المذهب المعروف القاضي بأن المقروء من العنوان مجمع عليه إذلا فائدة من عنونة نص إذا لم ترمز إلى بعضمضامينه كما لا نفع من تسمية شارع إذا لم تكن تساعد على الاهتداء لجهة مقصودة .
إن ذلك قد لا ينطبق على العنوان المنتقى لهذه الرؤية المتواضعة ، فليس المقصود نعت الحوار بالسلبية بل المراد تحليل وضع معيش يدرك بقليل من التحليل .
وأنبه إلى أنني في مقالات سابقة ناديت بأهمية التحاور وإلزامية التراضي والإجماع خدمة للأمة التي لن ترضى بغيره.
وكتبت عن الأمن القومي العربي ودور موريتانيا من همزة وصل إلي رئاسة الاتحاد الإفريقي وذلك أشهرا قبل عاصفة الحزم وبينت ما قامت به بعض الدول خدمة لأمن الأمة.
ثم إنني تقدمت بمعاهدة سلم اجتماعي من سبع مواد، كان عرض أسبابها مضيئا مفهوما ولو لم يتمعنه قارئ ،ما يعني كامل اعتزازي وفخري بحوار أبناء الوطن الواحد الذي أنتمي إليه .
إلا أن المتفطن إلى الحياة العامة في البلد يلحظ أنه ما إن يعلن البدء عن الحوار حتى يستنفر كل شيء بل ويعطل العمل في دوائر ومفاصل الدولة .
وإذا كان من الطبيعي من قبل العامة تحري ما يصدر من نتائج عن الحوار فالغامض هو التعطل شبه التام في أذهان القيمين على الشأن العام ، حتى إن المصارحة و الوضوح يد فعان بالبعض إلى القول لزواره أنه بانتظار اتجاه الحوار وكأن نتائج الأخير هي الموجه الحقيقي لأي قرارات قد تتخذ بوجه عام .
إنه نوع من الحيرة والارتباك يطبع الحياة الإدارية كلما أريد لحوار أن يلتئم .
أسئلة مشروعة ؟
1 ـ ما علاقة قرارات إدارية يفترض أنها انطلاقا من ديمومة الدولة لا تتأثر بتغير الحياة السياسية والحوار؟
2 ـ يأتي الحوار عادة وقد تمت المصادقة على الميزانية الأصلية للدولة فلم يتعمد البعض التلكؤ في بعض الصرف بعد أن يكون استوفى كافة الشروط انتظارا لنتائج الحوار .؟
3 ـ هذه العلاقة الواضحة اليوم عند الجميع بين اتخاذ القرار أي قرار وبين نتائج الحوار أقل ما يقال عنها أنها اعتباطية إلا أن يكون من وراء القصد حاجة في نفس يعقوب سيقضيها اعتمادا على نجاح أو فشل الحوار.
أ ـ إذا فشل الحوار: فالأمور باقية على ما كانت عليه وباب الاجتهاد مفتوح ولكل اختصاصه والمسؤول الأول في كل قطاع إليه يرد كل شي ء.
ب ـ أما في حال النجاح : فكل مسؤول يتفنن في التعامل مع اللاحق في كافة الملفات وكأن الحوار قد أصاب الأمور المعمول بها في مقتل حيث لم يعد بها حراك.
أما الضمير الجمعي للأمة ومثقفوها ومثلهم العامة و الدهماء فالكل مقتنع بأننا نكون أمام بناء لاحق ونسخ لكل سابق موازاة لأي هدف يسجل في إنجاح التحاور ما يتطلب الترشيد في الميزانيات المفترض أنها فصلت أجزاؤها بعيدا عن كل حوار ، وبعبارة أخرى يتولد لدي الانطباع بتدحرج الأمور صوب السكون المطلق بحيث لا يكون مشي إلى الأمام ولا القهقرى حتى تنجلي أمور الحوار وهو لعمري أمر محير فالأصل في بناء الدول أن اللاحق يكمل الذي قبله .
