توفي ليلة الجمعة الماضية 24 نوفمبر 2016 الشيخ الدكتور محمد الأمين ولد الحسين آل الشيخ سيد ألمين الجكني الموريتاني مولدا الحجازي،المَدَني جنسية و مهاجرا عن عمر ناف علي الثمانين سنة و قد تمت الصلاة علي جثمانه بالحرم النبوي الشريف و وُوري الثري بالبقيع الطاهر أسأل الله العظيم الذي اختار له جوار رسول الله صلي الله عليه سكنا في الدنيا و مدفنا عند الوفاة أن يختار له جواره صلي الله عليه و سلم في فَرَاديس الخلد و النعيم و الرضوان..
و لقد هاجر الشيخ محمد الأمين في بواكير شبابه- و هو ابن نَيف و عشرين سنة- إلي مدينة رسول الله صلي الله عليه و سلم رفقه ابن أبيه العلامة الورع محمد عبد الله ولد الصديق آل الشيخ سيد ألمين رحمهما الله و درسا علي العلامة فريد عصره و وحيد أمته، وَارث الأنبياء العلامة محمد الأمين ولد محمد المختار الشنقيطي (آب ولد أخطور) عَلَمًا وقد رُوي تواترا عن العلامة آب أنه كان ينزلهما عناية و أولوية خاصة لما لمس فيهما من النبوغ العلمي و الورع السًني و السعي بعنفوان في منافع المسلمين.
و سأكتفي في هذ العجالة بالمرور -كراما لماما- علي توضيح عناوين خمسة من حياة فقيد الحجاز و شنقيط الذي أتوقع ،متمنيا حدوث عكس ما أتوقع، أن تمر عقود أو قرون قبل أن تلد نساء قومه و قطره و مهجره مثيلا له أو شبيها؛ آملا أن أفصل تلك العناوين و غيرها لاحقا بمناسبة أمسية تأبينية يُعد لها صاحب السعادة الممثل المقيم لرابطة العالم الإسلامي بموريتانيا الدكتور الطيب ولد عمارُو ولد بُ و التي سيتم الإعلان عن تاريخ و مكان تنظيمها عاجلا :
أولا- الشيخ محمد الأمين " خادم القرءان":لقد دَرًسَ الشيخ محمد الأمين القرءان ستين عاما متواصلة من غير انقطاع فكان فَمُه دوما رَطبا عَطرا من كتاب الله و كانت البداية حين عمل رحمه الله مدرسا بالمعاهد المتوسطة لتدريس القرءان فلما حاز درجة الدكتوراة درس القرءان العظيم و علومه بجامعة الإمام محمد بن سعود إلي أن أحيل إلي التقاعد و المعاش فخصص بيتا من عمارته السكنية العامرة كرما و ضيافة و علما و عبادة لتدريس القرءان الكريم كل ليلة تحفيظا و تجويدا و تفسيرا .. و قد من الله عليه أن ظل تدريسه للقرءان العظيم متواصلا إلي أن نُقل إلي سرير المستشفى الذي توفي عليه؛
ثانيا-الشيخ محمد الأمين "سيد الإحسان": تُشْفقُ العبارات من أن تُعبر عن درجة عُنفوان الشيخ محمد الأمين في حب الخير و الإحسان و السعي في منافع المسلمين و اعتباره نفسه "قَيُومًا علي كل من لا قَيُومَ له" و لولا خشية إفشاء مشاهد إحسان ربما كان يود المرحوم أن تبقي "صدقة سرّ" لحدثتكم بالعجب العجاب من الإنفاق هنا في موريتانيا و هناك بالحجاز.
و لا يحب الشيخ محمد الأمين المغالبة و المنافسة و المسابقة إلا في فعل الخير و طيب الذكر و قد حدثني الأخ الفاضل الكريم سليل دوحة الفضل و الكرم و العزة والإباء يسلم فال ولد أكاي أنه زار الشيخ أسابيع قبل وفاته بعمارته السكنية العامرة بالمدينة المنورة و قد بدت عليه علامات المرض العضال و أخذ منه الإعياء و الإرهاق مبلغا.
فحدث يسلم فال الشيخ محمد الأمين عن ضيافة خصصها الأهل بكرو إكراما لزيارة خاطفة لإخوة لهم مقيمين بقبيلة "تندغة" )جماعة ّأهل أبي عبيدّ) و أن القوم تسابقوا في تقديم أكثر من مائة من الإبل للنحر إضافة إلي أطنان المؤونة و عشرات الملايين من الأوقية و أن ما بقي بعد النحر من الإبل )قرابة الثمانين( قدم هدية للولي الصالح المنفق إنفاق من لا يخشي الفقر الشريف نسبا الجكني سكنا محمد الزين ولد القاسم ولد ديدي فصاح الشيخ رحمه الله آمرا أبناءه أن يجلسوه و تمايل طربا و لسان حاله يقول ليتني كنت فيها جذعا ثم قال لقد وفقتم في هذه التظاهرة للجمع بين الدنيا و الآخرة و أكثر من الدعاء لكل من ساهم في هذه المبادرة الكريمة؛
ثالثا- الشيخ محمد الأمين"حمامة الحرم النبوي": حدثني بعض الثقاة أن الشيخ محمد الأمين كان " حمامة الحرم النبوي"، شديد المواظبة علي أداء الصلوات الخمس بالحرم النبوي و لم يصل في غيره إلا لسفر قاصد أو مرض عضال و لما بلغ منه المرض مبلغا كان أبناؤه حفظهم الله و جعلهم خير خلف لخير سلف يحرصون علي الذهاب به إلي الصلوات الخمس بالحرم النبوي؛
رابعا::الشيخ محمد الأمين " واصل الأرحام": لقد كان الشيخ محمد الأمين رحمه الله حريصا علي صلة رحمه كل رحمه كبيره و صغيره بعيده و قريبه و تنشئة أبنائه علي ذلك و علي أنهم "رحم من لا رحم له" و قد كان دائم المواظبة علي أن يَبُلً كل الأرحام ببَلَالها الأحياء منها و الأموات.
و قد حدثني ذات مرة أنه كان حاجا و التقي في السعي بين الصفا و المروة بابن أبيه الشيخ محمد أحمد )دَادًحً ولد الشيخ ولد دَادًحً( آل الشيخ سيد ألمين سليل دوحة الأولياء الصالحين المُجربين المُحققين فسأل هو دادح عن من يحج هذا العام؟ فأجابه بأنه يحج عن أحمد ولد عثمان ولد المختار أحد شيوخ عامة اشراتيت فبادر الشيخ محمد الأمين موضحا و أنا أحج عن فال ول منكوس أحد شيوخ "اجْلاَلْفَ"" أحد بطون جماعة اشراتيت؛
خامسا: الشيخ محمد الأمين " رجل الإطفاء الاجتماعي": يجمع الجميع ممن عرفوا الشيخ محمد الأمين أن نجواه لا تكون إلا أمرا بصدقة أو إصلاح بين الناس و قد كان بحق " رجل إطفاء اجتماعي" في أتم الجاهزية و التضحية بالمال و الوقت و الجاه من أجل إصلاح ذات البين و قد وفق مرات عديدة بالحجاز و بموريتانيا "لإطفاء العديد من الحرائق الاجتماعية" و قع عبر لي العديد من الحكماء و الرشداء عن قلقهم من مآلات توترات اجتماعية قد تستجد في زمان غاب عنه الشيخ محمد الأمين.