حل بمطار أم التونسي الدولي يوم الجمعة 8 شتنبر2017، أشخاص من جنسية أمريكية وبما أن هولاء الأشخاص لا يتوفرون – حسب ما قيل – على تأشيرات لدخول البلاد ولم يشعروا السلطات الوطنية المعنية قبل زيارتهم لبلدنا بدواعي و مبررات هذه الزيارة، قامت السلطات الوطنية بإعادتهم على أدراجهم من حيث أتوا، حيث وضعتهم على متن طائرة فرنسية متوجهة إلى باريس وهم الآن حسب بعض المعلومات يتأهبون للعودة إلى دكار للعمل من هناك على إنجاز المهمة التي أتوا من أجل تنفيذها.
ويدعي هولاء الأشخاص أنهم ينتمون لمنظمات غير حكومية أمريكية تهتم بمحاربة الرق وترمي من وراء مجيئها إلى موريتانيا إلى الاطلاع على الممارسات الاستعبادية التي أبلغوا بوجودها في موريتانيا والتي يعتبرونها حقيقة قائمة لا شك في وجودها.
ولا بد من القول بهذا الصدد إن مناهضة الرق هي عاطفة نبيلة وموقف محترم يستحق الثناء والتقدير وأن محاربة العبودية بكل أشكالها وتجلياتها هي ممارسة جديرة بالإجلال و الإكبار، لما تنم عنه من حرص على صون الحريات والكرامة الإنسانية.
وما يصدق على محاربة الاسترقاق يصدق على التجليات الأخرى للظلم والتسلط والعنف والقهر والاستبداد.
لكن العقلانية والمنطق والحس السليم والصدقية وتحري الفعالية، كل ذلك يقتضي التراتبية بخصوص خطورة ومدى كارثية الأوضاع محل الاهتمام و ما يستدعيه تفاقمها واستفحالها من سرعة التدخل لدرء حدوث أي انفجار من شأنه أن يفضي إلى أضرار كبيرة وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وإلى تفكيك مكونات الشعوب وإلى تهديد سلامة وطمأنينة الأمم وإلى وضع السلم والاستقرار الدوليين في مهب الريح.
ومن هذا المنطلق ربما كان من الأجدر منطقيا بهولاء الأشخاص الذين جاؤوا إلى بلادنا لمواجهة العبودية، التي وإن كانت بعض مخلفاتها ما زالت موجودة في بعض مناطق البلاد النائية المنعزلة، رغم تحريمها رسميا وتجريمها قانونيا، فإن البلاد ولله الحمد لا تعرف أية اضطرابات ولا قلاقل و لا فتن ولا مواجهات عنيفة تهدد أمنها وانسجام وطمأنينة شعبها، بل إن السلم الاجتماعي والأمن والاستقرار في البلاد يفوق بكثير ما عليه الأوضاع في كثير من البلدان المجاورة وغيرها.
و مهما يكن من أمر فالسلطات الموريتانية والمنظمات الحقوقية الوطنية تبذل قصارى جهدها من أجل مواجهة بقايا ظاهرة العبودية التي عرفتها بلادنا، شأنها في ذلك شأن العديد من بلدان العالم، ومن ثم فليس هناك والحمد الله مواجهات عنيفة أو احتراب خطير يستدعي قلق وتدخل أصدقائنا الأمركيين.
ولعله كان من الأولى والأجدر بهولاء المناضلين الأمركيين المهجوسين بالدفاع عن حقوق الإنسان – وهو هاجس نبيل كما قلنا- التدخل السريع في أماكن أخرى يسود فيها العنف الشديد وتستعير فيه الحرائق الماحقة وترتكب فيها المجازر نتيجة الظلم والحيف والاستبداد والتجبر و الاستكبار.
ولذا ربما كان الأولى أن يبدأ هولاء الحقوقيون الأمركيون بالعمل على مواجهة ومعالجة أوضاع المواطنين الأمركيين السود وذوي الأصول الآسيوية واللاتينيين، ناهيك عن أوضاع الهنود الحمر المأساوية والذين هم على وشك الانقراض.
فالصدامات العرقية في كل أنحاء الولايات المتحدة والمواجهات العنيفة الناجمة عن ما يعاني منه الأفارقة الأمركيون من حيف وغبن وتهميش واحتقار جديرة باهتمام كل المناضلين الحقوقيين وفي مقدمتهم الأمركيون.
