يتحدث الكاتب الصحافي فياتشيسلاف كوستيكوف في مقال نشرته صحيفة "أرغومينتي إي فاكتي" عن قمة مجموعة العشرين ونتائجها، فقال:
منذ زمن بعيد لم تعرف أوروبا القلق، الذي تعيشه عشية قمة مجموعة العشرين، التي ستعقد في مدينة هامبورغ الألمانية. وقد أججت هذا الوضع احتجاجات معارضي العولمة ضد القمة، والذين يؤكدون أن المجتمعين في هامبورغ لا يعبرون عن مصالح الأوروبيين، بل عن مصالح رأس المال، التي أخضعت لنفسها بقية المصالح. كما أن تدفق الهجرة إلى أوروبا يشكل أحد الأسباب الرئيسة لهذه الاحتجاجات.
ويحاول ساسة أوروبا والولايات المتحدة تجنب الحديث عن هذه الأزمات. ولكن السكوت عنها لم يعد ممكنا. فالأوربيون يخافون من تدفق مهاجرين ينتمون إلى حضارات مختلفة، وقد بدأت بالظهور داخل أوروبا حدود من الأسلاك الشائكة، بعد أن كانت تفتخر بحرية تنقل المواطنين داخلها. كما بدأ ظهور النزعة القومية فيها.
وحتى أنغيلا ميركل التي بدت في البداية "ملاك رحمة" للمهاجرين، اضطرت إلى الموافقة على اتخاذ إجراءات محددة. فماذا سيحصل بنتيجة أسلمة أوروبا، لا أحد يعلم. بيد أن الرئيس التركي أردوغان قال بسخرية إن "أوروبا ستُفتح بواسطة بطون النساء المسلمات".
أما واشنطن فموقفها من أوروبا غامض. فهي من جانب تعلن عن نيتها بناء جدار على الحدود مع المكسيك، ومن جانب آخر لا تتخذ موقفا واضحا من أوروبا. ذلك مع أن سياسة واشنطن في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان هي السبب في تدفق موجات الهجرة إلى أوروبا. وهذا العبء لا تتحمله الولايات المتحدة بل دافعو الضرائب في أوروبا. وهذا يعني أن واشنطن قد وضعت قنبلة موقوتة في أوروبا بهدف تقويض وحدتها، وبالتالي إضعافها.
إن رفع ترامب شعار "أمريكا أولا"، وإعلانه صراحة عن عدم رضاه عن العجز الكبير في الميزان التجاري مع ألمانيا، وتهديده بتغيير هذا الوضع يخيف أوروبا. كما أن انسحاب واشنطن من اتفاقية باريس للمناخ يخيف أوروبا هو الآخر. إذ ليس سرا تطور ونمو حركة الخضر في أوروبا وتحولها إلى قوة سياسية كبيرة خاصة بين الشباب، حيث أصبحت حماية المناخ مدرجة في جدول أعمال ساسة أوروبا.
وهذا يعني أن أوروبا تواجه معضلة جدية. فخلال السنوات العشر الأخيرة تمكنت بفضل وحدتها وتوحيد عملتها وأسواقها بفضل الطفرة الاقتصادية الكبيرة لألمانيا من الاكتفاء الذاتي سياسيا واقتصاديا. من هنا حديث ميركل عن "أوروبا في صورتها الجديدة" وقولها: "لقد مضى الزمن الذي كنا نعتمد فيه على الآخرين (تقصد أمريكا) بدرجة ما. لذلك على أوروبا الاعتماد على نفسها".
ولم تهتم ميركل بمطالبة ترامب الدول الأوروبية بزيادة النفقات الدفاعية، حيث كانت قد أومأت في ردها باحتمال إنشاء جيش أوروبي موحد. وهذا بالنسبة إلى الناتو (الذي كان ولا يزال من إنتاج واشنطن) ضربة قوية. كما أن انتخاب ماكرون الأوروبي الطموح رئيسا لفرنسا قد يعزز هذا الموقف.
يجب القول إن أوروبا والولايات المتحدة تحالفتا بعد الحرب العالمية الثانية، وهذا التحالف لا يزال قائما اليوم، رضينا بذلك أم أبينا، ومن السذاجة توقع تفككه تحت تأثير ظروف ما.
فحتى لقاء بوتين وترامب في هامبورغ لن يكون بمقدوره تغيير الوضع في العلاقة بين موسكو وواشنطن؛ لأن الأزمة عميقة، كما يشير الخبراء والمطلعين على هذا الوضع.
ومن الواضح أيضا أن العقوبات الأمريكية ضد روسيا لن تُرفع، ولن تتوقف "الحرب الإعلامية"، وستستمر نُخب أوروبا الشرقية في الحديث عن خوفها من "الغزو الروسي" وتقدم دبابات روسيا نحو وارسو وتالين، ومقابل هذا لن تتخلى موسكو أبدا عن صيغة "القرم لنا".
ترجمة وإعداد كامل توما
مركز الحوار العربي في واشنطن