من المرويات عن الرئيس السوفييتي المشهور بمشاغباته الدبلوماسية نيكيتا خروتشوف انه اثناء زيارة لإحدى الدول الافريقية واجه رئيسها بخطأه او خطيئته وهو يستقبله في المطار مرحبا ومحتفلا. صارخا به: ما تلك الفعلة التي اقدمت عليها؟، تسمح الى الولايات المتحدة الامريكية بإقامة قاعدة عسكرية في بلادك رسميا؟!. فأجابه الرئيس الافريقي كالمعتذر منه ولكنها يا سيد خروتشوف قاعدة صغيرة جدا. رد خروتشوف: اسمع يا سيدي حين تأتيني فتاة غير متزوجة وتحمل على صدرها طفلا ولدته، افهم من هذا انها لم تعد عذراء، ولن يشفع لها عندي ان تجيبني بالقول: ولكنه طفل صغير جدا!. هنا اسئلة اخرى مثلها وأجوبة عنها تشبهها. انه طفل صغير جدا ولكن لم تعد الفتاة/ الوطن عذراء. لقد دنستها قاعدة/ قواعد عسكرية امريكية او من حلف الناتو او اية مسميات اخرى لها، ليست لحمايتها او الدفاع عنها كما يقال نظريا وشفويا وحتى رسميا بل هي تعبير عن مصالح اخرى وأهداف ابعد من رغبة الرئيس الافريقي/ وغيره بعد ان زرعت تلك القاعدة وحملت المولود الصغير. اية نظرة على الخرائط الجغرافية للعالم العربي وتوزيع القواعد العسكرية والاستخبارية الغربية عليها تلفت الانتباه وتصعق النظر لسعة الانتشار وكثرة المواقع حتى بات الامر اشبه باحتلال كامل، وغير معلن رسميا.. وهنا تسكب العبرات.. كيف ومتى تم كل ذلك ولماذا الاغفال هذا او الركوع والتنازل عن كل ما تدعيه البيانات الرسمية عن السيادة والاستقلال والحرية وخيارات الشعوب؟!!. ولم يكتف بهذه الصور فقط بل اصبحت المناداة والمناشدة للعون الغربي/ الاطلسي وطلب الدعم العسكري قضية مصيرية او بدونها تفتح ابواب الجحيم. وليس اخر الاخبار في الموضوع الدعوات لمواجهة داعش وأخواتها والاجتماعات حولها والبيانات الصاخبة عنها ومن النوافل فيها حلف اوباما الجديد او سرطانه الذي يريد نشره بعد او بحجة داعش. وهو، أي الرئيس الامريكي باراك اوباما هرب بقواته من المناطق الساخنة التي انتشر فيها سلفه بوش الابن وسبب له ما تعانيه الادارة الامريكية من ازمات داخلية وخارجية، وعلى مختلف الصعد، الاقتصادية والسياسية والأخلاقية وغيرها، على السواء. ووعد ببداية عهده الاقرار بالخطأ والانسحاب الكامل من تلك الحروب الخاسرة كما سماها اولا والتفاهم على ستراتيجيات جديدة تحفظ مصالح بلاده والغرب عموما في المنطقة خصوصا، وهو ما فعله باتفاقية صوفا وأشباهها مع بغداد وكابول. ويبدو كما كشفت العمليات الاخيرة، ان الادارة الامريكية كانت تضع خططا اخرى مع كردستان العراق وتزرع ما تريد من القواعد العسكرية والاستخبارية، وهو ما فضح بالملموس. كانت تصريحات مسربة هنا وهناك من اربيل والسليمانية وواشنطن تقول بذلك او تحاول التغطية والإنكار. إلا ان تحرك داعش نحوها هز غرف نوم المسؤولين في تلك المدن اساسا، واربك مكاتب مستشاريهم ومساعديهم وقيادات اركانهم وقواتهم العسكرية والأمنية وغيرها، وأطلقت الاوامر فورا شفاها او بالشفرات المعروفة عندهم الى الطائرات الامريكية خصوصا لتنفيذ مهماتها العسكرية في الرد وإيقاف التمدد الجديد غير المسموح به حاليا والى اشعار اخر. ولن تنتهي القصة عند هذه الاسطر او الفقرات. فصنوف وأعداد من القوات الامريكية والبريطانية والفرنسية، او ما تسمى بوحدات المهمات السرية والخاصة، قد مهدت الطرق وغزت سرا اراضي العديد من البلدان، خصوصا في المشرق العربي والجزيرة. تصاحبها الطائرات بدون طيار وأجهزة الرقابة والرصد والأقمار الصناعية والاتفاقيات الامنية واستغلال