فاذا علمنا أن الأمركيين السود يمثلون أكثر من 12،5% من الشعب الأمركي وأنهم محرومون ومهمشون اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، بحيث أن القلة القليلة مهم هي من تحتل مناصب الوزراء والسفراء والمسؤولين التنفيذيبن.
ومع أنهم يشكلون 17% من مجموع الجيش الأمركي فإن 9% منهم فقط يحتلون مناصب عسكرية سامية، وما ينطبق على السود الأمركيين ينطبق على الامركيين من أصول آسيوية أو لاتينية.
هذا الغبن والتهميش الممنهج والاحتقار الصارخ الذي يعاني منه المواطنون الامركيون السود هو السبب كما ذكرنا في الانفجارات الدموية المتكررة في هذا البلد، ومصداق ذلك ما قد ورد في تقرير لشبكة حقوق الإنسان في الولايات المتحدة الأمركية US Human Rights Network، الصادر في شهر أغسطس 2010، حيث أوضح أن “التمييز العنصري يتخلل جميع نواحي الحياة في الولايات المتحدة الامركية ويمتد إلى جميع المجتمعات المحلية”، ولعل من أبرز هذه الصدامات:
– أحداث مدينة ميسوري Misouri في أغسطس 2014.
– مجزرة مدينة تشارلستن بولاية كارولاينا الجنوبية Charlston-South Carolina سنة 2015.
– أحداث مدن باتون روج Baton Touge و فالكون هايت Falcon Hights و دالاس Dallas سنة 2016.
ولا ريب أن هذه المواجهات الدامية والمتكررة من بين أمور أخرى هي السبب في ما أظهرته العديد من الإحصائيات من كون 40% من الأمركيين السود يقبعون في السجون، فضلا عن أن ثلث الرجال السود في الولايات المتحدة يوجدون في المعتقلات، كما تظهر بعض الدراسات أن نسبة البطالة عند السود تبلغ 15،5% أي ضعفي البطالة عند البيض.
وأوضحت هذه الدراسات أن العنف الممارس ضد السود سنة 2016 بلغ درجة لم يعرفها منذ عدة عقود، يضاف إلى كل هذا أن المواطنين الأمركيين من أصول آسيوية والذين تبلغ نسبتهم 5% من المجتمع الأمركي هم الآخرون مهمشون ويعانون من كل صنوف الإقصاء و الحرمان.
هذه صورة خاطفة عن الأوضاع المزرية التي تميز المجتمع الأمركي اليوم والتي تتطلب تضافر جهود كل المنظمات الحقوقية المدافعة عن حقوق الإنسان من أجل تقويمها وهي أفظع بكثير وأشد وطأة وأعظم أثرا من بقايا عبودية محاصرة وفي تقلص مضطرد في موريتانيا.
ولذا فربما سيحسن مناضلو حقوق الإنسان الأمركان صنعا إن هم بدأوا بصرف عنايتهم دون إضاعة لوقتهم الثمين إلى العمل الجاد على تقويم الأوضاغ السيئة والخطيرة السائدة في الولايات المتحدة الأمركية، خاصة في ظل الظروف الاجتماعية المتدهورة في البلاد والتي سيفاقمها إلغاء الرئيس الأمركي ترامب لبرنامج أوباما الاجتماعي المعروف بـ ObamaCare، والذي سيتضرر من إلغائه ملايين الأمركبين الفقراء.
ومن بؤر التوتر الملتهبة والبالغة الخطورة والتي تستدعي تدخلا سريعا من كل ذوي النوايا الحسنة من شاكلة الحقوقيين الأمريكيين المهتمين بالعبودية في موريتانيا، من هذه البؤر الوضعية المأساوية القائمة الآن في إقليم أركان بدولة بورما، فهي أجدر بأن يبادر كل مناضلي حقوق الإنسان إلى الإسهام في تلافي ما يجري فيها من إحراق و إغراق وتقتيل للأطفال و الشيوخ واغتصاب للنساء، إضافة إلى الإبادة الجماعية والتطهير العرقي.
هذه الأوضاع المأساوية أولى بأن يهب إلى مواجهتها المناضلون الحقوقيون الأمركيون الذين حلوا ضيوفا غير متوقعين على بلادنا دون أن ينسقوا مع سلطاتها أمر مجيئهم أو يعلموها بالغرض منه، مع أن بلدنا هو بلد الضيافة والكرم لمن لا يضمر له شرا.
