لا أدرى كيف يسمِّى الإنسان نفسه كاتباً أو ناقداً أو أديباً أو يسمِّيه بعضهم كذا- وبخاصَّةٍ المقرَّبون منه – وجنايته على اللُّغة واضحةٌ، بل إنَّ بعض المُسمَّين بالكتَّاب والنُّقَّاد يضبط الحروف ضبطاً خطأً، والقارئ ضيِّق الأفق يظنُّ أنَّ الكاتب يعرف اللُّغة، وممَّا زاد الطِّينَ بلَّةً، والمريضَ علَّةً أنَّكَ تجد مَن يقرأ له يعلِّق: لغتكَ ممتازةٌ أيُّها الأديب، أسلوبكَ جيِّدٌ أيُّها الكاتب، إبداعٌ لا مثيلَ له أيُّها النَّاقد، رائعٌ بمعنى الكلمة، كيف أنمِّى ثروتى اللُّغويَّة مثلكَ؟، وهنا علينا أن نضحكَ ملءَ فمِنا ثمَّ ندعو لهم؛ لعلَّ دعوةً يكون فيها علمٌ حقيقىٌّ دون طامَّاتٍ، ورأىٌ واقعىٌّ دون مجاملاتٍ.
أىُّ كاتبٍ ذلكَ الذى لا يعرف همزة الوصل من القطع؟، أىُّ كاتبٍ هذا الذى لا يعرف الفرق بين رسم الهمزة على الألف والواو والياء والسَّطر؟، أىُّ كاتبٍ هذا الذى يرفع مجروراً، وينصب مرفوعاً؟، أىُّ كاتبٍ هذا الذى لا يعرف متى نستخدم هذه الكلمة وتلكَ اللَّفظة وذلك الأسلوب؟.
أيُّها الكِرام، إنَّ الكتابة ليسَتْ رصَّ حروفٍ، وعدَّ صفوفٍ، ولو كانتِ العبرة بهذا لكانَ جَدِّى وجَدُّكَ وجَدَّتى وجَدَّتكَ من الأدباء أصحاب الرِّوايات، بكلامهم النَّدىِّ، ولفظهم الشَّجىِّ.
سيقولون لكَ: العبرةُ بالمعنى، والأهمُّ الفكرة، فقلْ لهم: كيف يكون هذا والمعنى تابعٌ للَّفظِ؟، إنَّ حركةً واحدةً تقلب الدُّنيا، فتجعل الفاعل مفعولاً، والقاتل مقتولاً، ولو كانتِ العبرة بالمعنى فقط لَما ألَّف الأوائل كتباً كثيرةً فى النَّحو والبلاغة؛ لتكون هناك سلامةٌ فى الأسلوب، وفصاحةٌ فى المعنى.
أخرجوا لنا غلطات الرَّافعىِّ والعقَّاد والزَّيَّات وغيرهم، وقارنوها لتعرفوا مَن الكاتب الحقيقىُّ؟، ثمَّ فى النِّهاية الرَّافعىُّ كاتبٌ، وهذا أصبح كاتباً، وما هذا إلَّا مِن عفن الفيس وقُبحِه، وجنايته وجُرحِه، ولنا الله فى أدبٍ يضيع، ولغةٍ تشكو أهلَها، وسامحَ الله مَن أضاعَ هذا التُّراث، وجهلَ قدر النُّسور واتَّبع البُغاث.