الجاران الكبيران تركيا وإيران يلتقيان باستمرار، يتخاصمان ويتجادلان، لكنهما يخفّفان من غلواء الاختلاف في بعض المسائل العالقة بينهما، ثم لا ينتهي لقاؤهما إلا بعد أن ينجزا شيئا كبيرا في علاقاتهما السياسية والاقتصادية. أما النقاش الدائم بين الجارين الصاعدين فيتسم بالصراحة والمسؤولية، ولذلك تتقدم علاقاتهما إلى الأمام.
لكن المضحك وربما المبكي أنّ عرب الشرق صاروا مجرد ملف من الملفات العادية على أجندات الحوار التركي ـ الإيراني.
لقد صار الشأن العربي عموما والعراقي ـ الشامي خصوصا، موضوعا دائما على طاولة اللقاءات التركية ـ الإيرانية في ظل غياب تام للطرف العربي سواء أكان منظمات إقليمية أو حكومات بعينها.
لم نقم بالحوار مع الطرف الإيراني مهما كانت درجة الخلاف معه في هذا الأمر أو ذاك، ولم نقتحم ساحة الحوار التركي ــ الإيراني لنكون طرفا فاعلا في نقاش مستقبل المنطقة أو في الحقيقة مستقبلنا نحن العرب أهم كيان شرق أوسطي بشريا واقتصاديا.
مبادراتنا لا تتسم بالشجاعة والصدق، بل نركن إلى المجاملة وربما النفاق حتى في العلاقة مع العدو الإسرائيلي الذي لا نحاربه ولا نسالمه، بل نؤاكله ونشاربه ونخاصمه ونلاعنه في الآن نفسه سرا وعلانية.
لقد بلغ الهوان بنا أن صرنا لا نتحدث عن أنفسنا كعرب، بل ككيانات منفصلة أو غريبة تحت أسماء مستحدثة أو مصطنعة، ولذلك غاب شيئ اسمه العرب والعروبة وحتى العربية من سياساتنا الرسمية أمام العالم. ومن يخجل من أن يتحدث عن نفسه ويفر من جلده، يستحق كل الخزي والعار ولن يحترمه أحد. والعجيب أن جيراننا يتحدثون عن قوميتهم بكل وضوح ويخاطبون غيرهم بلغتهم وبكل ثقة ويعلنون ثوابت سياستهم وبكل صرامة. أما لدينا فالعكس هو الصحيح.
لقد كاد العرب يفقدون زمام المبادرة في الشرق الأوسط نظرا لعمق خلافاتهم البيْنيّة والتي تجد جذورها الدائمة في الخشية من “ابن العم” ومنافسته حتى على اللا شيئ، وتفضيل الجار “الأعجمي” حتى ولو كان خصما تاريخيا، وحتى في حال فضلوا هذا الجار أو ذاك من غير بني جلدتهم، لن يكون ذلك من قبيل العمل السياسي المعقلن والشراكة المفيدة، بل نكاية في الأخ والقريب، أو تعلقا بالغريب وخوفا منه.
لماذا لم يقم مجلس التعاون الخليجي، وهو أكثر فاعلية من الجامعة العربية، بمبادرة شجاعة، سالبة أو موجبة، لتقوية الموقف العربي في الشرق الأوسط، يمينا أو شمالا أو شرقا؟
لقد فقد عرب الشرق زمام المبادرة أو كادوا ولم يتبق لهم إلا تغيير جذري في نفوسهم من الداخل يغيّر ما بأنفسهم أو يؤذن بنهايتهم.
د. حماه الله ولد السالم / مؤرخ وكاتب موريتاني