توطئة:
أرجو من الجميع أن يستحضر معي أن ما كان يخطط له في غامبيا أيقظ في نفسي ونفس الكثيرين من أبناء جلدتي ووطني وربعي و قريتي وبيتي... آلاما لا يمحوها النسيان ولا الزمان ، كادت أن تتكرر بنفس الأدوات والأيدي لنفس الضحايا قبائل (اسمحوا لي) وأسرا و أفرادا و هوية بقصد و ترصد لأن الصدف لا تتكرر. فلا تؤاخذوا نبرتي ..إذ ليس من ما درجت عليه في مقاربتي للشؤون السياسية ،أو مقارعتي لها على الأصح، تهليل ولا تقليل بل موقف وتحمل تبعات موقف؛ من هنا أسجل الموقف التالي:
1)نحن و غامبيا
يرجح أن يكون وجود الموريتانيين في بانجول (باتورست)سابقا لاسمهم الإنتمائي الجامع و مرافقا أو متزامنا مع صفقة مبادلته بمستعمرة سانلويس (اندر) مع فرنسا. كما يعتبرالوجود البيضاني (الموريتاني ) آنذاك ،استمرارا للدور المحوري لقبائل معينة في تصدير الصمغ العربي إلى أوروبا واستيراد موادها المصنعة لفائدة دواخل منطقة السهل (الساحل)والصحراء وما يصاقبهما من سكان السهوب والغابات ، وظل هذا الدور قائما و مطلوبا ،رغم تبدل الظروف، بحكم تراكم التجربة وجودة الرصيد الأخلاقي والمالي والترابط الاجتماعي العضوي الذي نسجوه بهمة واقتدار عاليين على مدى قرون من الجد والاجتهاد ظهرا جليين في انتشار الإسلام ورسوخ اللغة العربية وتراكم الثروة محصنة بتقليد الابتعاد عن السياسة والصراع على السلطة.
وقد ساعد على نمو هذا الدور اهتمام الاستعمار الإنجليزي، غالبا،بالعائد الاقتصادي أكثر من البعدين التبشيري والثقافي عكسا لغريمه اللاتيني عموما والفرنسي خصوصا المتميز بثأره الديني الثقافي الصليبي الحاد تجاه العرب والمسلمين.
وقد ساعد مناخ الاستثمار والتبادل التجاري الطافق أسلاف الموريتانيين وأخﻻفهم على ترسيخ مواقعهم بسلاسة وهدوء في هذا الميناء الناشط الحرالمفتوح على مستعمرات فرنسا والبرتغال و (ألمانيا وهولندا).
وقد حاولت فرنسا بشتى "الوسائل" تعطيل أو تحجيم هذا الدور في كل العهود إلى يومنا هذا ..
وما أحداث حريق التسفير السنغالي للموريتانيين ببعيدة.
2)الموقف التاريخي
و اعتمادا على ما سبق ،يجب اعتبار ما عاشته المنطقة وموريتانيا بالذات (وطرديا السنغال )من انشغال شعبي واهتمام رسمي أمرا مصيريا للشعب و سياديا للدولة:
*) إن غامبيا شكلت منذ استقلالات غرب إفريقيا الخاصرة الرخوة للسنغال الذي تقطع امعاءه "الجغراسية"والاقتصادية والاجتماعية بشكل وبائي لاشفاء منه بالقدر الذي تشكل فيه ظهيرا لا يعوض لموريتانيا في مقارعتها الأزلية لهيمنة السنغال، وقد بدا ذلك جليا في أحداث التسفير المرعبة1989 والتهديدات السنغالية الدائمة لجارته القابعة في بطنه الغائرة في مكمن دائه ودوائه"كازامانص".
وبذلك تعتبر غامبيا ورقة أساسية لعبتها موريتانيا بمهارات متفاوتة،لكنهامربحة، منذ الحكم المدني إلى اليوم. و كادت أن تخسرها لأسباب غامبية داخلية بادرت السنغال إلى استغلالها بأسلوب مكيافيلي نيروني كاد أن يحرق "روما الغامبية" عليه وعلى أعدائه.
وكادت أن تكون طبعة جديدة من "التسفير" يباد فيها البيضان و يستولي الجيش السنغالي و رعاعه على أموالهم مرة أخرى .
الورقة الرابحة
*) و لأن الخيارات المتاحة أمام موريتانيا قليلة بالنظر إلى طبيعة المشكلة الداخلية الحكمية و رعونة الطرف الحكومي الغامبي فيها و سرعة التحرك السنغالي لاستغلال أوراقه الرابحة، فقد كان الرئيس محمد ولد عبد العزيز بتسليك "ورقة السلم"الموريتانية واستصحاب الدولة الغينية العريقة و"استجابة جامي" له،قد أحسن المناورة و"زكى" الرصيد المتاح أمامه في ظرف بالغ الدقة والحساسية والاستعجال فخرجت موريتانيا رابحة بكل المقاييس فهنيئا له بكل المقاييس.
هنيئا لجاليتنا الكريمة العريقة وقادتها الشجعان.
وهنيئا للشعب الغامبي الصديق.
من صفحة الدكتور والشاعر ناجى محمد الإمام