اربعة عوامل رئيسية تقف خلف الاختراق الميداني الكبير الذي حققته فصائل المعارضة السورية المسلحة بقيادة فتح الشام (النصرة سابقا)، وجيش الفتح (احرار الشام) في ريف حلب، الذي ادى الى كسر الحصار على حلب الشرقية لاول مرة منذ عدة اسابيع.
الاول: عنصر المفاجآة، فقد حشدت هذه الفصائل جميع قواها، واكثر من سبعة آلاف من عناصرها في هذا الهجوم.
الثاني: العمليات الانتحارية وعشرات من السيارات المفخخة لتدمير دفاعات الجيش السوري وقواعده العسكرية في منطقة الكليات العسكرية، وتدفق كميات كبيرة من الاسلحة الامريكية وغير الامريكية عبر تركيا الى فصائل المعارضة السورية، خاصة فتح الشام (النصرة)، ومن بينها صواريخ “تاو” المضادة للدبابات والتي استخدمت في اسقاط المروحية الروسية.
الثالث: اليأس من الحصار الخانق، وآثاره النفسية والانسانية، وانعدام جميع الخيارات الاخرى بالنسبة الى فصائل المعارضة، باستثناء واحد من اثنين، اما الاستسلام، او القتال حتى الموت.
الرابع: التحشيد الاعلامي، ولعبت قناة “الجزيرة” الفضائية الدور المحوري الابرز في هذا الصدد، وبدت كما لو انها عادت الى “سيرتها” في بداية الازمة السورية.
قبل بدء هذا الهجوم المفاجيء لفصائل المعارضة في حلب، كانت هناك حالة من اليأس تسود صفوفها وانصارها، بعد التقدم الكبير الذي حققه الجيش السوري وحلفاؤه على الارض، وبغطاء جوي روسي مكثف في منطقة حلب خاصة، وهو التقدم الذي ادى الى فرض الحصار على حلب الشرقية، حيث المعقل الرئيسي لقوات المعارضة الاسلامية المتشددة، واغلاق جميع خطوط الامداد العسكري والتموين المؤدية اليها، واكثر من ربع مليون مدني تحت سيطرتها.
اتصلت هاتفيا بأحد الزملاء الاعلاميين السوريين القريب من المعارضة، لمعرفة بعض التفاصيل عن اسباب فك “جبهة النصرة” بيعتها مع تنظيم “القاعدة” وتغيير اسمها، ولاحظت حالة الاحباط التي يعيشها، واسّر لي بالقول “لقد خسرنا حلب او كدنا.. والموقف الميداني صعب للغاية” موضحا “بان الحصار احدث حالة من الشلل، والغارات الجوية الروسية يصعب حصرها، وهناك ربع مليون مواطن سوري ليس امامهم الا الجوع او الخروج من الممرات الآمنة التي اعلن عنها النظام”.
ابو يوسف المهاجر المتحدث باسم “احرار الشام” قال ان خطة الهجوم جرى اعدادها قبل 20 يوما، وبدأت بهجوم سادس تمويهي كمقدمة للهجوم السابع الاكبر، واحراق اعداد كبيرة من اطارات السيارات لحجب تقدم القوات عن الطائرات السورية والروسية، وهذا من اسباب النجاح.
السؤال الاكبر هو عن “اليوم التالي” لهذا الاختراق الميداني الكبير، وهل سيتم الحفاظ عليه بشكل دائم؟
من الصعب الاجابة على هذا السؤال، لان المعركة ما زالت في بدايتها، ولكن ما يمكن استقراؤه هو ان فصائل المعارضة نجحت في كسر الحصار عن حلب الشرقية ولو جزئيا، وبدأت ترسي قواعد معادلة جديدة، وهي انها تحولت من وضع “المُحاصَر”، بضم الميم وفتح الصاد، الى وضع “المحاصِر”، بكسر الصاد، لان استمرارها في الاحتفاظ بمواقعها قد يؤدي الى فرضها الحصار على حلب الغربية، المعقل الرئيسي للسلطات السورية وقواتها، حيث اقتربت، اي فصائل المعارضة، من منطقة الحمدانية على تخومها.
