تابعت مثل غيري من أبناء هذا الشعب شهادة الرائد صالح ولد حننا على عصر الانقلابات في موريتانيا التي قدمها في عشر حلقات مع يقيني بأن تلك الشهادة سيسيل فيها مداد كثير بين مادح وقادح ومن خلال متابعتي خرجت من تلك الحلقات بالوقفات التالية :
1- لم يكن الرائد صالح ولد حننا افضل من يتحدث عن ظروف بناء ونشأت الدولة الموريتانية وذاك أمر طبيعي لأن صالح لم يشهد تلك المرحلة ولم يعشها وإنما يحلل معلومات ومعطيات تاريخية قد يكون بعضها ضعيف وبعضها مُضْطّرِبْ وهي روايات سماعية في غالبها لأن المجتمع البدوي مجتمع سماعي وليس مُدوِّن .
2- الرجل يحمل مشروعا ولديه استعداد كبير للتضحية من أجل قناعاته وأفكاره لكن ينقصه كثير من التأطير ودراسات نظريات التغيير وطرقه ، وينقص مشروعه حتى وقت محاولاته القيادة الأبوية الحليمة الراشدة التي تحمل هم التغيير وتراعي وجوب الحفاظ على الأتباع والعناصر البشرية .
3- صالح ومن كانوا معه يحملون الكثير من صفات الجسارة والإقدام ، ولديهم نقص كبير في عنصر التخطيط والصبر عليه ، والتأني والتحلي به ، وكانت يستجيبون للاستفزاز وظروف الواقع ، واستعجال النتائج .
4- تكتم على كثير من الأمور لم يقلها ـ لعله يرى وقت البوح بها لم يحن ـ مما أثر على تماسك روايته في بعض الأحيان .
5- شعرنا بأن بعض قادة الفرسان من الضباط كانت تتنازعهم انتماءات فكرية مختلفة مما جعل الولاء مشتتا بين إرادة التغيير والانتماء ، وهذا كان له الأثر الواضح في الفشل ، وقد سبَّبَ هذا أن تقاد المحاولات بدون قيادة حازمة وقاطعة في وقت القطع لأن الانتماء غير موثوق .
6- صالح ولد حننا تشتت بين انتمائه التّحرُري العروبي الأصلي الذي لم يعد له ظهيرا يذكر في العالم العربي وبين تواصله الجديد مع التيار الإسلامي الذي لم يجد فيه وضع يؤهله لقيادة مشروعه مما جعله يعمل بنظرية الهروب إلي الأمام والدخول في مغامرات كبيرة لم تكن محسومة النتائج وكأنه يردد قول امرؤ القيس :
بَكَى صاحبي لَمَّا رأى الدَّرْبَ دُوْنَهُ ... وأَيْقَنَ أَنَّا لاحِقانِ بِقَيْصَرا
فقلتُ له : لا تبكِ عينُكَ إنَّما ... نحاولُ مُلْكَاً أو نموتَ فَنُعْذَرا
7- وجه خيوط الاتهام في قتل قائد الاركان المرحوم العقيد محمد الامين ولد انجيان عليه رحمة الله للجهات التي يحتمل أنها قتلت الرجل لعلمها بميوله أصلا ، وتعاطف محتمل عند الرجل مع إرادة التغيير، وهذه معلومات لها وزنها في العرف المخابراتي فميول الرجل الاعتقادي وكونه ليس منخرطا في دهاليزي المرحلة ، وتأخيره في الابلاغ بعد العلم ، والهمس أنه من الشخصيات التي أن يكون لها دور في المرحلة القادمة دلالات استئناس تفيد ... من يبحث عن القاتل .
8- صالح يتمتع بشخصية مسالمة ومتوازنة في العلاقات وتحمل الكثير من قيم المجتمع الفاضلة وذلك واضح من تعامله مع من خالفوا التعليمات في وقت قاتل وأمره لمن أطلقوا النار على المفوض بأن تكون للتهديد وليت للقتل ، تسليمه نفسه وهو يتوقع أنه يواجه الموت بدون مقاومة ، ثنائه على زملائه والبحث لهم عن الأعذار في الأخطاء واعتذاره لهم في النهاية .
بقلم : بشير ولد خيري