الجديد في ليبيا لا يتمثل في اعلان حكومة الوفاق الوطني الليبية التي يتزعمها السيد فايز السراج، ان قواتها اعلنت السيطرة على مقر تنظيم “الدولة الاسلامية” في مجمع واغادوغو للمؤتمرات في مدينة سرت، وانما في الدور الكبير الذي لعبته قوات ارضية امريكية تابعة للوحدات الخاصة، مدعومة بغطاء جوي من طائرات “اف 16″ الامريكية ايضا في تحقيق هذا الانجاز.
حكومة الوفاق الوطني الليبية كانت مجرد ستار لا اكثر ولا اقل، وقد جاءت اساسا من اجل “تشريع″ هذا التدخل البري بعد الجوي، الامريكي البريطاني الفرنسي، فالرجل، اي السيد السراج، لا حول له ولا قوة، وهو على عكس الزوج المخدوع، اول من يعلم.
فالسيد السراج فاجأنا بإدعائه بانه لم يعلم بوجود قوات فرنسية تقاتل الى جانب اللواء خليفة حفتر في شرق ليبيا، الا بعد اسقاط ومقتل ثلاثة منهم، واطلق تصريحات “نارية” تؤكد ان وجود هذه القوات يشكل انتهاكا لسيادة ليبيا، ولكنه لم يصدر اي ادانة مماثلة بحق القوات البرية الامريكية، التي تقاتل الى جانب قوات تابعة لحكومته، مما يعني، ان المشكلة ليست في وجود هذه القوات، وانما اين تقاتل، ومع مَن مِن “الحكومات” و”الميليشيات” وقياداتها التي تتنافس على السلطة في ليبيا، وتدين بالولاء لمن “يدعم” عربيا او غربيا.
صحيفة “الواشنطن بوست” الامريكية قالت يوم امس “ان جنودا من الوحدات الخاصة الامريكية قدموا للمرة الاولى اسنادا مباشرا للقوات الليبية التي تقاتل عناصر “الدولة الاسلامية” في معقلهم بمدينة سرت شرقي العاصمة طرابلس″، وقالت نقلا عن ضباط موالين لحكومة الوفاق “ان جنودا امريكيين وبريطانيين يرتدون الزي العسكري الليبي “المرقط”، وسترات واقية من الرصاص، شوهدوا في مدينة سرت الشهر الماضي”.
ومن المفارقة ان اعلان الصحيفة هذا جاء في اليوم نفسه الذي قال فيه السيد السراج في مقابلة مع صحيفة “كوريري ديلا سيرا” الايطالية، “ان بلاده ليست بحاجة الى قوات اجنبية على الاراضي الليبية، وطالبت فقط بضربات جوية امريكية لا بد ان تكون جراحية جدا، ومحدودة، في الزمان والمكان، ودائما بالتعاون والتنسيق معنا”، انه الاسلوب التضليلي نفسه الذي كان يستخدمه السيد مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الوطني الليبي السابق، والمجموعة الملتفة حوله.
ايهما نصدق الآن، اعتراف وزارة الدفاع الامريكية “البنتاغون” بوجود هذه القوات و”تقديم قدرات عسكرية فريدة لمساعدة قوات حكومة الوفاق، والمشاركة في غرف عمليات عسكرية مشتركة معها وخبراء عسكريين بريطانيين، ام نصدق السيد السراج والمتحدثين باسم قواته؟ ام ان علينا ان ننتظر مقتل بعض الجنود الامريكيين، على غرار نظرائهم الفرنسيين حتى يتم الاعلان رسميا عن هذه القوات؟
في شباط (فبرابر) عام 2011 تدخلت طائرات حلف “الناتو” عسكريا في ليبيا مدعومة بحملة اعلامية منسقة ومدروسة، وغطاء اممي “مزور” او “مغشوش”، انتصارا للثورة وحماية للشعب الليبي من مجازر كان يخطط لها النظام الديكتاتوري، حسب ما جاء في البيانات الرسمية، ولتحقيق الديمقراطية وفرض احترام حقوق الانسان، والآن تعود الطائرات مدعومة بقوات على الارض تحت “غطاء” محاربة تنظيم “الدولة الاسلامية”.
الشعب الليبي انخدع في المرة الاولى، وصدق الكذبة الامريكية والغربية التي تبنتها الجامعة العربية وحكومات خليجية مدعومة من قنوات فضائية عربية، وظفت طاقاتها وامكانياتها وخبراتها الجبارة في التضليل والخداع، ولكنه، اي الشعب الليبي او معظمه، لن ينخدع في المرة الثانية هذه، بعد ان رأى حجم الخراب الذي لحق به وبلاده، وفقد الثقة بالغرب والعرب معا.
الولايات المتحدة الامريكية، وحلف “الناتو”، والدول العربية والاسلامية الداعمة لهما، هي التي اتت بتنظيمي “القاعدة” و”الدولة الاسلامية” الى ليبيا عندما حولتها الى دولة فاشلة، ووفرت الفراغ بشقيه السياسي والامني، والحواضن الملائمة لهذه التنظيمات على ارضها، وفشلت في اقامة دولة المؤسسات والحكم الرشيد.
ربما تكون قوات الوحدات الخاصة الامريكية والبريطانية نجحت في السيطرة على مدينة سرت، والحقت هزيمة بتنظيم “الدولة الاسلامية”، ولكن هذا الانتصار ربما يكون مكلفا جدا، لان هذا التنظيم ليس “حكومة”، مثل حكومة الرئيس الراحل معمر القذافي، يمكن اختفاؤها فور انهيارها، والاستيلاء على مقراتها، فهذا التنظيم لا يذوب ويختفي بمجرد خسارته معركة هنا او هناك، ولنا في العراق، وسورية، ومصر (سيناء)، وافغانستان، ونيجيريا، والصومال، امثلة في هذا الصدد، وهذه مسألة يطول شرحها.
الحرب الامريكية البريطانية الفرنسية ضد تنظيم “الدولة الاسلامية” ربما تصب في مصلحته، وتضفي عليه “شرعية” كان ينتظرها بفارغ الصبر، الامر الذي قد يسهل عملياته لتجنيد ليبيين محبطين ومهمشين في صفوفه بسهولة اكبر من الماضي، سواء اولئك الذين يعيشون تحت مظلة الفوضى الدموية في بلادهم، او اكثر من ثلاثة ملايين لجأوا الى دول الجوار للنجاة بحياتهم.
تدخل حلف “الناتو” بزعامة امريكا في المرة الاولى، لم يكن لحماية الليبيبن وانقاذهم من نظام ديكتاتوري، وانما من اجل نفطهم، وانتقاما من ذلك النظام الذي كان يحاربهم وسياساتهم الاستعمارية في القارة الافريقية، وداخل منظمة “اوبك”، والآن يعود الحلف مجددا في المرة الثانية للتدخل بطائراته وقواته على الارض، ومن اجل النفط ايضا، والذريعة القضاء على تنظيم “الدولة الاسلامية”، وخطره الارهابي الذي حل محل النظام الديكتاتوري و”ذريعته”.
مسلسل الاكاذيب والتضليل مستمر بالابطال نفسهم والحبكة نفسها، والهدف نفسه، ولكن الجمهور بات محصنا، وتعلم الدرس جيدا، وهذا ما يجعلنا نؤكد ان النتائج ربما تكون مختلفة.
“راي اليوم”