عادت عمليات “التسخين” مجددا الى الجبهة السورية بعد اسقاط الدفاعات الجوية الامريكية طائرة حربية سورية من طراز “سوخوي” في منطقة الرصافة غرب مدينة الرقة، وهي الخطوة التي اعتبرتها القيادة الروسية “عدوانا”، ودفعتها الى وقف تعاونها مع واشنطن على صعيد منع الحوادث الجوية في تطور غير مسبوق منذ اندلاع الصراع في سورية قبل ست سنوات.
من الواضح ان القوات السورية التي حققت تقدما كبيرا في الفترة الأخيرة تمثل في فتح الحدود السورية العراقية وتأمينها للمرة الأولى منذ سنوات، والسيطرة على منطقة حجمها 25 الف كيلومترا مربعا في البادية السورية، وجهت رسالة قوية الى التحالف الأمريكي بقصفها لقوات سورية الديمقراطية غرب الرقة، تقول كلماتها انها لن تتنازل عن حقها الشرعي في استعادة هذه المدينة من “الدولة الإسلامية” او داعش، وإعادة سيطرتها على مدينة دير الزور المجاورة حيث آبار الغاز والنفط.
***
دعمت ايران هذا التقدم لقوات الحليف السوري بإطلاق صواريخ باليستية استهدفت مواقع “الجهاديين” في دير الزور، واصبتها بدقة متناهية، قالت انها جاءت ردا على الهجوم الارهابي قبل أسبوعين وتمثل في اقتحام البرلمان، وتفجير انتحاري داخل مرقد الامام الخميني في قلب مدينة طهران.
اطلاق هذه الصواريخ الباليستية الإيرانية في هذا التوقيت، وللمرة الأولى منذ ثلاثين عاما، رسالة الى عدة اطراف ابرزها المملكة العربية السعودية التي اتهمتها السلطات الإيرانية بالوقوف خلف المجموعة الإرهابية التي هاجمت البرلمان، رابطة بين هذا الهجوم وتهديدات الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد ووزير الدفاع السعودي، بنقل المعركة الى العمق الإيراني.
اسقاط أمريكا لطائرة حربية سورية “استفزاز″ غير مسبوق، وتأكيد إضافي بأن أمريكا تدعم قوات جيش سورية الديمقراطية، ومستعدة للتصدي لاي اعتداء يستهدفها، مما يؤكد انها تخطط عسكريا لاقامة كيان كردي في شمال سورية على غرار إقليم كردستان العراق.
قوات سورية الديمقراطية استطاعت السيطرة على مدينة الطبقة، المرشحة لكي تكون الحاضنة لقاعدة عسكرية أمريكية، وتتقدم حاليا لاحكام قبضتها على مدينة الرقة، عاصمة “الدولة الإسلامية”، بعد ان تلقت شحنات أسلحة ومعدات أمريكية متطورة تشمل دبابات ومدرعات، ومدفعية ثقيلة، وسط تحليلات تؤكد ان هذه القوات ستكون نواة جيش الدولة الكردية الجديدة على غرار قوات “البشمرغة” في كردستان العراق المدعومة أمريكيا أيضا.
أمريكا تخلت عن حلفائها الاتراك التقليديين، وكسرت تفاهماتها مع روسيا في سورية على الأقل، وبدأت تتبنى الاكراد كحلفاء استراتيجيين، ولكن هذا التحرك الأمريكي ربما يكون مقدمة لصدام مع روسيا، ومع السوريين والعراقيين والإيرانيين أيضا، وهو صدام قد يتطور الى حرب شاملة في ظل وجود رئيس امريكي ارعن مثل دونالد ترامب، يريد اثبات قوة عضلاته في الخارج لتعزيز شعبيته المتهاوية في الداخل، ونفي كل التقارير والاشاعات حول علاقته مع روسيا ودعم الأخيرة له.
***
الجيش العربي السوري يملك الشرعية المطلقة في استعادة كل المناطق الواقعة خارج سيطرته، وعلى رأسها مدينتي الرقة ودير الزور، تماما مثلما فعل في حلب وحمص وتدمر وحماة، واحبط هجمات للتسلل الى احياء في العاصمة دمشق.
الولايات المتحدة تلعب بالنار في سورية بسبب تراجع نفوذها وقوات المعارضة المسلحة التي كانت تقاتل تحت رايتها، وفشل الأخيرة في تحقيق أهدافها في اسقاط النظام السوري، واي مواجهة مسلحة مع روسيا وحلفائها قد تشعل حربا مدمرة تكون هي الخاسر الأكبر فيها، لان روسيا لن تقف مكتوفة الايدي امام الدعم الأمريكي لتغيير الواقعين الجغرافي والديمغرافي في سورية وتقسيمها الى “امارات” على أسس عرقية وطائفية، وتخرق خطوطا حمر بإسقاط طائرة سورية.
بعد ست سنوات من الحرب الدموية، وصمود الجيش السوري، وتماسك مؤسسات الدولة السورية، بات مشروع تقسيم سورية وتفتيتها اكثر صعوبة من أي وقت مضى، وهنا تكمن حالة الغضب والإحباط الامريكية التي تقف وراء الارتباك والاستفزاز العسكرية، الذي نرى ارهاصاته واضحة للعيان حاليا.
عبد الباري عطوان