امريكية آخرها مجزرة مدرسة تشارلستون، التي راح ضحيتها اكثر من تسعة من السود، بما في ذلك القس، ونفذها شاب ابيض في العشرين من عمره.
الرئيس باراك اوباما توجه بنفسه الى الكنيسة المجاورة للمدرسة وحضر قداسا على ارواح الضحايا، والقى كلمة مؤثرة، تحدث فيها بكل صراحة ووضوح عن انعدام المساواة، وتزايد حالة الفقر في بعض الاحياء السوداء في العديد من المدن الافريقية، ووجود قيود على تولي السود وظائف في القضاء، وغيرها من المؤسسات العامة.
امريكا لم تتخلص من العبودية، واضطهاد الامريكيين من اصول افريقية، الا في منتصف الستينات من القرن الماضي، بفضل مناضلين شرفاء مثل مارتن لوثر كينغ، ومالكوم اكس، حيث تمخض هذا النضال عن قانون الحريات والمساواة، والغاء كل مظاهر التمييز في وسائل المواصلات، والمستشفيات، والمدارس، والجامعات وغيرها، الآن يحاول اليمين الامريكي الابيض العنصري اعادة عقارب الساعة الى الوراء، ولهذا طالب الرئيس اوباما بكسر حاجز الصمت، ومنع حدوث الكارثة وهي في بداياتها.
الرئيس اوباما يدرك جيدا، وهو الذي عانى اباه واقاربه من التمييز العنصري، وكانوا يجلسون في المقاعد الخلفية في الحافلات، ان العنصرية اذا ما استفحلت ستؤدي حتما الى انهيار “الحلم الامريكي” في الحرية والمساواة والاندماج، ومن المؤسف، بل والمؤلم، انه لا توجد هذه الدرجة من الوعي لدى اي من قياداتنا تجاه ظاهرة الطائفية المنتشرة هذه الايام في بلداننا، وتنعكس في حروب مدمرة، بل من المؤسف اكثر، ان الكثير من حكامنا وحكوماتنا يؤججون هذه الظاهرة، ويصبون الزيت على نارها.
الهوية الوطنية الجامعة تتآكل في معظم الدول العربية لصالح الهوية الطائفية التقسيمية، وامامنا ثلاثة امثلة تجسد هذا الواقع المؤلم، في كل من سورية والعراق واليمن، وهي دول اصبحت “فاشلة” مفتتة، بفعل هذه الآفة الخطرة.
اوباما تحدث عن العنصرية بشجاعة وجرأة، ولم يتردد في قول الحقيقة من منطلق الاحساس بالمسؤولية، والحرص على بلاده، فهل نرى حكاما عربا يتحلون بالشجاعة والجرأة نفسها؟
نشك في ذلك كثيرا.
“راي اليوم”