يتبادر الي الذهن تناول الصرف من الباب النحوي والصرفي:اسم علم وقد منعه النحويون في -البصرة والكوفة -من الصرف بعد أن اعتمدوا السماع والقياس و أما أسباب المنع وما يسميه البعض التعليل فلسنا هنا بصدد البحث فيه .
نحن هنا نعني الصرف الصحي الذي من ناحية موضوعية يستحق أن يتناول –بضم الياء-من طرف الجميع لما له من انعكاس بالغ علي عديد المستويات لأن عدم مواجهة هذه المعضلة وتمني الخلاص من متاعبها من دون عمل علمي نقوم به أمر عبثي .
أما دروس النحو والصرف فشخصيا أعتقد أنها كغيرها من العلوم المفيدة لم تعد تهم الناس بعد التراجع الحاصل في تقدير العلم وأهله عند الشناقطة .
متعلق بالموضوع :
ينطوي انعدام الصرف الصحي علي أضرار كبيرة متعلقة بالصحة العامة اذ يقدر المختصون أن حوالي 2,5مليار نسمة في افتقار الي خدمات الصرف الصحي وأن 2,1 مليار نسمة يقضون حاجتهم في الخلاء.
كما أن حوالي 1,6مليون أغلبهم من الأطفال الذين تقل اعمارهم عن 5 سنوات يموتون سنويا بسبب أمراض ذات صلة بالمياه والصرف الصحي .
فأين نحن من كل ذلك ؟
ومن جانب اقتصادي, يري الباحثون أن كل دولار ينفق في الصرف يعود بتسع دولارات من الفائدة ممثلة في تجنب التكاليف وزيادة الانتاجية ما يعني أن الافتقار الي الصرف الصحي يجلب الأمراض ومن ثم التغيب عن العمل فالخسارة وعليه فكل انفاق في المجال يولد العكس .
خلط في المفاهيم :
يقصد بالصرف الصحي : جمع المواد البرازية للإنسان والمياه المنزلية المستعملة والفضلات الصلبة أو نقلها أو معالجتها أو التخلص منها أو اعادة استخدامها وتعزيز الصحة العامة المرتبطة بذلك .
اما عندنا فالعامة بل الجميع يقصد بها التعامل مع الأمطار لتجنب ما تحدث من خلل علي كافة المستويات ,وعلي كل حال فبحثنا هذا يحاول اعطاء وجهة نظر في الموضوع بصفة عامة.
كيف نتناول نحن الموضوع :
يتناول الموريتانيون الظاهرة التي لا يدرك البعض ماهيتها بدقة من أوجه شتي :
المعارضة : تكشف من خلال طرحها عدم اهتمام النظام بالهم العام وأنه في كل عام يغرق بلد وتتهدده الأوبئة ويعزل –بالتركيب للمجهول-بعضه عن بعضه وتتهدم الطرق وشبكات المياه والأعمدة الكهربائية وتغمر المدارس والإدارات والدور السكنية الي غير ذلك من ما نعلمه جميعا .
الأغلبية : بسبب النقد الحاصل من الآخر المعارض يروون أن دفاعهم عن حكم محسوب عليهم أمر طبيعي ولأن الخصم لا يري إلا الفارغ من الكأس فهم لا ينظرون إلاالي الجانب الآخر وهو بالنسبة لهم ملآن و لسان حالهم : أن لا تأخير لمشروع الصرف الصحي بل لكل أجل كتاب .
ثم انهم أدركوا أن تناول الموضوع بصفة دائمة من طرف المعارضة جعله مألوفا لا يحرك ساكنا ما يخفف عليهم الضغط ويدخله المساجلات السياسية .
وهكذا يعتقد طرف ما أن هذا يفوت –بكسر الواو المشددة-علي الناس الفهم الصحيح للأشياء وهو لعمري خطأ فقد فقه الكل أهمية مواجهة هذه الظاهرة التي اذا لم تتدارك فقد تكون الخسارة والدمار .
اختلاف الأحوال أمام المطر:
يعتقد علي نطاق واسع –وهو الصحيح-أن نزول الغيث من البركات لذلك ما ان يتأخر فصل الخريف تبدأ الدعوات والابتهالات طلبا له .