الطرح الطبيعي والذي اعتقد أن السيد الرئيس يسعي إليه:
فقاض باستمرار الأمور على ما كانت عليه من دون أي تعديل اللهم ما تقتضيه أمور طارئة لأن القائمين على الحكم والنظام العام مسؤولون عن اتخاذ ما يلزم في الوقت المناسب وليس لأحد مهما كان موقعه أن ينوبهم في ذلك .
و أخشى ما يخشاه الناس أن يكون الإرباك الذي يصيب بل ويشل مرافق الدولة منطو على تفكير مناقض للحملة المقامة على الفساد بحيث يحصل الالتفاف الميز انوي في كل قطاع من قطاعات الدولة وذلك تخفيا وراء الانشغال الطبيعي المتأتي من التوجه إلى اقتراعات جديدة عادة ما تشغل الجميع ويتعامل قبلها الحاكم بكامل المرونة حتى لا يغيظ مناصريه كما تفعل المعارضة طمعا في الاستزادة من الخزانات الانتخابية المحسوبة على الأغلبية .
ويعضض ذلك ما يشاع من اختلال على مستوي خزائن الأرض مع تمني أن لا يكون ما خفي أعظم .
يدرك الجانبان أن تلك لعبة و أن شرك التكدير على حياة الناخبين لا ينبغي السقوط فيه لتتم الاستفادة من أصواتهم .
بلاغ إلى الجميع :
-إلى الأغلبية : لا تعميكم الاستحقاقات المقبلة وتنادوا إلى ما ينفع الناس فذلكم أخير و أجدى من التغاضي عن المفسدين والجري وراء الأصوات وحتى لا ينعتكم خصمكم بالتناقض والكيل بمكيالين .
-إلى المعارضة:
أن تابعوا في إظهار النواقص بصفة مسؤولة فهو أجلب للأصوات من التستر عليها وتسجيلها لإظهارها بعد حين إذ ستجابون بأن قد فاتكم الأوان .
وإلى المعنيين :(المسؤولين الذين اختارهم الرئيس وعهد إليهم بالتكفل بالعدل بين الناس وحل كل عالق ).
لا تغتروا بعدم اكتراث الجميع الآن بأعمالكم وتظنون أنكم مفلتون من الحساب وهو ملحق بكم .
ـ فبعد الانتخابات ستتنادون من قبل المفتشة العامة للدولة أو محكمة الحسابات .
ـ ثم في اليوم الآخر ستحاسبون بكل عدل ولن تفلتوا إذا أبدا.
فخذوا حذركم وصححوا مساركم وراجعوا أخطاءكم واعملوا على النصح الرشيد لرئيسكم وساعدوه على إدخال السعادة إلى الجميع ، لا تعملوا على خلق الأزمات وقطع الأرزاق ، فإذا نجح الحوار فذاك ما نبغي و إذا فشل لا قدر الله فلا مراء في أنه نسج بعضالعلاقات الطيبة بين المتحاورين ونزع منهم روح الاحتكاك الخشن .
لا أشك أن من بين إخوتنا في الجانبين طيبون يحبون كل الخير لوطنهم ولأن الحوار لن يفشل تماما بل سيكون حقق بعض التلاقي في بعض الأمور مما يسد الباب أمام القطيعة بين الفرقاء ويسمح بالجلوس على طاولة المفاوضات من جديد .
أما رأيي الشخصي فهو أن الحوار بحث عن إجماع وهو بمثابة قانون مكتمل العلاقات و أن كل حلقة تمثل فرضية يستأنس بها وتنزل على أرض الوقع مرات حتى تثمر، تعدد هذه الافتراضات والمحاولات هو الذي يبلغهاالنجاح في الأخير فلا يستعجلن أحد فالمنشود نفيس .