ومن القضايا ذات الطابع الإنساني التي تستدعي تدخلا سريعا وحازما من قبل الحقوقيين الذين جاؤونا على غير موعد، الأوضاع المأسوية في فلسطين المحتلة حيث يمارس الاحتلال الإسرائيلي يوميا العنف الجسدي ومصادرة المنازل واغتصاب الممتلكات والتهجير القسري، هذا هو الآخر عمل فظيع وانتهاك فاضح لحقوق الإنسان لا يجوز التغاضي عنه ولا السكوت عليه، ولا سيما من حقوقيين قد كرسوا وقتهم وأنفسهم للدفاع عن القضايا الإنسانية العادلة، كما هو شأن ضيوف البلاد الأمريكان.
وثمة أيضا الأوضاع المريعة التي تسود اليوم في اليمن والتي يذهب ضحيتها آلاف الأطفال و النساء والشيوخ والتي تنذر بأن تتحول إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة، فهل أعتبر الحقوقيون الأمريكان أن مخلفات ظاهرة العبودية في موريتانيا أولى باهتماهم وعنايتهم من هذه الكارثة الإنسانية المتفاقمة؟
أو لم يرى الأصدقاء الحقوقيون الأمريكان أنه كان من الأولى ومن الأكبر أولوية صرف عنايتهم إلى ضحايا ما تقترفه المليشيات المسلحة الطائفية من عنف دموي ضد المواطنين السنة العزل في كل من العراق و سوريا ؟ مع أن هذه أمور تستحق الاستحواذ على اهتمام هؤلاء الحقوقيين.
هذه مجرد تساؤلات وردت إلى ذهني لما اطلعت على مجيء من يصفون أنفسهم بأنهم حقوقيون لهم اهتمام كبير وخاص بإشكالية الرق في موريتانيا.
والواقع أن الرق ظاهرة بغيضة لا يمكن القبول بها في القرن الواحد والعشرين ولم يعد يتشبث بها في بلادنا إلا قلة من الناس يعيشون منعزلين في أماكن نائية، ويعانون من درجة كبيرة من الأمية والبدائية من واجب الجميع أن يعمل على انتشالهم منها لدمجهم في العالم المتحضر، وأظن أن البلاد تبذل ما يسوجبه ذلك من جهود.
وبودي أن أقول بهذا الصدد إن على بلادنا أن لا تقبل بأية إملاءات من أي كان، فنحن أدرى بشؤوننا من غيرنا وأقدر على تدبيرها من سوانا، وعلينا كذلك أن لا نقبل بحال من الأحوال تلقي دروس في الديمقراطية وحقوق الإنسان والأخلاق والمثل العليا وخاصة ممن لهم سجل معروف في التسلط والتجبر والعمل في السر والعلانية على تفكيك وشرذمة الشعوب وتهديد أمن وسلامة الأمم والسعي الدؤوب إلى بسط الهيمنة عليها والاستحواذ على مقدراتها وإلى استتباعها اقتصاديا وثقافيا و سياسيا.
كما أن على حقوقيينا المهتمين بقضايانا الوطنية بما فيها إشكالية الرق ومخلفاته أن يضافروا جهودهم الذاتية وأن يحشدوا ما استطاعوا من دعم القوى الوطنية المنخرطة، وعليهم الإحجام عن الاستقواء بالهيئات الأجنبية ذات الأهداف الغامضة والأجندات الخاصة.