التقنيات الجديدة في التحكم في الارض والفضاء العربي والإسلامي. فضلا عن شركات الامن الخاصة وطوابير الاعلام والمواقع الالكترونية والاتصالات والتواصل الاجتماعي والفضائيات وغرفها السوداء ومرتزقتها المعروفين. ما هو معروف الان، او بات معلوما ومكشوفا، عن القواعد العسكرية والاستخبارية والأجهزة التقنية المسيطرة والطوابير المتعددة التي تستخدم محليا لخدمة تلك المخططات والمشاريع الامبريالية يفوق التصور ويثير الاستغراب عن تلك القابلية للخنوع والخضوع لها. هل تقدر الحكومات والأنظمة المتحكمة في هذه البلدان ان تتكاشف مع شعوبها وتعلن الاتفاقيات والخرائط والخطط التي تدور على اراضيها وبالضد من المصالح الوطنية والقومية؟. وهل تقدر على المواجهة معها والطلب منها بالرحيل فورا عن اراضيها وتشكيل قوات لها قياداتها وطنية وحماية مصالحها بأيديها وبقدراتها وإمكاناتها التي لو خلصت النوايا والإدارات وتطابقت مع الارادات الوطنية والخبرات القومية تكون اكثر من قادرة عليها واحرص على تنفيذ مهامها والدفاع عن ترابها وثرواتها وكياناتها؟!. ستراتيجية الدول الامبريالية في الهيمنة والتحكم في المنطقة العربية معلومة والأسس التي وضعتها لها معروفة ايضا وكلها تصب في خدمة مصالحها التي تتعارض مع المصالح الوطنية والقومية وطموحات شعوب المنطقة وآمالها في التحرر والديمقراطية والتنمية والاستقلال والسيادة الوطنية والكرامة الانسانية والعدالة الاجتماعية. فالى متى تتنطع السلطات المتحكمة في التبرير والتضليل والمشاركة مع الاعداء في الخراب والتدمير والاحتلال وقبول الاستعمار. وهي تعرف جيدا ان الادارات الغربية تنهب الثروات وتعيق التنمية والتطورات وتفسد في الارض دون ان ترعى حرمة او تقاليد او تجل مقدسا او محرما في الارض العربية. وهمها الاول والأخير ما اعلنته جهارا نهارا من اهدافها ومصالحها الستراتيجية، في النفط والغاز وحماية قواعدها الستراتيجية الحربية العازلة للمنطقة والمكلفة بتمزيقها والسيطرة على منافذها ومنابعها وحدودها. تتصرف الادارة الامريكية خصوصا في الارض العربية كساحة مفتوحة لها، ملك بالمفتاح، فتوزع قواعدها وتعيد انتشار قياداتها ومراكزها فيها حسب رغباتها وتصوراتها ودراساتها. وتستلم مقابلها ما تخطط له وما تريده دون سؤال او حساب. وتجبر البلدان العربية على قبولها دون اختيار او خيار. بل وتزيدها عليها في توسيع الشراء والتجميع للمعدات والأسلحة التي لم تستخدمها يوما منذ عقود. ويوضح معهد استكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) قيمة ما يهدر من اموال الشعوب في هذا المجال سنويا في كتاب له، يمكن الرجوع اليه رغم ان بعض مصادره او معلوماته غير كاملة بسبب تلك الصفقات والحكومات واللوبيات. القواعد العسكرية والاستخبارية في المنطقة العربية تنازل مسبق عن ارض عربية وعن ثروات عربية وعن كثير من الامور العربية الاخرى التي تستهين بالإرادات الوطنية والكرامة الانسانية. وتصب في خدمة مشاريع وخطط الغرب في الهيمنة والاحتلال السياسي والعسكري عالميا. كما تدعم ستراتيجيات المجمع العسكري واللوبيات المالية والصهيونية المعروفة فيها، وتضع لها عناوين مشتركة مغرية للحكومات العربية كالحرب على الارهاب او التحالفات السياسية ضد الارهاب او ما اشبه ذلك لتنفيذ المخططات والنهب والغزو والاحتلال. وهذا ما يحصل في المنطقة العربية وما يراد له ان يكون، والذريعة دائما او الجواب الرسمي.. ولكنه طفل صغير جدا، فقط!. رأي اليوم: كاظم الموسوي