ودعت الأمة الإسلامية يوم السبت 6/8/2016 م أحد أعلام العلم والدعوة الموريتانيين الشيخ سليم ، وهو الشيخ سيدي محمد بن محمد المصطفى ؛ ولد الفقيد عام 1973م بالحوض الغربي في موريتانيا ، حفظ القرآن وهو ابن عشر سنين ، ثم انتقل للعاصمة " نواكشوط" فالتحق بنادي مصعب بن عمير وأشرف على تكوينه العلمي أخوه " محمد رحمه الله " وكان له عليه بالغ الأثر في السلوك والمنهج .
درس بعض المتون المتعلقة بعلوم القرآن كرسم المصحف والدرر اللوامع (رواتي ورش وقالون) ، ثم اتجه للأدب والشعر فبز أقرانه فيهما.
وتصدر للتدريس في محضرة والده على صغر سنه فكان يدرس القرآن ورسم المصاحف ، ومختصرات النحو.
ثم انتقل إلى محضرة العون إحدى كبريات محاضر نواكشوط وهي : المحضرة التي أشرف عليها الشيخ محمد الأمين بن الحسن فخرجت جمعا من العلماء والدعاة يشار إليهم بالبنان.
التحق بها فقيدنا فتلقى فيها علوما وفنونا شتى ، ثم التحق بالمعهد السعودي فدرس فيه الثانوية وكان من طلابه المبرزين ، ونظم فيه مقرر علم الجغرافيا نظما بديعا طريفا، تخرج من المعهد بامتياز فخير بين منحتين للأزهر والجامعة الإسلامية بالمدينة فختار مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم ،
تخصص في الجامعة الإسلامية في علم القراءات القرآنية، والتفسير وحاز فيهما قصب السبق.
نشط الشيخ سليم في الدروس والمحاضرات بالمساجد والمنتديات فكان شعلة من النشاط لا تهدأ أبدا فلا تقل دروسه يوميا عن درسين أبدا في كل الأحوال .
كان الشيخ سليم رجلا طموحا أعطاه الله همة وعزما فهو لا يكاد يضيع سانحة ، فكل وقته تعليما وتعلما ودعوة وصلة بخير .
حبب للشيخ سليم المدينة المنورة فجاور بها ، وله مع المسجد النبوي شأن إذ تعلق به فكان يطيل المكث به ، ومع ذلك أعطاه الله بركة في الوقت فهو يصل الأرحام ، وبيته مأوى للضيوف والوافدين للمدينة ، كان كريما ، سخيا ، مضيافا ، يستقبل الزوار بحفاوة واكرم.
كان الشيخ سليم يدعو إلى الله على بصيرة ، يحمل هم إخوانه ، وينشر العلم عبر المجالس والدروس، بل طور نفسه فواكب طفرة الأنترنيت مشاركا بدروسه ودعوته في المواقع الإسلامية والمنتديات الدعوية ، فهدى الله على يده فئاما من الشباب ، وذلك لما حباه الله من حسن العرض ، وقوة الحجة، وسعة الصدر.
انتقل الشيخ إلى الكويت فأقام بها مدرسة علمية كان لها أثر كبير ، وكان الشيخ القارئ سعد الغامدي مصرا على عودته للسعودية فهيأ له مدرسة علمية بالدمام فعاد للسعودية لتعلقه بالمدينة النبوية فأسس مدرسة علمية بالدمام ، يدرس فيها أصول الفقه وأغلب المتون الشرعية والعربية وقد نظم بها بعض الكتب كالعمدة واخصر المختصرات في الفقه الحنبلي.
ثناء العلماء على الشيخ سليم:
الشيخ رحمه الله كانت له قيمة ومقاماً بين العلماء وله نشاط وحضور بينهمحتى كان يسميه الشيخ محمد المختار الشنقيطي المدرس بالمسجد النبوي ب" سليم الصدر " وقد نعاه العلماء وبينوا طرفا من مجده وفضله فلقد أرسل الشيخ محمد الحسن الددو رسالة صوتية نعى فيها للأمة الإسلامية الشيخ سليماً ومما قال فيها : " أبو عبد الله صلتي به طويله ، فقد عرفته شابا صغيرا تحت البلوغ ، حافظا لكتاب الله ، مقبلا على العلم ، مقبلا على الآخرة، زاهدا في الدنيا ، وكنت مشرفا عليه في دراسته الجامعية ، فكنت أنا المستفيد من اشرافي عليه ، وكان التلميذ هو الشيخ ، يذكرني بالله في كل أحواله ؛ كان الشيخ سليم شديد الحب للنبي صلى الله عليه وسلم ، شديد الحب لمدينته ، شديد الحب لسنته ؛ عرف بالصدق ، واستجابة الدعاء، والأمانة ،والورع ، وكف الأذى ؛ يطيل الجلوس في المسجد النبوي في انتظار الصلاة بعد الصلاة ، اعتكافا وقياما ، كان رحمه الله أديبا يحفظ الأشعار، ويروي الأخبار ، مع الاهتمام بالفقه والأصول والنحو واللغة ، وعلوم الكتاب والسنة ، كان أغلب وقته لتعليم الناس والسعي لإفادتهم ، كان بيته بالمدينة مأوى للحجاج والمعتمرين والزوار ، كريم الضيافة قائما على الأرامل والفقراء رحمه الله وغفر له "
أما الشيخ سعد الغامدي فقد كتب مغردا عن الشيخ : " رحمك الله يا شيخنا وأسكنك عالي الجنان ... غادر الدنيا ولم يفتر لحظة عن تعليم الناس الخير ..الشيخ الوفي سليم الشنقيطي"
وتواصل ثناء العلماء على الشيخ إلى اليوم ومن العلماء من صحبه فترة طويلة فكانوا يعجبون لأحواله رحمه الله ، من زهد وتقلل في الدنيا ، وحب للخير ،وتعلق بالله عز جل .
قال الشيخ مصطفى ولد السالك : " صحبت الشيخ زمنا طويلا فلم تر قط عيني من الأحياء رجلا اجتمعت فيه خصال الخير كالشيخ سليم فهو نموذج في العبادة ، والذوق العالي، والوسطية ، والنشاط "
أما الشيخ عبد الرحمن الحسن المفتي بموقع " إسلام ويب" فقال :" صحبت الشيخ في الجامعة وكنا معا طيلة سنوات الدراسة ، فشاهدت فيه من النبوغ والذكاء الشيء العجيب ،كان كثير التدبر لكتاب الله، والتأمل فيه ، يستنبط منه استنباطات عجيبة ، كان الأساتذة يحاورونه لما يتحفهم به من عويص المسائل والاستنباطات الدقيقة ، ومن أعجب ما رأيت منه استجابة الدعاء ، ما إن يلجأ إلى الله حتى تأتي الاستجابة ، وقد شهدت ذلك مرارا وتكرارا، كان كثير الحرص على صلة الأرحام ، له اهتمام عجيب بالعلم تحصيلا وبذلا مع غاية التواضع والأدب ، أخذ القراءات العشر عن شيوع الجامعة الإسلامية ، وتبحر في التفسير الموضوعي والتفسير التحليلي ، كان مهتما بالحديث وحفظه ، راوية للأشعار والأدب ، سريع الحفظ ؛ أسأل الله أن يرحمه ويبارك في ذريته"
للشيخ رحمه الله دروس كثير في فنون متعددة موجودة على المواقع الإسلامية واليوتيوب نسأل الله أن يغفر الله ويرحمه ويلحقه بالسابقين بالخيرات.
د. مصطفى خيري
باحث/ شبكة اسلام ويب