لما قرر اليهود ومن ورائهم البريطانيون إقامة دولة يهودية على ثانى أهم أراضى عربية من حيث المكانة الدينية، والأصالة الثقافية، والموقع الإستراتيجى سنة 1947 فإنهم بذالك أعلنوا حربا على كل العرب والمسلمين وصلت تداعياتها إلى كل أنحاء العالم. ورغم أن حسم هـذا النزاع مروهن بإتحاد فعلى لكل الدول العربية التى تقع فى المواجهة، إلا أن العرب لا يزالون منشغلون فى خلافاتهم المختلقة ناسين أو متناسين عـدوهم الحقيقى. فهل فقد العرب الأمل فى هزيمة اليهود بسبب قلة العدة والعتاد أو لهـذه التخاذل أسبابا أخرى.
للإجابة عن هـذا التساءل سوف نقوم بمقارنة بين الإسرائيلى و"مجلس التعاون الخليجى". ولكن قبل الشروع فى المقارنة يجب الإشارة إلى أن إسرائيل دولة مستقلة، وموحدة رغم ما ينتابها من عدم شرعية، وديموقراطية، رغم ما يشوب النمط الديموقراطى التى تنتهجه. أما مجلس التعاون الخليجى فيتكون من ستة دول هي المملكة العربية السعودية، سلطنة عمان، الكويت، دولة قطر، الإمارات العربية المتجدة، والبحرين. وتأسس المجلس سنة 1981 فى الرياض ، نتيجة لإقتراح تقدم به أمير الكويت الأسبق الشيخ جابر الأحمد جابر الصباح. ورغم أن المجلس كان يُنظر إليه، من شعوب المنطقة والشعوب العربية الأخرى، على أنه يهـف بشكل جدى إلى تحقيق إتحاد فعلى بين شعوبٍ وموحدةٍ أصلا من الناحية الدينية والجغرافية، والثقافية ، كما أن لهم تاريخ مشترك ولكن فرقت بينها حدود مصطنعة رسمتها أيدى مستعمردسيس. وقد أصبح واضحا الآن أن هـذا المجلس، فى الحقيقة، لا يعدو كونه " لجنة " تهدف إلى التنسيق بين حكومات الدول الأعضاء. ومع أن المجلس ركز فى دباجته على ذكرالعلاقات التاريخية بين شعوب المنطقة ، والسِّمات المشتركة التى تخصها عن غيرها من دول العالم، وضرورة العمل المشترك من أجل التقارب والتعاون بين شعوب المنطقة، إلا أنه لم يضع خطة فعَّـالة لإندماج الإقتصادى، أو إطارقانونى للتقارب الإجتماعى بين شعوب تلك الدول. ولذلك فإن شعوب تلك المنطقة، التى كانت تترقب إنجازات عظيمة على المستويين الإقتصادى والتنظيمى، سرعان ماإصطدمت أحلامها بواقع مر. حيث إقتصرالنظام الداخلى للمجلس (أو دستوره) على صيغة تعاونية ركزت على مصالح الحكومات وبعض الأفراد النافذين. ومع أن هـذه الصيغة التعاونية تهدف من بين أمور أخرى إلى تحقيق التكامل فى جميع الميادين، بين الدول الأعضاء كمرحلة تحضيرية للوحدة إلا أنها ظلت حبر على ورق منذو إنشائها إلى يومنا هـذا. فبعكس أنماط الإتحادات الموجودة فى عالمنا المعاصروالتى يشكل ربطُ مختلف المناطق المعنية بالإتحاد بشبكة للطرق من أجل تسهيل حركة الأشخاص والتبادل التجارى وعدم التمييز بين "الأشخاص والشركات" فى مختلف نواحى الإتحاد، فإن المجلس ظل عاجزا عن إنشاء قوة ربط بين شعوب المنطقة، ولذلك لم يحقق المجلس الأهداف التى أنشئ من أجلها أصلا. وظلت كل المساعى للتقارب بين شعوب المنطقة عاجزة عن تحقيق أي تقدم إلى يومنا هـذا.
