قدْ يَعتري بعضَنا ، تضخمُ ذَاتٍ يتجاوزُ ،أحيانًا، الحقائقَ الموضوعيةَ والوقائعَ التاريخيةَ الموَّثَّقةَ ، ويسبح على بساط ِريحٍ طائرٍ على أجنحة من الأمجاد الملونة بالكتب و السيوف والمآذن ومرابط الخيل المسومة والمعلقات البكر، التي ، نحنُ و نحنُ ،فقط ، فرسانُها و كتابُها و فاتحوها و أبطالُها و مبتكروها ومبدعوها و مؤلفوها و هُداتُها الأعلام ؛ و أصحابُ هذه الرُّؤى اللذيذة يطفقون بخصف ورق التبرير المُطْلَق على مُسَلَّماتهم الوفيرة وآية حماسهم سرعةُ الغضب و سيولة التهم الجارفة وخلط الذاتي بالموضوعي .
وهذا السلوك/الظاهرة ناجم عن حاجتنا الجَمْعِية إلى أساطير مؤسِّسَة هي في أساس تكوين الأُمَمِ طارئة التشَكُّل أوْ مُسْتعيدَتِه بعد اضمحلال.
و خلق أو استعادة الأساطير المؤسِّسَة المادية و اللامادية هو حجر الأساس في مشروع الكيان، كلِّ كيان ، مما يجعله في صميم التصور الأصلي الذي يضعه المفكر أو البناء أو المُصلِحُ صاحب الفكرة ـ الأصل.
ولمَّاغاب العمل الواعي والأساسُ المرجعي من أجل الأسطورة المؤسسة ،عندنا ، منذ النشأة المُستعادة ، عن وعيٍ أوعن عدمه على الأرجح، استعضنا عنه بشذرات عابرة مشوشة عن المُرابطين و القانيين (غانا) ولكن هذا اللفق لم يستطع أن يَسكُن المخيال الشعبي لتناقض زخمه الحضاري مع الحمولة النيوكولونيالية للمنظومة التربوية المسيِّرة للكيان الجديد ، ذلك الغياب الذي خلق منبرين يستبطنان غالبا، و يستظهران عند الحاجة ، مشروعين متنافرين حدَّ القطيعة.
و التضخم الذاتي عند المنبرالأصيل حركة تبريرية ، إرادية ، يحتمي فيها بالـ"مُقدس" و "التابو" الأسطوري لدفع صولة المنبرالدخيل "الصائل" على قول خليل المالكي... و قد استنفره كثير من المتصدّين ، في غير "صائل" أو طائل ،للكتابة أو الحديث عن قمة نواكشوط العربية الأولى ، فبدا مبالغا فيه، على عادتنا .
فأحببتُ أن أنبِّه إلى أننا ونحن نستقبل ضيوف الجامعة العربية من أبنائها و غيرهم ، مع حفظ المواقف ، مدعوون ، من باب اللياقة و اللباقة ، والواقعية ، إلى الاعتداد بما يجمعنا معهم والاعتزاز بالمختلف المؤتلف لدينا جميعا وكل أمم الدنيا مؤتلفة على اختلافها موحدة بتنوعها متناغمة بتشاكلها ولذلك خلقنا..
فلنبتعدْ عن تعداد المنارات فكنانة الله من ضيوفنا ،وعن إحصاء الكتاب فالشام وبيروت و إيلياء و مؤتة من منتدبينا ،و ذكر الشعراء فالعراق بجلهَتَيْه :البصرة و الكوفة من أهل القمة ، وعد دارات العرب فاليمن هنا ، و المحدثين و القراء و المواقع و العرب و أيامها فالحجاز و نجد وعُمان و الربع و تيماء و الجواء ودلمون من مدعوينا ، أما عن الفلاسفة و المتصوفة والقلاع و القصبات و الجهاد والنضال و النصال فبرقة و فزان و طرابلس و القيروان وتلمسان وبجاية و وهران و وجدة وفاس العامرة و مكناسة الزيتون و سجلماسة و رباط الفتح و مراكش المرابطين و سمارة الشيخ ماء العينين ...فمن أهل الدار...
ومن هنا نقول** :...
هنا المُحيط وخيل الله مسرجة *** وعقبةُ الفردُ يغشاهُ و ينتصرُ
هذي خُلاصةُ دين الله :مسبحةٌ *** بالطهر مورقةٌ بالحلم تأتَزِرُ
حدِّقْ تَرَالفرَحَ الميمون متشحاً*** بالصبر ينبتُ من أفيائه القمَرُ
أماَ ترى شيخنا بكار ممتطيا *** ربداء من عيسنا يزهو و يزدهر
هنا كتبْنا بحرف الضاد ملحمةً *** يوم الكريهة: أنا مَعْشَرٌ صُبُـرُ
___________
*من قصيدة الزحف القادم (1981)
من صفحة الشاعر والدكتور / ناجى محمد الإمام