لا نعتقد ان الفترة الرئاسية الأولى، وربما الأخيرة، لدونالد ترامب التي ستبدأ يوم الجمعة 20 كانون الثاني (يناير)، ستكون ناعمة خالية من الازمات والفضائح، فالرجل تحدى المؤسسة الحاكمة من خلف ستار، مثلما تحدى مؤسساتها الأمنية، واحتقر الصحافة، السلطة الرابعة بكل اذرعها الإعلامية، واستعدى معظم الحزب الجمهوري، وكل انصار الحزب الديمقراطي في مجلسي الشيوخ والنواب.
الانتقام جاء اسرع مما توقع الكثيرون، ونحن من بينهم، ومن قبل أجهزة الاستخبارات الامريكية التي اهانها “المرشح” ترامب عندما تواطأ مع الروس، والرئيس فلاديمير بوتين بالذات، الذي انحاز اليه، وسربت مخابراته (كي جي بي) رسائل الكترونية “خاصة” من الحاسوب الشخصي للسيدة هيلاري كلينتون، ولعب هذا التسريب دورا في هزيمتها، لانه جاء في توقيت قاتل، أي قبل ايام من الذهاب الى صناديق الاقتراع.
بالأمس كشفت صحيفتنا “الغارديان” البريطانية و”وول ستريت جورنال” الامريكية، ان عميلا سابقا للمخابرات البريطانية يدعى كريستوفر ستيل، عمل في موسكو لعدة سنوات، هو الذي يقف وراء تسريب تقرير من 35 صفحة يتضمن شريط فيديو، صورته اجهزة المخابرات الروسية عن تورط الرئيس ترامب، في اعمال جنسية فاضحة اثناء اقامته في احد اجنحة فنادق موسكو، تضمن عروضا شاذة لبنات ليل جرى استئجارهم لهذا الغرض، وقيل ان كريستوفر ودع قطته واختفى عن الأنظار خوفا على حياته من الاغتيال، فالمخابرات الروسية لا ترحم، وتملك ارثا عميقا في الاغتيالات.
الرئيس ترامب وفي مؤتمره الصحافي الذي عقده فجر اليوم الخميس، نفى هذه المزاعم، وقال انها معلومات كاذبة ملفقة، واكد انه كان يعلم جيدا بأن الفنادق في معظم انحاء العالم تتضمن كاميرات تجسس، ولهذا اتبع كل إجراءات الحذر الأمنية الاحتياطية المطلوبة، واتهم أجهزة الاستخبارات الامريكية، التي لا تكن له أي ود، بالوقوف خلف التسريبات هذه لتشويه صورته، وكأنها ناصعة البياض وينقصها فقط هذا التشويه.
لا نستبعد ان يكون ترامب تورط في هذه الفضائح، فالرجل كان منخرطا في الاعمال التجارية، ولم تكن له أي طموحات سياسية معروفة حتى قبل خمس سنوات على الأقل من نزوله الى حلبة الترشح للرئاسة، وتاريخه الشخصي مليء بالفضائح والخلافات الزوجية، ومغازلة النساء والجميلات المثيرات منهن خصوصا، وآخر زوجاته تنطبق عليها هذه المواصفات، وقوله في المؤتمر الصحافي الذي عقده بأنه يدرك ان الفنادق الكبرى توجد فيها كاميرات تجسس، ويتخذ كل اجراءات الحذر، يوحي بانه لا يعارض، او بالأحرى لا ينفي، الانغماس في اعمال “غير لائقة”، او هكذا نفهم الأمور.
مشكلة “المؤسسة” الامريكية الحاكمة مع ترامب معقدة ومتشعبة، ابرز اوجهها صداقته مع الرئيس بوتين، وعزمه تعزيز التقارب مع موسكو، ومواجهة الطموحات العسكرية والاقتصادية للصين، الامر الذي يعكس تحولا جذريا في السياسة الامريكية الحالية، وخرق لكل الخطوط الحمر.
الرئيس باراك أوباما في خطاب الوداع الذي القاه في مدينة شيكاغوا فجر الأربعاء، عكس جانبا آخر من مخاوف “المؤسسة” او الدولة الامريكية “العميقة” عندما عبر عن قلقه على الديمقراطية الامريكية، ومن عودة العنصرية، وتراجع قيم التسامح والتعايش في المجتمع الأمريكي، في إشارة واضحة الى ترامب دون ان يسميه بالاسم.
لا نعرف كيف ستتعاطى “المؤسسة الامريكية هذه مع هذا الرئيس “العاق” الذي خرج عن طوعها وتحداها، ووصل الى البيت الأبيض رغما عنها، ولكن ما نعرفه ان حربها عليه بدأت حتى قبل ان يتسلم المفاتيح، ويجلس الى جانب المدفأة الشهيرة مستقبلا ضيوفه.
الدولة الامريكية العميقة متهمة بالوقوف خلف اغتيال الرئيس جون كندي، اول رئيس امريكي “كاثوليكي”، ومقتل “عشيقته” الممثلة الشقراء مارلين مونرو، والاطاحة بالرئيس ريتشارد نيكسون من خلال فضيحة “ووترغيت”، فهل ستطيح بالطرق نفسها، او بغيرها بالرئيس ترامب؟
لسنا من قراء الكف، ولا من ضاربي الرمل والمندل، ونترك الإجابة للاشهر او السنوات المقبلة، ولا نستبعد أي شيء.
عبد الباري عطوان