ويتكون "مجلس التعاون الخليجى" من مجموعة دول مستقلة، رغم التأثير الأمريكى والبريطانى على مصادر القرارت فيها (مع إختلاف وطأة التأثير من دولة إلى أخرى)، ونظام الحكم فيهم موزع بين ملكى سرف، وسلطنى وراثى، ومملكة دستورية، وإتحادى رئاسى . أما دولة إسرائيل فهى دولة صغيرة ، لا يتجاوز عدد سكانها 8،8 مليون نسمة1ومساحتها (المسلوبة من الأراضى الفلسطينية) لا تتجاوز عشرون ألف كيلو متر مربع. إستطاع هـذا الكيان فى فترة وجيزة، وبإمكانيات متواضعة، مقارنة مع إمكانيات الدول العربية المحاذية لها، أن يكون له كل هـذا التأثير فى منطقة الشرق الأسط. فإسرائيل دولة فقيرة فى الموارد الطبيعية، لا تمتلك من الموارد الطبيعية سوى حقلين من حقول الغاز لم يُكتشفا إلا سنة 2009 و2010. وإذا وضعنا جانبا إحتياطى الغاز الطبيعى فى "تمار"، و"لفياثان" الذى لم تمتلك فإنه لن يبقى لإقتصادها موارد سوى الدعم الأمركى والبريطانى أو الهبات من اليهودى الغير إسرائيلين (الذين يحملون جنسيات غربية). ولكن تلك الأموال لا تستخدم لشراء المنازل الفاخرة فى الغرب ولا اللوحات الفنية النادرة وإنما تنفق أساسا فى البحوث التكنولوجية، والبنية التحتية الضرورية لبناء إقتصاد قوي لتوفير شبكة طرق متطورة بلغت حوالي 20 ألف كيلومتر، ومرافق متطورة لتطوير قطاع السياحة، بالإضافة إلى الإستثمار فى قطاع الطاقة وخاصة الطاقة الشمسية. وبينما لا يزال الناتج المحلى الإجمالى الإسرائيلى أقل بكثير من الناتج المحلى لدولة الإمارات، فإن التقدم العلمى فى إسرائيل يُضاهى إنجازات "سليكون فالى" (كاليفورنيا، أمريكا) المعروفة بتقدمها فى البرمجة الإلكترونية. وتفتخر إسرائيل بأنها تُـنتج 140 خبير وباحث لكل عشرة آلاف عامل. كما أنها تمتلك 13 قمر صناعى موزعين بين المهام التجارية والإستخبارية. فى حين يبلغ تعداد سكان أعضاء "مجلس التعاون الخليجى" 55،273،859 نسمة ، بينما تتجاوز مساحتها: مليوني وستة مائة ألف كيلومتر مربع. ويبلغ الناتج المحلى الإجمالى (الإسمى) لدو "المجلس" 1،55 ترليون دولار أمريكى2 أي المرتبة الثانية عشر عالميا3.
وتمتلك إسرائيل جيشا قويا موزع حسب المها على الشكل التالى: 1- الهكانة (الجيش الإسرائيلى ويبلغ عدد جنوده أكثر من مليون ونصف محارب، بينما لا تتجاوز القوات السعودية 490 ألف محارب. وبينما لا تتجاوز ميزانيته الجيش الإسرائيلى بليون و800 مليون دولار أمريكى مع أنه خاض أكثر من 15 حربا)، فإن الإنفاق السعودي على قواته المسلحة يزيدعن 80 بليون دولار أمريكى.
2-سلاح الجوى الإسلائيلى (والذى يحتوى على 690 مركبة حربية، وله وحدة تدخل خاصة تسمى: شايتت 13 متخصصة فى محاربة الإرهاب)، بينما يمتلك الجيش السعودى وحده أكثر من 1100 طائرة حربية وأكثر من 80 مروحية.