ولأن السياسة ظاهرة اجتماعية فدراستها تنبني على قدر من الصعوبة حيث الدارس له رأي في المدروس ولن يتمكن من الموضوعية إلا إذا افترض الابتعاد بالفعل عن الآراء الذاتية بتخيله أن الموضوع لا يعنيه ’متقمصا شخصية المحايد والحال أنه طرف .
ففي الأدب يقال : إن الصدق الأدبي هو في أن تظهر أنك أنتجت ما أنتجت كأنه جاء عفو الخاطر والحال أنك تكلفته تكلفا .
إن أنت أسقطت ذلك على السياسة التي هي أيضا أدب و أخلاق و التزام توصلت إلى المراد بخداعك الناس بأنك غير معني وبنجاحك في التوصل إلى إجماع مع الطرف الآخر يتم الوصول بالبلاد إلي بر الأمان.
أما إذا لاحظت الكلمات من حيث الأوزان فتجد أن حوار على وزن سلام ، أمان ، ثمار وفي نفس الوقت تتفق مع : شجار/ نفاق/ شقاق .
فلك أن تختار والحال أن التطابق ما ثل المسلك الذي تريد على أن تكون الخلفية المرجعية هي البحث عن السلم الاجتماعي المكفول من قبل الشرائع والمنصوص في الدستور .
ا ذا ما نجحت الأطراف في تجاوز الصعوبات وتم التوصل إلى الإجماع فسنكون أمام :
ـ إحياء السلم والوحدة والتوجه صوب التنمية المستدامة لتدارك ما فوت الخلاف .
ـ و إذا ما تم فقط الاتفاق على بعض النقاط فتلك مندوحة يتم من خلالها العمل على الإكمال.
ـ أما إذا فشل لا قدر الله فنكون أمضينا فترة من التهدئة ربطت من خلالها بعض العلاقات بين المتحاورين وولدت نوعا من الرضي ولو خفي بين البعض وربما سمحت بالإطلاع على أن مكامن الاتفاق أكبر من مواطن الاختلاف ما يسمح بانطلاق جولة جديدة قد تفضي إلى اتفاق حقيقي يعصم من الزلل ويحقق العدل عبر انتخابات حرة بخارطة طريق شفافة يشارك فيها الجميع ويتم الاعتراف بالنتائج المتمخضة عنها .
ولأن الحوار لن يفشل تماما بل سيتحقق بعض التلافي في بعض الأمور فإن ذلك الأمر سيسد باب القطيعة بين الفرقاء مما يجعل الجلوس من جديد على طاولة المفاوضات أمرا مؤملا ولو إلى حين .
أكاد أجزم أن رئيس الجمهورية إنما يسعي من خلال التحاور إلى إحلال التناغم المطلوب بين الجميع فلنساعد لبلوغ ذلك ’كل من موقعه ,فالرئيس أب الأسرة الذي يريد لها الخير ولا يعامل أفرادها علي أي سلوك يصدر منهم لأنهم أولا وأخيرا جزؤه الآخر.
فعلي المسؤولين الكبار بالدولة وقد أودعهم الرئيس ثقته وكلفهم البحث عن برامج تسعد الساكنة أن يتباروا في ذلك وان يبتعد الجميع عن أية تأويلات من شأنها خلط الأوراق وإرباك الحياة العامة وذلك بالاعتماد علي المثقفين كل بحسب جدارته.
إن انتم فعلتم فلمصلحتكم وخدمة أمتكم وإلا فا لأمور أضحت واضحة لا لبس فيها إذ لا يستوي خدام الوطن مع غيرهم لا عند العامة ولا عند الرئيس .
ولن يسمح بعد اليوم بالتستر علي أي فعل أو إرادة فعل تخل بالمصالح العليا للبلد وتلحق الضرر دون ضرورة بالمواطنين وتحول بين الحاكم والشعوب التي ملت الوسائط وفي الاعتقاد أن الرئيس إذا مافقه واطلع علي مشاغلهم لن يتردد في اصدار الأمر بتلبية الممكن .
مع رجاء الخير للجميع.
محمد يحيي ولد العبقري