أما في نواكشوط فالدعوات هي من اجل أن يكون علي الآكام وبطون الأودية ليس لكرهه بل لتجنب الآثار المزعجة المترتبة عليه .
الأسباب الوجيهة في تأخر الصرف عن المدينة :
نعلم أنه والي عهد ليس ببعيد كان يعتقد أن نواكشوط من المناطق التي قل أن ينزل المطر بساحتها وهذا المناخ البيئي السائد آنذاك جعل الصرف الصحي في المرتبة غير الأولوية وغير الملحة .
ا من الطبيعي أن لا يولد هذا الاسراع في موضوع الصرف اذ لم تكن ثمة حاجة ماسة وكذلك لأن المسؤولية فيه كثيرا ما ترمي علي المستعمر والأحكام التي تلته مباشرة والتي تلت تلك والتي جاءت بعد اولئك وهو ما اصطلح علي تسميته بالتراكمات .
ومع التغير الحاصل في دورة المناخ والتي بموجبها أصبحت نواكشوط اليوم كباقي المدن في الداخل يأتيها رزقها من المطر كل عام بإذن ربها تأكد البحث الجاد عن حل للصرف حتي انه ليخيل الي أنه سيصبح مادة في البرامج الانتخابية المقبلة لما له من أثر علي الحياة العامة للمواطنين بجميع مستوياتهم .
ان -وهي للتأكيد- تكرار الأزمات الناجمة عن انعدام الصرف وتناول المعارضين الصريح له وتناوله همسا من لدن الداعمين فاقم الظاهرة التي –والحق يقال - لم تعد تطاق عند الجميع .
مشروع الصرف الصحي :
يبدو أن الحكومة للأسباب المذكورة أخذت الموضوع علي محمل الجد باعتباره أولوية : الأضرار كبيرة والتأثير السياسي في ازدياد.
والي أن يقدم القائمون علي المشروع للعامة بعض التفاصيل فالحاصل هو :
-ثمة حفر علي مستوي بعض المقاطعات وتجميع المياه في مكان واحد ليقام بشفطه الي جهة ما .
-نلاحظ دخول الصينيين علي الخط ومعروف عنهم الجدية والخبرة .
-نلاحظ وضع عديد مضخات الازاحة التي تستعمل لطرد المياه من ملتقيات الطرق وهي عملية في بعض الأحيان تخفف من الوضع وتسمح بانسيابية الحركة علي الشوارع الرئيسية .
-الآليات المستخدمة وطرق العمل الحالية ليست بالمستوي الذي يتطلبه هذا المشروع الكبير .
ولأن وضع الحجر الأساس قد تم فالمرتجي أن يتابع من لدن القطاعات المعنية بصفة أمينة تجعل التنفيذ يتم في ظرف وجيز لنقطع مع القيل والقال ولا رجوت ولا ينبغي أن يدور الحول ونحن في نفس الوضعية .
وبصفة موضوعية فقد يكون الجميع علي صواب في طرحه:
-النظام :لأن الموضوع من التركات الثقيلة ويحتم عنصر الوقت.
المعارضة:لأن الوقت قد حان ولا بد من مواجهة المعضلة المنعكسة سلبا علي كل شي ء ثم لأن السياسة لا ترحم ودورالمعارضة هو النقد .
-المواطن :الذي لا يطلع بالضرورة علي التفاصيل ومن حقه أن يري اهتماما بموضوع يمس عيشه فطبيعي أن تشغله الظاهرة .
ومهما يكن من أمر ولأن المعول عليه والموجود فعليا هو الآتي وليس الحاضر فقادم الأيام سيحكم بين الجميع ولنكون أمام الاحتمالات:
-أن يحل علينا فصل الخريف المقبل ونحن في الوضع الوحل ذاته .
-أن نشهد العام القادم تقدما ملموسا في تنفيذ المشروع ما يكون له الأثر الايجابي البالغ لصالح الجميع .
وأخيرا فان آخر ما يحتاجه المواطنون الطبيعيون وأنا منهم هو التلاسن بين الأطراف في الموضوع بعد ان أصبح حالة استعجالية بحاجة الي مبادرة ..
مع رجاء الخير للجميع ...