3- البحرية الإسرائيلية (ويبلغ جنودها أكثر من 90.000 جندى وأكثر من 50 مركبة بحرية من مختلف الأحجام)، بينما تمتلك السعودية لوحدها أكثرمن 300 مركبة بحرية، ولا يزيد تعداد جنود الحربية السعودية 60 ألف مقاتل.
والموساد (جهاز المخابرات الذى تعول عليه إسرائيل فى أكثر مهامها الحربيةوالتوسُّعِـية ولا تتوفر عنه أي معلومات دقيقة)4.
من خلال هـذه المقارنة الموجزة يتضح أن لدول الخليج قدرات هائلة ، ولكن للأسف يفتقد القادة الخليجيين تلك الرأية التى أحظي بها اليهود، لأسباب مختلفة، ولذلك فقد القادة الخليجيون الثقة فى بعضهم البعض وأصبح الشغل الشاغل لهم هو تدمير الذات بدل العمل المشترك من أجل النهوض بالأمة العربية والإسلامية من سبوتها العميق. ولن يتحقق هـذا ما لم تفتح الحدود بين هـذه الدول ويعطى الإهتمام الأول فى الإنفاق إلى تطوير الصناعة والبنية التحتية الضرورية لمسايرة الحياة العصرية.
د. السالك ولد السنهورى.
------------------------------------------------------------------------------------
مصادر:
1 – الناتج المحلى الإجمالى الإسمى لدولة إسرائيل:
الناتج المحلى لدولة إسرائيل: 348 بليون دولار أمريكى، عـدد السكان : 8،8 مليون نسمة.
الناتج المحلى الإجمالى (الإسمى) بالدولار الأمريكى ، وعدد السكان لدول الخليج حسب البنك الدولى: -2
السعودية: الناتج المحلى الإجمالى (الإسمى) = 689 بليون ، عدد السكان= 33 مليون نسمة.
عـمـان: الناتج المحلى الإجمالى (الإسمى) = 71 بليون ، عدد السكان = 4.424.762 نسمة.
الإمارات: الناتج المحلى الإجمالى (الإسمى) = 407 بليون، عدد السكان = 9.400.000 نسمة.
البحرين: الناتج المحلى الإجمالى (الإسمى) = 34 بليون ، عدد السكان = 1.425.171 نسمة.
الكويت: الناتج المحلى الإجمالى (الإسمى) = 118 بليون ، عدد السكان = 2.675.395 نسمة.
قــطر: الناتج المحلى الإجمالى (الإسمى) = 185.395 بليون ، عدد السكان = 2.675.522 نسمة.
مجموع الناتج المحلى "للمجلس": 1.504 ترليون دولار أمريكى. عدد السكان: 53.600.850 نسمة.
3- وحسب نفس المصدر:
الناتج المحلى الأمريكى: 17،4 تريليون دولار .
الصين: 10،3 تريليون دولار أمريكى.
اليابان: 4،6 تريليون دولار أمريكى.
ألمانيا: 3،9 تريليون دولار أمريكى.
بريطانيا:2،9- تريليون دولار أمريكى.
فرنسا : 2،8 تريليون دولار أمريكى.
البرازيل: 2،3- تريليون دولار أمريكى.
-إيطاليا : 2،1 تريلنون دولار أمريكى.
-الهند: 2 تريليون دولار أمريكى.
روسيا : 1،9 تريليون دولار أمريكى.
كندا: 1،8—تريليون دولار أمريكى.
"مجلس التعاون الخليجى" 1،55 ترليون دولارأمريكى.
أستراليا و كوريا الجنوبية وإسبانيا: 1،4 ترليون دولار.
المكسيك: 1،3 ترليون دولارأمريكى.
ثم تأتى الدول التى تنتج أقل من تريليون دولار أمريكى مثل :
إندنوسيا: 888،5 مليار دولار. هولندأك 869،5 ملياردولار أمريكى.
4- مصادر إلكترونية:
https://www.elwatannews.com/news/details/2284947
https://www.theguardian.com/world/2010/feb/19/ian-black-mossad-dubai
https://fas.org/irp/world/israel/mossad/
https://www.globalsecurity.org/military/world/gulf/gcc.htm