مما لا شك فيه، ان الرئيس الامريكي ترامب بات يتعامل مع الصراع العربي الاسرائيلي باعتباره "وجع رأس" يجب التخلص منه ليتسنى لامريكا ولاسرائيل أن تحكما سيطرتهما الكاملة على العالم العربي من دون أي ازعاج. سيطرة ثقافية ودينية وسياسية وعسكرية واقتصادية واجتماعية، بحيث يصبح العالم العربي خزان الثروات الهائلة بيد الشركات الامريكية العملاقة (لديها امبراطوريات اعلامية وثقافية خاصة بها).
القضية الفلسطينية باعتبارها البوابة الشرعية الوحيدة لدخول اسرائيل للعالم العربي، من جهة اخرى ان أمن اسرائيل مستباح، وفي مرمى الصواريخ ولم تنجح جميع حكومات اسرائيل في حماية تل ابيب ولا باقي المستوطنات، وفي أي حرب قادمة سوف تقصف تل ابيب أكثر مما قصفت لندن في الحرب العالمية الثانية. هذا ما يدفع صاحب القرار في البيت الابيض الى الاستعجال في البحث عن حل للقضية الفلسطينية، واعادة المفاوضات الى مسارها وتحت المظلة الامريكية، لان امريكا اول اكبر تجمع لليهود في العالم (أكثر من 7 مليون يهودي) فيما اسرائيل هي ثاني أكبر تجمع لليهود في العالم (أقل من 5 مليون يهودي).
القيادة الفلسطينية حسمت امرها بشكل قاطع ( لا حل من دون دولة فلسطينية على حدود 67 وعاصمتها القدس حتى لو كانت القدس الشرقية دولية، ولا دولة الا من خلال تحرير الحدود على طول نهر الاردن حتى لو كانت قوات المارينز الامريكية هي التي ستحرس حدود الاردن وهي الفكرة التي طرحها ياسر عرفات على الرئيس الامريكي بيل كلينتون في كامب ديفيد.
اما حق العودة فسيكون حل متفق عليه (المقصود عودة فلسطينيي لبنان وسوريا وبالتدريج وفي فترة تستمر بين خمس الى عشر سنوات) . اما موضوع المياه والاسرى والمقدسات فهي ملفات ستتدخل بها الاردن لتصبح هي صاحب التوقيع الثالث في اي اتفاق قادم.
ولو افترضنا ان قيادة منظمة التحرير وافقت وجاهزة لهذا الحل، ولو افترضنا ان الرئيس ترامب موافق على هذا الحل. هل ستقبل اسرائيل بذلك؟
استراتيجيا. سوف يعتبر هذا الحل أكبر انتصار سياسي لاسرائيل منذ العام 1947 وحتى الان، من خلال الحصول على شرعية دولية وعربية واسلامية وفلسطينية، وتطبيع كامل مع العالم العربي. وسيكتب المؤرخون ان هذا الاتفاق أفضل لاسرائيل من جميع حروبها التي اعتدت فيها على العرب.
استراتيجيا سوف تقبل اسرائيل بهذا الاتفاق وسوف تحتفل بالتوقيع عليه.
ومرحليا لا يمكن لحكومة المستوطنين ان تقبل بذلك حتى لو قامت هذه الحكومة باختلاق اية مواجهات مع الامن الفلسطيني أو عدوان جديد على غزة. كما انها لن تتردد في تنفيذ عمليات تفجير ضد نفسها في تل ابيب لعرقلة هذا الحل كما حدث في فضيحة لافون عام 1952 في القاهرة حين اتضح ان رئيس الموساد لافون هو الذي طلب من اليهود تفجير قاعات السينما والاسواق في القاهرة وهذا ليس بغريب على اخلاق المؤسسات الامنية الاسرائيلية. وسوف تدخل المنطقة في منعطفات خطيرة قبل سقوط حكومة نتانياهو والمستوطنين المتطرفين، ولا يستبعد ان تهرب هذه الحكومة المتطرفة نحو حروب في المنطقة من اجل تخريب هذه الصفقة.
د. ناصر اللحام