هو ذا يوم ال28 نونبر يعود علينا و نخلده ، كل على طريقته‘،فتعمد الدولة برموزها إلى رموزها ، وينقسم المواطنون، كما انقسموا يومه الأول بين مهلل ومولول، و مادح و قادح.
والتخليد عادة تصطلح عليها البشرية في تذكر أيامها المشهودة .ولكن جذوتها ،مع مرور العقود ، تنطفئ من الذاكرة الفردانية لتستلمها الذاكرة الجمعية فيتوزع الناس على الرؤى التي ورثوها عن أفراد شكلوا وعيهم بتلك االمرحلة سلبا أو إيجابا ، لدى ميلادها ، وبذلك لا يموت الرأيان ولكنهمايكسبان [قطعية] لدى المؤمنين بهما لا تقبل التغيير ،وهكذا يخلدان إلى الأبد ،ولكن الغريب أنهما لا يغيران من طبيعة استمرار الذكرى بكلتا النظرتين: لأنهابهماتضمن الخلود..
إن الرأي المعارض لحدث تاريخي عابر للزمان ،لا يغير من تاريخيته ولا يغض من تاريخانيته كفعل متميز ،ولا يُعطل مفاعيله،بل يظل قائما يمارس تأثيره في مصائر المعنيين به ،أنصارا و أعداء، على حدِّ السواء، وما موقف الملكيين من الثورة الفرنسية ، والمنشفيين من البلاشفة ، والكومنتانغ عن الثورة الصينيةالحمراء وغيرها من النماذج إلا براهين على تلك الحتمية.
إن العمل التاريخي الفارق يضمن مرضاة أغلبيةالناس بقدر ما يشحذ غضب أقلية،وقد تنجح إحداهما في قلب المعادلة الآنية لصالحها، ولكنها لا تستطيع منع أبدية الحدث التاريخي.
و حدث استقلال الجمهورية الإسلامية الموريتانية من هذه الطينة ، ومن الطين تصنع الأوابد، فقد كان ،فعلا، حدثا فريداَ مكانا و زمانا في مشروع مجتمع فريد شكلا و مضمونا في أرض فريدة تضاريس و مناخا ...لأنَّ:
* إقامة دولة في هذا القفر،الممتد، حيث اللا شيء ، من "قاوة "شرقا ، إلى شاطئ المالح غربا ومن "قرته"[كارتا] جنوبا، إلى الساقية الحمراء شمالا، أو على جزء أساسي منه، مع إبقاء الحلم حيا بإضافة الباقي إليه،يدخل ضمن المستحيلات من أوسع أبوابها .
*و تشكيل وقولبة مكوناته باختلاف وتنافر أمزجتها وأعراقها وشرائحها وفئاتها لتصبح مشروع مجتمع موحد الإنتماء في ظرف وجيز حُلم كبير ورؤيا طوباوية نبيلة عملٌ يعتريه ما يعتري الحلم والرؤيا من صعوبة التحقيق و التحقق.
*و قيام الدولة حيث لا تحفظ الخرافة ،بلْهَ التاريخ الموثق ، سابقةَ قيام أي شكل من أشكال السلطة الجامعة المانعة ، وحيث لم يوظف المعمر مالاً
لتشييد مقرٍّ ولا مستقر ولا معبر ، و لم يستثمر في العقول علما ولا دربة على صنعة،... مغامرة تنزل إلى مستوى تصنيف[المقامرة] بمصائر الناس .
ورغم هذه التحديات ــ المستحيلات نجح الأستاذ المختار ولد داداه ، تغمده الله بنعيمه الدائم، في إقامة هذا الذي نحن نحتفل ،مخالفين و موافقين ،
بذكرى قيامه، بل نقف على أتم الأهبة للدفاع عنه بالروح التي لا نملك سواها غيرَهُ....
وهذا ،وحده، يعني أن المرحوم نجح في مشروعه، و سجله في إضبارة الخلود، رغم الأخطاء الملازمة لأي مشروع عابر للزمن وما يلازمه من خطايا ، ارتكبها في حقنا وحقه وحق الأمة ،كثيرون ،رافقوه و جاءوا بعده بالنكر والإدِّ في الوحدة والهوية والعدالة و الحوزة الترابية ...
وتأسيسا عليه فإننا بحاجة مصيرية إلى إعادة تأسيس تحوز إجماع الناس على ثوابت دولاتية جمهورية يتواضع سكان هذا البلد عليها ،تضمن أسس الإتفاق وضوابط الإختلاف لبقاء هذا الوطن القزحي الجميل...
ولعل من سيتصدَّى لهذه المهمة التاريخية يحظى بموقع من مواقع الخلود .
(و "الخلود : مبادرة و حظ وإنجاز وعلو همة")
كل ذكرى و الوطن والمواطن بخير..