خسارة فصائل المعارضة لموطيء قدمها في حلب، بعد سيطرة قوات سورية الديمقراطية على مدينة منبج، واخراج قوات “الدولة الاسلامية” منها، يعني خسارة آخر مدينة “رئيسية”، من يدها بعد خسارة شبه كاملة لكل من حمص وحماة، ونحن لا نتحدث هنا عن ادلب وجسر الشغور اللتين يسيطر عليهما “جيش الفتح”.
تتضارب الانباء حول سير المعارك في حلب والمواقع الواقعة جنوبها، وهناك حالة من الغموض تسود على مختلف الجبهات، فبينما تتحدث فصائل المعارضة عن تعزيز وجودها في منطقة الكليات والقواعد العسكرية، وتتحدث عن غنائم من الاسلحة والمعدات الثقيلة، تؤكد وكالة الانباء السورية الرسمية “سانا” ان قوات الجيش السوري حققت تقدما، واستعادت بعض المواقع التي خسرتها، وكبدت المسلحين خسائر فادحة، وهو ما ينفيه المتحدثون باسم الفصائل المسلحة، مثلما تحدثت انباء “مستقلة” عن هجوم معاكس للجيش السوري، وقصف جوي مكثف للطيران الروسي بطائرات سوخوي الحديثة، واكد بعض هذه المعلومات السيد رامي عبد الرحمن، رئيس المركز السوري لحقوق الانسان، لوكالات اجنبية مثل “رويترز″، ووكالة الانباء الفرنسية.
من الواضح، كما قلنا سابقا، ان معركة حلب هي معركة حياة او موت لكل الاطراف المتصارعة، لان من يحسمها لصالحه، ربما يستطيع فرض كل شروطه، او معظمها، في اي مفاوضات قادمة، وحتمية في مطلع الخريف المقبل، وهناك انباء شبه مؤكدة ان قرارا استراتيجيا بخصوص هذا الحسم اتخذه المحور الروسي السوري الايراني، وان “حزب الله” ارسل كتيبة “الرضوان” التي تعتبر كتيبة النخبة في قواته الى حلب، في اطار خطة لمحاصرة الجماعات المقاتلة تمهيدا للقضاء عليها، او اجبارها على الاستسلام.
هناك عدة مواقف لافتة على هامش معركة حلب، اولها انه ليس هناك اتهامات روسية او سورية لتركيا بالتورط في هذه المعركة، وثانيها الصمت الرسمي الامريكي، وثالثها عدم صدور اي تصريحات عن القيادة الروسية بشقيها السياسي والعسكري، هل هذا الصمت جاء بفعل “الصدمة”، ام راجع لحسابات اخرى؟ ام في اطار الاستعداد للخطة “B” في محاولة لامتصاص هذه الصدمة؟
الرئيس رجب طيب اروغان الذي يستعد لشد الرحال الى موسكو للقاء “صديقه” بوتين (قال ذلك حرفيا لوكالة تاس)، اكد انه “بدون مشاركة روسيا من المستحيل ايجاد حل للقضية السورية.. وبالتعاون مع روسيا نستطيع وضع حد للازمة”، واضاف “هذه الزيارة ستكون تاريخية وانا واثق من ان المحادثات مع صديقي فلاديمير ستفتح صفحة جديدة في علاقاتنا الثنائية”.
خبراء غربيون في الشأن السوري يعتقدون ان انجاز فصائل المعارضة “كبير”، ولكنه “هش” ومن الصعب المحافظة عليه، والمتحدثون باسم هذه الفصائل يعتقدون غير ذلك، ومستمرون في الاحتفالات، والايام، وربما الاسابيع المقبلة ستظهر ايهما اكثر دقة.
الدخول الروسي المفاجيء على خط اليمن، وانهيار مفاوضات الوفود اليمنية في الكويت، واشتعال المعارك على الحدود السعودية اليمنية، ربما تساعد في تسهيل مهمة من يريد قراءة تطورات الاوضاع بشكل اكثر شمولية في المنطقة بأسرها، فإسقاط المروحية الروسية في ادلب بصاروخ “تاو”، ومقتل خمسة من ملاحيها وسحلهم، ربما يؤدي الى النتائج نفسها التي ادى اليها اسقاط طائرة سوخوي اخرى من قبل مقاتلة تركية قرب الحدود السورية، والباقي لفهمكم.
عبد الباري عطوان