و ينبغي أن لا يغيب أبدا عن أذهاننا أن الدول الغربية – وهذا ما أثبتته التجربة مرارا وتكرارا – وهيئاتها وآلياتها و منظماتها أيا كانت اليافطة التي ترفعها لا تتدخل وتتغلغل في بلد إلا وزرعت فيه بذور الخلاف وعملت جاهدة على تفكيك نسيجه الاجتماعي وتفتيت مكوناته، وصولا إلى تقسيمه إلى دويلات فاشلة فاقدة لسيادتها و إرادتها، وما ليبيا والعراق و سوريا عنا ببعيد، وهذه حالة لا ولن ترضاها موريتانيا لنفسها أبدا، ومن يغضبه هذا فليغضب، ولنذكر قول شاعرنا العظيم أبي الطيب التنبي:
ومن العداوة ما ينالك نفعه ** ومن الصداقة ما يضر ويؤلم
الدكتور/ محمد الأمين ولد الكتاب
ترجمة باللغة الإنكليزية
لمقال :إشكالية مخلفات الرق في البلاد ليست شأنا أمريكيا
Human Rights militants need credibility
on September 8,2017, a group of American nationals ,claiming to belong
to an American human rights organization whose main purpose is ,it
seems, to combat slavery, particularly in Mauritania, This
organization said to be linked to the aging American priest,Rverent
Jessy Jackson ,having been soaked with gross falsehood about a
supposedly festering slavery in Mauritania, was manipulated into
undertaking unilaterally an exploratory visit to Mauritania so as to
see for themselves the extent of the phenomenon of slavery in the
country in particular ,the purported markets where slaves are supposed
to be auctioned, as well as the wholesale houses slaves are stuffed
in, before being led to the slaves market to be sold into bondage to
slaves merchants…These ridiculous disinformation are the ones that
were systematically fed by some Mauritanian unscrupulous lies
peddlers, to certain American NGOs that are either simpleminded and
gullible or desperately in need for a noble cause to devote themselves
to and to raise funds for .What one can’t help frowning at, in this
respect, is the fact that these American human rights activists, have
refused to let known in due time to the Mauritanian Authorities the
program of their visit, prior to their entry into the country and have
deliberately neglected to heed the advice of the security officials
not to enter the country before having complied with the required
regulations everybody ought to go by in Mauritania .
This abnormal behavior calls for a number of observations that should
be stated here for everybody to know:
-It is unworthy of a hitherto respectable person such as Reverent
Jessy Jackson to let himself be easily mystified by flippant
extremists whose credibility is next to none both in Mauritania and
elsewhere, without appropriate caution and thorough investigation when
supplied with debious improbable information .He should have known
better and have had a sharper critical mind as this attitude suits
much better his noble motivations while the lack of it is liable to
stain his established reputation
and dent his time honored respectability.
– American citizens and any other citizens for that matter, ,be they
human rights militants or otherwise, should bear in mind that
Mauritania is a sovereign state that has its laws and regulations
,that none ,whoever it may be, can’t take lightly .For the country is
not a “windmill” (un Moulin à vent) open to all and a sundry without
any check or control.
Besides the Mauritanian Authorities can never be browbeaten,
intimidated or dictated to by anyone .This much everybody should keep
in mind.
– Mauritania is a country that enjoys political stability, it does not
know the outbursts of violence and the devastating riots and bloodshed
that rock now and then many countries including the USA.
-If the mentioned human rights activists who have attempted last week
to force their way into our country, and if those who sponsor them
back home ,are seeking a righteous and philanthropic cause to devote
themselves to and have credit for, they should adopt a rational order
of priority .Thus instead of putting on the top of their agenda the
sequalaes and the side effects of the receding phenomenon of slavery
in Mauritania, which is actually being steadily combatted by the
country authorities along with its genuine and bonafida national
NGOs.They logically ,should have devoted their efforts and strives to
the more urgent and truly preoccupying situation of the black
Americans along with the indigenous Indians ( who are on the verge of
extinction), the Latinos and the Asian Americans that indiscriminately
suffer from ostracism, marginalization and stark racism. Interwoven,
these factors lead unavoidably to utter pauperization, dire poverty
and bleak wretchedness which are the factors at the roots of the
recurrent bloody outbursts of violence that rocked:
– Missouri in 2014,
– Charleston, South Carolina in 2015,
– Baton Rouge, Falcon Heights and Dallas in 2016 that had left
hundreds of deaths and casualties among the African American citizens.
What is worst in this connection, is that according to a report
published in August 2010 by US HUMAN RIGHTS NETWORK, racism pervades
all the walks of life in the USA and stretches to most of the local
communities.
Besides some American statistics revealed that the rate of
unemployment among the blacks reaches 15.5 % that is to say twice the
rate thereof among white citizens.
Moreover some studies show very disturbing facts indeed namely that
40% of black American males are in prison and that 1 out of 3 black
men are behind bars.
As a matter of fact ,the other American minorities are not any better
than their black fellow citizens.
This alarming situation calls for all the American human rights
activists including of course those who came to Mauritania to
dismantle the slaves markets that they were certain they exist given
the sustained tendentious propaganda they were bombarded with for a
long time .such situation, I said , calls for all these well
intentioned and benevolent militants to stop wasting their precious
time in a Don quixotic combat and to join hands instead with
responsible and serious minded human rights militants in America to
improve the fate of millions of American underdogs ,the majority of
whom belongs to the black community.They would have , thereby, engaged
in a more useful , constructive and hence ,praiseworthy endeavor.
Dr.Mouhamed Lemine Ould EL KETTAB