يشعر ملايين الأميركيين، وأنا منهم، بالذهول والصدمة. لا يمكن ببساطة تصديق أن دونالد ترامب قد أصبح رئيساً. البعض يحفزنا على تجاوز ذلك، وعلى تقبل إرادة الشعب واحترام العملية الديموقراطية ومكانة المنصب الذي تم انتخاب دونالد ترامب لتقلده.
ربما يخطئ المراقبون بالتنبؤ، لكنهم يفلحون في تحليل الحقائق. هكذا، وبرغم أنهم أخطأوا على مدار أشهر، فقد اكتشفوا الآن السبب وراء فوز ترامب. يقولون إنه خاطب غضب الناخبين ولمس مخاوفهم، وتواصل مع نفورهم وإحباطهم من المؤسسات الحاكمة في كلا الحزبين. ببساطة، لم يثق الناخبون بهيلاري كلينتون. فهي لم تكن صادقة، بل كانت نخبوية محاصرة بالمؤسسة. وأتفهم كل ذلك.
لكنّ ما لا أستطيع تفهمه، بل ما يقلقني ويقض مضجعي، هو أن الرئيس المنتخب فظ وفاسد ومحتال. رجل الأعمال الذي يزعم أنه ملياردير، خدعت حالات إفلاسه آلاف العمال وأصحاب شركات صغيرة، تهرباً من دفع مستحقاتهم، وسرقت «جامعته» من مئات الشباب أموالهم وأحلامهم، وخدع عشرات المؤسسات الخيرية بتعاملاته بعدما وعدها بتقديم الدعم.
بادعائه القلق على «الطبقة المتوسطة المنسية»، استغل ترامب غضب الذين شعروا بأنهم تعرضوا للخيانة من النظام. لكن ترامب لم يقدم أي حلول بناءة، وهو لم يطرح سوى وعد غامض بإعادة «الأمجاد الغابرة»، عبر تغذية الخوف وإذكاء مشاعر الغضب ضد أكباش فداء، ركز هجومه عليهم مثل ذوي الأصول اللاتينية والمهاجرين والمسلمين والفقراء. ولم يكتف ترامب بذلك، بل سخِر أيضاً من العاجزين وكشف عن عدم احترام مؤسف للنساء. وفي عدد من المناسبات، شجع أنصاره بقوة على استخدام العنف ضد من عارضوه.
لم يفهم المراقبون والمحللون دعوة ترامب. وأثناء موسم المنافسات التمهيدية، توقعوا مراراً وتكراراً على نحو خاطئ سقوطه. وعندما قام بتوجيه الإهانات للنساء ولخصومه ولعضو مجلس الشيوخ جون ماكين، وللمذيعة التلفزيونية في قناة «فوكس» ميغان كيلي، ولذوي الأصول اللاتينية وللمسلمين ولشخص عاجز، أعلنوا أنه تجاوز الحدود، وأنه سرعان ما سيسقط في الانتخابات. لكنّ ما عجزوا عن فهمه حينئذ ولم يدركوه حتى الآن، هو أن ترامب كان يخاطب مزاجاً غاضباً لدى شريحة كبيرة من الناخبين. ربما كان شخصاً متنمّراً ووقحاً، لكنه متنمر وقح يعبر عن هذه الشريحة التي يدافع عنها، وقد أحبته لذلك!
من الخطأ أن نزعم أن قيم ترامب ليست أميركية. بل هي كذلك. ومن المؤسف أن أقول إنها تمثل جزءاً كبيراً من تاريخنا الأميركي الذي يجب ألا نتجاهله. فقد رأينا من قبل الغضب والعنف ضد الأميركيين ذوي الأصول الأفريقية، والأميركيين الأصليين، وموجات المهاجرين المتعاقبة من أراضٍ أجنبية وغيرهم كثر.
عندما أطلق ترامب العنان لحملته القائمة على الكراهية، لم يفهم المراقبون الذين يعيش كثير منهم في عالم نخبوي، أن رسالته ستجد صدى، وأنه من الممكن أن يفوز. أما الآن وقد فاز، مع ظهور موجة رافضة لهذا الفوز، فيريدوننا أن نضع مخاوفنا وسخطنا جانباً، وأن نمضي قدماً. أختلف مع ذلك لأنه حتى إذا فاجأنا ترامب ومضى في وضع أجندة حكم معتدلة، فإن الكراهية التي أطلق لها العنان ورسخها لن يتمكن من احتوائها بسهولة.
أما السبب الآخر الذي يجعلني غير قادر على تجاوز الأمر بسهولة فهو أن لغة ترامب كانت، طوال موسم الحملة الانتخابية، شديدة السوقية، وسلوكه تجاه النساء كان مثيراً للاشمئزاز. وقد تحولت متابعة أحفادي للحملة الانتخابية إلى مشكلة لآبائهم. الحملة بأسرها كانت كابوساً انتظرت انتهاءه بفارغ الصبر.
لكن الواضح أن الكابوس قد بدأ للتو. ها نحن الآن نكافح كي نفسر لأبنائنا وأحفادنا كيف أن ذاك الرجل أصبح، بعدما قال ما قال وفعل ما فعل، رئيسنا الحالي!